آخر الأخبارالصديقة فاطمة الزهراء (ع)

في ذكرى مولد الصِّدِّيقة الزَّهراء (ع): موسم المرأة المسلمة – مشاريع الانحراف بالمرأة المسلمة – القِيَم التي تمثِّلها الزَّهراء (ع) هي قِيمٌ متحرِّكة في كلِّ العصور

17 جمادى الآخرة 1443 هـ | الموافق 20 يناير 2022 م | مأتم عبد الحي بمنطقة السَّنابس - البحرين

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، والتي ألقيت لمأتم عبد الحي بمنطقة السَّنابس، وذلك بمناسبة ميلاد الصِّدِّيقة الطَّاهرة فاطمة الزَّهراء (عليها السَّلام)، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم الخميس (ليلة الجمعة) بتاريخ: (17 جمادى الآخرة 1443 هـ – الموافق 20 يناير 2022 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

في ذكرى مولد الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد، وعلى آلهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة ورحمة الله وبركاته.
ونحن في ذكرى مولد الصِّديقة الزَّهراء (صلوات الله عليها)
أتناول في هذه الكلمة مجموعة عناوين:
العنوان الأوَّل: موسم المرأة المسلمة.
العنوان الثَّاني: مشاريع الانحراف بالمرأة المسلمة.
العنوان الثَّالث: القِيم التي تمثِّلها الزَّهراء (عليها السَّلام) قِيم متحرِّكة في كلِّ العصور.

العنوان الأوَّل: موسم المرأة المسلمة

لقد انطلق (موسم المرأة المسلمة) منذ أكثر من شهر حيث تزامن هذا الموسم مع ذكرى الصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام) من يوم الشَّهادة في الثَّالث عشر من جمادى الأولى حتى يوم الولادة في العشرين من جمادى الآخرة.
وكان الهدف المركزي لهذا الموسم هو معالجة قضايا المرأة في هذا العصر من خلال اعتماد أرقى نموذج للمرأة في كلِّ التَّاريخ وهو الصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام) سيِّدة نساء العالمين.
وأنا هنا أثمِّن كلَّ الفعَّاليات التي انطلقت لتنشيط دور هذا الموسم، وأثمِّن كلَّ المنابر التي أعطت اهتمامًا بقضايا المرأة.
وأثمِّن أيَّ خطاب تعاطى مع هذا المشروع الجاد والهادف.
وإن كنت هنا مضطَّرًا أن أسجِّل ملاحظة على طريقة إحياء المناسبات الدِّينيَّة، حيث تغيب (الإحياءات المركزيَّة)، وأنا هنا لا أدعو إلى أن تُعطَّل (الحُسينيَّات والمآتم) في ليلة المناسبة، بل مطلوب أن تنشط في هذه اللَّيلة كلّ المواقع.
نعم يتم اختيار ليلة أخرى يتمركز فيها الإحياء، فهذا التَّمركز يحقِّق مجموعة أهداف:

