حديث الجمعة 635: وقفة محاسبة بعد الشَّهر الفضيل – مَنْ لا يريدُ للأوطان أنْ تكونَ بخير… – القمَّةُ العربيَّةُ والعُدوانُ الصُّهيونيُّ على غزَّة
حديث الجمعة 635 - يوم الخميس (ليلة الجمعة) 30 شوال 1445هـ - الموافق: 09 مايو 2024 م - مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) بالقفول - البحرين
وقفة محاسبة بعد الشَّهر الفضيل
بعد كلِّ موسم عِبادي هناك حاجة إلى وقفةِ محاسبةٍ، والشَّهرُ الفضيلُ مِن أكبرِ المواسمِ العباديَّة، فهل وقف كلُّ واحدٍ مِنَّا وقفةَ مراجعةٍ ومحاسبة؟
في الشَّهرِ الفضيلِ استنفرنا الكثيرَ مِن طاقاتنا الرُّوحيَّة في مجالاتِ العِبادةِ والطَّاعةِ، في الصَّلاةِ، في الصِّيامِ، في التِّلاوةِ، في الذِّكرِ، في الدُّعاء، في ما تيسَّرَ مِن أعمالِ الخيرِ وأعمالِ الصَّلاح.
ولا شكَّ أنَّ هذا الاستنفارَ الرُّوحيَّ والعباديّ أنتج في داخلنا رضيً واطمئنانًا، ولذَّةً إيمانِيَّةً.
ولا لذَّةَ أعظم مِن لَذَّةِ القُربِ مِن الله.
ولا أُنسَ أحلى مِن أُنسِ الطَّاعةِ والاستقامةِ.
ولا فوزَ أكبر مِن الفوزِ برضوانِ اللهِ ومغفرتهِ.
ولا عَطاء أكبر مِن عَطاءِ الآخرة.
وهنا يجب أنْ نحذرَ كلَّ الحذر مِن مسارين:
- العُجبُ
- الانتكاسة الرُّوحيَّة
المسار الأوَّل (العُجب)
وليس المقصودُ بالعُجبِ هو (الفرحُ بالعبادةِ أو الفرحُ بالطَّاعة) فهذا الفرح مطلوبٌ، وجميلٌ، ويبعث في النَّفسِ الاطمئنانَ، والرِّضا، ولذَّة القُربِ مِنَ الله سُبحَانَه.
- في الكلمةِ عن أميرِ المؤمنين (عليه السَّلام) كما جاء في نهجِ البلاغة: «…، ولْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ، …»([1]) يعني مِن أعمالٍ صالحةٍ وأفعالٍ خَيِّرة.
- وفي الكلمةِ عن الإمامِ الصَّادقِ (عليه السَّلام) كما جاء في الكافي: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِه، وفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّه».([2])
وأمَّا العُجب فعنوانٌ آخر.
وهو كما عرَّفَهُ الشَّهيدُ الصَّدرُ في كتابه الفتاوى الواضحة([3]): “أنْ يشعر الإنسانُ بالزَّهوِ والمِنَّةِ على اللهِ سُبْحانَهُ بعبادتِه، وأنَّه أدَّى لربِّهِ كامل حقَّهِ، وهذا محرَّمٌ شرعًا، إلَّا أنَّ العبادةَ لا تبطل به ولكن يذهب به ثوابُها، وأمَّا مجرَّد سُرُورِ الإنسانِ بعبادتِهِ وطاعتِهِ فلا ضَير فِيهِ ولَا إثم”. (انتهى ما نقلناه عن الشَّهيد الصَّدر)
فالحذر الحذر مِن العُجبِ ففيه الهلاك، كما جاء في الكلمةِ عن رسُولِ الله (صلَّى الله عليه وآله) حيثُ قالَ: «…، فإنَّهُ لَيسَ عَبدٌ يَتَعَجَّبُ بِالحَسَناتِ إلَّا هَلَكَ».([4])
وهذا التَّعالي والكبرياء هو ما وصف به القُرآن اليهود حيث زعموا أنَّهم ﴿… أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ …﴾ كما جاء في الآية 6 مِن سورة الجُمعة.
