نفحات رمضانيَّة (17): هكذا تحدَّث أمير المؤمنين (عليه السَّلام) عن القرآن الكريم – (1)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة السَّابعة عشر ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الخميس بتاريخ: (17 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 30 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
هكذا تحدَّث أمير المؤمنين (عليه السَّلام) عن القرآن الكريم – (1)
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين الأخيار الأبرار المنتجبين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هكذا تحدّث أمير المؤمنين (عليه السَّلام) عن القرآن الكريم
ونحن نستقبل ذكرى شهادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، ونستقبل ليالي القدر وليالي القرآن، سأتناول في حلقات بعض كلمات لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) تتحدَّث عن القرآن.
كيف تحدّث أمير المؤمنين (عليه السلام) عن القرآن؟
اخترتُ كلمات لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) حيث نعيش ذكرى شهادته، واخترت القرآن حيث نستقبل ليالي القدر و(ليالي القرآن)
الكلمة الأولى:
يقول أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «أفضَلُ الذِّكرِ القرآنُ، بهِ تُشرَحُ الصُّدورُ، وتَستَنيرُ السَّرائرُ». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 9/328، ح 16579)
1-كيف نُشكِّل علاقتنا بالقرآن الكريم؟
المطلوب أن نشكِّل علاقة مع القرآن.
فما هي مسارات تشكيل العلاقة مع القرآن؟
وما هي الوسائل لتشكيل العلاقة بيننا وبين القرآن؟
فمن الضَّروري والمهم جدًّا جدًّا أن تتشكَّل هذه العلاقة مع القرآن الكريم.
مكوّنات تشكيل العلاقة مع القرآن
هناك مكوِّنات للتشكَّل، ولصناعة العلاقة مع القرآن، ولإنتاج العلاقة مع القرآن، ولصياغة العلاقة مع القرآن، هناك مجموعة مكوِّنات:
المكوِّن الأوَّل: التِّلاوة
أنت كيف تشكِّل علاقتك مع القرآن إذا لم تتلُ القرآن، وإذا لم تقرأ القرآن، التلاوة هي أوَّل المكوِّنات لإنتاج هذا التَّشكُّل في العلاقة مع القرآن.
تأكيد الآيات والرِّوايات على تلاوة القرآن
ولذلك أكَّدت الآيات والرِّوايات على أهميَّة التِّلاوة
•{… فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ …} (المزمِّل/20)
(اقرؤوا)، هذه تلاوة، وهذه قراءة، وهذا نطق بالقرآن، {… فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ …}، كم يتيسَّر؟
مثلًا: خمسين آية، أو سورة كاملة، أو أكثر من سورة، أو جزء كامل في كلِّ يوم.
هناك آيات كثيرة تحثُّ على التِّلاوة، وتحثُّ على القراءة.
الرِّوايات والنُّصوص كثيرة جدًّا عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وعن الأئمَّة (عليهم السَّلام)، في ثواب وعظمة وقيمة تلاوة القرآن الكريم، وفي ثواب الحرف الواحد من تلاوة القرآن، وليس الكلمة، الحرف: الألف، الباء، الجيم، اللام، هذه حروف قرآنيَّة، الحرف الواحد له قيمة وله ثواب.
هنا أذكر رواية لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) تتحدَّث عن قراءة القرآن، وثواب تلاوة القرآن.
•قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «مَنْ قرأ القرآن وهو قائم في الصَّلاة كان له بكلِّ حرف مائة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في الصَّلاة فله بكلِّ حرف خمسون حسنة، ومن قرأ في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات، وما كان من القيام باللَّيل فهو أفضل؛ لأنّه أفرغ للقلب». (الفيض الكاشاني: المحجَّة البيضاء 2/220)
الإمام يحاول هنا أن يعدِّد مراتب الثَّواب في تلاوة القرآن:
المرتبة الأولى: «مَنْ قرأ القرآن وهو قائم في الصَّلاة كان له بكلِّ حرف مائة حسنة، …»
المرتبة الأولى الأرقى هي أن نقرأ القرآن ونحن نصلِّي صلاةً من قيام.
ما ثواب من قرأ القرآن في صلاته وهو قائم؟
يُعطى بكلِّ حرف، وأؤكِّد بكلِّ حرف وليس بكلِّ كلمة، يُعطى بكلِّ حرف مائة حسنة.
فأنت عندما تقرأ سورة الفاتحة، أو تقرأ سورة التَّوحيد، أو تقرأ أيَّ سورة أخرى، فكم حرف قرأت؟ (الحمد الله): الألف، ، اللَّام، الحاء، الميم، الدَّال، هذه كلمة مشكَّلة من هذه الحروف، فلو جمعت هذه الحروف وضربتها في مائة حسنة، فكم يكون مجموع الحسنات؟
ثواب قراءة القرآن في الصَّلاة ومن قيام، كان له بكلّ حرف مائة حسنة.
المرتبة الثَّانية: «ومن قرأ وهو جالس في الصَّلاة فله بكلِّ حرف خمسون حسنة»
«ومَنْ قرأ» أي من قرأ القرآن.
«وهو جالس في الصَّلاة» إذا لم يتمكن من الصَّلاة قائمًا فيصلِّي من جلوس، وهنا ثواب التِّلاوة سيكون أقل من الصَّلاة من قيام.
«كان له بكلّ حرف خمسون حسنة»
المرتبة الثَّالثة: «ومَنْ قرأ في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة»
قراءة القرآن في خارج الصَّلاة، في أيِّ وقت من الأوقات، هنا قراءة للقرآن لكن خارج الصَّلاة مع وضوء وطهارة.
إذن، من قرأ القرآن في غير صلاة وهو على طهارة فخمس وعشرون حسنة.
المرتبة الرَّابعة: «ومَنْ قرأه على غير وضوء فعشر حسنات»
في غير صلاة وعلى غير وضوء، فعشر حسنات.
«وما كان من القيام باللَّيل فهو أفضل؛ لأنَّه أفرغ للقلب»
أفضل الحالات أن تكون التلاوة في الصَّلاة، وفي صلاة اللَّيل بالخصوص.
هذه مراتب ثواب تلاوة القرآن.
إذن، أوَّل تشكُّل للعلاقة مع القرآن هو التِّلاوة والقراءة.
آداب التِّلاوة
تلاوة القرآن لها مجموعة آداب، أذكر بعض هذه الآداب:
(1)الطَّهارة
من آداب وسنن التلاوة الطَّهارة، بأن يقرأ الإنسان القرآن وهو على طهارة وعلى وضوء.
(2)الاستقبال
أفضل مجالس التِّلاوة ما استقبلت به القبلة.
إنَّ تلاوة القرآن تكون في أي جهة ولها ثوابها، لكن أفضل الحالات أن يقرأ الإنسان القرآن وهو مستقبل للقبلة.
(3)التأدُّب والوقار في هيئة الجلوس، فلا يجلس متربعًا، ولا متَّكأ، ولا على هيئة المتكبِّر
يجلس كأنَّه بين يدي الله جلسة المتأدِّب، جلسة الوقار، وليس جلسة المتربِّع والمتكبر فهذه جلسة لا تتناسب مع كتاب الله، ولا تتناسب مع كلام الله.
فلابد من التأدُّب والوقار في هيئة الجلوس.
(4)هيئة التلاوة:
التِّلاوة لها هيئة، ولها آداب، ولها شروط، من هذه الشُّروط لهيئة التِّلاوة:
أ-التَّرتيل
القراءة المرتَّلة المتأنيَّة التي تظهر الحروف.
ب- تحسين الصَّوت في تلاوة القرآن
ج-الجهر بالتِّلاوة
هذا من آداب التِّلاوة، وصفة من صفات التِّلاوة، الجهر بالتِّلاوة ولو بمقدار أن يُسمع نفسه، لا أن يقرأ سرًّا، بل يجهر ولو يُسمِع نفسه.
د-البكاء في حال القراءة
القراءة المتضرِّعة الباكية، فيحاول أن يخشع في القراءة، ويحاول أن يذوب في القراءة، وستأتي في الشُّروط القادمة.
ه-مراعاة حقِّ الآيات
ما معنى مراعاة حقِّ الآيات؟
-إذا مرَّ بآية سجدة واجبة أو مستحبَّة سجد.
القرآن فيه سجدات واجبة: سورة السَّجدة، فصِّلت، العلق، النَّجم.
وبقيَّة السَّجدات في القرآن مستحبَّة.
فإذا قرأ آية سجدة واجبة فيجب أن يسجد، وإذا قرأ آية سجدة مستحبة فيستحب أن يسجد.
-وإذا مرَّ بآية رحمة طلب الرَّحمة من الله: اللَّهمَّ ارحمنا برحمتك، أفض علينا فيوضات رحمتك.
يدعو الله، ويطلب الرَّحمة الإلهيَّة، فهذا موطن من مواطن إجابة الدُّعاء.
-وإذا مرَّ بآية عذاب استجار باللَّه من العذاب، أي سأل الله النَّجاة من العذاب.
-وإذا مرَّ بآية تسبيح سبَّح الله، أو تحميد حمد الله، أو تهليل هلَّل الله، أو تكبير كبَّر الله.
-وإذا مرَّ بآية استغفار استغفر الله، فهذا مورد من موارد العودة إلى الله، والتَّوبة، واللُّجوء إلى الله.
في هذا الموطن – حينما تتحدَّث الآية عن الاستغفار – فرصة لأن نجدِّد استغفارنا، وأن نجدِّد توبتنا، وأن نجدِّد عودتنا إلى الله.
-وإذا مرَّ بآية دعاء دعا ربّه تضرُّعًا وخفية، ودعا الله بما لديه من الحوائج، وهو بين يدي كتاب الله يدعو الله بالمغفرة، وبقضاء الحوائج، وبالتَّسديد، وبالفلاح له وللمؤمنين ولوالديه.
-وإذا مرّ بآية استعاذة، استعاذ باللَّه من الشَّيطان.
و-الاستعاذة
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل/98)
ز-فضل التِّلاوة في المصحف
إنَّ التِّلاوة في المصحف أفضل من التِّلاوة الشَّفويَّة.
فقد يكون الإنسان حافظًا للقرآن ويقرأه ظهر قلب، لكن للتِّلاوة في المصحف ثواب، فهناك ثواب للتِّلاوة، وهناك ثواب للنَّظر إلى كتاب الله، والنَّظر إلى آيات الله، فهذا ثواب إضافي.
التِّلاوة الشَّفوية فيها ثواب بلا إشكال، لكن حينما يقرأ في المصحف فإنَّ النَّظر إلى المصحف عبادة، والنَّظر إلى كلمات الله عبادة.
فالتِّلاوة في المصحف لها ثواب عظيم جدًّا.
ويأتي الحديث عن الآداب الباطنيَّة لتلاوة القرآن إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.