حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 637: كيف نحافظُ على المُستوى الرُّوحيُّ؟ – المطالبة بإصدارِ مذكَّرة اعتقال – كلمةُ عزاء إلى الشَّعبِ الإيرانيِّ برحيل السيد إبراهيم رئيسي ومرافقيه في حادث أليم

حديث الجمعة 637 | تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 14 ذو القعدة 1445هـ الموافق: 23 مايو 2024 م | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين

 

هنا مجموعة عناوين:

العنوانُ الأوَّل: كيف نحافظُ على المُستوى الرُّوحيُّ؟

في كلمةِ الجمعةِ الماضيةِ أجبنا عن هذا السُّؤالِ، وكان الجوابُ باختصار: أنَّ الحفاظ على المستوى الرُّوحيِّ يعتمدُ أساسًا على صناعةِ القلبِ النَّظيف.

فكلَّما ارتقى مستوى نظافةِ القلبِ ارتقى المستوى الرُّوحيّ.

والعكسُ صحيحٌ، فكلَّما انخفض مُستوى نظافةِ القلبِ انخفض المُستوى الرُّوحيُّ.

وهل أنَّ مآسي عصرِنا الحاضرِ إلَّا نتيجة لهذا الانخفاضِ الرُّوحيُّ؛ الظُّلم، الفَساد، القَتل، العَبث، الصِّراع، العَصبيَّات، الخِيانات، الأزمات، البُؤس، الحرِمان، الضَّياع، القَهر…

وكلُّ ألوان الشُّرور في الأرضِ هي نتيجة لموت الرُّوح، لموتِ الضَّمير، لموت القِيم.

وحينما يُراد معالجة أزماتِ الأوطانِ

مطلوب أوًّلًا:

معالجة الضَّمير عند أصحابِ المواقعِ الحاكمة، فالضَّمير الحاكم كلَّما كان نقيًّا طاهرًا، مملوءًا بالرَّحمةِ والعطفِ والرَّأفةِ كانت الأوطان بخير، بأمن، بسلام.

والعكسُ صحيحٌ، كلَّما كان هذا الضَّمير ملوَّثًا، فاسدًا، مملوءًا بالكراهيَّة والقسوة كانت الأوطان في أسوء الأحوال.

  • جاء في عهد أمير المؤمنين (عليه السَّلام) إلى مالك الأشتر حينما ولَّاه على مصر:

«…، وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ للرَّعِيَّةِ، والمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فإنَّهم صِنْفَان: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَأِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ الله مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه، …».([1])

 

فوُلاةُ الأمرِ والقادة ومواقع الحكم مطلوبٌ منهم أنْ يتوفَّرُوا على درجةٍ عاليةٍ مِن الرَّحمةِ برعاياهُمْ وشُعوبِهم، وأنْ لا يتحوَّلوا مواقع بطشٍ وقهرٍ واستبدادٍ، وحتَّى لو صدرت مِن الشُّعوب بعضُ زلَّاتٍ، أو انزلاقات، فالعفو والصَّفح، ومعالجة الأمور بالحكمةِ والرَّأفةِ أمرٌ مطلوبٌ جدًّا.

هكذا تكون الأوطانُ بخير، وهكذا تنعم البلدانُ بالأمنِ والأمان.

وإذا كان الحديثُ عن الوُلاةِ هو الأساسُ في صلاحِ الأوطانِ، وفي أمنها واستقرارها فإنَّ الحديث عن الشُّعوب هو الآخر في غايةِ الأهميَّة، فحراسةُ الأوطانِ كما هي مسؤوليَّة وُلاة الأمرِ والحُكَّام هي كذلك مسؤوليَّة الشُّعوب، بكلِّ نُخبِها، وبكلِّ جماهيرها.

فالنُّخب تُمثِّل مواقعَ الوعي في الأُمَّة؛ الوعي الدِّينيِّ، الوعي الثَّقافيِّ، الوعي السِّياسيِّ، الوعي الاقتصاديِّ، وبقيَّة مسارات الوعي.

فهذه النُّخبُ لها تأثيراتها الكبيرة في توجيه مسارات الأوطان، وفي أمنها، وصلاحها، واستقرارها،

وحماية كلِّ أوضاعها.

فصلاحُ النُّخبِ هو صلاحٌ للأوطانِ، وفسادُ النُّخب هو فسادٌ للأوطان.