أهداف الإحياء المركزي

الهدف الأوَّل: يعطي للإحياء قوة وفاعليَّة وحضورًا كبيرًا.
الهدف الثَّاني: يؤسِّس للتَّقارب والتَّآلف والتَّلاحم، وإنهاء كلِّ الخلافات والصِّراعات.
الهدف الثَّالث: يُنشِّط القُدرات والكفاءات الفكريَّة والثَّقافيَّة والأدبيَّة.
حينما يكون لهذا الاحتفال وهجه الكبير وحضوره الكبير واهتماماته الكبيرة، تتحرَّك الفعَّاليَّات والقدرات والكفاءات العلميَّة والأدبيَّة والثَّقافيَّة.
وإذا كنت أدعو لاحتفالات وإحياءات مركزيَّة في المناطق فأنا أدعو لو توافرت الظُّروف والإمكانات إلى (حفلٍ مركزيٍّ كبيرٍ) في كلِّ هذا الوطن.
فهذا يُعطي للمناسبة صداها، وهجها، إشعاعاتها، عطاءاتها الكبيرة.
وأكرِّر القول وأؤكِّد أنَّ هذا الاحتفال المركزي الكبير وتلك الاحتفالات المركزيَّة المناطقيَّة ليست بديلًا عن الإحياءات المتعدِّدة في ليلة المناسبة؛ حيث المطلوب أن تتفعَّل كلُّ المواقع والحُسينيَّات.
نعم لو توفَّرت إمكانيَّة التَّنسيق في الأوقات فهذا مطلوبٌ جدًّا؛ لكي تتوفَّر الفرصة لأكبر مشاركة من أبناء المنطقة.
إنَّ ظاهرة المفاصلة بين المآتم والحُسينيَّات والمواقع الدِّينيَّة أمرٌ مرفوض، حيث يكرِّس القطيعة ويؤسِّس للانشطارات.
وبقدر ما تتلاحم المواقع والبرامج الدِّينيَّة تتشكَّل البنية المجتمعيَّة المتماسكة وتختفي (الأنانيَّات) و(العصبياَّت) و(الفئويَّات).
القيمة الكبرى للبرامج الدِّينيَّة هو إنتاج الوحدة والتَّقارب والتَّآلف، ليس بين أبناء المنطقة الواحدة فقط بل بين أبناء المناطق كلِّها، وليس بين أبناء المذهب الواحد بل بين أبناء المذاهب كلِّها.
مطلوب من خطابات المناسبات الدِّينيَّة:
أن يكون خطاب وحدة وتآلف، لا خطاب فرقة وتخالف.
أن يكون خطابَ محبَّةٍ وتسامحٍ، لا خطاب كراهيَّةٍ وتشدُّد.
أن يكون خطابَ رفقٍ واعتدال، لا خطاب عُنفٍ وتطرُّف.
أن يكون خطاب بناء وإصلاحٍ، لا خطاب هدمٍ وإفساد.

هدف هذه المناسبات الدِّينيَّة هو:

1- ربط الأجيال بالعقيدة.
هذا هدف مركزي للمناسبات الدِّينيَّة.
لماذا نحتفل؟
لا لأن نسترخي في أحضان التَّاريخ، ولا لمجرَّد أن نُعيد ذاكرة التَّاريخ، إنَّ التاريخ أمرٌ مهمٌّ، وأن نعيد ذاكرة التَّاريخ أمرٌ مهم، وأن نقرأ التَّاريخ أمر مهم، لكن لماذا؟
ما الحاجة لأن نقرأ التَّاريخ؟
ما الحاجة لأن نعيش ذاكرة التَّاريخ؟
من أجل ربط الأجيال بالعقيدة، هذه المناسبات الدِّينيَّة تكرِّس الانتماء للعقيدة، وتكرِّس الانتماء للدِّين، فهدف هذا الإحياء للمناسبات هو ربط الأجيال بالعقيدة.
2- ربط الأجيال بثقافة الدِّين.
نحن من خلال هذه المناسبات ننتج وعيًا إيمانيًّا، وثقافة إيمانيَّة، ورؤى إيمانيَّة.
3- ربط الأجيال بقيم الدِّين الرُّوحيَّة.
هكذا نصنع قِيمًا روحيَّة إيمانيَّة من خلال هذه المناسبات.
4- ربط الأجيال بتقوى الدِّين.
5- ربط الأجيال برساليَّة الدِّين.
في ضوء هذه المعطيات تُقيَّم هذه الاحتفالات، هل هي:
– احتفالات استهلاكيَّة؟
– احتفالات لها درجة من العطاء.
– احتفالات فاعلة.
نحن نريد أن تكون احتفالات لها عطاءها الكبير، ولها فاعليَّتها الكبيرة، ولها آثارها الكبيرة جدًّا.
من هنا نحن نحتفل بهذه المناسبات، ومن أهم هذه المناسبات ذكرى الصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام).

العنوان الثَّاني: مشاريع الانحراف بالمرأة المسلمة

ونحن ننطلق في موسم المرأة في ذكرى الصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، أتناول بإيجاز جدًّا مشاريع الانحراف بالمرأة المسلمة.
في عصرنا تتحرَّك ثلاث اتِّجاهات في صياغة مسارات المرأة المسلمة.
أنا لا أتحدَّث عن المرأة الخارجة عن الإسلام، المنتمية إلى الأديان الأخرى، المنتمية إلى اللا دين، هذه امرأة أخرى، لها حديث آخر، أتحدَّث عن المرأة المنتمية للإسلام التي تحمل الإسلام هويَّة، عقيدة، انتماء، هذه المرأة التي تنتمي إلى الإسلام تتحرَّك أمامها ثلاث اتِّجاهات أو هي تتحرَّك بثلاثة اتِّجاهات، هذه الاتِّجاهات تحاول أن تصوغ المرأة وفق رؤاها.
ما هي هذه الاتِّجاهات التي تتحرَّك في صياغة المرأة المسلمة في هذا العصر؟
الاتِّجاه الأوَّل: اتِّجاه يريد أن ينحرف بالمرأة المسلمة عن الدِّين، وأن يُفقِد المرأة هُويَّتها الدِّينيَّة.

الاتِّجاه الثَّاني: اتِّجاه يريد أنْ يُعطِّل دور المرأة
لا يُخرج المرأة من الإسلام وإنَّما يدعها منتمية لإسلامها لكنَّه انتماء راكد خامل، وتكون المرأة مشلولة، هذا الاتجاه يصنع الشَّلل والتَّعطُّل في حَراك المرأة، المرأة مطلوب منها أن تبقى امرأة بيتٍ تطبخ، وتكنس، وتغسل، ليس أكثر من هذا، وليس لها أيّ دور في المجتمع.
هذا اتِّجاه موجود في داخل رؤيتنا الدِّينيَّة، ويؤسَّس له في ظلِّ رؤى، وفي ظلِّ أحاديث تحاول أن تخلق شللًا في حركة المرأة.

الاتِّجاه الثَّالث: اتِّجاه يريد أن ينهض بدور المرأة في ظلِّ توجيهات الإسلام
وفي ظلِّ توجيهات الدِّين وتوجيهات العقيدة.
يريد أن يصنع المرأة المؤمنة الملتزمة الفاعلة الدَّاعية النَّشطة التي تنتمي للإسلام انتماءً واعيًا.
هذا هو الاتِّجاه الثَّالث وهو الذي يجب أن نكرِّسه وندعو له ونعمل من أجله.

 وقفة مع الاتِّجاه الأوَّل
الاتِّجاه الذي يريد أن ينحرف بالمرأة المسلمة عن الدِّين.

نقف بعض الوقت مع الاتِّجاه الأوَّل.
فهذا الاتِّجاه حاول بكلِّ الوسائل أن يكرِّس مجموعة مفاهيم من أجل (تغريب المرأة المسلمة).
انتاج امرأة متغرِّبة تحمل الانتماء للإسلام لكن كلّ هويَّتها وكلّ تشكُّلها الفكري الثَّقافي الرُّوحي الأخلاقي تشكَّل من خارج البُنية الدِّينيَّة، فهي تنتمي للإسلام وهويَّتها إسلاميَّة لكن منظومتها الثَّقافيَّة والأخلاقيَّة والعمليَّة كلُّها من خارج الإسلام.
إذًا هذا الاتِّجاه هو يريد أن يغرِّب المرأة، يصنع امرأة متغرِّبة تنتمي شكلًا للإسلام وتعيش جوهرًا وواقعًا مفاهيم خارج الإسلام.
بشكلٍ أوضح أكثر تغريب المرأة المسلمة من خلال:
(1) مفاهيم عقيديَّة (شبهات حول العقيدة).
اليوم تُطرح أمام أجيالنا شبهات عقيديَّة حول الخالق، الله، القرآن، الإسلام، الدِّين، هذه الشُّبهات العقائديَّة اليوم تتكثَّف من أجل أن تسرق أجيالنا عقائديًّا: شبابًا، شابَّات، كبارًا، صغارًا، أطفالًا، من خلال إشكالات، وشبهات.
هذا بُعدٌ من أبعاد المشروع التَّغريبي: البُعد العقيدي، الشُّبهات العقيديَّة.

(2) مفاهيم ثقافيَّة منحرفة (محاربة الحجاب/ اتِّهام الإسلام بظلم المرأة).
محاربة الحجاب مثلًا: أنَّ مفهوم الحجاب ليس من الدِّين، والاسلام لم يأمر المرأة بالحجاب، وإنَّما حجاب المرأة أن تلبس القصير، والشَّفاف، والمثير، والمغري.
واتِّهام الإسلام بأنَّه يظلم المرأة، ويسرق حقوقها، ويضطَّهدها.
هذه شبهات وإشكالات ثقافيَّة فكريَّة تريد أن تُربك ارتباط المرأة بالإسلام وبالدِّين.

(3) انحرافات أخلاقيَّة (علاقات غير ملتزمة)
تشكيل علاقات في داخل البنية الاجتماعيَّة، علاقات شباب وشابات، علاقات رجال ونساء بدون التزام، بدون ضوابط، احتفالات مشتركة، اختلاطات غير ملتزمة، هذه أمور غير أخلاقيَّة تُكثَّف في واقع مجتمعاتنا الإسلاميَّة من أجل تغريب المرأة، ومن أجل أن نخرج بشبابنا وشابَّاتنا من منظومتهم الانتمائيَّة الإيمانيَّة العقيديَّة.

(4) انحرافات سُلوكيَّة
انحرافات سلوكيَّة بين الشَّباب والشَّابات حتى نُسقط المنظومة السُّلوكيَّة الإيمانيَّة، المرأة تتشكَّل سلوكيًّا وِفقَ منظومة منحرفة، والشَّاب يتشكَّل سلوكيًّا وِفقَ منظومة أخلاقيَّة سلوكيَّة منحرفة.
أ‌- في داخل الأسرة:
– اختلاط غير ملتزم:
أسرة مسلمة وتنتمي للإسلام يختلط فيها الرِّجال بالنِّساء والشَّباب بالشَّابات، في جلسات مختلطة غير ملتزمة، وهذا يُكرَّس له، ويُصنع له من خلال إعلام، ودعايات، ووسائل تواصل.

– عادات خارجة عن ضوابط الدِّين:
– تصبح الأُسرة عاداتها ليست عادات إسلاميَّة، وليست عادات دينيَّة، وإنَّما عادات غربيَّة، وعادات مجتمعات أخرى.
هكذا تُصاغ هُويَّة الأُسرة، وهكذا يُنحرَف بهُويَّة الأُسرة، وتُنتج أُسرة خارجة عن منظومة القِيَم الدِّينيَّة الإسلاميَّة.

ب- في الشَّارع: تبرُّج/ اختلاط/ مصافحة
في الشَّارع كم نرى من مظاهر تحاصر المرأة.
دعوة إلى التَّبرُّج بصوتٍ عالٍ ومرتفع، والإسلام لم يدعُ للسِّتر، والحجاب ليس أن تُغطِّي المرأة رأسها وصدرها.
هذه ألوان من المفاهيم والقِيَم والتَّصوُّرات تُحاصر نساءَنا وأجيالنا النِّسائيَّة.
تبرج، اختلاط، صداقات، مصافحات، هذه كلُّها تحاول أن تمسخ هُويَّة الجيل المنتمي للإسلام، والجيل يبقى جيلٌ مغرَّب، جيل يعيش الانتماء الشَّكلي للدِّين لكنَّ واقعه وسلوكه ومظاهره وممارساته كلُّها خارج منظومة الدِّين، هو مسلم وهُويَّته مسلمة، رجل مسلم، امرأة مسلمة، شاب مسلم، شابَّة مسلمة، لكن المضمون والواقع والسُّلوك والقيم والأخلاق خارج منظومة الدِّين.

ج- في الكثير من المواقع: التِّلفاز/ الصُّحف/ المجلَّات/ الإنترنت
في كثير من المواقع اليوم تبرز هذه المظاهر المنحرفة: التِّلفاز، الصُّحف، المجلَّات، الإنترنت، كلُّها وسائل تصنع تغريبًا في حياة المرأة المسلمة، كم لهذه الوسائل اليوم من أثر مدمِّر.
أنا لا أقول ليست هناك برامج نافعة، بل هناك برامج نافعة، لكن الذي يطغى على تلفازنا وصحفنا ومجلَّاتنا وإنترنتنا هي البرامج الفاسقة، والتي تحاول أن تصنع هذا الجيل جيلًا منحرفًا، هكذا تنحرف المسارات، وهكذا تنحرف الأُمَّة، وهكذا تنحرف الأجيال.
والنَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) منذ ذلك الزَّمان استشرف نظرة مستقبليَّة لهذا الزَّمن.
• جاء في الحديث النَّبويّ حيث قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ، وَفَسَقَ شَبَابُكُمْ، وَلَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؟
فَقِيلَ لَهُ: وَيَكُونُ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ؟
فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَيَكُونُ ذلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا؟» .
«كيف بكم – يخاطب المسلمين – إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ، وَفَسَقَ شَبَابُكُمْ».
هنا النَّبيُّ يتحدَّث عن المستقبل، يقرأ المستقبل قراءة غيبيَّة بوحي من الله.
«كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ، وَفَسَقَ شَبَابُكُمْ؟» فسق، فجور، انحراف.
«وَلَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ».
أمامنا مظاهر فساد فنسكت، لا يتمكَّن الواحد منَّا أن يقول للمرأة تحجَّبي، ولا يتمكَّن أن يقول للشَّاب لا تفسُق، النَّاس يتركون الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
«فَقِيلَ لَهُ: وَيَكُونُ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟»
هل يأتي زمان يفسق الشَّباب، وتفسد النِّساء، ويترك النَّاس الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؟
«قال [صلَّى الله عليه وآله وسلَّم]: نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ».
هذه مرحلة أكثر توغُّلًا في الظَّلال، والانحراف، والضَّياع، والفساد، ومرحلة أكبر وأسوأ.
«فَقِيلَ لَهُ: وَيَكُونُ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
فَقَالَ [صلَّى الله عليه وآله وسلَّم]: نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ؟
تارة هناك مَنْ لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، وإنَّما يسكت، وتارة أخرى تأتي مرحلة أخطر وهي أنَّه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، هذه مرحلة أخطر، وهذه مرحلة تتحوَّل فيها المسيرة إلى مسار أكثر خطورة، وأكثر انحرافًا، وأكثر ابتعادًا عن الخطِّ الإيماني.
«كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ؟»
نأمر بالفسوق، ونأمر بالفجور، ونأمر بالتَّبرُّج، ونأمر بشرب الخمر، ونأمر بالاختلاط المحرَّم، وننهى عن المعروف: عن الخير، عن الصَّلاح، عن السِّتر، عن الحجاب، عن الصَّلاة.
إذا هنا المسألة تحوَّلت إلى مرحلة أخطر.
«فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَيَكُونُ ذلِكَ؟»
هل يأتي زمان يؤمر فيه بالمنكر ويُنهى عن المعروف؟
«قَالَ: نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا؟».
تارة أقوم بالأمر بالمنكر وأنهى عن المعروف، أعلم أنَّ هذا منكر لكن آمر به، وأعلم أنَّ هذا معروف وأنهى عنه.
وتارة أخرى تأتي مرحلة أخطر، مرحلة ثالثة تتغيَّر فيها المعايير والمقاييس، وتتبدَّل المفاهيم، ويصبح الحجاب منكرًا، ويُصبح التَّبرُّج معروفًا، ويُصبح السِّتر عبثًا، ويصبح الفسوق والفجور قِيمًا اجتماعيَّة مطلوبة.
هنا انقلبت المفاهيم، وتبدَّلت المعايير، وتغيَّرت الرُّؤية والصُّورة، هذه أخطر مرحلة تصل فيها مجتمعات المسلمين.
وهذه التي بدأت مؤشِّراتها واضحة في مجتمعاتنا، تحوَّلت مفاهيم الحقِّ إلى باطل ومفاهيم الباطل إلى حقٍّ، تحوَّل المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وهكذا تُصاغ مجتمعات المسلمين في ظلِّ منظومة من المفاهيم المنحرفة.
هكذا تنقلب المفاهيم.
فالكثير من الانحرافات في مجتمعات المسلمين أصبحت في عصرنا الحاضر قِيمًا مألوفة، وغير مستنكرة حتى في داخل القلب.
(حفلات فاسدة)
(عادات منحرفة: اختلاط، مصافحة، تبرُّج…)
شعارات مضلَّله
وهذه يُعبَّأ لها بشعارات مظلَّلة، اليوم يشتغل المشروع التَّغريبي بقوَّة، فكلُّ هذا الواقع الفاسق الفاجر شعاراته هي:
– تقدُّم.
– حضارة العصر.
– ثقافة وعلم.
فمطلوبٌ أنْ تُصاغ المرأة وِفقَ (معايير العصر) هكذا قالوا، ويقولون: نحن لا نريد أن تُصاغ المرأة وِفقَ معايير التَّاريخ.

العنوان الثَّالث: القِيَم التي تمثِّلها الزَّهراء (عليها السَّلام) هي قِيمٌ متحرِّكة في كلِّ العصور

يقولون لنا أنتم جئتم لنا بنموذج من التَّاريخ، فالزَّهراء (عليها السَّلام) نموذج في التَّاريخ لا يصلح لليوم، الزَّهراء (عليها السَّلام) كانت نموذجًا في عصرها وفي زمانها، واليوم أحضروا لنا نماذج حاضرة معاصرة هي التي تصنع أجيالنا النِّسائيَّة.
لا، الزَّهراء (عليها السَّلام) ليست شخصيَّة في التَّاريخ، الزَّهراء (عليها السَّلام) اقتحمت كلَّ الزَّمن، الزَّهراء (عليها السَّلام) فوق الزَّمان والمكان، الزَّهراء (عليها السَّلام) سيِّدة نساء العالمين من بداية الدُّنيا إلى نهايتها، الزَّهراء (عليها السَّلام) ليست لزمن ولعصر، الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) هي المرأة التي اقتحمت كلَّ التَّاريخ، كما هي نموذج في الماضي هي نموذج في الحاضر وهي نموذج في المستقبل.
ماذا نريد أن نأخذ من الزَّهراء (عليها السَّلام) حتى نقول إنَّ قِيَم الزَّهراء قِيمٌ تاريخيَّة؟
قِيَم الزَّهراء (عليها السَّلام) ليست تاريخيَّة، بل هي قِيَم الإسلام، والدِّين، والعقيدة.
القِيَم التي تمثِّلها الزَّهراء (عليها السَّلام) هي:

(1) العقيدة الإيمانيَّة

هل أنَّ العقيدة باللَّه وبمبادئ الدِّين وبالأنبياء وبالقرآن وباليوم الآخر هي عقيدة للتَّاريخ؟
أم هي عقيدة يحتاجها البشر إلى نهاية الدُّنيا؟
لا يأتي وقت يكون فيه البشر غير محتاجين للعقيدة، عقيدة الحق، عقيدة الإيمان باللَّه، عقيدة الارتباط بالمبدأ، هذه عقيدة تحتاجها أجيال البشريَّة في الماضي، وفي الحاضر، وفي المستقبل.
إذًا الزَّهراء (عليها السَّلام) حضور عقيدي، وهي عقيدة متحرِّكة، كما أنَّ الإيمان باللَّه يتحرَّك، وكما أنَّ الإيمان بالنُّبوَّة يتحرَّك، وكما أنَّ الإيمان بالقِيَم يتحرَّك.
فإذًا العقيدة الإيمانيَّة عقيدة تُشكِّل ضرورة، من هنا الزَّهراء (عليها السَّلام) ضرورة.

(2) الثَّقافة الإيمانيَّة

ثقافة الإيمان ليست ثقافة للتَّاريخ، فإنَّنا في كلِّ عصرٍ نحتاج إلى ثقافة الإيمان، ويوم تغيب ثقافة الإيمان ينهدم المجتمع، يضيع، ينحرف، يفسق، ترتبك المعايير، تضيع المسارات النَّظيفة.
إذًا ثقافة الإيمان حاجة، كما هي حاجة بالأمس هي حاجة اليوم وهي حاجة للمستقبل، الزَّهراء (عليها السَّلام) ثقافة، ومفاهيم، ورؤى.

(3) القِيَم الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة

هذه القِيَم ليست للتَّاريخ، اليوم نحن نحتاج للقِيَم الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة أكثر من أيِّ وقتٍ آخر.
هكذا تبقى الأجيال تحتاج للزَّهراء (عليها السَّلام) تسترفد منها القِيَم والأخلاق والمبادئ النَّظيفة التي تصوغ واقعنا وتاريخنا وحياتنا ومجتمعاتنا.

(4) تقوى السُّلوك (التَّقوى)

التَّقوى ليست قيمة في التَّاريخ، التَّقوى قيمة متحرِّكة، التَّقوى نظافة، التَّقوى نزاهة، اليوم نحتاج إلى التَّقوى، الحاكم يحتاج إلى التَّقوى، الوزير يحتاج إلى التَّقوى، المسؤول الكبير يحتاج للتَّقوى، العالم المرجع يحتاج للتَّقوى، العالم الكبير يحتاج للتَّقوى، الموظَّف يحتاج للتَّقوى، الكنَّاس يحتاج للتَّقوى.
إذَّا التَّقوى ليست حاجة تاريخيَّة، التَّقوى حاجة متحرِّكة.
إذًا نحن نحتاج الزَّهراء (عليها السَّلام)؛ لأنَّها تصنع لنا التَّقوى.

(5) عبادة الله وترك عبادة الشَّيطان

عبادة الله ليست تاريخ، العبادة حالة متحرِّكة مستمرَّة كما في عصر نبي الله آدم احتجنا إلى أن نعبد الله، وكما في عصر نبي الله نوح احتجنا أن نعبد الله، وكما في عصر نبي الله إبراهيم احتجنا أن نعبد الله، وكما في عهد نبي الله موسى وعيسى، وفي عهد سيِّد الأنبياء محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) احتجنا إلى أن نعبد الله، واليوم كذلك نحتاج إلى أن نعبد الله، وغدًا نحتاج إلى أن نعبد الله إلى أن تنتهي الدُّنيا.
إذًا عبادة الله ليست تاريخ.
الزَّهراء (عليها السَّلام) العابدة هي التي تعطينا قِيَم العبادة.

(6) فقه الحياة

(7) النُّهوض بكلِّ الواقع الاجتماعي والثَّقافي والتَّربوي، ومواجهة كلِّ الواقع الفاسد

الزَّهراء (عليها السَّلام) هي التي تعطينا قِيَم الحياة، والنُّهوض بكلِّ الواقع الاجتماعي والثَّقافي والتَّربوي، ومواجهة كلِّ الواقع الفاسد ننطلق به من خلال الزَّهراء (عليها السَّلام)،
وستبقى الزَّهراء (عليها السَّلام) الحاجة المتحرِّكة في حياة الإنسان والمرأة إلى نهاية الدُّنيا.

وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

Show More

Related Articles

Back to top button