الصديقة فاطمة الزهراء (ع)شهر جمادى الأولىقضايا المرأة

حديث الجمعة 651: يستمرُّ الحديث حول موسم الصِّدِّيقة فاطمة الزَّهراء (ع) – مسألة خروج المرأة من البيت

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (651) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 18 جمادى الأولى 1446هـ الموافق: 21 نوفمبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

يستمرُّ الحديث حول موسم الصِّدِّيقة فاطمة الزَّهراء (صلوات الله عليها)، هذا الموسم الذي يحملُ قِيمة كبرى؛ كونه يتناول شخصيَّة حملت عنوان (سيِّدة نساء العالمين)، هذا العنوان الذي منحه النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) لابنته الزَّهراء (سلام الله عليها).

فما أحوجنا في هذا العصر إلى استحضار([1]) الصِّدِّيقة الزَّهراء النَّموذج الأرقى في تاريخ المرأة، خاصَّة ونحن في عصرٍ اقتحمت واقعنا نماذج دخيلة أُرِيد لها أنْ تُفرضَ على واقع هذه الأُمَّة، هكذا تُسرق أجيالنا، وهكذا تُغيَّبُ مواقع الأصالة في هذه الأُمَّة، فليكن موسمُ الصِّدِّيقةِ الزَّهراء (عليها السَّلام) صرخة في وجه مشاريع التَّغريب، وفي وجهِ أيِّ خطابٍ يعبث بهُويَّة هذه الأُمَّة.

وكما تقدَّم القول أنَّ هذا الموسم خُصِّص هذا العام لمعالجة (الدَّورِ التَّربويِّ والرِّساليِّ للمرأة) إنَّه عنوان

في غاية الأهميَّة والخُطورة، فمسؤوليَّة الخطاب الدِّينيّ وخاصَّة خطاب المنبر أنْ يُعالجَ هذا العنوان معالجة بصيرة وواعية، في زحمة التَّحدِّيات الكبرى التي تواجه المسار الأصيل لدور المرأة المسلمة في هذا العصر المزدحم بالإشكالات التي يصوغها أعداء الإسلام، ومِمَّا يؤسف له أنَّ بعض هذه الإشكالات قد اقتحمت عقول عددٍ غير قليل مِمَّن ينتمون إلى الإسلام، بفعل الإعلام المضلِّل والخطاب الخادع.

وهنا يتحمَّل حَمَلَة الخطاب الدِّينيِّ مسؤوليَّة كبرى في مواجهة هذا المدِّ مِن التَّضليل والتَّزوير.

فلسنا في عصر الاسترخاء الخطابيِّ، إنَّه عصر التَّحدِّي الصَّعب بكلِّ مساراته العقيديَّة والثَّقافيَّة والأخلاقيَّة والاجتماعيَّة والسِّياسيَّة، فهل أنَّ خطابنا الدِّينيّ بمستوى هذا التَّحدِّي؟

وكما تقدَّم القول أنَّ موسم الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) في هذا العام مطلوب مِنه أنْ يُعالج عنوانًا في غاية الأهميَّة والخطورة، هذا العنوان هو: (الدَّور التَّربويُّ والرِّساليُّ للمرأة).

والاتِّجاهات في التَّعاطي مع هذا العنوان تأخذ ثلاثة مسارات كما قلنا: مسار التَّجميد، ومسار التَّغريب، ومسار التَّأصيل.

مسار التَّجميد يحاول أنْ يحصر دور المرأة بمسؤوليَّاتها تجاه البيت والزَّوج والأولاد.

ورغم القِيمة الكبرى لهذه المسؤوليَّات إلَّا أنَّ للمرأةِ أدوارٌ أخرى يأتي الحديث عنها.

أمَّا مسار التَّغريب فهو مسار يحاول أنْ ينحرف بأدوارِ المرأة كما سيأتي التَّوضيح.

ويبقى المسار الثَّالث وهو مسار التَّأصيل، المسار الذي يحافظ على هُويَّة المرأة الإيمانيَّة، وعلى حضورها الفاعل.

في كلمة الجمعةِ الماضية كان لنا وقفة مع المسار الأوَّل، وقد اعتمد مجموعة روايات ناقشنا بعضها:

  • «…، خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، …».([2]) (وسائل الشِّيعة، ج 20، الحرُّ العامليّ، ص 67)

… ونتابع ذكر بعض الرِّوايات الأخرى.