وهذه الكبرياء المزيَّفة لا زالت تمثِّل طبعًا متأصِّلًا عند الصَّهاينة، فهم لا يعبأون بكلِّ القِيم الإنسانيَّة، فيبطشون ويقتلون وينتهكون كلَّ القِيم والمُثُل وكلَّ الحرمات، فها هي غزَّة شاهدٌ صارخٌ على كلِّ كبريائهم وصلفِهم وجرائمِهم، ذبحوا الأطفال وقتلوا النِّساء والشُّيوخ والمرضى بقلوب قاسيةٍ مملوءةٍ حقدًا وخُبثًا وسُوءًا، كيف وهم مدعومون مِن قوى كبرى تبرِّر لهم كلَّ هذا الطُّغيان، وكلَّ هذه الجنايات، وكلَّ هذا القتل…
للحديث تتمَّة – إنْ شاء الله تعالى -.
كلمتان أخيرتان
الكلمة الأولى: مَنْ لا يريدُ للأوطان أنْ تكونَ بخير…
ومتى تكونُ الأوطان بخير؟
تكونُ الأوطان بخيرٍ ما دامت بلا أزمات؛ بلا أزماتٍ سياسيَّةٍ، بلا أزماتٍ أمنيَّة، بلا أزماتٍ اقتصاديَّةٍ، بلا أزماتٍ معيشيَّة، بلا أزماتٍ طائفيَّة، بلا أزماتٍ مِن أيِّ نوع.
وهنا سُؤالٌ كبيرٌ يُطرح:
مَنْ يتحمَّلُ مسؤوليَّة تفريغِ الأوطان مِن الأزمات؟
هلْ هي مسؤوليَّة الأنظمة؟
هلْ هيَ مسؤوليَّة القُوى النَّاشطةٍ سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا؟
هلْ هيَ مسؤوليَّة الجماهير؟
رُبَّما يتم ترامي المسؤوليَّة، فقولٌ يُحمِّل المسؤوليَّة الأنظمة، وقولٌ يُحمِّل المسؤوليَّة القُوى الفاعلة، وقولٌ يحمِّلُ المسؤوليَّة الجماهير.
وما نعتقده ونؤمنُ به أنَّ المسؤوليَّة يتحمَّلها الجميع: الأنظمة، القوى، الجماهير.
ولكن هنا سؤالٌ مُهِمٌّ جدًّا:
فهل تتساوى المسؤوليَّة مسؤوليَّة الأنظمة، ومسؤوليَّة القوى النَّاشطة، ومسؤوليَّة الجماهير؟
بكلِّ تأكيدٍ لا تتساوى هذه المسؤوليَّة.
فمسؤوليَّة الأنظمة تأتي في الدَّرجة الأولى، فبيدها كلّ الإمكانات، وكلّ القُدرات ما لا تملكه القوى، ولا تملكه الجماهير، ولذلك حينما يتوجَّه النَّقد لوجود الأزمات يتوجَّه إلى الأنظمة، فاذا وجدت أزمة سِياسيَّة أو أمنيَّة أو اقتصاديَّة أو معيشيَّة فالنَّقد أوَّل ما يتوجَّه إلى الأنظمة، بما تملك مِن قُدُراتٍ أمنيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة وباقي القُدُرات.
ويبقى دور القوى النَّاشطة ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا ليس دورًا هامشيًّا، بل هو دورٌ مركزيٌّ وأساسيٌّ في خدمة الأوطان ما دام الهدفُ صادقًا، وما دامتْ الوسائلُ مشروعة، وما دام الإخلاص حاضرًا، فلا يجوز إطلاقًا إلغاء دور هذه القوى أو التَّقليل مِن قِيمة هذا الدَّور، أو وضع مُعَوِّقاتٍ أمامه، وإلَّا خسرتْ الأوطانُ هذه القُدراتِ، وهذه الطَّاقاتِ، وهذا خسرانٌ كبير.
وأمَّا دورُ الجماهير الشَّعبيَّة فهو كذلك دور أصيل، فطاقات الجماهير كبيرة وقُدراتُها فاعلة، فغيابُ هذا الدَّورِ الجماهيريّ، وارتباكُهُ، وتأزُّمُهُ لهُ انعكاساتٌ خطيرةٌ على الأوطانِ، وعلى ازدهارِها، وعلى استقرارها.
فما أحوجَ الأوطانَ إلى جماهيرَ مُخلِصةٍ كلَّ الإخلاص، وصَادِقةٍ كلَّ الصِّدق وناشِطةٍ كلَّ النَّشاط، فمتى توفَّرتْ الجماهير على الإخلاصِ، والصِّدقِ، والنَّشاطِ كانت عنوانًا كبيرًا مِن عناوينِ الأوطان، مطلوبٌ أنْ يكونَ مدعومًا مِن قِبلِ الأنظمةِ، ومِن قِبلِ الكفاءاتِ والقُدَراتِ الوطنيَّة، وهكذا تتآزر كلُّ المواقع الرَّسميَّة، والطَّاقاتِ الفاعلةِ، والمساحاتِ الشَّعبيَّة في خدمة الأوطان، وغياب أيّ موقع مِن هذه المواقع لهُ تأثيراتُه الكبيرة على أوضاع الأوطان، وعلى أمن الأوطان، وعلى ازدهار الأوطان.
فأنظمةٌ عادلةٌ، وقوى فاعلةٌ، وجماهير باذلة؛ تكون الأوطان فاضلة.
الكلمة الثَّانية: القمَّةُ العربيَّةُ والعُدوانُ الصُّهيونيُّ على غزَّة
قريبًا تستضيف البحرين القِمَّة العربيَّة، فمرحبًا بالضُّيوف الكِرام في بلد الضِّيافة والكرم.
قِمَّةٌ تُعقَدُ في مرحلةٍ تَشتَّدُ أزماتُ أُمَّتِنا العربيَّة، وأُمَّتِنا الإسلاميَّة، مِمَّا يفرضُ حضورًا فاعِلًا وكبيرًا لكلِّ المواقعِ الكبيرةِ في أوطانِنا، وغيابُ هذا الحضور يُجذِّر الأزَماتَ بكلِّ امتداداتِها المُرعبةِ.
ولا نشكُّ أنَّ مِن أولويَّاتِ هذا الملتقى الكبيرِ (العُدوانُ الصُّهيونيّ على غزَّة) بكلِّ مُنْتجاتِهِ المُدمِّرة والمُرعِبة، فهذا العُدوَانُ رغم المناشداتِ بإيقافِهِ يزدادُ ضَراوةً وحماقَةً وسوءًا، ويزداد اتِّساعًا، وتعطُّشًا للدِّماء، وتوغُّلاً في البطش والفتك والقتل.
في ظلِّ هذا الواقع المأزوم لأهلِنا في غزَّة والقُدسِ وفي كلِّ فلسطين، فهل سوف يتمكّن مؤتمر القِمَّة العربيَّة بحضور المواقع الكبيرة في أوطانِنا العربيَّةِ مِن الخروج بقراراتٍ جريئةٍ تخفِّفُ مِن مأساة أبناء غزَّة، وتخاطبُ المواقعَ الكبرى في العالمِ بلغة جريئةٍ، تستصرخ ضمائرهم في قضيَّةٍ أصبحت قضيَّة هذه المرحلة، بكلّ تحدِّياتهم، وبكلِّ ارهاقاتِها.
هذا ما تتطلَّع إليه شعوبُ أُمَّتِنا العربيَّة وشعوبُ أُمَّتِنا الإسلاميَّة، فهل يخرج مؤتمر القِمَّة العربيَّة بما يقاربُ هذه التَّطلُّعاتِ وهذه التَّمنِّياتِ، فمسؤوليَّة القادةِ كبيرة وكبيرة جدًّا.
وهذا لا يلغي وكما تقدَّم القول مسؤوليَّة كلِّ القُوى والقُدرات في أوطاننا العربيَّة والإسلاميَّة، وكذلك مسؤوليَّة كلِّ الشُّعوب.
[1]– نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع)، (تحقيق صالح)، ص 457.
[2]– الكليني: الكافي 4/65، (ك: الصِّيام، ب: ما جاء في فضل الصَّوم والصَّائم)، ح 15.
[3]– محمَّد باقر الصَّدر: الفتاوى الواضحة، ص 54.
[4]– الطَّبرسي: مشكاة الأنوار، ص 314، (ب 8: في ذكر الخصال المنهي عنها وما يناسبها، ف 4: في العُجب).