فاذا كانت مسؤوليَّاتُ الأنظمة كبيرة جدًّا، فإنَّ مسؤوليَّات النُّخب بكلِّ امتداداتها هي الأخرى كبيرة، ولها تأثيراتها في حمايةِ وحراسةِ مساراتِ الأوطان.

هنا الضَّرورة أنْ تتلاقى سياسات الأنظمة وقناعات النُّخب، ما دامت هذه السِّياسات وهذه القناعات تصبُّ في مصلحةِ الأوطان، وأيُّ تنافٍ يضرُّ بهذه المصلحة ويضرُّ باستقرار الأوطان.

بقي دور الشُّعوب، وهو دورٌ ليس هامشيًّا، مطلوب مِن الشُّعوب أنْ تكون أمينة على مصالح الأوطان، وأمنِ الأوطانِ، ووحدةِ الأوطانِ، هكذا تكونُ الشُّعوبُ وفيَّةً لأوطانها.

للشُّعوب حقوقٌ مشروعةٌ:

– مطلوبٌ مِن الجماهير أنْ تطالبَ بها

– ومطلوبٌ مِن النُخبِ أنْ تدافعَ عنها

– ومطلوبٌ مِن الأنظمةِ أنْ تُوفِّرَها

وحينما نتحدَّث عن الحقوق المشروعة، وعن المطالبة بها، والدِّفاع عنها، فيجب أنْ تكون الوسائل مشروعة.

هكذا تكون الأوطان بخير.

وهكذا يتحرَّك مشوار الإصلاح، إصلاح السِّياسة، إصلاحِ الأمنِ، إصلاحِ الاقتصاد، إصلاح الثَّقافة. وبقيَّةِ مساراتِ الإصلاح.

للحديث تتمَّة – إنْ شاء الله تعالى -.

 

العنوانُ الثَّاني: المطالبة بإصدارِ مذكَّرة اعتقال

تقدَّم المدَّعي العام في محكمةِ العدلِ الدُّوليَّة بطلب إصدارِ مذكَّرة اعتقال بحقِّ صُنَّاع الجريمة الصَّهاينة، نتيجة ما ارتكبوه مِن جرائم الإبادة بحقِّ الشَّعب الفلسطينيِّ في غَزَّة، فعِصابة القتل والإبادة قتلوا أكثر مِن خمسة وثلاثين ألفًا مِن الأبرياء أكثرهم مِن النِّسَاءِ والأطفالِ، وهدموا البيوتَ والمدارسَ والمستشفياتِ، والمساجدَ والمدارس.

خطوة لو تحقَّقتْ تُشكِّل موقفًا جادًّا في التَّصدِّي للطُّغيان الصُّهيونيِّ بكلِّ شراستِهِ وجنونه.

إلَّا أنَّ الموقف الأمريكيّ الدَّاعم بقوَّة للكيان الصُّهيونيِّ فور سماعه بهذه الخطوة هدَّد باتخاذ إجراءاتٍ وعقوباتٍ ضدَّ المحكمة الجنائيَّة الدُّوليَّة.

وفي هذا السِّياق ضغط الموقف الأمريكيُّ على المحكمة الدُّوليَّة ممَّا دفعها أنْ تتقدَّم بطلب اعتقال بعض القيادات الفلسطينيَّة المناضلة ضدَّ العدوان الصُّهيونيِّ.

وهكذا تساوي هذه المحكمة بين الجُناة والمجاهدين الأشراف، المدافعين عن الأرض والمقدَّسات وعن عزَّة الشَّعبِ الفلسطينيِّ المجاهد عن أرضهِ وكرامتِهِ وشرفِهِ ومُقدَّساتِهِ.

هذه معايير منظَّمات العالم في هذا العصر المزدحم بكلِّ الجنايات في حقِّ الشُّعوبِ والأوطانِ، فلا عدل إلَّا وفق معايير القوى المهيمنة على مصائرِ الشُّعوبِ والأوطانِ.

وتبقى الكلمة الخيِّرة حاضرةً في زحمة هذا الغبشِ، والتَّيهِ، والضَّلالِ، والطُّغيان.

وهكذا يكون المعترك بين الحقِّ والباطل، بين خياراتِ الصَّلاح وخيارات الفساد، بين مواقفِ الخير ومواقف الشَّرِّ، بين العدل والظُّلم، بين المستكبرين والمستضعفين.

ومهما كانت شراسة قوى الباطلِ والفسادِ والشَّرِّ والظُّلم والاستكبار، فإنَّ النَّصرَ في النِّهايةِ لقُوى الحقِّ، والصَّلاحِ، والخيرِ، والعدلِ، والاستضعاف.

  • {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}. (الأنبياء/105)
  • {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}. (القصص/5)

 

العنوانُ الأخير: كلمةُ عزاء

نرفعُ أحرَّ العَزاءِ إلى صاحبِ العَصْرِ والزَّمانِ، والى مراجعِ الدِّينِ العِظام، وإلى الشَّعبِ الإيرانيِّ بمناسبة الحَدَثِ الجَلَلِ الذي ملأ القُلوبَ حُزْنًا وألمًا، وشكَّلَ خَسَارةً فادِحةً كبرى.

فكلُّ التَّسْلِيم والرِّضَا بقضاءِ الله، وكلُّ الدُّعاءِ لضحايا الحادِثِ المُفجعِ أنْ تحفَّهُم كرامةُ اللهِ ورِضْوانُهُ، ورحمتُهُ وغُفْرانُهُ فقد وَفدُوا على ربٍّ كريمٍ، محفوفينَ بلطفِهِ تعالى، وجزيلِ عطائِهِ، وكانُوا في سجلِّ الشُّهداءِ.

فقد قضَوا حياةً مملوءةً بالخيرِ والصَّلاحِ، وحافلةً بالعطاءِ لشعبهم، ولأُمَّتِهم، ولكلِّ قضايا الحقِّ في العالم، ولكلِّ أهدافِهم الكبرى في عصرٍ ازدحمت كلُّ قوى الشَّرِّ في العالم المعادية لإسلامِنا، ولأُمَّتِنا، ولشعوبِنا ممَّا يفرضُ أنْ تتلاحم كلُّ القُدُرات في حراسةِ أهدافِ هذه الأُمَّةِ، وأهدافِ هذه الشُّعوب.

وفي قمَّة هذه الأَهْدافِ حراسةُ الدِّينِ، وقِيم الدِّينِ، وأمنُ الأوطانِ، وحرِّيَّة الشُّعوب، وكرامة الإنسان.

ضَحَايا الحَادثِ المُفجعِ في إيرانَ كانُوا أوفياءَ لوطنِهم، ولشعبهم، ولأُمَّتِهم الإسلاميَّة، ولكلِّ الأهدافِ الخيِّرة في دُنيا الإنسان.

وتأتي قضيَّةُ فلسطين، وقضيَّةُ القُدسِ، وقضيَّةُ غَزَّةَ في قمَّة الأولويَّاتِ التي شكَّلتْ همًّا كبيرًا لدى هؤلاء النَّفرِ مِن الصَّالحين والأخيار.

فغيابُهم شكَّلَ خَسَارةً كُبرى لهذه القضيَّة المركزيَّة لأُمَّتِنا، ولكلِّ قضايانا المصيريَّة.

نعم غادَرَ هؤلاءُ النَّفرُ الصَّالحون الأوفياء في مرحلةٍ مثقلةٍ بالصُّعوبات، ومثقلةٍ بالتَّحدِّيات مِمَّا ضاعفَ مِن فداحةِ هذه المغادرة، ومِن فداحةِ هذا الحدثِ.

هكذا تُشكِّل مُغادرةُ الكبارِ في أُمَّتنا، وفي أوطاننا أكبرَ الصَّدماتِ، وأكبرَ الخساراتِ.

وإنْ كانت هذه الأُمَّةُ غنيَّةً بالكفاءاتِ والقُدُراتِ، بشرط أنْ يتوفَّر لهذه الكفاءات والقُدُرات كلَّ الحضور، وكلَّ العطاء، وأنْ يتوفَّر لها كلَّ الفرصِ والمناخاتِ.

فما أكثر الكفاءاتِ والقُدُراتِ في أُمَّتِنا، وفي أوطانِنا غائبةً أو مُغيَّبةً، ممَّا يُشكِّل خسارةً عظمى لهذه الأُمَّةِ، ولهذه الأوطان.

-[1] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع)، (تحقيق صالح)، ص 427.

Show More

Related Articles

Back to top button