أسبوع الوحدة الإسلاميَّة والإمامة الخاتمة
11 ربيع الأوَّل 1445هـ الموافق 27 سبتمبر 2023م | في موسم الرسول الأكرم 1445هـ (دوَّار بطبه) | مأتم الإمام علي (ع) بمنطقة أبو قوة - البحرين
ملاحظة: هذه محاضرة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، أُلقيت في موسم الرسول الأكرم 1445هـ (دوَّار بطبه)، ضمن فعاليات (أسبوع الوحدة الإسلاميَّة) والذي أقامه مأتم الإمام علي (عليه السَّلام) في منطقة (أبو قوة)، في يوم الأربعاء (ليلة الخميس) 11 ربيع الأوَّل 1445هـ الموافق 27 سبتمبر 2023م، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.
أسبوع الوحدة الإسلاميَّة
والإمامة الخاتمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ الطَّيبيِّن الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
نلتقي بعنوانين كبيرين:
– العنوان الأوَّل: أسبوع الوحدة
وهو العنوان المؤسَّس له هذا اللِّقاء.
– العنوان الثَّاني: الإمامة الخاتمة
نلتقي في التَّاسع مِن ربيع الأوَّل بموعد الإمامة الخاتمة، إمامة المهديّ المنتظر (عليه السَّلام)، وغالبًا ما تكون هذه المناسبة غائبة، لذلك أحببت أنْ يكون في هذا اللِّقاء حديث عن هذين العنوانين: العنوان الأوَّل أسبوع الوحدة، والعنوان الثَّاني: الإمامة الخاتمة.
والعنوانان متداخلان، فالنَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) هو الذي أسَّس للإمامة الخاتمة، والإمام المنتظر (عليه السَّلام) يُشكِّل امتدادًا للرِّسالة الخاتمة.
والإمامة الخاتمة هي التي سوف تنشر العدل في الأرض.
ولهذين العنوانين تأثيرهما الكبير على كلِّ واقعنا الثَّقافي، والرُّوحي، والاجتماعي، والسِّياسي.
العنوان الأوَّل: أسبوع الوحدة
اتفق المسلمون أنَّ المولد الشَّريف في شهر ربيع الأوَّل، واختلفوا في يوم الولادة.
• قالت طائفة مِن المسلمين أنَّ ميلاد النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في الثَّاني عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
• وقالت طائفة مِن المسلمين بأنَّ ميلاد النَّبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) في السَّابع عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
اختلف المسلمون في اليوم، واتَّفقوا في الشَّهر.
ومِن هنا أطلق الإمام الخمينيّ عنوان (أسبوع الوحدة) والذي يمتد مِن الثَّاني عشر في ربيع الأوَّل وحتَّى السَّابع عشر منه.
وكان هذا المشروع العملاق الذي طرحه الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) مشروع توحيدٍ وتآلفٍ وتقاربٍ بين المسلمين.
اتِّجاهات حول مشروع الوحدة بين المسلمين
مشروع الوحدة الذي طرحه الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه)، هذا المشروع التَّوحيدي العملاق الكبير واجهته ثلاثة اتِّجاهات أو مشاريع مُضادَّة، أحاول أنْ أُعطي إطلالات سريعة على هذه الاتِّجاهات أو المشاريع المضادَّة.
ما هي الاتِّجاهات أو المشاريع المضادَّة لمشروع الوحدة والتَّقارب بين المسلمين؟
الاتِّجاه الأوَّل: الاتِّجاه المُتعصِّب الرَّافض لأيِّ شكلٍ مِن أشكال التَّقارب بين المذاهب.
لماذا؟
كون الآخر خارج عن الإسلام.
اتِّجاهٌ يرى أنَّ الآخر كافر ومنحرف فكيف يتَّحد معه؟
في السُّنَّة مَن هو متعصِّب، وفي الشِّيعة مَن هو متعصِّب.
قالوا: كيف نتَّحد، كيف نتقارب وأنا أرى الآخر كافر، والآخر يراني كافر؟
كيف نتواصل؟
كيف نلغي الحواجز التي هي حواجز ثقيلة؟
إذًا مشروع الوحدة واجهه مشروع التَّعصُّب.
1- هذا الاتِّجاه يُعبِّر عن تعصُّبٍ مقيت.
سواء وُجد في هذا المذهب أو ذاك المذهب فهو تعصُّبٌ مقيت، أنا لا أُبرِّئ الشِّيعة ولا أُبرِّئ السُّنَّة مِن وجود مُتعصِّبين متشدِّدين تكفيريين في هذا المذهب أو في ذاك المذهب، يُوجد مَن يكفِّر الآخر، مَن يرفض الآخر، مَن يعتبر الآخر خارج الدِّين وخارج المِلَّة.
إذًا هذا اتِّجاه يُعبِّر عن تعصُّب، ويُعبِّر عن وعيٍ مُنغلِق.
2- كلَّف المسلمين أثمانًا باهظة.
3- تُغذِّيه قوى معادية للإسلام.
لا أشكُّ أنَّ هذه الاتِّجاهات التَّمزيقيَّة التي تمزِّق المسلمين، وتجذِّر حسَّ العداوة والتَّعصُّب بينهم تُنشِّطها قوى خارجيَّة مُعادية للإسلام.
أعداء الإسلام يريدون أنْ يتمزَّق المسلمون، أنْ يتصارعوا، أنْ يختلفوا، أنْ لا يتقاربوا، أنْ لا يتعارفوا، أنْ لا يتواصلوا.
هذا المشروع مدعوم مِن قوى كبرى معادية للإسلام، معادية للسُّنَّة ومعادية للشِّيعة، فهي تجذِّر وتعمِّق الصِّراعات والعداوات والخلافات والتَّعصُّبات.
يعتبر هذا الاتِّجاه اتِّجاه مضادٌّ للمشروع التَّوحيديّ الذي طرحه السَّيِّد الإمام، وهذا الاتِّجاه هو مِن أخطر المشاريع وأصعبها وأكثرها تدميرًا لوحدة الأُمَّة ووحدة المسلمين.
الاتِّجاه الثَّاني: يتحفَّظ على التَّقارب خشية الذَّوبان في الآخر.
الشِّيعيّ يخشى أنْ يلتقي مع السُّنِّيّ خشية أنْ يتخلَّى عن مذهبه، والسُّنِّيّ لا يلتقي مع الشِّيعيّ خشية أنْ يتخلَّى عن مذهبه.
هنا المنطلق ليس منطلق تكفير كما في الاتِّجاه الأوَّل، إنَّما المنطلق هو الخشية على الهُويَّة.
فهذا الاتِّجاه يتحفَّظ على التَّقارب خشية الذَّوبان في الآخر، ولا شكَّ أنَّ هذا أيضًا اتِّجاه خطأ.
– التَّقارب لا يعني التَّخلِّي.
تقارب الشِّيعيّ مع السُّنِّيّ لا يعني ترك مذهبه، وكذلك السُّنِّيّ مع الشِّيعيّ، التَّقارب ليس معناه أنْ أنسلخ عن انتمائي، هذه قناعة لا يمكن الغائها، أنا قناعتي أنْ أنتمي لمذهب شيعيّ، وأنت قناعتك أنْ تنتمي إلى مذهب سُنِّيّ، كلٌّ له قناعته وليس عليه التَّخلِّي عنها، لكن علينا أنْ نتقارب ونتآلف.
– تفعيل القواسم المشتركة.
تُوجد قواسم كبيرة مشتركة.
كم هي القواسم المشتركة بين المذاهب؟
كم هي المساحات الموحَّدة بين المذاهب؟
أنت تصلي بطريقة، ذاك يصلي بطريقة، هذه خلافات مذهبيَّة في الرُّؤى، حتَّى الخلافات حول الخلافة هي قناعات، المساحة الأكبر مِن الإسلام يتَّحد المسلمون فيها.
فلماذا نخشى التَّقارب؟
أنا أحمل قناعتي بانتمائي المذهبيّ، لا أتخلَّى عنها حتى لو التقيت مع أيِّ موقع كان، فمثلًا نحن حينما نريد أنْ نلتقي مع أصحاب الأديان الأخرى فهل يعني أنَّنا نريد أنْ نتخلَّى عن الإسلام؟
ليس مطلوب مِنَّا حينما نلتقي مع الأديان الأخرى أنْ نتخلَّى عن الإسلام.
مطلوب منَّا في بعض المساحات أنْ نلتقي حتَّى مع اللَّا دينيِّين، وأنْ نتقارب معهم، فهناك أهداف مشتركة بيننا، فالوطن الواحد توجد فيه أهداف مشتركة.
إذًا التَّقارب لا يُشكِّل انسلاخًا عن الهُويَّة.
تبقى الهُويَّة، يبقى الانتماء، تبقى القناعات العَقَديَّة أو العقيديَّة، هذه الانتماءات تبقى.
فلا يُشكِّل التَّقارب مع الآخر انسلاخًا عن الهُويَّة، وهذا الفهم لا بدَّ أن يُصحَّح في العقل السُّنِّيِّ وفي العقل الشِّيعيِّ، العقل السُّنِّيّ الذي يخشى أنْ يفقد هُويَّته، والعقل الشِّيعيّ الذي يخشى أنْ يفقد هُويَّته.
لا يوجد تخلِّي عن الهُويَّة، اِبقَ على مذهبك وتمسَّك به ما دمت مقتنعًا به، حافظ عليه، مارس شعاراته، لا تتخلَّى عنه أبدًا، لكن عليك التَّقارب مع المسلم الآخر في مساحات.
وهذا خطاب أئمَّتنا، يدعو إلى حضور مساجدهم، وزيارة مرضاهم، وتشييع جنائزهم.
إذًا لدينا اتِّجاه ثانٍ يتعقَّد مِن مشروع التَّقارب، لا مِن مُنطلق التَّكفير كما الاتِّجاه الأوَّل، وإنَّما مِن مُنطلق الخشية على الهُويَّة وعلى الانتماء.
الاتِّجاه الثَّالث: الاتِّجاه اليائس، كون جميع مشاريع الوحدة قد باءت بالفشل.
اتِّجاه ثالث يرفض التَّقارب لا مِن مُنطلق التَّكفير، ولا مِن مُنطلق الخشية على المذهب أو على الهُويَّة أو على الانتماء.
إنَّما مِن منطلق أنَّ تجارب التَّقارب بين المذاهب كلُّها تجارب فاشلة.
نحن عبر التَّاريخ كلَّما حاولنا التَّقارب فشلنا.
تاريخ طويل مِن تجارب فاشلة، فلماذا نكرِّر التَّجارب الفاشلة؟!
– هذا القول ليس صحيحًا
هذا اتِّجاه أيضًا خطـأ.
مَنْ قال أنَّ تجارب التَّقارب بين المسلمين فاشلة؟
نملك رصيدًا كبيرًا مِن تجارب ناجحة.
لماذا أتعامل مع التَّجارب الفاشلة وأترك التَّجارب النَّاجحة؟
لدينا تجارب ناجحة كثيرة: تجارب في الماضي، وتجارب في الحاضر.
تجارب وحَّدت المسلمين وقاربت بينهم.
تجارب وحدة ناجحة بين المسلمين
1- تجربة دار التَّقريب بين المذاهب، والتي تأسَّست في الخمسينات قد حقَّقت نجاحات كبيرة.