ومِن هذه الرِّوايات:

  • ما رُوي: «إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم) خَرَجَ فِي بَعْضِ حَوَائِجِه فَعَهِدَ إِلَى امْرَأَتِهِ عَهْدًا أَلَّا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى يَقْدَمَ، قَالَ: وإِنَّ أَبَاهَا مَرِضَ فَبَعَثَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم) فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ وعَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي حَتَّى يَقْدَمَ وإِنَّ أَبِي قَدْ مَرِضَ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أَعُودَه؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم): لَا، اجْلِسِي فِي بَيْتِكِ وأَطِيعِي زَوْجَكِ، قَالَ: فَثَقُلَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْه ثَانِيًا بِذَلِكَ فَقَالَتْ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أَعُودَه؟ فَقَالَ (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم): اجْلِسِي فِي بَيْتِكِ وأَطِيعِي زَوْجَكِ، قَالَ: فَمَاتَ أَبُوهَا فَبَعَثَتْ إِلَيْه إِنَّ أَبِي قَدْ مَاتَ فَتَأْمُرُنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْه؟ فَقَالَ (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم): لَا اجْلِسِي فِي بَيْتِكِ وأَطِيعِي زَوْجَكِ، قَالَ: فَدُفِنَ الرَّجُلُ فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّه (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم): إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لَكِ ولأَبِيكِ بِطَاعَتِكِ لِزَوْجِكِ».([3]) (الكافي، ج 5، الشَّيخ الكليني، ص 513)

 

يحاول أصحابُ الاتِّجاه الأوَّل أنْ يَستَدِلُّوا بهذه الرِّواية وأمثالِها على أنْ المرأة موقعُها البيت، وغير مسموح لها أنْ تخرج مِن البيت ما لم تفرض الضَّرورة، فنجد في الرِّواية الآنفة أنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) يُصرُّ على هذه المرأة أنْ تبقى في بيتها، وأنْ لا تخرج حتَّى لو كان الخروج لِعِيادة والدها أو لتشييع جنازته.

ولنا بعض تعقيبات على الاستدلال بهذه الرِّواية:

أوَّلًا: الرِّواية ضعيفة سَندًا.

ثانيًا: لو سلَّمنا بصِحَّتها، فهي لا تحمل دلالة على استحباب حبس المرأة في البيت.

وأقصى ما تدلُّ عليه استحباب طاعة الزَّوج حيث أخذ عليها العهد أنْ لا تخرج مِن البيت.

ثالثًا: القولُ بجواز حبس المرأة في البيت يتنافى مع العناوين القُرآنيَّة:

  • قوله تعالى: ﴿… عَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ …﴾.([4]) (سورة النِّساء: الآية 19)
  • وقوله تعالى: ﴿… فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖ …﴾.([5]) (سورة البقرة: الآية 229)
  • وقوله تعالى: ﴿… وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا …﴾.([6]) (سورة البقرة: الآية 231)

رابعًا: يمكن أنْ نصنِّف خروج المرأة مِن البيت إلى مجموعة عناوين:

(1) الخروج لهدف غير مشروع (حضور حفلٍ مُحرَّم).

هذا الخروج محرَّم وإنْ أذن به الزَّوج.

(2) الخروج بشكلٍ غير مشروع (عدم الالتزام بالحجاب الشَّرعيِّ).

هذا الخروج محرم وإنْ أذن به الزَّوج.

(3) الخروج الذي يؤدِّي إلى التَّفريط بمسؤوليَّات المرأة الأُسريَّة:

أ- أداء حقوق الزَّوج الواجبة.

ب- أداء مسؤوليَّات البيت الواجبة.

ج- تربية الأولاد ورعايتهم.

هذه الأنماط مِن الخروج غير مشروعة.

(4) الخروج الذي لا يحمل العناوين السَّابقة:

– الخروج لهدفٍ غير مشروع

– الخروج بشكلٍ غير مشروع

– الخروج الذي يؤدِّي إلى التَّفريط بمسؤوليَّات الأُسرة

فهو خروج جائز، مثل:

أ- حضور المجالس الحُسينيَّة.

ب- حضور صلوات الجماعة.

ج- حضور الدُّروس الدِّينيَّة.

د- زيارة الأرحام.

هـ- عيادة المرضى.

و- قضاء حوائج الإخوان.

