حديث الجمعة 604: الخطاب الدِّيني (3) (مسارات النَّجاح لخطاب الإصلاح) | مسؤوليَّة الحفاظ على الثَّوابت الدِّينيَّة والوطنيَّة لهذا الوطن | كلمةٌ مندِّدةٌ بالكيان الصُّهيوني الغاصب

الخطاب الدِّيني (3)

عناوين الكلمة:

العنوان الأوَّل: الخطاب الدِّيني (3) (مسارات النَّجاح لخطاب الإصلاح)

العنوان الثَّاني: كلمتان أخيرتان:

1- مسؤوليَّة الحفاظ على الثَّوابت الدِّينيَّة والوطنيَّة لهذا الوطن

2- كلمةٌ مندِّدةٌ بالكيان الصُّهيوني الغاصب

—————————————————————-

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الهداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

العنوان الأوَّل: الخطاب الدِّيني (3)

لا زلنا مع النَّص القرآني وهو قولُه تعالى:

• {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب/70 – 71)

في الجمعةِ ما قبل الماضية أكَّدت الكلمةُ: أنَّ الدِّين هو الذي يحدِّد مسؤوليَّاتِ الخطاب الدِّينيّ وليس أيَّة جهاتٍ أخرى، وهذا لا يعني أنْ لا يضع الخطاب الدِّينيُّ في حسابه (الحيثيَّات الموضوعيَّة المتحرِّكة) وهو أمرٌ مطلوبٌ جدًّا، ومِن خلاله تتشكَّل المسارات النَّاجحة للخطاب.

وفي الجمعة الماضية أكَّدت الكلمة: أنَّ مشاريعَ الإصلاحِ في داخل الأوطان يتحمَّل مسؤوليَّاتها أنظمة الحُكم، وكلُّ الكفاءاتِ والقُدراتِ، وجماهير الأُمَّة مع التَّفاوت الكبير في حجم المسؤوليَّة، وفي إمكانات الإصلاح والبناء، فمسؤوليَّة الأنظمة تأتي في المقام الأوَّل، لتلتحم معها بقيَّة المسؤوليَّات.

◊ مسارات النَّجاح لخطاب الإصلاح

وفي حديثِ اللَّيلةِ تحاول الكلمة أنْ تُحدِّد مسارات النَّجاح لخطاب الإصلاح:
– الإيمان
– التَّقوى
– القول السَّديد

المسار الأوَّل: المسار الإيمانيِّ

• {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا …}
ليس هناك قوَّة أكبر مِن (الإيمان) تدفع نحو (الإصلاح والبناء).
ومهما اعتمدت الأنظمة والقوى السِّياسيَّة مِن أدوات لخلق وعي الإصلاح والبناء والتَّغيير؛ فهي لا تملك أنْ ترتقي إلى مستوى خطاب الدِّين، فالإصلاح في منظور الدِّين عبادة مِن أقدسِ العبادات.
دُعاة الإصلاح مِن سياسيِّين ووطنيِّين مهما كانت منطلقاتهم صادقة ونبيلة، بغض النَّظر عن طبيعة مشاريع الإصلاح، فيما هو الحقُّ وفيما هو الباطل، وفيما هو الصَّحيح وفيما هو الخطأ، فإنَّ الإصلاح في منظور الدِّين يبدأ من صناعة الضَّمير الإيمانيِّ، ويتَّسع لصناعة القِيَم الرُّوحيَّة، وهذا ما يُحصِّنُ كلَّ المسارات الإصلاحيَّة.

◊ لماذا تفشل أكثر مشاريع الإصلاح السِّياسيِّ؟

لأنَّها لا تتَّجه إلى صناعة الضَّمير، ولا إلى صناعة القِيم الرُّوحيَّة.
ومهما وُضعت مِن إجراءات رادعة وقاسية، تبقى عاجزة وفاشلة في القضاء على الفساد الإداريّ.
لا يقضي على هذا الفساد الفتَّاك، والذي دمَّر الأوطان ودمَّر الشُّعوب إلَّا البناء الرُّوحيِّ والأخلاقيِّ.
مِن هنا فإنَّ ثقافة الدِّين، وثقافة الأخلاق يجب أنْ تُؤَصَّل في أوطاننا، وفي مؤسَّساتنا.
هذه الثَّقافة ليست للتَّرف الفكريِّ، وليست للاستهلاك، إنَّها ثقافة التَّحصين، وثقافة التَّأصيل، وثقافة البناء.
الثَّقافة التي تحمي الأوطان في مواجهة كلِّ أسباب العبث والفساد، وفي حماية الشُّعوب مِن مواجهة كلّ المنزلقات المدمِّرة، وكلّ الخيارات العابثة.

المسار الثَّاني: التَّقوى

• {… اتَّقُوا اللَّهَ …}
لا يحمي مشاريع الإصلاح شيئٌ كما يحميها التَّقوى.
رُبَّما تكون مشاريع الإصلاح صائبة.
ورُبَّما تكون مشاريع الإصلاح جادَّة.
ورُبَّما تكون مشاريع الإصلاح نظيفة.
إلَّا أنَّ نجاح هذه المشاريع يحتاج إلى: تقوى، وإلى صلاح، وإلى استقامة.
(التَّقوى التَّقوى)، (الصَّلاحُ الصَّلاحُ) هوَ الذي يؤسِّس لنجاح كلِّ المشاريع: مشاريع الإصلاح، ومشاريع البناء، ومشاريع التَّغيير.
التَّقوى في مساحاتها الكبيرة والشَّاملة.

المسار الثَّالث: القول السَّديد

• {… وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}
(إيمان، تقوى، قول سدید).
فالإيمان هو المحرِّك نحو مشاريع الإصلاح والبناء.
والتَّقوى هي المُحصِّن لمشاريع الإصلاح والبناء.
والقول السَّديد هو الرَّاعي لمشاريع الإصلاح والبناء.
فكم تحطَّمت هذه المشاريع نتيجة خطابٍ فاشل.
وكم انحرفت هذه المشاريع نتيجة كلمةٍ لا تملك الرُّشد.
وكم ارتبكت هذه المشاريع نتيجة رؤية متخلِّفة.
والقول السَّديد يعني الوعي والبصيرة.
والقول السَّديد يعني الرُّشد والخبرة.
والقول السَّديد يعني التَّجربة والممارسة.
والقول السَّديد يعني الخيارات الصَّائبة.
والقول السَّديد يعني المسارات النَّاجحة.

والخلاصة:
إنَّ الايمان في مكوِّناته الأصيلة.
والتَّقوى في مضامينها المتحرِّكة، وفي خطوطها العمليَّة، وفى تجسُّداتها الصَّادقة.
والقول الذي يحمل الصِّدقَ والحقَّ والعدلَ، ويتحرَّك في مساراتِ الصَّواب، ويرفض الباطل وكلَّ أشكالِ العبثِ.

هكذا يتحقَّقُ الإصلاحُ بكلِّ امتداداته:
– إصلاح الفرد
– إصلاح الأسرة
– إصلاح الأُمَّة
– إصلاح الشُّعوب
– إصلاح الأوطان

وهكذا يتحقَّق الإصلاحُ بكلِّ مضامينِهِ:
– إصلاح الوعي
– إصلاح الضَّمير
– إصلاح العواطف
– إصلاح السُّلوك في كلِّ مساحاته الممتدة.
هذا على مستوى الدُّنيا.

وأمَّا على مستوى الآخرة فغفران الذُّنوب.
• {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا هو المرتكز الأوَّل.
• {اتَّقُوا اللهَ} هذا هو المرتكز الثَّاني.
• {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} هذا هو المرتكز الثَّالث.
• {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} هذا هو المعطى الأوَّل في الدُّنيا.
• {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} هذا هو المعطى الثَّاني في الآخرة.
ونتيجة الطَّاعةِ والاستقامةِ على خطِّ اللهِ تعالى هو الفوز العظيم.
• {… وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب/71)
وهذا الفوز العظيم هو دخول الجنَّة، وفيها ما لا عينٌ رأت ولا خَطَر على قلبِ بشر.

• {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}. (محمَّد/15)

• {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}. (الرَّعد/35)

• وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «قالَ الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصَّالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذنَ سمعت، ولا خطر على قلبِ بشر». (1)

• وفي الكلمة عنه (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إنَّ في الجنَّة غُرُفًا يُرى ظاهرُها من باطِنها، وباطنُها مِن ظاهِرها يسكنها مِن أُمَّتي مَن أطاب الكلام، وأطعم الطَّعام، وأفشى السَّلام، وصلَّى باللَّيل والنَّاسُ نيام». (2)

• وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ يضمن لي خمسًا أضمن له الجنَّة.
قيل: وما هي يا رسول الله؟
قالَ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
النَّصيحة لله عزَّ وجلَّ.
والنَّصيحة لرسولِهِ.
والنَّصيحة لكتاب الله.
والنَّصيحة لدين الله.
والنَّصيحة لجماعة المسلمين». (3)

النَّصيحة لله عزَّ وجلَّ: الاعتقاد بوحدانيَّة الله، والإخلاص في العبادة، ونصرة الحقِّ في الله.
النَّصيحة لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): التَّصديق بنبوَّته ورسالته، والانقياد لأوامره ولنواهيه.
النَّصيحة لكتاب الله: التَّصديق بهِ، والعمل بما فيه، والدِّفاع عنه، وحمايته من تأويل الجاهلين، وتحريف المبطلين والعابثين.
النَّصيحة لدين الله: الإيمان به، والالتزام بتعاليمه، والدِّفاع عنه.
النَّصيحة لجماعة المسلمين: المحبَّة لهم، والتَّعاون معهم، والدِّفاع عن مصالحهم وقضاياهم العادلة.
وهكذا تتشكَّل مسارات الحياة في خطِّ الآخرة.
وهنا الفارق الكبير جدًّا جدًّا بين مشاريع يصنعها الإنسانُ المفصول عن حسابات الآخرة، والمشاريع
التي يصنعها الإنسانُ المشدود إلى حسابات الأخرة.
المشاريع الأولى محكومة لأهواء الإنسان، ولكلِّ النَّزوات، وأغراض الدُّنيا.
والمشاريع الثَّانية محكومة لتوجيهات السَّماء، ولقيم الدِّين، ولحسابات الآخرة.

العنوان الثَّاني: كلمتان أخيرتان

1- مسؤوليَّة الحفاظ على الثوابت الدِّينيَّة والوطنيَّة لهذا الوطن

إنَّ مسؤوليَّةَ النِّظام، ومسؤوليَّةَ كلّ القوى الفاعلةِ، ومسؤوليَّةَ شعبنِا الغيور على دينِهِ وقِيمِهِ هي (الحفاظُ على كلِّ الثَّوابتِ الدِّينيَّة، وكلِّ الثَّوابتِ الأخلاقيَّةِ لهذا الوطن).
وإِنَّ أيَّ تفريطٍ في حمايةِ هذه الثَّوابتِ هو وصمةُ عارٍ لا تُمحى من ذاكرة الأجيالِ، وتُعرِّضُ إلى غضبِ اللهِ تعالى الواحد الجبَّار.
مطلوبٌ أنْ تتآزر كُلُّ المواقعِ، وكُلُّ القُوى، وكلُّ الجماهيرِ في حمايةِ ثوابتِ الدِّينِ وقِيَم الدِّين.
فلا عِزَّة ولا كرامة لهذا الوطنِ إلَّا حينما تقوى وتتمركز هذه الثَّوابتُ وهذه القِيَم.
ولا قِيمةَ لأيِّ حساباتٍ أخرى مهما كانت عناوينها؛ ما دامتْ تتنافي مع ثوابتِ الدّينِ وقِيمِهِ.
ولا قِيمةَ لأيَّةِ خياراتٍ؛ ما دامتْ ضارَّةً بسمعة هذا الوطنِ وبعزَّتِهِ وشرفِهِ.
ولا قِيمةَ لأيَّةِ قناعاتٍ؛ ما دامتْ لا تحمي كرامةَ هذا الوطنِ.
إنَّ قرار الوقف الفوريِّ لكلِّ التَّغييراتِ في المناهج التَّعليميَّة، كونها تصطدم مع ثوابتِ الدِّين وقِيمِهِ، قرارٌ نُثمنُّهُ ونُقيِّمهُ.
فمطلوبٌ جدًّا الحفاظ على هذه الثَّوابتِ، وهذه القِيم، ولا يجوز التَّفريط بها مهما كانت الأسباب والمبرِّرات.
كما هو مطلوبٌ جدًّا في مناهج التَّعليم، وخاصَّة المناهج الدِّينيَّة أنْ تبتعد عن أيَّة مؤزِّمات ومنزلقات مذهبيَّة، لها تأثيراتها على وحدة هذا الشَّعب وتلاحمه، وعلى حماية قِيمه الأصيلة.
إنَّ إيقاف التَّغييرات التي حاولت أنْ تؤسِّس لمساراتٍ دخيلةٍ على هذا الشَّعب، بكلِّ طوائفهِ ومذاهبهِ أمرٌ في غاية الأهميَّة والضَّرورة، وإذا كانت هناك مراجعة لمناهجنا التَّعليميَّةِ فمطلوبٌ جدًّا أنْ تحرص هذه المناهج على صناعةِ المواطنِ المعتزِّ بهُويَّتهِ الإيمانيَّةِ، والدِّينيَّةِ، والرُّوحيَّةِ، والأخلاقيَّةِ.
وأنَّ أيَّ انحيازٍ عن هذا الهدفِ؛ يضعُ المناهجَ التَّعليميَّةَ خارجَ الهُويَّة الأصيلةَ لهذا الوطن، ولهذا الشَّعب.

2- كلمةٌ مندِّدةٌ بالكيان الصُّهيوني الغاصب

وفي الختام هذه كلمةٌ مندِّدةٌ بالكيان الصُّهيوني الغاصب حيث يواصل أبشعَ الجرائم في حقِّ الشَّعب الفلسطيني المظلوم، فقد أرعب ودمَّر وقتل العشرات وهم نائمون في فجر الثلاثاء، وهكذا قتل النِّساء والأطفال، وهدم البيوت، واغتال رجال المقاومة البواسل، ورغم كلّ هذا العبث الذي يمارسه الكيان الظَّالم فإنَّ صمود شعبنا في فلسطين يزداد قوَّةً وصلابةً وثباتًا وتحدِّيًّا؛ ممَّا أدخل الرُّعب في قلوب الصَّهاينة، وأوجد الانهيار لدى الكيان الغاصب.
أكفُّنا الضَّارعة إلى الله ترتفع داعية إلى أهلنا في فلسطين، فالنَّصر حليفهم، والخزي والعار للصَّهاينة الغاصبين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:

1- الرَّيشهري: ميزان الحكمة 2/96، (ب 554: عظمة نعيم الجنَّة)، ح 2688.

2- الصَّدوق: الأمالي، ص 407، (المجلس الثَّالث والخمسون)، ح 525/5.

3- الصَّدوق: الخصال، ص 294، (باب الخمسة، قول النَّبيّ (ص) من يضمن لي خمسًا أضمن له الجنَّة)، ح 60.