في ذكرى الشَّهيد الصَّدر
مأتم دار الحسين – الخارجيَّة | في ذكرى الشَّهيد الصَّدر تاريخ: يوم السَّبت (ليلة الأحد)، 20 شوال 1446هـ الموافق: 19 أبريل 2025 م
في ذكرى الشَّهيد الصَّدر
أنْ يُقامَ منتدى لقراءة الشَّهيدِ السَّيِّد الصَّدر أمرٌ يضعُ الكلمةَ أمامَ خيارٍ صعب، مهما كانت القُدُراتِ والكفاءات.
فليس ترفًا فكريًّا محاولةُ المقاربة لِقمَّةٍ تنحني أمامَها القِمم، قمَّة تُمثِّل (حركة التَّأصيل) مِمَّا يفرض (استدعاءً صعبًا) لمُكوِّناتِ الأصالةِ والهُويَّة، ومُكوِّناتِ الدَّيمومة والبقاء، ومُكوِّناتِ الحركيَّة والعطاء. وهذه المُكوِّنات ليست مجرَّد مفرداتٍ تُقال للتَّرفِ الفكريِّ، أو للاستهلاك الخطابيّ، وإنَّما هي مساراتُ تأسيسٍ وبناء، ومساراتُ قراءةٍ وتأصيل، ومساراتُ وَعْيٍ وبصيرة.
حينما نحاول أنْ نقرأ الشَّهيد الصَّدر تملكنا هَيْبةٌ، ورَهْبَةٌ، وخُشُوع…
وتملكنا جاذبيَّةٌ متميِّزة
جاذبيَّةٌ تملأ عُقولَنا
وتملأ أرواحَنا
وتملأ قُلوبَنا
وتملأ وِجْدانَنا
وتملأ كلَّ وجودِنا.
كيف نقرأهُ، ومِن أين نبدأ؟
نقرأه فقيهًا وهو القِمَّةُ في الفِقه
نقرأه مفكِّرًا وهو القمَّةُ في الفِكر
نقرأه فيلسوفًا وهو القمَّةُ في الفلسفة
نقرأه مُفسِّرًا وهو القمَّةُ في التَّفسير
نقرأه رَوحانيًّا وهو القمَّةُ في الرَّوحانيَّة
نقرأه أخلاقيًّا وهو القمَّةُ في الأخلاق
نقرأه اقتصاديًّا وهو القمَّةُ في الاقتصاد
نقرأه اجتماعيًّا وهو القمَّةُ في الاجتماع
نقرأه تربويًّا وهو القمَّةُ في التَّربية
نقرأه سِياسيًّا وهو القمَّةُ في السِّياسة
نقرأه كاتبًا وهو القمَّةُ في الكتابة
نقرأه باحثًا وهو القمَّةُ في البحث
نقرأه مرجعًا وهو القمَّةُ في المرجعيَّة
نقرأه قائدًا وهو القمَّةُ في القِيادة.
قراءة الشَّهيد الصَّدر ليست ترفًا فكريًّا، أو ترفًا ثقافيًّا، أو ترفًا تاريخيًّا، أو ترفًا خطابيًّا، أو ترفًا إعلاميًّا…
لأنَّنا أمام شخصيَّة استثنائيَّة.
أمام شخصيَّة تملك كلَّ الأصالة.
وتملك كلَّ التَّجديد.
شخصيَّة هي مِن أبرز صُنَّاع الوَعْي.
ومِن أشهر حُرَّاسِ العقيدة.
والأمناء على الرِّسالة.
ومِن أنقى العِباد.
ومِن أعظم الشُّهداء.
مسؤوليَّة الأجيال تجاه الشَّهيد الصَّدر
شهيدنا الصَّدر أعطى دمَهُ.
وشقيقتُه السَّيِّدة بنت الهُدى آمنة الصَّدر أعطت دمها.
كلاهما أعطيا دمهما لتبقى أجيالُ الأُمَّةِ في خطِّ الإسلام، وفي خطِّ الإيمان.
فمسؤوليَّة كلِّ الأجيال أنْ تكون وفيَّةً للشَّهيد الصَّدر، ولشقيقتِهِ السَّيِّدة بنت الهُدى.
وكيف يتشكَّلُ هذا الوفاء؟
أوَّلًا: أنْ يبقى الشَّهيدُ الصَّدر وشقيقته في وِجْدان الأجيال.
هنا يجب أنْ يتشكَّل الولاء
هنا يجب أنْ يتشكَّل العشق والإيمان.
هنا يجب أنْ يتشكَّل الذَّوبان والانصهار.
لا أتحدَّث عن عواطفَ بليدةٍ، ولا عن مشاعر فاترة.
الولاءُ عنوانٌ أكبر مِن العواطف.
والعشقُ عنوانٌ أكبر مِن المشاعر.
والذَّوبانُ هيامٌ وفناء.
ثانيًا: أنْ يبقى الشَّهيد الصَّدر والشَّهيدة بنت الهُدى في وَعْي الأجيال.
لا يكفي أنْ يبقى الشَّهيد الصَّدر وشقيقتُه في وِجْدانِ الأجيالِ رغم القِيمة الكبرى لهذا البقاءِ، بل مطلوبٌ جدًّا أنْ يبقى هذان الرَّمزان الكبيرانِ في وَعْي الأجيال.
إذا كان البقاء في الوِجْدان يمثِّل قِيمة روحيَّة، فإنَّ البقاء في الوَعْي يمثِّل قِيمة ثقافيَّة.
والقِيمة الرُّوحيَّة في حاجةٍ إلى درجةٍ عاليةٍ مِن الوَعْي والبصيرة.
والقِيمة الثَّقافيَّة في حاجةٍ إلى درجةٍ عاليةٍ مِن الرَّوحانيَّة.
فروحانيَّة بلا وَعْي غيبوبة ساذجة.
وثقافة بلا روحانيَّة علاقةٌ متكلِّسةٌ.
ثالثًا: أنْ يبقى الشَّهيدُ الصَّدرُ والشَّهيدةُ بنتُ الهُدى في سُلوكِ الأجيالِ.
بما يعنيه هذا السُّلوك مِن تقوى وطاعةٍ والتزام.
أيَّةُ قِيمةٍ لروحانيَّةٍ لا تحملُ تقوى.
وأيَّةُ قِيمةٍ لوَعْي لا يحملُ التزامًا.
فكما عاش الشَّهيدُ الصَّدر والشَّهيدة بنت الهُدى قِمَّةَ الوَعْي، وقِمَّةَ الذَّوبانِ فقد عاشا قِمَّةَ التَّقوى، وقِمَّةَ الصَّلاحِ، وقِمَّة الطَّاعة للهِ.
هكذا تزاوجت لديهما الأفكارُ، والمشاعرُ، والممارسات.
فالاحتفاء بذكرى هذين الشَّهيدين مطلوبٌ فيه درجةٌ عاليةٌ مِن التَّزاوجِ بين المفاهيم، والقِيم، والسُّلوكيَّات، والممارسات.
فمفاهيم بلا قِيم ولا ممارسات؛ مفاهيم فاشلة.
وقِيم بلا مفاهيم ولا ممارسات؛ قِيمٌ متخلِّفة.
وممارسات بلا مفاهيم ولا قِيم؛ ممارسات ضائعة.
رابعًا: أنْ يبقى الشَّهيد الصَّدر والشَّهيدة بنت الهُدى في حَراكِ الأجيالِ.
وهنا قِمَّةُ الارتباطِ.
فلا قِيمة لمشاعر إذا لم تتحوَّل حراكًا.
ولا قِيمة لمفاهيم إذا لم تتحوَّل عطاءً.
ولا قِيمة لممارسات إذا لم تتحوَّل جِهادًا.
فالحراك، والعطاء، والجِهاد هو قمَّة التَّمثُّل لهذين النَّموذجين الكبيرين.
فهما مدرسةُ جِهادٍ مِن أجلِ الإسلام.
ومدرسةُ عطاءٍ أغنت كلَّ أُمَّتنا.
ومدرسةُ تمثُّلٍ أروع تمثُّل.
ومدرسةُ تضحية وفِداء.
هكذا يجب أنْ نفهم معنى الإحياء لهذين الرَّمزين
الإحياءُ لا يعني خطابًا، مهما ارتقى وَعْي الخطاب ما لم يتحوَّل منهج حياة.
والإحياءُ لا يعني عواطف، مهما ارتقى مستوى هذه العواطف ما لم تتحوَّل قِيَمًا فاعلة.
والإحياءُ لا يعني ممارساتٍ، ما لم تتحوَّل هذه الممارسات عناوين متجذِّرة في الحياة.
والإحياء لا يعنى انتماء، ما لم يتحوَّل الانتماء نشاطًا فاعلًا يحرِّك كلَّ القُدُرات والطَّاقات في خدمة أهداف هذا الانتماء.
فالاحتفال بذكرى شهادةِ السَّيِّد الصَّدر، وبذكرى شهادة السَّيِّدة بنت الهُدى في حاجة:
(1) إلى درجةٍ عاليةٍ مِنَ الوَعْي
وحينما نتحدَّث عن الوَعْي نتحدَّث عن فهمٍ عميق، ورؤية بصيرة، وقراءة جادَّة.
لذا فأنا أثمِّن هذا النَّمط مِن الإحياء، حيثُ يُقدِّم دراساتٍ علميَّة تحاول أنْ تقرأ شيئًا مِن سيرة الشَّهيد الصَّدر، ومِن عطاءاتِه الكبيرة، ومهما صدرت مِن قراءاتٍ فإنَّ هذه السِّيرة تبقى في حاجة إلى المزيدِ مِن المقاربة، وإلى المزيدِ مِنَ الدِّراسة، والتَّنقيب.
اعتدنا أنْ نجعل إحياءاتنا لهذه المناسبات مجرَّد خطابات، لا أريد أنْ أقلِّل مِن قِيمةِ هذه الخطاباتِ، فنحن في حاجة إلى شحنٍ فكريٍّ، وثقافيٍّ، وعاطفيٍّ، ولكن ولكي تبقى القِيمة الكبرى حينما تتحوَّل هذه الملتقيات إلى مواقع إنتاج فكريّ، وثقافيّ، وعلميّ ممَّا يثري خطاب هذه المناسبات.
أنْ يحمل هذا الملتقى عنوان (الشَّهيد الصَّدر عبقريَّة الفِكر، وخُلود الرِّسالة)؛ هو تأصيلٌ لهادفيَّة هذا النَّمط مِن الملتقياتِ فيما تحمله مِن معطيات علميَّة وثقافيَّة، وفِيما تؤسِّس له مِن بناء فكريٍّ جادٍّ وهادف، متجاوزًا حالة الاستهلاك الخطابيّ، وحالة التَّرف البيانيّ، هكذا نريد لملتقياتنا والتي تقارب رموزًا عملاقةً في حجم الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر، وفي حجم شقيقته السَّيِّدة آمنة الصَّدر.
وأرى أنَّ العنوانين المطروحين في هذا الملتقى (التَّفسير الموضوعيّ للقرُآن الكريم) و(المواصفات القياديَّة للشَّهيد الصَّدر) عنوانانِ كبيران، ويحملانِ دلالتين عميقتين، فشهيدُنا الصَّدر أعطى للتَّفسير الموضوعيّ عُمقًا وتأصيلًا، وشهيدُنا الصَّدر مثَّل قمَّةً قِياديَّة نموذجيَّة.
هذا ما نتطلَّع إليه مِن خلالِ هذين العنوانين، والذين يؤسِّسانِ لقراءة جادَّة لبعض مساحات في حياة الشَّهيد الصَّدر، وهي مساحات في غاية الأهميَّة والخطورة، فلا أغنى مِن التَّعاطي مع القُرآن، ولا أخطر وأهم مِن موقع القِيادة.
إلى هنا كان الحديث عن ضرورة الوَعْي في قراءة الشَّهيد الصَّدر [اقرأوا بعض ما صدر في التَّعريف بالشَّهيد الصَّدر]:
- محمَّد باقر الصَّدر السِّيرة والمسيرة/ أبو زيد العامليّ
خمسة أجزاء (عرض تفصيليّ لسيرة الشَّهيد الصَّدر).
- محمَّد باقر الصَّدر حياةٌ حافلة، فكرٌ خلَّاق/ محمَّد الحُسينيّ
دراسة مُعمَّقة وغنيَّة.
- الإمام محمَّد باقر الصَّدر معايشة مِن قريب/ محمَّد الحيدريّ.
- منهج الشَّهيد الصَّدر في تجديد الفكر الإسلاميّ/ عبد الجبَّار الرِّفاعيّ.
- محمَّد باقر الصَّدر دراسات في حياته وفكره/ نخبة مِن الباحثين.
وبعد أنْ يتأسَّس هذا الوَعْي هناك حاجة إلى درجة عالية مِن العشق الإيمانيّ، ومِن خلالِ هذا العشق تتجذَّر العلاقة في الوِجْدان مِمَّا يُعطي للوَعْي دَفقًا رُوحيًّا كبيرًا.
عشقنا للشَّهيد الصَّدر يرتقي بمستوى العلاقة الوِجْدانيَّة، وبقدر ما ترتقي هذه العلاقة يكون الذَّوبان والانصهار، ويكون الحبّ والولاء، وتكون التَّضحية والفِداء.
وبعد أنْ يتأسَّس الوَعْي والعشق تأتي الضَّرورة إلى التَّأسِّي والاقتداء، وهي درجة متقدِّمة في العلاقة.
– الوَعْي يؤسِّسُ لعلاقة العقل
– والعشق يؤسِّسُ لعلاقة الوِجْدان
– والاقتداء يؤسِّسُ لعلاقة السُّلوك
هكذا مطلوب أنْ تكون العلاقة مع الشَّهيد الصَّدرِ، وحينما تتشكَّل علاقتنا مع هذه القِمَّة الإيمانيَّة لا نملك إلَّا أنْ نغيب في عالم مِنَ الرَّوحانيَّة تُذكِّرنا بروحانيَّة الأنبياء والأولياء، والأبرار والأخيار.
كان رضوان الله عليه يملك جاذبيَّة متميِّزة؛ عندما يُحدِّثك يملأ عقلك، ويملأ رُوحَكَ، ويملأ قلبَك، ويملأ وِجْدانَك، ويملأ كلَّ وجودِك.
وأخيرًا:
هذه بعضُ لقطاتٍ عاجلةٍ مِن حياة الشَّهيدة بنت الهُدى شقيقة الشَّهيد الصَّدر، وشريكته في الجِهادِ والشَّهادة.
السَّيِّدة بنت الهُدى عاشت في كنف شقيقها السَّيِّد الصَّدر فامتلأت حياتُها بروح الجِهاد، والعمل في سبيل الإسلام، والدَّعوة إلى الله.
ربَّت أجيالًا مِن فَتيات الإسلام.
كتبت، وألَّفت، وحاضرت، وبلَّغت.
أسَّست مدارس دِينيَّة للبنات في النَّجف الأشرف وفي بغداد، وقد خرَّجت هذه المدارس أعدادًا كبيرة مِن المؤمنات الرِّساليَّاتِ العاملات في سبيل الإسلام.
لها نتاجات كثيرة، وقد اعتمدت في كتاباتها أسلوب القصَّة.
صدر لها:
- الفضيلة تنتصر.
- ليتني كنت أعلم.
- امرأتان ورجلٌ.
- لقاء في المستشفى.
- الخالة الضَّائعة.
وغيرها مِن المؤلَّفات الكثيرة.
ولم يقتصر دورها على العمل الثَّقافيِّ والتَّربويِّ والتَّبليغيّ، بل امتدَّ ليشمل العمل السِّياسيِّ والجِهاديّ.
فكانت شريكة شقيقها السَّيِّد الصَّدر في كلِّ مسارات نشاطه وجِهاده وتضحياته.
اعتُقِلَت كما اعتُقِلَ شقيقهَا السَّيِّد الصَّدر، واستُشهِدت كما استُشهِد شقيقها السَّيِّد الصَّدر، إلَّا أنَّها اختلفت عن شقيقها الصَّدر فله قبرٌ شكَّلَ مَعلمًا بارزًا، ولا قبر للشَّهيدة بنت الهُدى.