حديث الجمعة 603: الخطاب الدِّيني (2) – كلمة أخيرة: مشكلة الوقف وموقفنا الشَّرعي
حديث الجمعة 603 | التاريخ 14 شوال 1444 | الموافق 4 مايو 2023 | مسجد الإمام الصادق بالقفول - البحرين
الخطاب الدِّيني (2)
عناوين الكلمة:
1- الخطاب الدِّيني (2)
– ما العلاقة بين القول السَّديد والإصلاح؟
– مَنْ يتحمَّلُ مسؤوليَّةَ إنتاجِ الإصلاحِ ومواجهةِ الفسَادِ؟
– ما دور الخطاب الدِّيني في بناء الأوطان؟
– مرتكزات الخطاب الدِّيني
2- كلمة أخيرة: مشكلة الوقف وموقفنا الشَّرعي
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين، محمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهرين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
♦ الخطاب الدِّيني (2)
نتابع الحديث حول (الخطاب الدّيني) انطلاقًا من الآية الكريمة:
{… وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ…}. (1)
◊ ما العلاقة بين القول السَّديد والإصلاح؟
القول السَّديد ينتظم مجموعة عناوين كبيرة:
– هو دعوةٌ إلى الله.
– هو دعوةٌ إلى المحبّةِ والتَّسامح.
– هو دعوةٌ إلى الوحدةِ والتَّقارب.
– هو دعوةٌ إلى رفضِ الظُّلمِ والفساد.
– هو دعوةٌ إلى رفض العنفِ والتَّطرُّفِ والإرهاب.
– هو دعوةٌ إلى مواجهةِ كلِّ الأزمات.
– هو دعوةٌ إلى معالجةِ هُمومِ النَّاسِ المعيشيَّةِ والاجتماعيَّةِ والسِّياسيَّةِ والأمنيَّة.
ومتى تحرَّكت هذه العناوين بوعيٍ وصدقٍ كانت النتيجة (الإصلاح)؛ إصلاحُ الشُّعوب، وإصلاحُ
الأوطان، إصلاح الأفراد، إصلاح الجماعات، إصلاح المؤسَّسات.
وأخطر ما يواجِهُ الأوطانَ ويواجِهُ الشُّعوبَ (الفَسَاد): الفَسادُ الثَّقافي، الفَسادُ الأخلاقي، الفَسادُ الاجتماعي، الفَسَادُ الاقتصادي، الفَسادُ الإعلامي، الفَسادُ السِّياسي، الفَسَادُ الأمني.
ويُقابلُ الفَسَادَ (الإصلاحُ) بكلِّ امتداداتهِ الثَّقافيةِ، والأخلاقيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والاقتصاديَّةِ، والإعلاميَّةِ، والسِّياسيَّةِ، والأمنيَّةِ.
هنا سؤالٌ في غايةِ الخطورةِ:
◊ مَنْ يتحمَّلُ مسؤوليَّةَ إنتاجِ الإصلاحِ ومواجهةِ الفسَادِ؟
يتحمَّل هذه المسؤوليَّةَ ثلاثةُ مواقعَ متفاوتةٍ في حجم المسؤوليَّة، وإنْ كان مطلوبًا أن تتآزر هذه المواقع، وإلَّا أرتبكَ أيُّ مشروع للإصلاح.
وأكرِّر أنَّ هذا لا يعني تَساوي المسؤوليَّات.
المواقع التي تتحمَّل مسؤوليَّةَ انتاجِ الإصلاحِ ومواجهةِ الفساد هي:
1- الأنظمة الحاكمة
2- الكفاءات الوطنيَّة
3- الجماهير الشَّعبيَّة
(1) الأنظمةُ الحاكمةُ:
فهي تملكُ كلَّ (القدراتِ) و(الإمكاناتِ) لإنتاج الإصْلاحِ، ومواجهةِ الفسادِ بكلِّ امتداداتِهِ ومساحاتِه.
فبِيَد الأنظمةِ الحاكمةِ:
– إمكاناتُ السِّياسةِ
– وإمكاناتُ الأمنِ
– وإمكاناتُ الاقتصادِ
– وإمكاناتُ الثَّقافةِ
– وإمكاناتُ الإعلامِ
– وإمكاناتُ التَّربيةِ
– وإمكاناتُ البناءِ
وهذا يفرض على أنظمةِ الحُكم أنْ تتحمَّل المسؤوليَّةَ الأولى لوجود أيِّ فَسَادٍ سياسيٍّ، أو أمنيٍّ، أو اقتصاديٍّ، أو ثقافيٍّ، أو إعلاميٍّ، أو تربويٍّ.
وأنْ تتحمَّلَ المسؤوليَّةَ الأولى في تنشيط (مشاريع الإصلاح)، ومتى تخلَّت الأنظمة عن مسؤوليَّاتها في ذلك تعقَّدت كلُّ المحاولات وارتبكت كلُّ الخيارات، واستمر التأزُّم في كلِّ المسارات، وكان الضَّحيَّة الأوطان والشُّعوب.
(2) الكفاءاتُ الوطنيَّة ودورها في الإصلاح
– كفاءاتُ العلمِ والثَّقافةِ
– كفاءاتُ السِّياسةِ
– كفاءاتُ الاقتصادِ
– كفاءاتُ الإعلام
– وبقيَّة الكفاءات…
وأوطاننا غنيَّة بهذه الكفاءات والقُدُرات.
وممَّا يُؤسَف له أنَّ الكثير منها مُعطَّلة.
ومسؤوليَّة تنشيط هذه القُدُرات في خدمة الأوطان هي:
أ- مسؤوليَّة الأنظمة في توفير فرص التَّوظيف لهذه الإمكانات العلميَّة والتَّخصُّصيَّة.
ب- مسؤوليَّة أصحاب الكفاءات في أنْ يمارسوا أدوارَهم في إنتاج الإصلاحِ ومواجهة الفساد، بشرط أن تكون أدوات الإصلاح ومواجهة الفساد أدوات واعية وبصيرة ومشروعة.
ومن الجناية الكبرى على الأوطانِ أنْ تتعطَّل هذه القدرات، ويتحمَّل مسؤوليَّة هذا التَّعطُّل الأنظمة الحاكمة إنْ كانت هي المعطِّلة لهذه القدرات من خلال الحرمان من الوظائف، أو من خلال محاصرة أدوارهم.
وإلَّا تحمَّل أصحاب الكفاءات مسؤوليَّة هذا التَّعطُّل إنْ كانوا هم السَّبب في ذلك.
وحينما نُحمِّل الأنظمة مسؤوليَّة حرمان الأوطان من قُدُرات الشُّعوب وكفاءَاتها لا يعني أنَّ أصحاب هذه القُدُرات والكفاءات لا يتحمَّلون شيئًا من المسؤوليَّة؛ وذلك حينما تتوفَّر لهم الفرص فیفرِّطون في توظيف القدرات.
(3) الجماهير ودورها في إنجاح مشاريع الإصلاح
فأيُّ مشروع ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي، أو سياسي أو أمني لا تتفاعل معه جماهير الأوطانِ يتلكَّأ، يرتبك، يتأزَّم، يفشل.
دور الجماهير في إنجاح مشاريع الإصلاح دور كبير ومهم جدًا، فهم القاعدة لكلِّ هذه المشاريع، فمتى غاب تفاعل الجماهير تعطَّلت وارتبكت كلُّ مسارات الإصلاح، وإنْ كان في الغالب أنَّ الشُّعوب في قواعدها الشعبية لا تُعارض بل تؤيِّد كلَّ المشاريع الجادَّة والصَّادقة التي تخدم الأوطان.
والخلاصة أنَّه من أجل إنجاحِ أيِّ مشروع إصلاحي في أيِّ وطنٍ مطلوب أن تتآزر لإنجاحه:
1- الإمكانات الرَّسميَّة الحاكمة
2- والإمكانات والكفاءات التَّخصُّصيَّة
3- والإمكانات الجماهيريَّة.
فغياب أيّ مفصلٍ من هذه المفاصلِ يعطِّل مشاريع الإصلاح، أو يربك حركتها.
وحيما نؤكِّد على ضرورة أنْ تتلاحم هذه المواقع الرَّسميَّة والتَّخصُّصيَّة والجماهيريَّة في إنجاح مشاريع الإصلاح؛ فمن المهم التَّأكيد على أنْ يكون هذا الإصلاح إصلاحًا حقيقيًّا وليس إصلاحًا شكليًّا.
فلا قيمة لأي توافق متى غابت المكوِّنات الجادَّة للإصلاح، ومتى غابت الوسائل الفاعلة.
ربمًا تكون النَّوايا صادقة.
وربَّما تكون الأهداف حقَّة.
وربما تكون المكوِّنات سليمة.
ولكن مسارات التَّطبيق خاطئة فتتعثَّر مشاريع الإصلاح.
◊ عودة للآية الكريمة
أعود للآية التي بدأتُ بها الحديث، وهي قوله تعالى: {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (سورة الأحزاب: الآيتان 70 – 71)
هنا سؤال يُطرح: ما دور القول السَّديد في إنتاج الإصلاح؟
وبتعبير آخر:
◊ ما دور الخطاب الدِّيني في بناء الأوطان؟
تصنِّف لغة هذا العصر (الخطاب) إلى خِطابٍ ديني، وخِطابٍ ثقافي، وخطابٍ اقتصادي، وخطابٍ سياسي، وخطابٍ إعلامي، وخطابٍ أمني، وخطابٍ حقوقي، إلى آخر العناوين السَّائدة في لغة هذا العصر.
ولا أريد أنْ أدخل في مناقشة هذا التَّصنيف، وما يعنيني هنا الحديث عن الخطاب وِفق المفهوم الذي يحدِّده الدِّين نفسه.
فهل يتَّسع خطاب الدِّين لكلِّ تلك العناوين؟
في حديث الجمعة الفائتة أوضحت أنَّ خطاب الدِّين لا تعنيه المسارات التَّخصُّصيَّة فهي متروكة للقدرات المتخصِّصة.
فعلماء الاقتصاد هم المعنيُّون بمعالجه الشُّؤون الاقتصاديَّة التَّخصُّصيَّة.
وعلماء السِّياسة هم المعنيُّون بمعالجة الشُّؤون السِّياسيَّة التَّخصُّصيَّة.
وهكذا علماء الحقوق المدنيَّة، وعلماء الأمن، وعلماء الإعلام، وعلماء الشُّؤون العسكريَّة …
وأمَّا المسارات التَّطبيقيَّة فيما هي الممارسات والسُّلوكيَّات فهناك ما هو مشروع وِفق منظور الدِّين، وهناك ما هو غير مشروع.
وهذا ما يُعطي خطاب الدِّين الحقَّ في أن يقول كلمته في كلِّ مساحات الحياة، فالدِّين جاء لينظِّم حركة الإنسان في خطِّ الصَّلاح والإصلاح.
وهذا يعني أنَّ الدِّين وضع مشروعًا متكاملًا لصناعة الإنسان والحياة في خطِّ التَّكامل والبناء.
فكما يُنظِّم الدِّين حياة الإنسان العباديَّة يُنظِّم حياته الاجتماعيَّة، ويُنظِّم حياته الاقتصاديَّة، ويُنظِّم حياته الثَّقافيَّة، ويُنظِّم حياته الأسريَّة، ويُنظِّم حياته الأخلاقيَّة، ويُنظِّم حياته السِّياسيَّة، ويُنظِّم حياته الأمنيَّة.
وهذا يفرض أن يتَّسع خطاب الدِّين إلى جميع هذه المساحات، بشرط أنْ يمتلك أصحابُ هذا الخطاب:
أوَّلًا: كفاءة الدِّين
وثانيًا: كفاءة الواقع
وثالثًا: كفاءة الخطاب
فمَنْ فَقَد هذه المكوِّنات، أو بعضها فليس مؤهَّلًا أنْ يقول كلمة الدِّين.
فليس كلُّ خطاب يتحدَّث باسم الدِّين هو خطاب دين.
ما دام لا يملك الكفاءات والقدرات العلميَّة والفكريَّة التي تؤهِّله أنْ يقول كلمة الدِّين.
◊ مرتكزات الخطاب الدِّيني
المرتكز الأوَّل: كفاءة الدِّين
الفقهاء الثُّقاة العدول هم (حصون الإسلام) كما جاء في الحديث (2)، فمن أخذ دينه من غير هؤلاء فقد ضلَّ وتاه، وتنازعته المسارات، وانحرفت به الدُّروب، وكانت مآلاته إلى الهلاك.
تفقهوا في دين الله.
• ففي الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «إذا أرادَ اللهُ بِعَبدٍ خَيرًا فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ وألهَمَهُ رُشدَهُ».(3)
والمسارات الصَّائبة للتَّفقُّه في الدِّين، ولبناء الوعي والرُّشد والبصيرة، هو الرجوع إلى فقهاء الدِّين المأمونين.
ولا ينهزم الشَّيطان وقُوى الشَّيطان إلَّا بوجود الفقهاءِ حُرَّاسِ العقيدة، وحُرَّاسِ المفاهيم، وحُرَّاسِ القِيَم.
• في الكلمة عن رسولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «فَقيهٌ واحِدٌ أشَدُّ على إبليسَ مِن ألفِ عابِدٍ».(4)
هنا القيمة الكبرى أن يمتلك (خطاب الدِّين) كلَّ البصيرة وكلَّ الرُّشد في الدِّين، وكلَّ الفقه في الدِّين.
ومن أخطر الكوارث على مساراتِ الأجيال أن يكون صُنَّاع الوعي، وصُنَّاعُ القِيَم، وصُنَّاعُ السُّلوكِ، وبعبارة أخرى: أنْ يكون حملة الخطاب لا يملكون فقهَ الدِّين، ورُشدَ الدِّينِ، وبصيرة الدِّين.
هذا أوَّلُ مرتكزاتُ الخطابِ الدِّيني.
المرتكز الثَّاني: كفاءة الواقع
وثاني المرتكزات: أنْ يمتلك الخطابُ رؤيةً صائبةً لكلِّ الواقعِ المتحرِّك في كلِّ مساحاته الثَّقافيَّة،
والرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة، وبقيَّة المساحات.
ومتى غابت هذه الرُّؤية، أو تاهت كان الموقف خاطئًا أو تائهًا.
المرتكز الثَّالث: كفاءة الخطاب
وثالثُ المرتكزاتِ أنْ يمتلك الخطاب كفاءة التَّعبير، وكفاءة اللُّغة، وكفاءة الأسلوب.
فربَّما امتلك الخطابُ الدِّيني كلَّ الوعي.
وربَّما امتلك الخطابُ الدِّيني كلَّ الرُّؤية الصَّائبة للواقع.
إلَّا أنَّه لا يمتلك كفاءة اللُّغة والتَّعبير، وكفاءة الأسلوب.
هنا يفشل الخطاب الدِّيني في أداء رسالته.
وهنا يفشل الخطاب الدِّيني في معالجة أوضاع السَّاحة.
وهنا يفشل الخطاب الدِّيني في حماية الأجيال.
وهنا يفشل الخطاب الدِّيني في إنتاج الوعي.
♦ كلمة أخيرة: مشكلة الوقف وموقفنا الشَّرعي
الوقف عنوان كبير من العناوين التي أكَّد عليها فقهُ الدِّينِ، ووضع لها ضوابطَ وشروطًا وأحكامًا، وحدَّد لها أولياءَ يُشرفُون عليها، ويحفظونها، ويُفعِّلون أهدافَها وِفْق ما حدَّد الواقفون، ولا يجوز أن يتجاوز أحدٌ على هذه الأهداف، ولا يجوز لأحد أنْ يُعطِّل هذه الأهداف.
هنا مسألةٌ باتت تُقلق مساحة كبيرة من أبناءِ هذا الوطن مسألة الهيمنة على (الوقفيَّات)، وقفيَّات المساجد، ووقفيَّات المآتم، ووقفيَّات المدارس الدِّينيَّة، والوقفيَّات الخيريَّة، ووضع هذه الوقفيَّات في مزادات البيع، وفي هذا مخالفة فاضحة لأحكام الشَّرع وبدعاوى خاطئة وحجج واهية.
ومنذ زمن طويل قام العالم الجليل السَّيد عدنان الموسوي بتوثيق ما استطاع توثيقَهُ من وقفيَّاتٍ، فأصبح دفترُهُ مصدرًا معتمدًا في إثباتِ الوقفيَّات، إلَّا أنَّ أعدادًا كبيرة من الوقفيَّات لم يتم توثيقها وهي مشتهرةٌ لدى أبناء المدن والقرى ممَّا يثبت وقفيَّتها، فوضع اليد على هذه الوقفيَّات، ووضعها في مزادات البيع أمرٌ فيه مخالفة كبيرة لأحكام الشَّرع، وأمرٌ يُهدِّدُ أعدادًا كبيرة من الوقفيَّات.
فها نحن نسمع عن وقف مسجد الشَّيخ صالح في توبلي، وصرمة الزَّهراء (عليها السَّلام) الموقوفة على مأتم العود في عالي، وأرض سار الموقوفة على مأتم عبد الحي في السَّنابس.
موقفنا الشَّرعي يفرض علينا أن نقول الكلمة، وأن نرفض أيَّ تجاوز لعناوين الوقف؛ حفاظًا على مسارات الوقف، وتنقية لمناخات هذا الوطن من كلِّ المعكِّرات والمؤزِّمات والموتِّرات، ما نتمنَّاه كلَّ الاستقرار لا مزيدًا من الإرباكات والتأزيمات.
ما نتمنَّاه أن تُعالج هذه المسألة مسألة (الوقفيات) بكلِّ حكمةٍ ورويَّةٍ وبصيرةٍ؛ لكي لا تموت الثِّقة والمحبَّة والتَّآلف.
فتثبيت كلِّ الوقفيَّاتِ وحسب ما أُوقِفَت هو ما نطالبُ به وبشدَّةٍ، وهذا ما ندعو إليه ونتمنَّاه.
وإذا اقتضت الضَّرورة الاستبدال والمعاوضات فيجب أنْ يكون هذا خاضعًا للمعايير الشَّرعيَّة والضَّوابط الفقهيَّة؛ ممَّا يفرض استفتاءَ الشَّرعِ وفقهاءِ الشَّرع.
وأمَّا المصادرةُ وتحويلُ الوقفيَّاتُ إلى (هبات) أو (مبيعاتٍ) فهذا خلاف الشَّرع، وله آثاره الخطيرة، وهذا ما لا نتمنَّاه أنْ يحدث في هذا الوطن، ونصرُّ على عدم الانزلاقِ إليه؛ لكي لا تتعكَّر النُّفوسُ والقلوبُ وتتأزَّم الأجواء.
فمن مصلحةِ هذا الوطنِ الطيِّب أن تتآزر كلُّ القوى والإرادات على معالجةِ كلِّ الأزماتِ بالحكمة، وبالأساليب البصيرة بعيدًا عن كلِّ المعكِّراتِ والمُوتِّراتِ والمُؤزِّماتِ، وهذا ليس عسيرًا متى صدقتْ النَّوايا وقويتْ العزائمُ وتلاحمْت الجهود.
وهنا لابدَّ من كلمةِ تثمينٍ لأيِّ دورٍ جادٍّ وصادقٍّ تمارسه (إدارةُ الأوقافِ) في متابعةِ أوضاعِ هذا الملفِ بحكمةٍ وبصيرةٍ ووفق ضوابط الشَّرع، وبالتَّعاون مع كلِّ المواقع المعنيَّة بهذا (الملف) الذي يحمل عنوانًا كبيرًا وله تأثيراته الفاعلةُ على كلِّ الواقع الدِّيني والوطني.
وآخر دعوانا أنْ الحمدِ لله ربِّ العالمين.
——————————————————–
الهوامش:
1- سورة الأحزاب: الآيتان 70 – 71.
2- ورد عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السَّلام) أنَّه قال: «إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَتْ عَلَيْه الْمَلَائِكَةُ وبِقَاعُ الأَرْضِ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ اللَّه عَلَيْهَا، وأَبْوَابُ السَّمَاءِ الَّتِي كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأَعْمَالِه، وثُلِمَ فِي الإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْئٌ؛ لأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الإِسْلَامِ كَحِصْنِ سُورِ الْمَدِينَةِ لَهَا». (الكليني: الكافي 1/38، ح 3)
3- الرَّيشهري: حِكَم النَّبي الأعظم (ص) 1/237، ح 367.
4- الطُّوسي: الأمالي، ص 366، ح 774 / 25.