نفحات رمضانيَّة (13): الآثار الخطيرة للمعاصي والذُّنوب (2)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الثَّانية عشر ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الاثنين بتاريخ: (13 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 26 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
الآثار الخطيرة للمعاصي والذُّنوب (2)
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين المنتجبين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نتابع الحديث حول الآثار الخطيرة للمعاصي والذُّنوب.
تحدَّثنا عن أثرين خطيرين هما: قسوة القلب والكسل العبادي.
الأثر الثَّالث: آثار متعدِّدة بحسب ما جاء في دعاء كميل
هنا نذكر بعض آثار جاءت في دعاء كميل، وهو دعاء لأمير المؤمنين علَّمه كميل بن زياد، في هذا الدُّعاء إشارة إلى آثار بعض الذُّنوب، وهنا نقرأ مقاطع من هذا الدُّعاء التي تتحدَّث عن آثار بعض الذُّنوب في الدُّنيا، حيث لا زلنا في الآثار الدُّنيويَّة للذُّنوب.
أوَّلًا: الذُّنوب التي تهتك العِصم، وتنزل النِّقم، وتغيِّر النِّعم
المقطع الأوَّل: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ». (ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 709)
«تَهْتِكُ الْعِصَمَ» أي تفضح السِّتر
توجد ذنوب تفضح الإنسان، وتكشف ستره، وهذا أثر للذَّنب في الدُّنيا.
المقطع الثَّاني: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ». (ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 709)
المقطع الثَّالث: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ». (ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 709)
توجد ذنوب كثيرة هذه آثارها: تفضح السِّتر، تُنَزِلُ النِّقم، تغيِّر النِّعم.
جاء في بعض الرِّوايات أنَّ من هذه الذُّنوب التي لها هذه الآثار: (الزِّنا والقتل).
الزِّنا من المعاصي التي تنتج هذه الآثار، والقتل والاعتداء على أرواح النَّاس أيضًا من الذُّنوب والمعاصي التي تنتج هذه المنتجات.
ثانيًا: الذُّنوب التي تحبس الدُّعاء
المقطع الرَّابع: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ». (ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 709)
توجد ذنوب تحجب الدُّعاء، حيث إنَّ الإنسان يدعو لكن لا يستجاب له.
فهناك أسباب لعدم استجابة الدُّعاء:
قد يكون الإنسان أحيانًا غير صادق في دعائه، وغير منقطع إلى الله في الدُّعاء، وغير متوجِّه إلى الله توجُّهًا حقيقيًّا في الدُّعاء، فالله لا يستجيب له، فهذا دعاء الغافلين.
وأحيانًا أخرى، قد لا يرى الله مصلحة في أن يستجيب الدُّعاء، فلعلَّ مصلحة العبد أن تؤجَّل الإجابة.
قد يقول شخص: أنا أدعو وبكلِّ صدق، وبكلِّ عِشق، وبكلِّ دموع، ولكنَّ الله لا يستجيب، فلعلَّه توجد مصلحة لا ندركها.
فلا نتَّهم الله كلَّما تأخَّرت إجابة الدُّعاء، بل يجب أن نتَّهم أنفسنا أوَّلًا، ولنقل هناك مصلحة لا يعلمها إلَّا الله، فقد يريد الله أن يعطيك مقامًا كبيرًا في تحمُّل بعض المشاكل والابتلاءات، فكلَّما زاد الابتلاء زاد مقام الإنسان عند الله.
فلا ينقم الإنسان على الله إذا لم يستجب له الدُّعاء، ولا يتململ من الله حينما لا يستجيب دعاءَه، فلعلَّ الله يريد أن يعطيه مقامًا كبيرًا في الآخرة لعدم استجابة الدُّعاء.
وقد ورد في الرِّوايات أنَّ الإنسان عندما يرى حجم الثَّواب في الآخرة لعدم استجابة الدُّعاء يقول: يا ليت لم يستجب الله لي بدعاء واحد إذا كان هذا العطاء بهذا الحجم الكبير.
وأحيانًا يكون سبب عدم استجابة الدُّعاء وحبس الدُّعاء هي ذنوب ومعاصي، فهناك بعض الذُّنوب والمعاصي تحبس الدُّعاء، وتمنع استجابة الدُّعاء، ومن هذه المعاصي التي تحبس الدُّعاء:
1- عقوق الوالدين
والعقوق على شكلين:
أ- تارةً عقوق في حياتهما.
ب- وتارةً أخرى عقوق في مماتهما.
وعقوق الوالدين يكون بأيِّ شكلٍ سواء: بالقطيعة، أم بالكلمة، أم بالإساءة إليهم، أم بأيِّ شكلٍ من أشكال العقوق.
ولدينا كتيِّب يتحدَّث عن عقوق الوالدين وفيه أشكال للعقوق.
فهناك عقوق في الحياة، وهناك عقوق في الممات، فقد يكون الإنسان بارًا بوالديه في حياتهما، لكنَّه يكون عاقًّا لهما بعد وفاتهما، لا يذكرهم، ولا يؤدِّي لهم عملًا، ولا يدعو لهم، ولا يُهدي لهم ثواب بعض الأعمال، فهذا يتحوَّل إلى عاق.
وربما يكون إنسانًا بارًّا في حياتهما، لكنَّه يكون عاقًا لهما بعد وفاتهما.
وربما العكس، يكون عاقًّا لهما في حياتهما، لكنَّه يكون بارًّا لهما بعد وفاتهما.
إذن، من الأمور التي تحبس الدُّعاء عقوق الوالدين بأيِّ شكلٍ من أشكال العقوق.
2- من الأمور التي تحبس الدُّعاء: قطيعة الرَّحم
قطيعة الرَّحم خطيرة، فهناك آثار خطيرة في الدُّنيا، وعند الموت، وفي القبر، وفيما بعد القبر لعقوق الوالدين ولقطيعة الرَّحم.
سبق وذكرنا الحديث الذي يقول:
«…، فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عزَّ وجلَّ جبرئيل (عليه السَّلام) فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض…
فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل (عليه السَّلام): يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل.
فيقولون: يا جبرئيل فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من أُمَّة محمَّد؟
فيقول: إنَّ الله تعالى نظر إليهم في هذه اللَّيلة فعفا عنهم وغفر لهم إلَّا أربعة.
قال: فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): وهؤلاء الأربعة: مدمن الخمر، والعاقُّ لوالديه، والقاطع الرَّحم، والمشاحن». (المفيد: الأمالي، ص 263)
غفر الله لهم إلَّا أربعة، في ليلة القدر الملائكة يسألون جبرئيل: يا جبرئيل ما صنع الله بأمَّة محمَّد في هذه اللَّيلة، يقول: غفر الله لهم إلَّا أربعة: «مدمن الخمر، والعاقُّ لوالديه، والقاطع الرَّحم، والمشاحن». المشاحن الذي قلبه مملوء شحناء وبغضاء على النَّاس.
وقطيعة الرَّحم تمنع من إجابة الدُّعاء.
ما معنى قطيعة الرَّحم؟
مثلًا: إذا كان عنده رحم من أرحامه لا يزوره، ولا يسأل عنه، ولا يوصل له سلامه، ولا يُعينه إذا كان محتاجًا، فهذه قطيعة رحم.
واليوم وسائل التَّواصل سهَّلت عمليَّة التَّواصل، فلعلَّه بالأمس كان لا بدَّ عليَّ أن أركب سيارة، أو أمشي، أو أركب دابَّة، حتى أصل إليه أو أذهب إلى بيته، أمَّا اليوم فيمكن التَّواصل بالهاتف، أو بوسائل التَّواصل الموجودة التي تغنيني عن الزِّيارة، – وطبعًا – مع القدرة على الزِّيارة، ومع القدرة على التواصل المباشر يجب أن يتواصل الإنسان، لكنَّه إذا لم يتمكَّن فلا أقل أن يتواصل عبر الوسائل المتاحة، وإلَّا فهي قطيعة رحم.
قد يكون الإنسان غير قاصد أن يقطع رحمه، لكن قد تُسجَّل عليه قطيعة رحم إذا لم يعش شيئًا من الهمِّ النَّفسي، فيتألَّم إذا لم يتمكَّن أن يتواصل مع رحمه، لأسباب تمنعه من التَّواصل.
فمن المعاصي التي تحبس الدُّعاء: عقوق الوالدين، وقطيعة الرَّحم.
3- الظُّلم
الظُّلم بكلِّ أشكاله يسبب حبس الدُّعاء، أن أظلم إنسانًا بكلمة، أو أظلم إنسانًا بفعل، أو آكل مال إنسان ظلمًا، أو أيّ شكلٍ من أشكال الظُّلم.
الظُّلم خطير، بأيُّ شكلٍ من أشكال الظُّلم للآخرين خطير، فمن آثار الظُّلم أنَّه يحبس الدُّعاء.
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ».
الظُّلم من الذُّنوب التي تحبس الدُّعاء.
4- من الذُّنوب التي تحبس الدُّعاء: أكل الحرام
أكل الحرام خطير.
•قال النَّبيُّ (صلَّى اللّه عليه وآله): «يا عليُّ مَن أكَلَ الحَرامَ سود قلبه، وخلف دِينه، وضَعفت نفسه، وحجبَ اللّهُ دعوته، وقلَّت عِبادته». (التويسركاني: لئالي الأخبار 1/3)
لا تستجب دعوة آكل الحرام.
أهمِّيَّة وآثار المواظبة على قراءة دعاء كميل
ثواب دعاء كميل
أيُّها الأحبَّة دعاء كميل مهمٌّ، فتوجد فيه معطيات روحيَّة وتربويَّة ودنيويَّة وأخرويَّة، ومن المهمِّ المواظبة على قراءته ليلة الجمعة، ووردت آثار لقراءة دعاء كميل:
1- المواظبة على قراءة دعاء كميل فيه كفاية شرِّ الأعداء.
إذا خاف الإنسان من أعدائه فليواظب على قراءة دعاء كميل، فالمواظبة على قراءته تكفي الإنسان شرَّ الأعداء، الشَّرُّ بكلِّ أشكاله، وألوانه، ومساحاته، والأعداء بكلِّ ألوانهم وأشكالهم.
دعاء كميل يحصِّن الإنسان ضدَّ شر الأعداء، وضدَّ الأشرار.
هذا أثر من آثار قراءة دعاء كميل.
2- من آثار قراءة دعاء كميل أنَّه يفتح باب الرِّزق.
وردت بعض المأثورات أنَّ قراءة دعاء كميل تفتح أبواب الرِّزق.
والرِّزق – طبعًا – يحتاج إلى سعي وإلى كدٍّ وجهد، والله هو الذي يفتح أبواب الأرزاق، لكنَّ أحد المعطيات الكبيرة لدعاء كميل والمواظبة عليه أنَّه يفتح باب الرزق.
3- من آثار قراءة دعاء كميل غفران الذُّنوب.
في الدُّعاء توبة، ولجوء إلى الله، وتضرُّع، واستكانة، وطلب مغفرة، وطلب رحمة، فإذا قرأه الإنسان بصدق، وبعشق، وبانقطاع، وبذوبان، وبصفاء لِم لا يغفر الله له؟ أو ليس فيه غفران الذُّنوب، حيث أنَّ روح دعاء كميل هو طلب المغفرة، وروح الدُّعاء هو الاعتراف لله بالذُّنوب والمعاصي، ففيه غفران الذُّنوب.
كيف أقرأ دعاء كميل؟
1- اللِّسان
حضور اللِّسان مطلوب، والنُّطق مطلوب في الدُّعاء، وإن كان الله يسمع دعائي حتى لو قرأت سرًّا، فاللِّسان يعبد الله بالذِّكر، فيجب أن نقرأ بلسان نظيف.
2- العقل
أن يكون العقل حاضرًا حينما نقرأ الدُّعاء، أن يكون العقل متأمِّلًا حينما نقرأ الدُّعاء، أن نعيش استنطاق المفاهيم في الدُّعاء حينما نقرأ الدُّعاء.
3- الوجدان
الضَّمير، والوجدان.
يجب أن أعيش عشقًا حقيقيًّا للدُّعاء وانصهارًا وذوبانًا.
4- السُّلوك
وأن يكون السُّلوك حاضرًا.
لا أن أتحدَّث وأنهى عن المعاصي وأنا أمارس المعاصي!
فإذا حضر اللِّسان، وحضر العقل، وحضر الوجدان، وحضر السُّلوك كان الدُّعاء هو الدُّعاء الموفَّق، وهو الدُّعاء المقبول، وهو الدُّعاء المُعطي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسًّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.