ز- الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.

هذه الأنماط مِن الخروج مشروعة وجائزة.

 

يبقى السُّؤال المطروح:

هل يشترط في هذه الألوان المشروعة مِن الخروج إذنُ الزَّوج؟

هنا رأيان فقهِيَّان:

الرَّأيُ الأوَّل: لا يشترط هذا الإذن.

الرَّأيُ الثَّاني: يشترط هذا الإذن.

أخلص إلى القول أنَّ الرَّأي الذي يتَّجه إلى حبس المرأة في البيت لا يملك سَندًا شرعيًّا، وما ورد مِن روايات فهي مناقشة ومخدوشة سَندًا أو دلالة.

وسوف يتَّضح حينما نتناول الاتِّجاه الثَّالث أنَّ المرأة كالرَّجل مكلَّفة أنْ تمارس الدَّعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والدِّفاع عن الحقِّ ومواجهة الباطل.

نعم هناك ضوابط مفروضة على المرأة حينما تنطلق خارج البيت، هذه الضَّوابط تحمي عِفَّة المرأة وسترها.

 

هنا مسألة في غاية الأهميَّة والخطورة: ماذا عن خروج البنات مِن البيوت؟

هذا الخروج في حاجة إلى رقابة مِن قِبلِ أولياء الأمور (الآباء والأُمَّهات)، وهذا لا يخصّ البنات فقط وإنَّما يشمل الأولاد كذلك، فهذا الزَّمان تزدحم فيه منتجات الفساد والانحراف وحتَّى في داخل البيوت، فالإشراف على حركة أبناء وبنات هذا الجيل يحتاج إلى جهدٍ كبير.

فالتَّحدِّيات في غاية الصُّعوبة، مِمَّا يفرض أنْ تنشط مواقع التَّحصين الإيمانيِّ مِن منابر وحوزات ومساجد وبرامج دينيَّة ومؤسَّسات تربويَّة، وهذه المواقع التَّحصينيَّة في حاجة أنْ تتطوَّر لتكون قادرة على استقطاب أبناء وبنات هذا الجيل، وبقدر ما يتقن الدُّعاةُ وحَمَلةُ الخطابِ الدِّينيِّ أساليب التَّطوير تتوفَّر الفرص النَّاجحة لحماية أجيال هذه العصر أمام زحمة التَّحدِّيات، وقسوة المؤزِّمات، وارتباك الخيارات.

ما عادت ضرورات هذا الزَّمان تسمح أنْ ينفصل أبناءُ هذا الجيل عن كلِّ المؤثِّرات التي أصبحت تحاصر هؤلاء الأبناء، فمسؤوليَّة كلِّ القائمين على رعاية الأجيال أنْ يُنشِّطوا أدوات التَّحصين، وأنْ يطوِّروا هذه الأدوات.

إنَّها مسؤوليَّة صُنَّاعِ الخطاب الدِّينيِّ، هذا الخطاب الذي يجب أنْ يكون حاضرًا في كلِّ مواقع التَّحدِّي الثَّقافيِّ والأخلاقيِّ والاجتماعيِّ والسِّياسيِّ.

الخطابُ الدِّينيُّ ليس خطابًا ترفيًّا، إنَّه الخطاب الهادف.

صحيح أنَّ هناك حِصاراتٍ ثقيلةً وصعبةً تواجه هذا الخطاب مِن قِبلِ مواقع كبيرة، إلَّا أنَّ عزمة الإيمان قادرة أنْ تتجاوز كلَّ المُعوِّقات، مهما كانت صعبة وثقيلة ومزوَّدة بكلِّ الإمكانات والقُدُرات.

للحديث تتمة – إن شاء الله تعالى -.

وآخرُ دَعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

[1]– ما معنى الاستحضار؟

أ- احياء المناسبة.

ب- الطَّرح الواعي.

ج- الالتزام والتَّطبيق)

[2] الحرُّ العاملي: وسائل الشِّيعة 20/67، (ك: النّكاح، ب 24: استحباب حيس المرأة في بيتها أو بيت زوجها …)، ح [25054] 7.

[3] الكليني: الكافي 5/513، (ك: النكاح، ب: ما يجب عن طاعة الزَّوج على المرأة)، ح 1.

[4] سورة النِّساء: الآية 19.

[5] سورة البقرة: الآية 229.

[6] سورة البقرة: الآية 231.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى