الإمام محمد الباقر (ع)من وحي الذكريات

في التنصيص عليه من النبي (ص) وآبائه الميامين

في التنصيص عليه من النبي (ص) وآبائه الميامين


والده علي بن الحسين (ع) وقد ولد يوم الجمعة غرة رجب سنة سبع وخمسين. كما في كتاب مصباح الشيخ (ره) برواية جابر الجعفي، وروي أنه اليوم الثالث من شهر ذي الحجة وعليه الأكثر.


واسمه محمد وكنيته أبو جعفر (ع) ولقبه باقر العلم، وأمه أم عبد الله بنت الحسين بن علي (ع) وهو أول علوي تولد من الحسنين (ع)، وقد جاء في حديث اللوح الذي رآه جابر (ره) عند فاطمة الزهراء (ع) المنصوص فيه عليهم وعلى آبائهم وأمهاتهم ومدتهم.


وفي المناقب أن الباقر (ع) هاشمي من هاشميين، وعلوي من علويين، [و] فاطمي من فاطميين، لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين (ع)، وكانت أمه أصدق الناس لهجة، وأحسنهم بهجة وأبدلهم مهجة.


وفي دعوات الراوندي (ره) عن أبي جعفر (ع) قال: كانت أمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة، فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما أذن الله تعالى لك أن تسقط، فبقي معلقا حتى جازته فتصدق أبي (ع) عنها بمائة دينار.


وذكرها الصادق (ع) يوما، فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن (ع) مثلها، وعمره (ع) سبع وخمسون سنة عمر أبيه (ع) وجده (ع)، وأقام مع جده الحسين (ع) ثلاث سنين أو أربع سنين، ومع أبيه علي بن الحسين (ع) أربعا وثلاثين وعشرة أشهر، وبعد أبيه تسعة عشرة سنة.


وروي ثمانية عشر سنة وذلك أيام إمامته (ع)، وكان في سنين إمامته الملك للوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد ابن عبد الملك وهشام أخيه وإبراهيم بن الوليد، وقبض (ع) في أول ملك إبراهيم، وسيأتي يوم وفاته المختار منها في الفصل الثالث لأنه (ع) قتل مسموما، وإنما اختلف في سمه.


وروى جابر بن يزيد الجعفي (ره) كما في العلل لما سأله عمر بن شمر لم سمي الباقر باقرا؟ قال: لأنه بقر العلم بقرا، أي شقه شقا وأظهره إظهارا. ولقد حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) أنه سمع رسول الله (ص) يقول: يا جابر إنك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (ع) المعروف بالباقر (ع)، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، فلقيه جابر بن عبد الله الأنصاري في بعض سكك المدينة، فقال: يا غلام من أنت ؟ فقال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فقال له جابر: يا بني أقبل، فأقبل ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال (رض): شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ورب الكعبة، ثم قال: يا بني إن رسول الله (ص) يقرؤك السلام، فقال (ع): على رسول الله (ص) السلام، فقال له جابر: يا باقر يا باقر أنت الباقر، أنت الذي تبقر العلم بقرا.


ثم كان يأتي إليه فيجلس بين يديه فيعلمه وربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله (ص) فيرد عليه الباقر (ع) ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله، وكان يقول: يا باقر يا باقر أشهد أنك أتيت الحكم صبيا.


وفي الاختصاص عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (ع) قال: إن جابر ابن عبد الله قال: آخر من بقي من أصحاب رسول الله (ص) وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت (ع)، فكان يقعد في مجلس رسول الله (ص) متعجرا بعمامته وكان يقول: يا باقر يا باقر، وكان أهل المدينة يقولون: جابر هجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله (ص) يقول: إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا، فذلك الذي دعاني إلى ما أقول. فبينما جابر ذات يوم يتردد في طرق المدينة إذ مر محمد بن علي (ع) فنظر إليه، فقال: يا غلام أقبل، فأقبل ثم قال: أدبر، فأدبر، فقال: شمائل رسول الله (ص)، والذي نفس جابر بيده ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فقبل رأسه ثم قال: بأبي أنت وأمي إن رسول الله (ص) يقرؤك السلام، فقال (ع): وعلى رسول الله (ص) السلام، فرجع محمد بن علي (ع) إلى أبيه وهو ذعر فأخبره، فقال: يا بني قد فعلها جابر، قال: نعم قال يا بني الزم بيتك، فكان يأتيه طرفي النهار وهو أخر من بقي من أصحاب رسول الله، فلم يلبث أن مضى علي ابن الحسين (ع) فكان محمد بن علي (ع) يأتيه على الكرامة لصحبة رسول الله (ص) قال: فجلس الباقر (ع) يحدثهم عن رسول الله (ص)، فقال أهل المدينة: ما رأينا قط أحدا أكذب من هذا يحدث عن من لم يره، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بل عبد الله فصدقوه وكان والله جابر يأتيه فيتعلم منه.