التَّجربة الأولى مِن التَّجارب النَّاجحة في التَّآلف والتَّقارب بين المسلمين تجربة دار التَّقريب بين المذاهب.
في الخمسينات انطلق مشروع دار التَّقريب بين المذاهب مِن الأزهر بين علماء الأزهر وعلماء شيعة، حيث أطلق شيخ الأزهر وشيوخ وفقهاء شيعة هذا المشروع، وانطلق مِن القاهرة.
وكان مِن أنجح المشاريع التي وحَّدت المسلمين، أصبح الكتاب الشِّيعيِّ يُطبع في القاهرة، وأصبح الكتاب السُّنِّيِّ يُطبع في النَّجف، وتقارب الفكر الشِّيعيِّ مع الفكر السُّنِّيِّ، وصارت الزِّيارات المتبادلة بين علماء ومفكِّرين وأدباء ومثقَّفين، واستمر المشروع سنينًا، وصدرت عِدَّة كتابات وتأليفات في تلك المرحلة مِن التَّقارب بين المسلمين في مشروع دار التَّقريب المعروف.
ولكن بعد زمنٍ تدخَّلت السِّياسة فأجهضت المشروع، لم يجهضه الدِّين، ولم يجهضه التَّآلف بين المسلمين، سياسات ذلك العصر لم ترتضِ أنْ يلتقي الشِّيعيِّ والسُّنِّيِّ وتتآلف القلوب وتتقارب، فدخل المشروع السِّياسيُّ ليجهض هذا المشروع الإسلاميِّ الدِّينيِّ.
مشروع دار التَّقريب مشروعٌ ناجحٌ وبامتياز، ومَن لم يعاصر تلك المرحلة فليقرأ ذلك التَّاريخ؛ ليعلم كم كان لدار التَّقريب دورها الكبير في التَّوحيد.
فلماذا القول أنَّ كلَّ المشاريع في التَّقارب بين المسلمين هي مشاريع فاشلة؟!
2- مجمع التَّقارب الذي تأسَّس في إيران تجربة ناجحة.
في الجمهوريَّة الإسلاميَّة في إيران تأسَّس مجمع التَّقارب بين المسلمين، ولا زال قائمًا، ولا زال ناجحًا، يلتقي المسلم السُّنِّيُّ مع المسلم الشِّيعيِّ، وتُعقد ملتقيات ومؤتمرات بين المسلمين مِن كلِّ مذاهبهم، مِن كلِّ طوائفهم، فلماذا نقول: إنَّ كلَّ التَّجارب فاشلة؟!
هذه تجربة راهنة وقائمة ومستمِّرة، وتمارس دورها بكلِّ نجاح.
إذا كانت تجربة دار التَّقريب سقطت بفعل المشاريع السِّياسيَّة، فإنَّ مشروع التَّقارب الذي تأسَّس في الجمهوريَّة الإسلامَّية قائم، ويمارس دوره في التَّآلف والتَّقارب بين المسلمين، فهذا مشروع ناجح.
3- علماء المسلمين في لبنان
مشروعٌ ثالث ولا زال قائمًا أيضًا في لبنان، علماء المسلمين شيعة، وسُنَّة، ومذاهب مختلفة، يعقدون ملتقيات، ومؤتمرات، ولقاءات مستمِّرة وقائمة.
ولمن يقول مشروع التَّقارب فاشل، هذا مشروعٌ قائمٌ ومشروعٌ راهن وناجح.
4- البحرين شهدت تقاربًا كبيرًا بين السُّنَّة والشِّيعة.
هنا في البحرين، في عصرٍ مِن العصور، في زمنٍ مِن الأزمنة توحَّدَ الشِّيعة والسُّنَّة في بعض المشاريع، ومَن يقرأ التَّاريخ خاصَّة في الخمسينات يعرف هذه المسألة، وكيف التحم الشِّيعة والسُّنَّة في مشروعٍ واحد وتقاربوا.
