موائد الإيمان (4) : «من صام شهر رمضان، وختمه بصدقة، وغدا إلى المصلَّى بغسل، رجع مغفورًا له»
هي محاضرات للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، أُلقيت في أيَّام السَّبت خلال شهر رمضان المبارك 1440هـ، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.
على مشارف نهاية الشهر الفضيل
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في الحديث: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «من صام شهر رمضان، وختمه بصدقة، وغدا إلى المصلَّى بغسل، رجع مغفورًا له». (وسائل الشيعة 9/319، الحر العاملي، أبواب زكاة الفطرة، ب1، ح8)
من صام شهر رمضان صومًا وِفْقَ الشُّروط الفقهيَّة، ووِفْقَ الشُّروط الرُّوحيَّة، وختمه بصدقة؛ أي بزكاة الفطرة، وغدا إلى المصلَّى بغسل، أي اغتسل وغدا إلى المصلَّى لأداء صلاة العيد، رجع مغفورًا له.
أيُّها الأحبَّة ونحن على مشارف النهاية لهذا الشهر الفضيل، نحتاج أولًا، وثانيًا، وثالثًا.
نحتاج:
أولًا: إلى مراجعة جادَّة لحصيلة التعاطي مع هذا الشهر الفضيل.
ثانيًا: أن نتهيَّأ لوداع الشهر الفضيل.
ثالثًا: الاستعداد للعيد.
أولًا: المراجعة الجادَّة لحصيلة التَّعاطي مع الموسم الرَّمضاني
نحتاج إلى مراجعة جادَّة لحصيلة التَّعاطي مع الموسم الرَّمضاني.
فقد عشنا أيامًا وليالي مع هذا الشهر الفضيل العظيم.
ما هي حصيلة هذه المعايشة؟ ما هي حصيلتنا في هذا الشهر الفضيل؟
هنا لا بد ونحن في سياق المراجعة الأخيرة – ولا زالت هناك بقيَّة أيام- هذه المراجعة التي قد تصحِّح بعض ما قصَّرنا فيه، هنا ونحن نريد أن نراجع ونحاسب حصيلة هذا التَّعاطي مع الشهر الفضيل، نحن بحاجة أن نطرح على أنفسنا مجموعة أسئلة:
السؤال الأول: هل تغيَّرنا روحيًّا؟
شهر كامل أنتم كنتم مع شهر الله، مع العبادة، مع الطاعة، مع الفيوضات الرَّبانية.
فهل يحسُّ أحدُنا بتغيُّر روحيٍّ؟
وهذا سؤال اطرحوه بجدٍ وبصدقٍ على أنفسكم.
ونحن عندما نطرح هذا السؤال بجدٍ على أنفسنا فليس ذلك للترف الثَّقافي، وليس ذلك للترف الفكري، بل من أجل مصير، من أجل مستقبل حقيقي، فنحن نريد أن نرسم مستقبلنا الحقيقي، مستقبلنا في الآخرة.
فهل تغيَّرنا روحيًّا؟
اقرأ وضعك الرُّوحي، منذ أنْ بدأ الشهر، وقبيل الشهر، وأنت الآن على مشارف النهاية، فهل تحسُّ بأنَّ هناك ارتقاءٌ روحيٌّ عندك؟
ما معنى الحالة الروحيَّة؟
الحالة الروحيَّة تعني درجة الطهر القلبي، ودرجة الهيام مع الله، ودرجة الذوبان مع الله، هذا ما نسمِّيه بالحالة الروحيَّة.
هل يحسُّ أحدنا بأنَّه ارتقى في المستوى الروحي؟
هذا السؤال من أجل أن نعرف حصيلة الشهر، فمثلًا أنا قد بدأت الشهر وقد كنت أملك مستوًى روحيًّا معيَّنًا، والآن أحسُّ أنَّني قد ارتقيت، فإذا كانت الحالة الروحيَّة عندي بنسبة عشرين بالمائة، والآن أحسُّ أنِّي أملك حالة روحيَّة بنسبة سبعين بالمائة، فالحمد لله ربِّ العالمين على ذلك، فهذا يعني أنَّ الحالة الروحيَّة قد ارتقت عندي.
وكذلك درجة الإخلاص، ودرجة الطهر، ودرجة الانصهار مع الله، ودرجة الذَّوبان، أحسُّ بأنَّ عندي تغيُّر.
ربما البعض يقول: أنا لم أتغيَّر شيئًا، لا أحسُّ بأنَّ عندي تغيُّرًا روحيًّا.
إذا كان كذلك، فهناك خلل عندك، فحاول في بقيَّة الأيام أن تُعيد حساباتك مع نفسك.
ربما قد يقول قائل:
وهل معقول أنا خلال شهر كامل لم أتغيَّر، فهل خلال يومين سأتغيَّر!!
الجواب: لمَ لا، في لحظه قد يتغيَّر الإنسان، فلا يعيش الإنسان حالةَ شعورٍ بالإحباط واليأس، ويقول: أنا خلال شهر لم أتغيَّر، فهل يُعقل أنني سأتغيَّر وقد تبقَّى يومين أو ثلاثة؟!
نعم أنت قد تتغيَّر في لحظة، فالإنسان قد يكون في لحظة من اللحظات يرتقي إلى مستوى عبدٍ من عباد الله الصَّالحين الأبرار الأخيار.
إذًا إذا أحدنا – وإن شاء الله لا يوجد فينا من يعيش هذا الخسران- لم يحس بأنَّ هناك أيَّ تغيُّر روحي عنده خلال جميع هذه الأيام الماضية، فليستنفر طاقته في ما تبقَّى من الشهر – يومين أو ثلاثة -، ويلجا إلى الله، ويتضرَّع إلى الله: يا ربِّ أَفِضْ عليَّ من فيوضاتك، يا ربِّ أعطني من فيوضاتك فأنا محتاج أن ألجأ إليك، أنا حُرِمت من الفيوضات طيلة الشهر فاجعل بعض فيوضاتك تنزل عليَّ في ما تبقى من الشهر يا ربِّ.
فإذًا إذا أحسَّ شخص مَّا أنَّه لم يتغيَّر، فهو بحاجة إلى أن يستنفر طاقاته، وكذلك إذا كان التغيُّر طفيف فهو أيضًا بحاجة أن يصعِّد منه، وإذا أحسَّ – والحمد لله – أنَّه يوجد تغيُّر روحي فليُحافظ عليه، وليُصر عليه، ولا يتساهل فيه.
إذًا أول سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا؛ ونحن نراجع حساباتنا في هذا الشهر هو: ما هو المستوى الروحي الذي توفَّرنا عليه خلال هذا الموسم الرَّباني، وخلال هذا الموسم الرُّوحي؟
هذا السؤال الأول عن المسألة الرُّوحيَّة، والجانب الرُّوحيِّ.
السؤال الثاني: هل تغيَّرنا أخلاقيًّا؟
السؤال الثاني عن الحالة الأخلاقيَّة، هل تغيَّرنا أخلاقيًّا؟
هل استطاع الشهر أن يصوغنا صياغة جديدة؟
كنت سيِّئ الأخلاق، والآن هل تحسنَّت أخلاقي ببركات هذا الشهر العظيم؟
وهل تحوَّلت إلى إنسانٍ نقيٍّ أخلاقيًّا؟
وهل تحوَّلت إلى إنسانٍ متواضعٍ بعد أن كنت متكبرًا؟، فهل استطاع الشهر أن يجعلني متواضعًا؟
وقد كنت سيِّئ الأخلاق؛ فهل استطاع الشهر أن يجعلني حسن الأخلاق، طيِّب الأخلاق، نقيَّ الأخلاق، طاهر الأخلاق؟
هذا السؤال اسأله وأنت مع نفسك، لا علاقة لك بالآخرين، أنت ونفسك فقط، أنت وربك، فهذه الجلسة من أفضل الجلسات العباديَّة؛ وهي أن يجلس الإنسان ويحاسب نفسه، أقول لك أنَّها أفضل حتى من تلاوة القرآن، وأفضل حتى من الدُّعاء، وأفضل حتى من الصَّلاة المستحبَّة، هذه الجلسة -جلسة المحاسبة – التي أريد من خلالها أن أصوغ نفسي صياغة جديدة، هي أفضل عملٍ عباديٍّ، فأعطوا لأنفسكم فرصة لهذه الجلسة.
أعيد حساباتي فيها -جلسة المحاسبة -؛ هل تغيَّرت أخلاقي؟
هل تنظَّفت أخلاقي؟
وإذا كنت أملك أخلاقًا فهل ارتقى مستوى الأخلاق عندي؟
السؤال الثالث: هل تغيَّرنا تقوائيًّا؟
يوجد جانب روحيٌّ، ويوجد جانب أخلاقيٌّ، ويوجد جانب تقوائيٌّ.
ما معنى الجانب التقوائيُّ؟
يعني طاعة الله، وذلك بالالتزام بالطاعات والواجبات، وترك المعاصي، فهذه نسمِّيها تقوى.
فالإنسان المتَّقي، يعني الإنسان الذي يخاف الله، فهو إنسان لا يمارس كذبًا، ولا يمارس غيبةً، ولا يمارس نميمةً، ولا يمارس نظرةً محرَّمةً، هذه هي التقوى.
فهل استطاع الشهر أن يصنع التَّقوى عندي؟
فإذا استطعنا في هذا الشهر أن نصنع التَّقوى في أنفسنا، فإنَّنا استطعنا أن نحقِّق شيئًا كبيرًا، فإنَّ أفضل عمل في هذا الشهر هو الورع عن محارم الله، وترك المعاصي، وترك الذنوب.
فإذًا نسأل أنفسنا أولًا عن الحالة الرُّوحيَّة، وثانيًا عن حالة الأخلاقيَّة، وثالثًا عن الحالة التقوائيَّة.
السؤال الرابع: هل تغيَّرنا ثقافيًّا؟
هل استطاع شهر رمضان بمحاضراته ودروسه وبرامجه أن يرتقي بمستوى وعينا الدِّيني؟
فإذا كنت أملك مستوى من الوعي، فهل استطاع شهر رمضان أن يرتقي بمستوى وعيي من خلال حضور الدروس، والمحاضرات، والمطالعات، والقراءة؟ هل استطعت أن أرتقي بوعيي؟
هذه أسئلة للمراجعة أسمِّيها (أسئلة المراجعة)، وهي أحد الأمور المطلوبة منَّا في هذه الأيام، في البقية الباقية من الشهر الكريم، فلم يبق إلَّا القليل، فعلينا أن نعيد حساباتنا، ونجرد حساباتنا كلها.
ثانيًا: التهيُّؤ لوداع الشهر الفضيل.
مطلوب منَّا ونحن نعيش الأيام الأخيرة أن نتهيَّأ لوداع شهر رمضان المبارك، ونحن نريد أن نودِّع شهر رمضان، فكيف نودِّعه؟
كيف نودِّع هذا الشهر الفضيل؟
لنقرأ هذه الرواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صلَّى الله
عليه وآله وسلَّم في آخر جمعة من شهر رمضان، فلمَّا بَصُر بي قال لي:
«يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودِّعه وقل:
(اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه، فإن جعلته فاجعلني مرحومًا، ولا تجعلني محرومًا) فإنَّه من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين: إمَّا ببلوغ شهر رمضان وإما بغفران الله ورحمته». (فضائل الأشهر الثلاثة، ص139، الشيخ الصَّدوق، ح149)
عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: دخلت على رسول الله (ص) في آخر جمعة من شهر رمضان فقال (ص): «يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودِّعه وقل: …».
هذا الدعاء احفظوه فهو قصير وودِّعوا شهر رمضان به.
رسول الله يقول لجابر «فودِّعه وقل: اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه».
يعني لا تجعل هذا آخر شهر رمضان صمناه، فنحن نريد أن نصوم رمضانات قادمة أيضًا إن شاء الله، فلا يكون هذا آخر رمضان لنا.
«اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه، فإن جعلته …» إذا كان هذا آخر رمضان لنا في علمك، فنحن لا ندري هل في علم الله أنَّنا سنبقى أم لا؟ «فإن جعلته …» يا ربِّ هذا آخر شهر رمضان «فاجعلني مرحومًا ولا تجعلني محرومًا».
إذا كان هذا آخر شهر رمضان أصومه فارحمني يا ربِّ ولا تجعلني محرومًا.
إذًا هذا الدعاء القصير: «اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه، فإن جعلته فاجعلني مرحومًا، ولا تجعلني محرومًا».
ثمَّ يواصل النبي (ص) الحديث، «فمن قال ذلك …» من قال هذا الدعاء «ظفر بإحدى الحسنيين: إمَّا بلوغ شهر رمضان المقبل، وإمَّا بغفران الله ورحمته».
إذا قال هذا الدعاء في نهاية شهر رمضان إمَّا أنَّ الله يوفِّقه لشهر رمضان القادم، وإذا لم يتوفَّق لشهر رمضان فإنَّه يتوفَّق للرحمة والمغفرة، «فمن قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين إما بلوغ شهر رمضان المقبل وإما بغفران الله ورحمته».
فهكذا يكون وداع الشهر الفضيل، وهكذا نودع شهر رمضان:
1- أن نسأل الله العود، اسألوا الله العود دائمًا، قولوا نسأل الله العود، «اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه».
2- طلب الرحمة والمغفرة
اسألوا الله العود واسألوا الله الرحمة والمغفرة.
3- أن نؤسِّس لاستمرار عطاءات الشهر الفضيل، وهذه النقطة مهمَّة.
فهناك ناس يودِّعون شهر رمضان زمانًا ومضمونًا، فقد انتهى شهر رمضان، وانتهت عطاءات شهر رمضان، وقد ودَّعنا العبادة، وودَّعنا تلاوة القرآن، وودَّعنا الرَّوحانيات.
أليس شهر رمضان شهر العبادة، وشهر الرَّوحانيَّة، فبانتهاء شهر رمضان ينتهي كل شيئ.
ليس كذلك فعندما نودِّع شهر رمضان الزَّمان، التسع وعشرين يومًا، أو الثلاثين يومًا التي انتهت، فنكون قد ودَّعنا شهر رمضان الزَّمان، لكن لا نودِّع المضمون، بل نجعل المضمون باقيًا معنا.
قد يقول قائل: أنا لا أقدر أبقي حيويَّة ونشاط شهر رمضان، فأنت أعطني شهرًا مثل شهر رمضان حتى أبقي عندي حيويَّة روحيَّة وعباديَّة وتقوائيَّة مثل حيويَّة روحيَّة وعباديَّة وتقوائيَّة شهر رمضان.
أنا لا أقول لك أن تُبقي الحيويَّة، وإن كان البعض من الأبرار والأخيار تستمر كل حيويَّتهم الروحيَّة فلا تنتهي سواء في شهر رمضان أم في غير شهر رمضان، فعنده حيويَّة عباديَّة، وروحيَّة، وأخلاقية مستمرة، لكن ليس كل الناس يقدر أن يكون بهذا المستوى.
فإذا لم تقدر أن تكون بهذا المستوى فعلى الأقل لتبق بعض فيوضات وبركات الشهر، ولتبق روحانيَّة الشهر، ولتبق بعض عطاءات الشهر.
فقيمة العبادة حينما يكون لها عطاء مستمر، بدءًا من الصَّلاة، فالصَّلاة -وهي ربع ساعة، أو نصف ساعة – لكن قيمة الصَّلاة حينما تمركِّز في حياتي عطاءات روحيَّة وأخلاقيَّة، فيصير للصَّلاة قيمة، فليست قيمة الصَّلاة هذه الرُّبع أو النصف ساعة التي أصلِّيها، فهذه الرُّبع أو النصف ساعة التي أصلِّيها هي محطة، والمطلوب هو صلاة تفجِّر في داخلي الكثير من العطاءات الروحيَّة، وأن تستمر قيمة الصَّلاة، وقيمة الذِّكر، وقيمة التلاوة، وقيمة الحج، وقيمة الصِّيام، فإذًا القيمة الحقيقيَّة للصِّيام حينما تبقى عطاءات الصِّيام، وحينما نحافظ على هذه العطاءات، وحينما نتجنَّب الأسباب التي تصادر عطاءات الشهر الفضيل.
ثالثًا: الاستعداد للعيد.
أخيرًا ونحن نستقبل العيد، عيد الفطر.
لن أتحدَّث الآن عن دلالات عيد الفطر، ومضامينه الرُّوحيَّة، فهذا يحتاج إلى حديث مفصَّل، ولعلَّه في أحاديث العيد تسمعون هذا الأمر.
من مستحبَّات استقبال العيد
من مستحبَّات استقبال العيد هناك مجموعة مستحبَّات فقهيَّة، أُذكِّر بها:
أولًا: مستحبات ليلة العيد
1-الاستهلال:
من المستحبات الاستهلال، فإذا استطاع شخص أن يخرج ويستهل ويشاهد الهلال فهذا مستحب، ويحصل على ثواب، وخاصَّة الذين عندهم قدرات رؤية وبصر، فلا بأس يخرجون ويشاهدون الهلال، ففي الاستهلال ثواب عظيم، سواء رأى الهلال أم لم يره، فنفس الخروج للاستهلال عمل مستحب وفيه ثواب عظيم.
2-الغسل:
من مستحبات ليلة العيد الغسل، والأفضل بعد غروب الشَّمس إذا ثبت العيد، أو مطمئِّن لثبوت العيد يغتسل بعد غروب الشَّمس، وإذا لم يثبت العيد يغتسل في أي وقت من الليل، فالغسل مستحب من مستحبات ليلة العيد.
3-إحياء ليلة العيد بالعبادة:
من مستحبات ليلة العيد – سواء عيد الأضحى أم عيد الفطر-، إحياؤها بالعبادة.
في الحديث عن رسول الله (ص) «من أحيى ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب». (ثواب الأعمال، ص 104، الشيخ الصَّدوق)
ليالي الإحياء
توجد عندنا ليالي في السَّنة معدودة تُسمَّى (ليالي الإحياء)، مستحب للإنسان أن يحييها بالعبادة، وبالطاعة، منها:
أ-ليلة القدر، وطبعًا هذه الليلة على رأس ليالي الإحياء، وهنيئًا للذين أحيوا ليالي القدر، وهي ظاهرة طيِّبة ومباركة في هذا البلد الطيِّب؛ أنَّ الناس يستنفرون في ليالي الإحياء، وأنَّ الناس يقبلون على ليالي الإحياء بهذه الكثافة، وهذا العشق، وإن شاء الله يكونون ممَّن نالتهم رحمة الله، وفيوضاته، فليلة القدر ليلة من ليالي الإحياء.
ب- ليلة العيد سواء عيد الفطر أم عيد الأضحى هذه الليلة من ليالي الإحياء.
ج-أول ليلة من رجب هذه من ليالي الإحياء.
د-النصف من شعبان هذه من ليالي الإحياء.
هذه خمس أو ست ليال تسمَّى (ليالي الإحياء)، يستحب إحياؤها بالعبادة.
4-زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام):
من مستحبات ليلة العيد زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، فالذي يتوفَّق يذهب ويزور الإمام الحسين (عليه السَّلام) في كربلاء، والذي لم يتوفَّق للذهاب يزوره من بعيد، وهو في بيته، وهو في منزله، وهو في المسجد، أو في أي مكان يتوجَّه إلى جهة كربلاء ويسلِّم على الإمام الحسين (عليه السَّلام).
هذه مستحبات ليلة العيد.
ثانيًا: واجبات ومستحبات يوم العيد
توجد أمور تتَّصل بيوم العيد، وبيوم الفطر، توجد أمور من واجبات وأحكام ومستحبات يوم الفطر، ومنها:
1-زكاة الفطرة:
أول شيئ في يوم الفطر هو إخراج زكاة الفطرة، وهذا واجب، فمِن تمام الصِّيام إخراج زكاة الفطرة، ومن تمام الصَّوم إعطاء الزكاة.
ولإخراج زكاة الفطرة أحكام لعلَّكم سمعتموها من العلماء ومن أئمَّة المساجد، فهم قد أوضحوا لكم زكاة الفطرة ومتى تخرج.
فزكاة الفطرة تُخرَج قبل صلاة العيد لمن يصلِّي العيد، والإخراج لا يعني أنَّه يُشترط فيه أن تُدفع الزكاة إلى الفقير، فأُخْرِجها بمعنى أنَّني أنوي إخراجها وأعزلها، فيمكن أنَّني لا أحصل على الفقير إلَّا بعد يوم، أو بعد يومين، أو بعد أسبوع، وهذا لا مشكلة فيه، فقط أنوي إخراجها وأقصد أن أخرج زكاة الفطرة عنِّي وعمَّن أعول قربة إلى الله تعالى، فهذا عمل عباديٌّ يحتاج إلى نيَّة القربة.
هذا يُعدُّ إخراجٌ للزكاة، وذلك بأن يعزلها، لا أن يجعلها مخلوطة مع أمواله ويقول: أخرجت زكاة الفطرة!، بل لابد أن يعزلها بأن يضعها في ظرف خاص مثلًا، فإذا استطاع أن يوصلها ويسلمها للفقير قبل صلاة العيد، فليسلمها لا مشكلة في ذلك، أو له أن يعطيها الجهات المختَّصة إذا كانت تحمل وكالة من الفقراء لا مشكلة في ذلك أيضًا.
هذا أمر واحد من الأمور الخاصة بيوم عيد الفطر.
2-الغسل:
من مستحبات يوم العيد الغسل.
«من صام شهر رمضان، وختمه بصدقة، وغدا إلى المصلَّى بغسل، رجع مغفورًا له» (وسائل الشيعة 9/319، الحر العاملي، أبواب زكاة الفطرة، ب1، ح8)
أي غسل يوم العيد.
3- صلاة العيد
طبعًا من مستحبات هذا يوم العيد صلاة العيد، لمن يتوفَّق بأن يصلِّيها في بيته، أو يحضر للمسجد مع المؤمنين.
4-استحباب التكبير
التكبير من مستحبات يوم العيد، لذلك يُسمَّى العيد يوم التكبير.
ففي الحديث: عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «زيِّنوا أعيادكم بالتكبير». (ميزان الحكمة 3/408 محمد الرَّيشهري، زينة الأعياد)
تختلف الأوقات للتكبير بين عيد الفطر وعيد الأضحى.
أولًا: في عيد الفطر: يكون التكبير بعد أربع صلوات.
«الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا».
هذا يسمَّى التكبير.
ومتى يكون هذا التكبير؟
يكون هذا التكبير بعد أربع صلوات
الصَّلاة الأولى: بعد صلاة المغرب من ليلة عيد الفطر، فإذا مثلًا كان العيد غدًا، فالليلة بعد صلاة المغرب نكبِّر هذا التكبير.
الصَّلاة الثَّانية: بعد صلاة العشاء من ليلة الفطر.
الصَّلاة الثَّالثة: بعد صلاة الصبح من يوم العيد يوم الفطر.
الصَّلاة الرابعة: بعد صلاة العيد يتسحب هذا التكبير أيضًا.
فهذه أربع صلوات يعلن فيها التكبير الوارد بعدها.
ثانيًا: في عيد الأضحى:
يختلف الأمر، فيوجد تكبير، وتوجد إضافات لهذا التكبير، لكن في عيد الأضحى يكون التكبير لمن في منى، ولمن هو خارج منى.
أ-التكبير لمن يكون في منى من الحجاج:
يستحب أن يكبِّر عقيب خمسة عشر صلاة، بدءًا من ظهر يوم العيد، وآخره صلاة الصبح في اليوم الثالث عشر، ففي يوم العيد، ويوم الحادي عشر، ويوم الثاني عشر، وصبح يوم الثالث عشر، في هذه الأيام الثلاثة يكبِّر، بدءًا من صلاة الظهر يوم العيد، وانتهاءً بصلاة الصبح من اليوم الثالث عشر.
إذًا خمسة عشر صلاة يكبِّر بعدها.
ب- التكبير لمن لا يكون في منى في عيد الأضحى:
فيكبِّر بعد عشر صلوات، بدءًا من ظهر يوم العيد، وانتهاءً بالصبح من اليوم الثاني عشر.
هذه بعض واجبات ومستحبات يوم العيد.
أكتفي بهذا القدر من الحديث، وأترك المجال لأسئلتكم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.