وفي البشارة عن الصادق (ع) عن أبيه (ع) قال: دخلت على جابر بن عبد الله فسلمت عليه فرد علي السلام وقال لي: من أنت ؟ وذلك بعد ما كف بصره فقلت: محمد بن علي الباقر (ع)، فقال (ره) يا بني ادن مني، فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي فقبلهما فتنحيت عنه، ثم قال: يا بني ادن مني فإن رسول الله (ص) يقرؤك السلام فقلت: وعلى رسول الله (ص) السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟ ثم ذكر بقية الحديث الأول وهذا الحديث مخالفا لكثير من الاخبار الشاهدة بشهادة جابر له بقول رسول الله (ص) وبإقرائه السلام وهو مبصر، ولهذا شاهد علاماته وشمائله التي أودعها إياه وهي لا تكون إلا مع الابصار، فلعله قد لقيه مرتين ويشهد لهذا ما في كشف الغمة عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي أنه قال: كنا عند جابر ابن عبد الله فأتاه علي بن الحسين (ع) ومعه ابنه محمد (ع) وهو صبي، فقال علي (ع): قبل رأس عمك فدنا محمد (ع) من جابر فقبل رأسه، فقال جابر: من هذا؟ وكان قد كف بصره، فقال علي (ع): هذا ابني محمد فضمه جابر إليه، فقال: يا محمد يا محمد إن رسول الله (ص) يقرؤك السلام، فقالوا لجابر: كيف ذلك يا أبا عبد الله ؟ قال: كنت عند رسول الله (ص) والحسين (ع) في حجره يلاعبه، فقال: يا جابر يولد لابني هذا ابن يقال له علي (ع) إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين (ع) ويولد لعلي بن الحسين (ع) ابن يقال له محمد، يا جابر إن رأيته فاقرأه مني السلام واعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسيرا فلم يعش بعد ذلك جابر إلا يسيرا:



أبا علما قد ذل للخلق كلهم * على دين من أنهي إليه الرسالة
وأبرز حكم الله بعد خفائه * وأوضح برهانا له والدلالة
وبشر أصحاب النبي ببقائه * علوما أجنت لم تحل المقالة
حوى من صفات المصطفى بعد اسمه * شمائله قد أورثته الجلالة
وقد حسدته أمة السوء يا لها * أمية إذ نالت هناك السفالة
فأردوه مسموما على غير جرمة * فآذوا رسول الله أهل الضلالة
برئت إلى الله المهيمن منهم * فقد قابلوا علم النبي بالجهالة
فكيف لنفسي لا تموت صبابة * وقد لقيت آل النبي النكالة
وقتلا بسم مع قيود بسجنها * وهتك احترام اتبعوه نزالة


وفي التنصيص عليه من أبيه (ع) بالإمامة
حين لقي حمامه فهي كثيرة جدا، فمنها خبر عثمان بن خالد كما في كتاب النصوص والمعجزات قال: مرض علي بن الحسين (ع) مرضه الذي توفي فيه، فجمع أولاده محمد والحسن وعبد الله وعمر وزيدا والحسين وأوصى إلى ابنه محمد (ع) وكناه الباقر وجعل أمرهم إليه، وكان فيما أوعظ أن قال: يا بني إن العقل رائد الروح والعلم رائد العقل والعقل ترجمان العلم، واعلم أن العلم أبقى واللسان أكثر هذرا، واعلم يا بني أن صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين: إصلاح شأن المعاش ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل لان الانسان لا يتغافل إلا عن شئ عرفه فافطن له، واعلم أن الساعات تذهب عمرك وأنك لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى، فإياك والأمل الطويل فكم من مؤمل أملا لا يبلغه، وجامع مالا لا يأكله، ومانع ما سوف يتركه ولعله من باطل جمعه أو من حق منعه أصابه حراما وورثه عدوا فاحتمل اصره وباء بوزره وورد على ربه خسرانا، أسفا ذلك هو الخسران المبين.