فلذا حينما يأتي مَن يقول بأنَّ مشاريع التَّقارب بين المسلمين مشاريع فاشلة فلماذا نكرِّر المشاريع الفاشلة؟
نقول له: مَن قالَ أنَّها مشاريع فاشلة؟
نعم العقل اليائس، والعقل الذي يريد إنتاج الصِّراعات بين المسلمين، والعقل الذي يريد أنْ يخلق فجوات معمَّقة بين المذاهب يتحدَّث بهذه اللُّغة.
وأكرِّر أنَّ التَّقارب والتَّآلف لا يعني التَّخلِّي عن الهُويَّة، أو التَّخلِّي عن الانتماء أو المذهب.
هذه ثلاثة مشاريع واجهت المشروع الكبير الذي أطلقه الإمام الخمينيُّ (رضوان الله عليه)، ولا زال صوتُ هذا المشروع قائم، ولا زال أسبوع الوحدة قائم.
الاتِّجاه الرَّابع: الاتِّجاه الواثق بضرورة التَّقارب بين المسلمين
انطلاقًا مِن قولِ الله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ …}. (آل عمران/103)
هذا شعارٌ طرحه القرآن: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ …}، فنحن بحاجة إلى أنْ نؤسِّس لخطاب الوحدة.
ضمانات لنجاح خطاب الوحدة
(1) أنْ يكون خطابًا واعيًا
يجب أنْ يكون خطاب الوحدة بين المسلمين خطابًا واعيًا أوَّلًا، هناك خطابات غير واعية، وهناك خطابات متشنِّجة، نريد الخطاب الواعي الذي يضع خارطة طريق للتَّلاحم والتَّوحُّد والتَّقارب بين المسلمين.
(2) أنْ يكون خطابًا صادقًا
ليس لأغراضٍ، ولا لمصالح دنيا، ولا لمصالح سياسة، إنَّما لتوحيد القلوب، والاعتصام بحبل الله.
(3) أنْ يكون خطابًا فاعلًا ومُنتِجًا
العنوان الثَّاني: الإمامة الخاتمة
الإمامة الخاتمة تعني إمامة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، حيث تولَّى الإمامة في التَّاسع مِن ربيع الأوَّل سنة 260 للهجرة.
مطلوب أنْ نحرِّك خطاب الانتظار:
نحن بحاجة إلى أنْ ننشِّط خطاب الإمام المهديّ (عليه السَّلام) أو خطاب الانتظار.
إنَّنا في النِّصف مِن شعبان نحتفل بمولد الإمام الحُجَّة (عليه السَّلام)، وهو أضخم برامجنا الاحتفاليَّة، فكما أنَّ عاشوراء أضخم برنامج في الحزن، النِّصف مِن شعبان أضخم برنامج في الفرح، نحتفل بمولد الإمام الحُجَّة وهي مسألة في غاية الأهميَّة.
وإنْ كان هناك اختراقات خطيرة لمراسيم الاحتفال في النِّصف مِن شعبان، ونحن ذكَّرنا وكذلك العلماء في أحاديث مولد الإمام الحُجَّة (عليه السَّلام)، بوجود اختراقات كثيرة في ممارسات الاحتفاء بالنِّصف مِن شعبان، فقد دخل بعض العابثين وبعض المتلاعبين وزجَّ أساليب فاسدة تسيئ إلى سمعة المناسبة، وذاب شبابٌ ونساءٌ في هذا الجو المصنوع بطريقةٍ فِيها كثير مِن الانحراف.
إذًا نحن في النِّصف مِن شعبان نقيم احتفالات كبرى بذكرى الإمام الحُجَّة (عليه السَّلام)، بينما في التَّاسع مِن ربيع الأوَّل لا نحتفل بذكرى الإمام الحُجَّة (عليه السَّلام)، وهي ذكرى الإمامة!
إذا كانت هناك ذكرى الولادة، فهنا ذكرى الإمامة، حيث تسلَّم الإمام المنتظر (عليه السَّلام) منصب الإمامة وبدأ مشروع الانتظار في التَّاسع مِن ربيع الأوَّل، وبدأنا نعيش إمامة الإمام المهديّ (عليه السَّلام).
فمِن الضَّروريّ جدًّا أنْ نكرِّس الحديث عن الانتظار في ثلاث مناسبات مركزيَّة، أنا ذكرتها في أكثر مِن حديث، وأُكرِّر وأعيد، ثلاث مناسبات نحتاج فيها أن نركِّز الحديث عن الإمام المهديّ (عليه السَّلام):
(1) في ذكرى مولد الحُجَّة (عليه السَّلام)
في النِّصف مِن شعبان مطلوب أنْ نتحدَّث عن الإمام المهديّ (عليه السَّلام) بكثافة وبتركيز.
(2) في ذكرى تنصيب الحُجَّة
في التَّاسع مِن ربيع الأوَّل مطلوب أنْ نتحدَّث عن الإمام الحُجَّة (عليه السَّلام) لأنَّه يوم الإمامة الخاتمة.
(3) في ذكرى عاشوراء (المهديُّ الآخذ بثأر الحُسين)
هناك مَن يقول: ما علاقة عاشوراء بالإمام الحُجَّة (عليه السَّلام)؟
عاشوراء لها كلُّ العلاقة بالإمام الحُجَّة (عليه السَّلام).
عندما تقرأون زيارة عاشوراء ترون في أكثر مِن موضعٍ يُذكر الإمام الحُجَّة (عليه السَّلام).
ما هي علاقة عاشوراء بالإمام المُنتظر (عليه السَّلام)؟
الإمام المنتظر (عليه السَّلام) هو الذي سيأخذ ثأر الإمام الحُسين (عليه السَّلام).
فإذًا الإمام الحُجَّة له علاقة كبيرة كبيرة جدًّا بذكرى عاشوراء.
ومع الأسف في عاشوراء لا يُذكر الإمام المنتظر (عليه السَّلام)، وهذه مسؤوليَّة خطاب منبر، وأنا أقول وأوجِّه خطابي لأصحاب المنابر الحُسينيَّة: ليكن الإمام المنتظر (عليه السَّلام) حاضرًا في خطاب عاشوراء، وفي مجالس عاشوراء، وفي مواكب عاشوراء؛ لأنَّ الإمام المنتظر (عليه السَّلام) هو الثَّائر لدم الحُسين (عليه السَّلام)، فيجب أنْ نُمركز في وعي الأجيال العاشورائيَّة حضور الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
هذه مواقع مركزيَّة يجب أنْ يكون فيها حديثٌ عن الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
(4) في كلِّ المناسبات الدِّينيَّة
وهناك مراكز أخرى رافدة داعمة، فأيُّ مناسبة مِن مناسبات الإسلام والنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السَّلام) لا بدَّ أنْ نتحدث فيها عن الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)؛ لأنَّ كلٌّ مِن الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) وامتدادًا للأئمَّة (عليهم السَّلام) كلُّهم ركَّزوا عقيدة الانتظار، لا يوجد إمام لم يتحدَّث عن الانتظار.
اقرأوا أحاديث الأئمَّة (عليهم السَّلام)، وما صدر عنهم في قضيَّة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) وقضيَّة الانتظار.
كمُّ كبير مِن الأحاديث حول قضيَّة الإمام المهديّ (عليه السَّلام)، وقد وصلت إحصائيَّات بعض الباحثين إلى ستَّة آلاف حديث، ولا أقول بأنَّ كلّها صحيح، فليكن نصفها صحيح، ربعها صحيح، عُشرها صحيح.
أيُّ مسألةٍ صدر فيها هذا الكمُّ مِن الأحاديث؟
إذًا كلُّ الأئمَّة (عليه السَّلام) كان لديهم خطاب يتَّصل بالإمام المنتظر (عليه السَّلام)، وهذا يعني أنَّ كلَّ مناسباتنا لا بدَّ أنْ يكون الإمام المنتظر (عليه السَّلام) حاضرًا فيها.
(5) أنْ يكون خطاب الانتظار مفتوحًا
ماذا نعني بخطاب الانتظار؟
جميلٌ أنْ أدعو للإمام بتعجيل الفرج، وجميل أنْ أقف عند ذكر الإمام، فهي مراسيم تعمَّق وعي الارتباط بالإمام المهديّ (عليه السَّلام)، وتعمِّق عشق الارتباط بالإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، ولكن ليس هذا هو الانتظار، الانتظار أعمق وأقوى.
– أنا أنصح بقراءة دعاء العهد المنسوب إلى الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).
• رُوِيَ عَن الإمام الصَّادِقِ (عليه السَّلام) أنَّهُ قالَ: «مَن دَعا إلَى اللهِ تَعالى أربَعينَ صَباحًا بِهذَا العَهدِ كانَ مِن أنصارِ قائِمِنا، فَإِنْ ماتَ قَبلَهُ أخرَجَهُ اللهُ تَعالى مِن قَبرِهِ، وأَعطاهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ ألفَ حَسَنَةٍ، ومَحا عَنهُ ألفَ سَيِّئَةٍ». (مفاتيح الجنان، الشَّيخ عبَّاس القمّيّ، ص 539)
أربعين صباحًا تقرأ دعاء العهد بصدق تكون مِن أنصار الإمام المهديّ (عليه السَّلام).
في دعاء العهد أنت تُعلِن البيعةَ للإمام المهديّ (عليه السَّلام).
إذا كنت صادقًا أربعين صباحًا فأنت تبايع الإمام المهديّ (عليه السَّلام) بيعة صادقة، فكيف لا تكون مِن أنصار الإمام؟
– اقرأوا زيارة الإمام المنتظر (عليه السَّلام) في كلِّ صباح، واقرؤوا دعاء العهد في كلِّ صباح تتهيَّؤون روحيًّا، فكريًّا، ثقافيًّا، سُلوكيًّا لأنْ تكونوا في خطِّ الإمام.
أ- امتلاك وعي الانتظار
عليكم بالقراءة، خاصَّة الشَّباب فليقرأوا بعض الكتابات المبسَّطة.
– (في انتظار الإمام) للشَّيخ الفضليِّ.
– (بحث حول الإمام المنتظر) للشَّهيد السَّيِّد مُحمَّد باقر الصَّدر.
– (الإمامة الخاتمة) للسَّيِّد عبد الله الغريفي
– (أحاديث وكلمات حول الامام المنتظر (عج)) للسَّيِّد عبد الله الغريفي.
هذه كتابات سهلة ومُيسَّرة.
خطاب للجميع، ولأبنائنا الشَّباب خاصَّة: اصنعوا ثقافتكم الانتظاريَّة.
حاولوا أنْ تقرأوا، أنْ تسألوا، أنْ تراجعوا حتَّى يتشكَّل عندكم ارتباطٌ حقيقيٌّ بالإمام المنتظر (عليه السَّلام).
ب- امتلاك عشق الانتظار
ج- امتلاك قِيَم الانتظار
د- امتلاك تقوى الانتظار
ه- امتلاك جهاد الانتظار (فاعليَّة الانتظار).
أكتفي بهذا القدر مِن الحديث، وأسأل الله لي ولكم كلَّ الخير، وكلَّ التَّسديد وأنْ نرتبط ارتباطًا حقيقيًّا بنبيِّ الله (صلَّى الله عليه وآله) في ذكرى ولادته، وأنْ نرتبط بوليِّ الله الإمام المنتظر (عليه السَّلام) في ذكرى إمامته.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.