حديث الجمعة 571: موسم الزَّهراء (عليها السَّلام)، نماذج للمرأة تحدَّث عنها القرآن الكريم (5)
موسم الزَّهراء (عليها السَّلام)، نماذج للمرأة تحدَّث عنها القرآن الكريم (5)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء محمَّد وآله الهُداة الميامين.
لا زلنا نعيش (موسم الصِّدِّيقة الزَّهراء عليها السَّلام)، وقيمة هذا الموسم ليس بعدد الأيَّام، وإنَّما في مستوى العطاء، في مستوى ما ينتج من وعي، ومن قِيم روحيَّة وأخلاقيَّة، ومن تقوى، ومن تنشيط للقدرات الإيمانيَّة.
فإذا استطاع هذا الموسمُ وغيرُه من المواسم الدِّينيَّة أنْ يقدِّم لحُضَّاره تلك (المنتجات)، فهو موسم ناجح، وإلَّا كان استهلاكًا للأوقات، والطَّاقات، والأموال.
عوامل نجاح المواسم الدِّينيَّة
ولكي تكون هذه (المواسم الدِّينيَّة) ناجحة، وفاعلة، وقويَّة تحتاج إلى:
1.إعلام ناجح
2.برنامج ناجح
3.خطاب ناجح
أوَّلًا: إعلام ناجح
تحتاج هذه (المواسم الدِّينيَّة) إلى إعلام ناجح، وقادر على استقطاب جمهور كبير.
إنَّ انخفاض حُضَّار هذه المواسم يفقدها قيمتها، وأهدافها.
وهنا أدعو إلى أنْ تتمركز هذه المواسم، وهذا يفرض التَّنسيق بين المؤسَّساتِ الحُسينيَّة، وتوحيد (العَشَرات)، فالعبرة بالكيف لا بالكم.
عشرة واحدة قويَّة خيرٌ من (عدَّة عَشَرات ضعيفة).
ثانيًا: برنامج ناجح
وتحتاج هذه (المواسم الدِّينية) من أجل نجاحها إلى: برنامج ناجح.
مطلوب تطوير برامج الإحياء لمناسباتنا الدِّينيَّة.
لا شكَّ أنَّ (المنبر) يُشكِّل موقعًا أصيلًا في برامج الإحياء، إلَّا أنَّ هذا لا يُلغي ضرورة (أسلوب النَّدوات)، و(أسلوب الحوارات)، وأيُّ أسلوب يساهم في إعطاء (المناسبات الدِّينيَّة) حضورًا قويًّا لدى جمهور هذه المناسبات.
ثالثًا: خطاب ناجح
وتحتاج هذه (المواسم الدِّينيَّة) من أجل نجاحها إلى: خطاب ناجح.
شروط الخطاب النَّاجح
والخطاب النَّاجح هو الَّذي يتوفَّر على ثلاثة شروط:
-مضمون ناجح
– أسلوب ناجح
– لغة ناجحة
الشَّرط الأوَّل: المضمون النَّاجح
ومتى يكون مضمون الخطاب الدِّينيِّ ناجحًا: خطاب المسجد، خطاب المنبر، خطاب المناسبات؟
يكون هذا الخطاب ناجحًا في مضمونه حينما معالجاتُه تتَّسع:
لقضايا العقيدة.
ولقضايا الثَّقافة الدِّينيَّة، والفقهيَّة.
ولقضايا التَّاريخ.
ولقضايا الأخلاق، والقِيم.
ولقضايا السُّلوك.
ولقضايا المجتمع.
ولجميع قضايا الإنسان المسلم، فيما هي الإشكالات، وفيما هي التَّحدِّيات.
وعلى أنْ تكون هذه المعالجات واعية، وبصيرة، ورشيدة، خشية أنْ يتخبَّط الخطاب، ويزيغ، وينحرف.
•﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي …﴾. (سورة يوسف: الآية 108).
•«…، العامل على غير بصيرة كالسَّائر على غير الطَّريق لا يزيده كثرة السَّير إلَّا بُعدًا» (هداية المسترشدين 3/726، الشَّيخ محمَّد تقي الرَّازي).
هذا هو الشَّرط الأوَّل في نجاح الخطاب الدِّينيِّ: أنْ ينفتح على كلِّ قضايا الحياة فيما يهمُّ الإنسان المسلم، وأنْ تكون المعالجات بصيرة، ورشيدة.
وهنا يُطرح سؤالان:
السُّؤال الأوَّل: هل يَحقُّ للخطاب الدِّينيِّ أنْ يعالج القضايا المذهبيَّة التي تثير الخلافات، والصِّراعات، والفتن، والعصبيَّات؟
السُّؤال الثَّاني: هلْ يحقُّ للخطاب الدِّينيِّ أنْ يتناول قضايا السِّياسة بكلِّ حساسيَّاتها، وتداعياتها، وإرباكاتها؟
الجواب عن (السُّؤال الأوَّل): معالجة القضايا المذهبيَّة لها منهجان:
المنهج الأوَّل: اعتماد التَّعصُّب
ويعتمد التَّعصُّب، ولغة السَّبِّ والشَّتم، ويؤجِّج الفتن المذهبيَّة، والصِّراعات الطَّائفيَّة.
هذا المنهج مرفوض.
نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى في: (سورة الأنعام الآية 108): ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ …﴾.
في هذه الآية ينهى الله سبحانه المسلمين أنْ يمارسوا (أسلوب السَّبِّ) لآلهة المشركين، لأنَّ هذا الأسلوب لا يحقِّق أَيَّة نتائج إيجابيَّة في مجالات الدَّعوة، ولا يستطيع أنْ يفتح قلوب المشركين، ولا عقولهم على هذه الدَّعوة، وإنَّما يعقِّد الأمور، ويدفع هؤلاء إلى التَّحدِّي، فَيَتَجَرَّأوا على سبِّ (الله سبحانه) كردِّة فعلٍ لسبِّ آلهتهم.
ففي مجالات الخلاف الدِّينيِّ، والمذهبيِّ، والثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ لا يصحُّ (لغة السَّبِّ).
لا مانع من نقد (الفكر الآخر) بلغة علميَّة وموضوعيَّة بعيدة عن كلِّ التَّوتُّرات، والحَسَاسيَّات، والعصبيَّات.
•جاء في (نهج البلاغة) أنَّ عليًّا (عليه السَّلام) سمع قومًا من أهلِ العراق يسبُّون أهل الشَّام عندما كان يخوض المعركة في صفِّين ضدَّ معاوية، فوقف فيهم خطيبًا قائلًا: «إنِّي أكره أنْ تكونُوا سبّابين، ولكنَّكم لو وصفتهم أعمالهم، وذَكَرتم حالهم لكان أصوبَ في القول، وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم: اللَّهمَّ، احقن دماءَنا ودماءَهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، …» (نهج البلاغة، الصفحة 323، خطب الإمام علي عليه السَّلام).
مبادئ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) وقت الاختلاف
هنا في هذا المقطع يؤسِّس أمير المؤمنين (عليه السَّلام) لثلاثة مبادئ مهمَّة جدًّا:
المبدأ الأوَّل: رفض لغة السَّبِّ والشَّتم
•«إنِّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، …» (نهج البلاغة، الصَّفحة 323، خطب الإمام علي عليه السَّلام).
وفي نقل آخر: «كرهت لكُمْ أنْ تكونُوا لعَّانين شتَّامين، …» (مصباح البلاغة – مستدرك نهج البلاغة – 3/277، الميرجهاني).
والكراهة – هنا – لا تعني الكراهة في مصطلح الفقهاء، وإنَّما تعني: (المبغوضيَّة) على نسق (الكراهة) الواردة في قوله تعالى: ﴿… وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ…﴾ (سورة الحجرات: الآية 7).
فالآخر الَّذي تختلف معه دينيًّا، أو مذهبيًّا، أو فكريًّا، أو سياسيًّا إذا مارست معه أسلوب (السُّباب) أغلقت قلبَه، وعقلَه أمام أفكارك، وقناعاتك.
المبدأ الثَّاني: اعتماد (مبدأ النَّقد الهادف والنَّظيف) في محاسبة الفكر الآخر
•«… ولكن لو وصفتم أعمالَهم وذكرتم حالَهم كان أصوبَ في القولِ وأبلغَ في العذر، …» (نهج البلاغة، الصَّفحة 323، خطب الإمام علي عليه السَّلام).
فإذا كنَّا نعتقد أنَّ الآخر على خطأ، فمطلوب أنْ نجلِّي ذلك بلغة عمليَّة نظيفة، وبأسلوبٍ بعيد عن الاستفزاز.