وفيه عن مالك بن أعين الجهني قال: أوصى علي بن الحسين (ع) ابنه محمد بن علي (ع)، فقال: يا بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي أحد فيما بيني وبينك إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من نار، فأحمد الله تعالى على ذلك وأشكره، يا بني اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكره فإنها لا تزول نعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، فكل من أنعم الله عليه بنعمة وجب عليه بها الشكر وتلا (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.


وفي خبر عبد الله بن عمر كما في البصائر عن أبي جعفر (ع) قال لما حضرت علي بن الحسين (ع) الوفاة قبل ذلك أخرج الصندوق فحمل بين أربعة، فلما توفي جاء أخوته يدعون في الصندوق قالوا: اعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال: والله ما لكم فيه شئ إنما دفعه إلي، وكان في الصندوق سلاح رسول الله (ص) وكتبه.


وفي خبر الزهري كما في النصوص والمعجزات قال: دخلت على علي ابن الحسين (ع) في المرض الذي توفي فيه إذ قدم إليه طبق فيه الخبز والهندباء.


قلت: وما فضل الهندباء ؟ ما من ورقة من الهندباء إلا وعليها قطرة من الجنة فيها شفاء من كل داء، ثم رفع الطعام وأتى بالدهن، فقال: ادهن يا أبا عبد الله قالت: قد أدهنت قال: إنه هو البنفسج، قلت: وما فضل البنفسج على سائر الادهان قال: فضله على سائر الادهان كفضل الإسلام على سائر الأديان، ثم دخل عليه محمدا ابنه فحدثه بالسر فسمعته يقول: عليك بحسن الخلق فقلت: يا بن رسول الله (ص) إن كان أمر الله مما لابد منه ووقع في نفسي أنه (ع) قد نعى نفسه فإلى من نختلف بعدك ؟ فقال: يا أبا عبد الله إلى ابني هذا، وأشار إلى ابنه محمد الباقر (ع)، فإنه وصيي ووارثي وعيبة علمي ومعدن الحكم وباقر العلم، ثم قال (ع): سوف يختلف إليه خلاص شيعتي ويبقر العلم عليهم بقرا قال: ثم أرسل ابنه محمد (ع) في حاجة له إلى السوق فلما جاء قلت: يا بن رسول الله هلا أوصيت أكبر أولادك قال: يا أبا عبد الله ليست الإمامة بالكبر والصغر هكذا عهد إلينا رسول الله (ص) وهكذا وجدناه في اللوح والصحيفة، قلت: يا بن رسول الله فكم عهد إليكم نبيكم أن يكون الأوصياء من بعده ؟ قال: ووجدناه في الصحيفة واللوح إثنا عشر أسامي مكتوبة بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم، ثم قال: يخرج من صلب ابني محمد (ع) سبعة من الأولياء فيهم المهدي عجل الله فرجه.


وكم مثل هذه الأخبار الدالة على النص على إمامته (ع) مما يضيق بها الإملاء، فلله دره من معدن علم وعمل ومحل عصمة من الخطايا والزلل ولهذا فوض الله إليه أحكامه وأوعز إليه حلاله وحرامه، فضاقت نفوس الحاسدين وأرادت إطفاء نوره، فسمت إليه وأهبطت مقامه وقصدت هدم تلك الدعامة للعداوة القديمة وما فيهم من القباحة والدمامة، فكأن رسول الله (ص) ما أولدهم ولم ينص عليهم بالولاية والإمامة طلبوا بذلك فبذلوا فيه حطامه وأمكنهم الله من ذلك ليحبوهم الله بالشهادة ودار المقامة، فليت نفسي الفداء لهم قبل أن يلقوا من المنون حمامه.


المصدر: وفيات الأئمة/ الشيخ حسين بن الشيخ محمد الدرازي البحراني.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى