نفحات رمضانيَّة (7) الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (1)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة السَّابعة ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الثُّلاثاء بتاريخ: (7 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 20 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (1)
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المنتجبين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثنا حول الخطبة الرَّمضانيَّة للنَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
توجد خطبة للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تهيِّئ المسلمين إلى شهر الله، ألقاها النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في آخر جمعة من شعبان؛ ليُهيِّئ المسلمين لشهر الله، الخطبة موجودة في مفاتيح الجنان في أوَّل الفصل الثَّالث (في فضل شهر رمضان وأعماله)، وهي ليست طويلة.
الخطبة الرمضانية تُذكِّر بثواب الأعمال
تقدَّم القول أنَّ الخطبة الرَّمضانية للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وضعتنا أمام مجموعة مضامين منها:
المضمون الأوَّل: التَّأكيد على أنَّ شهر رمضان يمثِّل موسمًا استثنائيًّا.
شهر رمضان له قيمة استثنائيَّة تختلف عن بقيَّة الشُّهور.
المضمون الثَّاني: التَّوظيف الجاد لأوقات هذا الشَّهر
حاول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من خلال هذه الخطبة الرَّمضانيَّة أن يوظِّف، وينشِّط أوقات المسلمين في الاستفادة من شهر رمضان واستثماره.
المضمون الثَّالث: التَّذكير بقيمة وثواب الأعمال في هذا الشَّهر الفضيل
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ذكَّر المسلمين في هذه الخطبة بقيمة وثواب الأعمال في هذا الشَّهر الفضيل، وهذا ما أحاول أتناوله الآن.
ما هي الأعمال التي أكَّدت عليها الخطبة؟ وما هو ثوابها؟
أتناول مقاطع من هذه الخطبة للإشارة إلى بعض الأعمال، وبعض الثَّوابات الكبيرة في شهر رمضان.
مقاطع من الخطبة الرَّمضانيَّة وبيان ثواب الأعمال فيها
المقطع الأوَّل: يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في خطبته: «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب». (القمِّي: مفاتيح الجنان، ص 282، الفصل 3)
هذا المقطع يحمل عطاءات ضخمة جدًّا لشهر رمضان.
«أنفاسكم فيه تسبيح»
هذا النَّفس الذي هو ليس باختيار الإنسان، ليس باختياري أن أتنفَّس، هذا النَّفس الذي لا ينقطع للحظةٍ، ولو انقطع لانتهت الحياة، النَّفَس مستمر أثناء اليقظة وأثناء النَّوم؟
كم هي الأنفاس في الثَّانية / الدَّقيقة / السَّاعة / اليوم / الشَّهر
كلُّ نَفَس يُعتبر تسبيح، هذا كرم وعطاء الله في شهر رمضان، النَّفس الذي لا نملك السَّيطرة عليه وليس باختيارنا، يقول الله لنا: أنا أعتبره لكم تسبيح.
التَّسبيح من أعظم ألوان العبادة، فحينما أقول: سبحان الله، فأنا أسبِّح الله، وأنزِّه الله، وأقدِّس الله، فهذه عبادة من أرقى أنواع العبادات.
فإذن، نَفَسٌ لا أملك أيَّ خيار فيه، الله برحمته، وبكرمه، وبفيضه في هذا الشَّهر يقول: أنا أعتبر كلَّ نَفَس من أنفاسكم عبادة، وتسبيح، وأعطيكم ثواب التَّسبيح.
فكم هي أنفاس الإنسان في الثَّانية؟ وكم هي أنفاسه في الدَّقيقة؟ وكم هي أنفاسه في السَّاعة؟ وكم هي أنفاسه في اليوم؟ وكم هي أنفاسه طيلة الشَّهر؟
هذا الكم الكبير العظيم من الأنفاس كلُّها تُعتبر تسبيح، ويُعطى ثواب التَّسبيح.
«أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة»
النَّوم عبادة، فإنَّ الله يعطيك ثواب العبادة وأنت نائم.
لكن هذا لا يعني أن يقول الإنسان: النَّوم عبادة، ويقضي كلَّ وقته في النَّوم؟
نعم عبادة صلاة اللَّيل أعظم ثوابًا، وعبادة الصَّلاة أعظم ثوابًا، وخدمة النَّاس أعظم ثوابًا.
لكن يبقى النَّوم أيضًا عبادة، فالمساحة التي تشكِّل ضرورة لحياتي من النَّوم، هذه اللَّحظات التي لا خيار لي فيها، الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان يحسبها لي عبادة.
«وعملكم فيه مقبول»
فُرَص القبول في شهر رمضان أكثر تيسُّرًا، فإذا كانت نسبة القبول في غير شهر رمضان محدَّدة، فنسبة القبول في شهر رمضان مفتوحة بلا حدود، وفُرَص قبول الأعمال مفتوحة بلا حدود.
«ودعاؤكم فيه مستجاب»
دعاؤكم فيه مستجاب، فُرَص إجابة الدُّعاء في شهر رمضان أكبر.
الدُّعاء في كلِّ وقت مفتوح، ﴿… ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ …﴾ (غافر/60)، لكن هناك مواسم لاستجابة الدُّعاء.
هناك مواقع لاستجابة الدُّعاء أكثر، فأنت حينما تدعو عند بيت الله تكون فرصة الاستجابة أكبر، وأنت حينما تدعو في مسجد رسول الله وعند قبر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تكون الفرصة أكبر، وأنت حينما تدعو في مشهد من مشاهد الأئمَّة الطَّاهرين (عليه السَّلام) تكون الفرصة أكبر.
كما أنَّ الزَّمان كذلك، فأنت حينما تدعو في ليلة الجمعة ويوم الجمعة تكون الفرصة أكبر لاستجابة الدُّعاء، وأنت حينما تدعو في ليلة القدر تكون الفرصة أكبر، وأنت حينما تدعو في يوم عرفة تكون الفرصة أكبر، وأنت حينما تدعو في ليلة النِّصف من شعبان تكون الفرصة أكبر.
فالزَّمان له مدخليَّة في قبول واستجابة الدُّعاء، وكذلك المكان.
المقطع الثَّاني: يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) «…، أيُّها النَّاس مَنْ فطَّر منكم صائمًا مؤمنًا في هذا الشَّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه.
قيل: يا رسول الله وليس كلُّنا يقدر على ذلك.
فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): اتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة، اتقوا النَّار ولو بشربة ماء، فإنَّ الله يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه …».
أيُّها النَّاس مَنْ فطَّر منكم صائمًا مؤمنًا في هذا الشَّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه…».
أن تفطِّر صائمًا في شهر رمضان، فاللَّه يعطيك أوَّلًا ثواب عِتق رقبة، وعتق رقبة ثوابه عظيم جدًّا.
في ذلك الوقت عندما كان يوجد العبيد والرِّق، فإنَّ الإسلام برمج ومنهَجَ من أجل أن يُنهي ظاهرة الرِّق، فجعل عِتق الرَّقبة من أفضل وأقدس الأعمال.
إذن، إفطار صائم في شهر رمضان يوازي عتق رقبة.
«كان له بذلك عند الله عِتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه».
غفر الله له الذُّنوب التي بينه وبين الله، وليست الذُّنوب التي بينه وبين العباد والتي تحتاج إلى شروط أخرى.
إذن عِتق رقبة، ومغفرة، مقابل إفطار صائم واحد تُقدِّم له شيئًا من الطَّعام يُفطِر به.
قيل: يا رسول الله وليس كلُّنا يقدر على ذلك.
ليس كلُّنا يستطيع أن يفطِّر الصَّائمين، فمثلًا شخص فقير ليس عنده إمكانات أن يفطِّر نفسه وعياله، فكيف يدعو ويفطِّر آخرين؟
قالوا: يا رسول الله وليس كلُّنا يقدر على ذلك.
أنا أريد أحصل على الثَّواب لكن لا أتمكَّن من أن أفطِّر صائمًا.
فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «اتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة، اتقوا النَّار ولو بشربة ماء».
ليس تمرة، بل نصف تمرة ألا تتمكَّن أن تقدِّمها لشخص؟!
لم يقل: بتمرة، بل قال: «بشِقِّ تمرة»، يعني نصف تمرة، أو جزء من تمرة تقدِّمها لصائم يفطر عليها.
أو شربة ماء تقدِّمها لصائم يفطر عليها، ألا تتمكن من ذلك؟
«اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرة، اتَّقوا النَّار ولو بشربة ماء، فإنَّ الله يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه».
هنا نقطة أنبِّه عليها وهي أنَّه يوجد بعض النَّاس يتصَّور أنَّه بمجرَّد أن يحضر تمرًا إلى المسجد ويأكل منه الصَّائمون فكأنَّه فطَّر الصَّائمين.
فمَن يملك مالًا ويقدر أن يعمل ولائم وإفطارات، فلا يكفي أن يقدِّم تمرة.
إنَّما التَّمرة تكون إفطارًا بالنِّسبة لمَن لا يستطيع أن يفطِّر، وشربة الماء تكون إفطارًا بالنِّسبة للَّذي لا يملك القدرة على أن يفطِّر صائمين.
لا يوجد مانع أن يقدِّم تمرًا، ويُقدِّم ماء، لكن ليس له أن يدَّعي أنَّه قد أفطر الصَّائمين وانتهى الأمر، لأنَّه يملك القدرة أن يدعو الصَّائمين إلى مائدته، أو أن يعدَّ فطورًا ويوصله إلى المؤمنين.
«فإنَّ الله يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه».
فالذي يقدر على الأكثر، عليه أن يقدَّم الأكثر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.