حديث الجمعة 493: تكريس الوحدة بين المسلمين
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ، محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
تكريس الوحدة بين المسلمين
وبعد:
الأب الكبير ضمانة البلد
أبدأ بهذه الأسطر القليلة: كلُّ الدُّعاءِ للأب الكبيرِ آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم سائلين المولى القدير أنْ يحوطه بعنايتِه، وأنْ يلبسه أثواب الصَّحَّة والعافية، وأنْ يُذهِب عنه كلَّ الأوجاع والآلام، فأوجاعُهُ هي أوجاعنا، وآلامُهُ هي آلامُنا، وآهاتُهُ هي آهاتنا.
فهو ابنُ هذا الوطن البار الَّذي ذاب في حبِّ الوطن، وحمل كلَّ الوفاء له، فقلبه على هذا الوطن، وعلى أمنِهِ ووحدتِهِ وتآلفِهِ وتسامحِهِ، ولا يسمح أنْ يصيبه أيُّ سوءٍ ومكروه، ولا أنْ يهتزَّ سِلْمُهُ واستقراره، هكذا كان ولا يزال ضمانة كبرى لأمن البلد واستقراره، وحمايته من كلِّ المخاطر والمنزلقات، ومن كلِّ ما يكدِّر أجواءَه ومناخاتِه، ومن كلِّ ما يقلق أبناءه ومكوناته.
فمسؤوليَّتنا جميعًا نظامًا وشعبًا أنْ نحوط سماحته بكلِّ الرِّعاية، والعناية، والاهتمام.
ذِكرى ميلاد النُّورين
فنلتقي مناسبتين عظيمتين:
المناسبة الأولى: ذِكرى ميلاد النَّبيِّ الأكرم (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلَّم).
المناسبة الثَّانية: ذِكرى ميلادِ سادسِ الأئمَّة من أهلِ البيت (عليهم السَّلام) الإمامِ الصَّادقِ (سلام الله عليه).
والمناسبتان تكرِّسانِ عنوانًا كبيرًا، هذا العنوان هو (الوحدة بين المسلمين).
ربَّما يعترضُ معترضٌ، فيقول: لا إشكال في أنَّ ذِكرى ميلاد النَّبيِّ الأكرم (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلَّم) قادرة على أنْ تكرِّس (عنوان الوحدة بين المسلمين)؛ كونها مناسبةً عامَّةً يحتفي بها كلُّ المسلمين وإنْ اختلف زمان الاحتفاء!
وأمَّا ذِكرى ميلاد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، فهي (مناسبة مذهبيَّة) يحتفي بها (الشِّيعة) فقط، فكيف يصحُّ أنْ تكون منطلقًا؛ لتكريس (عنوان الوحدة بين المسلمين).
هذا الكلام فيه التباسٌ كبيرٌ!
فإنَّ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) ليس (شخصيَّةً مذهبيَّةً)، بل هو شخصيَّةٌ لكلِّ المسلمين، بل لكلِّ العالم.
فيخطِئ كلَّ الخطأ مَنْ (يُمذهِبُ) الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).
ويخطِئ كلَّ الخطأ مَنْ يقرأه (فقيه مذهب)!
إنَّه إمامٌ لكلِّ المسلمين.
وهو يحمل (فقهَ) جدِّهِ رسولِ الله (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلَّم).
آراء كبار علماء المذاهب في الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)
1- رأي أبي حنيفة
سأل رجلٌ أبا حنيفة – إمام المذهب الحنفيِّ -: “ما تقول في رجلٍ وقف مَالَه للإمام، فمَن المستحقُّ؟
قال أبو حنيفة: المستحقُّ جعفرُ الصَّادق، لأنَّه إمامُ الحقِّ”. (موسوعة المصطفى والعترة9/373، الحاج حسين الشَّاكري).
2- رأي مالك بن أنس
أ- وقال مالك بن أنس – إمام المذهب المالكيِّ -: “جعفر بن محمَّد اختلفتُ إليه زمانًا، فما كنتُ أراهُ إلَّا على إحدى ثلاث خصال: إمَّا مُصَلٍّ، وإمَّا صَائم، وإمَّا يَقَرأُ القرآن، …”. (أضواء على عقائد الشِّيعة الإمامية، الصفحة177، الشَّيخ السُّبحاني).
ب- وقال مالك – أيضًا -: “ما رأتْ عينٌ، ولا سمعت أذُنٌ، ولا خطر على قلب بشرٍ، أفضلَ من جعفرٍ بن محمَّد الصَّادق علمًا، وعبادةً، وورعًا”. (أضواء على عقائد الشِّيعة الإمامية، الصفحة177، الشَّيخ السُّبحاني).
ج- وقال عنه: “…، وكان من عظماءِ العبَّادِ، وأكابرِ الزُّهادِ، والَّذين يخشون الله (عزَّ وجلَّ)، …”. (الأنوار البهيَّة، الصفحة158، الشَّيخ عبَّاس القمي).
3- رأي ابن طلحة الشَّافعي
وقال كمالُ الدِّين محمَّدُ بن طلحة الشَّافعي متحدِّثا عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “هو مِن عظماءِ أهلِ البيت، وساداتِهم (عليهم السَّلام)، ذو علومٍ جمَّةٍ، وأورادٍ متواصلةٍ، وزهادةٍ بيِّنةٍ، وتلاوةٍ كثيرة يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحرِ جواهرِهِ، ويستنتج عجائبه، ويقسِّم أوقاته على أنواعِ الطَّاعات، بحيث يحاسب نفسَه، رؤيتُهُ تُذكِّر الآخرة، واستماعُ كلامِهِ يُزهِّد في الدُّنيا، والاقتداءُ بهَدْيهِ يُورثُ الجنَّة، …”. (المحجة البيضاء في نهذيب الأحياء4/253، الفيض الكاشاني).
فنحن نقرأ هذه (الاعترافات)، و(الإطراءات)، و(الإثناءات) من كبار علماء المذاهب لم يعيشوا (عقدة المذهبيَّة)، بل وجدوا في (جعفر بن محمَّد الصَّادق) نموذجًا، وقدوةً، وإمامًا لكلِّ المسلمين.
هكذا كان علماء المذاهب في تلك الأعصر يعيشون الانفتاح كلَّ الانفتاح، والتَّسامح كلِّ التَّسامح، فلا مشكلة لديهم وهم الأئمَّة البارزون، والفقهاء المتميِّزون أنْ يكونوا تلامذة في (حلقات دروس الإمام الصَّادق) التي ذاع صيتُها، وشاع ذِكرها، حتَّى ذَكَر العلماء أنَّ عدد حُضَّار مدرسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قد بلغوا (أربعه آلاف) من مختلف المذاهب!!
مرتادو مدرسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) من أئمَّة الحديث والفقه
وكان كبارُ أئمَّة الحديثِ والفقهِ من روَّادِ مدرسةِ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) ومن هؤلاء:
1- الإمام أبو حنيفة – إمام المذهب الحنفيِّ –
فقد انقطع إلى مجلس الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) طوال عامين قضاهما بالمدينة، وفيهما يقول: “لولا السَّنتان لهلك النُّعمان”. (موسوعة المصطفى والعترة9/9، الحاج حسين الشَّاكري).
2- الإمام مالك بن أنس – إمام المذهب المالكي -.
3- الإمام سفيان الثَّوري
ويعبَّر عنه بـ: (أمير المؤمنين في الحديث)، و(شيخ الإسلام)، و(سيِّد الحفَّاظ).
4- الإمام سفينان بن عيينة
(من أئمَّة الحديث، وكبَار الحفَّاظ الثِّقات).
5- الإمام يحيى بن سعيد
(وهو من الحفَّاظ، وأئمَّة الحديث المشهورين)
6- شعبة بن الحجَّاج
(من أئمَّة الحديث المعتمدين).
قال ابن طلحة الشَّافعي – وهو يتحدَّث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “نقل عنه الحديث، واستفاد منه العلم جماعة من الأئمَّة وأعلامهم، مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريح، ومالك بن أنس، والثَّوري، وابن عيينه، وشعبه، وأيوب السجستاني،، وغيرهم”. (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، الصفحة436، محمَّد بن طلحة الشَّافعي).
وجاء في هوامش الصواعق المحرقة:
“وله – يعني: الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – منزلةٌ رفيعةٌ في العلم، أخذ عنه جماعة منهم، الإمام أبو حنيفة، ومالك، ولُقِّب بالصَّادق؛ لأنَّه لم يعرف له الكذب قط، كان جريئًا صدَّاعًا بالحقِّ”.
هكذا كانت مدرسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) تستقطب روَّادًا من كلِّ المذاهب، والانتماءات.
وما كان هؤلاء يتحفَّظون مهما كانت توجُّهاتهم أنْ يكونوا (حضَّارًا) في حلقات دروس الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).
هكذا كانت الأريحيَّة، وكان الانفتاح، وما كانت (الحساسيَّات المذهبيَّة) تشكِّل (مُعوِّقات) دون الاستفادة من عطاءات مدرسة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام).
تحطيم حواجز المذهبيَّة
أمَّا في عصورنا المتأخِّرة، فقد وضعت كلُّ الحواجز بين أتباع المذاهب المتعدِّدة.
فهل نجد دارسين شيعة في الأزهر الشَّريف؟
وهل نجد دارسين سُنَّة في حوزة النَّجف الأشرف، أو حوزة قم المقدَّسة؟
لماذا لا نجد ذلك؟
لأنَّ هناك (حواجز مصطنعة)!
مَن الذي اصطنع هذه الحواجز؟
اصطنعها (الجهل)، و(التَّعصُّب)، ونظَّر لها (سماسرة الفتن)!
ومَنْ هم هؤلاء السَّماسرة؟
هُمْ (حملةُ دينٍ متطرِّفون)!
وهُمْ (ساسةٌ سيِّئُونَ)!
وهُمْ (أعداءٌ حاقِدُونَ)!
وهُمْ (أصحابُ مصالحٍ منتفِعون)!
كم هي أمَّتُنا الإسلاميَّة في حاجةٍ إلى إنتاج (وعي أصيل)؛ لكي يُحكم (الجهل)، و(العصبيَّات)؛ ولكي يُحطِّم كلَّ (الحواجز) التي اصطنعها (سماسرة الفتن).
الحاحة كبيرة وكبيرة إلى (حَمَلَة دين) يملكون كلَّ الوعي، والبصيرة.
ويملكون كلَّ الصِّدق، والإخلاص.
ويملكون كلَّ التَّقوى، والصَّلاح.
ويملكون كلَّ الجرأةِ، والشَّجاعة.
ويملكون كلَّ الثَّبات، والصُّمود.
والحاجة كبيرةٌ وكبيرة إلى (ساسةٍ) يملكون كلَّ الحكمةِ، وكلَّ الرُّشدِ، وكلَّ النَّظافةِ، وكلَّ العدلِ، وكلَّ الإنصافِ، وكلَّ الحبِّ، وكلَّ الرَّأفةِ، وكلَّ الرَّحمةِ، وكلَّ الإرادةِ، وكلَّ الانفتاح.
والحاجةُ كبيرةٌ وكبيرةٌ إلى (مشاريعَ جادّةٍ)، و(فاعلةٍ)، و(قادرةٍ):
1- في مواجهةِ سماسرةِ الفتنِ.
2- وفي مواجهةِ خطاباتِ التَّعصُّبِ، والتَّطرُّفِ.
3- وفي مواجهةِ كلِّ برامج الفرقةِ، والتَّمزيق.
المناسبة إسلاميَّة وليست مذهبيَّة
بعد هذا الاستطراد نعود للقول: بأنَّ مناسبة الإمام الصَّادق ليست مناسبة مذهبيَّة، بل هي لكلِّ المسلمين، فيجب أنْ تُوظَّفَ؛ من أجل ترسيخ (الوحدة، والتَّقارب) خاصَّة إذا عَلِمنا أنَّ (نهج الإمام الصَّادق عليه السَّلام) كان نهجًا توحيديًّا، وهذا ما أكَّدت عليه تعاليمُهُ، وتوجيهاتُه، وكلماتُه.
الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) يؤسِّس للعلاقة بين المسلم والمسلم
نقرأ له قوله: “المسلمُ أخو المسلمِ هو عينُهُ، ومرآتُه، ودليلُه، لا يخونُهُ، ولا يخدعُهُ، ولا يظلمُهُ، ولا يكْذِبُهُ، ولا يغتابُهُ”. (الكافي2/166، الشَّيخ الكليني).
بهذه الكلمات يؤسِّس الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) للعلاقة بين المسلم والمسلم.
إنَّها (علاقة الأخوة)!
فالمسلمُ عينُ المسلم، ومرآتُهُ، ودليلُهُ، يُرشدُهُ، يُوجِّهُهُ، يُبّصرُهُ، يسعى دائمًا لخيرِهِ، لصلاحِهِ، لأمنِهِ، لاستقرارِهِ، لراحتِهِ، يدافع عنه، عن حياتِهِ، عن عرضِهِ، عن مالِهِ.
لا يسمح أنْ يصيبه أذًى، اعتداءٌ، ظلمٌ.
والمسلمُ صادقٌ كلُّ الصِّدقِ مع أخيه المسلم، وأمينٌ معه كلُّ الأمانة، ونظيف معه كلُّ النَّظافةِ، ووفيٌّ معه كلُّ الوفاء، ورحيمٌ معه كلُّ الرَّحمة، ورؤوفٌ معه كلُّ الرَّأفة.
فلا يخونُهُ، لأنَّ الخيانة جريمة عظمى!
ولا يخدعُهُ، لأنَّ الخديعةَ دناءَةٌ!
ولا يظلمُهُ، لأنَّ الظُّلم ذنبٌ كبير!
ولا يَكْذِبُهُ، لأنَّ الكذب سلوك قبيح!
ولا يغتابُهُ، لأنَّ الغَيْبة أبغض الخصال إلى الله سبحانه!
تصوَّرُوا لو طبَّق المسلمون هذه التَّوجيهات، فكم تتكرَّس في داخلهم المحبَّة، والمودَّة!
وكم تتجذَّر فيما بينهم الأخوَّة، والأُلفة!
وكم ينتشر في حياتهم التَّسامح، والرِّفق!
وكم يحكم واقعهم العدلُ، والإنصاف!
وكم تتجسَّدُ في طباعهم المروءة، والشَّهامة.
وكم يصبحوا ﴿… خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ …﴾. (سورة آل عمران: الآية110).
ونقرأ حديثًا آخر يرويه الإمامُ الصَّادق (عليه السَّلام) عن جدِّهِ رسولِ اللهِ (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلَّم)، حيث قال: “مَنْ أصبح لا يهتمُّ بأمور المسلمين فليس منهم.
ومَنْ سمع رجلًا ينادي يا للمُسلمينَ، فلم يجبه، فليس بمسلم”.( )(الكافي2/163، الشَّيخ الكليني).
كم يحمل هذا الحديث مضمونًا خطيرًا جدًّا إنَّه (مضمون التَّضامن بين المسلمين).
فالمسلمون جميعًا كيانٌ واحد، منطلقاتهم واحدة، أهدافهم واحدة، قضاياهم واحدة، همومهُم واحدة، آلامهم واحدة.
فكم هو هذا المبدأ (مبدأ التَّضامن، والتَّلاحم) مطبَّقٌ بين المسلمين في هذا الزَّمان؟!!
إنَّنا نعيش في زمانٍ وَصَلت (العلاقة بين المسلمين) إلى أسوأ حالاتها، وإلى أهبط مستوياتها، رغم (شعارات التَّقارب)، و(شعارات الوحدة)، و(شعارات التَّضامن).
فأين هو التَّقارب؟
وأين هي الوحدة؟
وأين هو التَّضامن؟
دعونا من التَّقارب السِّياسيِّ، ودعونا من الوحدة السِّياسيَّة، ودعونا من التَّضامن السِّياسيِّ، فهذه (خرافة العصر)!
لنتحدَّث عن (المشاعر) فقط!
فهل مشاعر المسلمين متقاربة؟
وهل مشاعر المسلمين متوحِّدة؟
وهل مشاعر المسلمين متضامنة؟
ربَّما نسمع لمواقع الإعلام، والمنابر الخطاب الكثيرَ من الحديث عن التَّقارب، والكثير من الحديث عن الوحدة، والكثير من الحديث عن التَّضامن، ولكنّ كلَّ هذا ليس إلَّا ضجيجًا!
فنحن في زمن (الضَّجيج)، وفي زمن (الهَذَيَان)، وفي زمن (العبث بالمشاعر)!
فمتى يستيقظ الوعي، والرُّشد، والحكمة؟!
ومتى يستيقظ الصِّدق، والصَّراحة، والواقعيَّة؟!
ومتى تستيقظ الإرادة، والعزيمة، والهِّمَّة؟!
لِتَسْتجيب أمَّتنا الإسلاميَّة.
ولِتَسْتجيب أوطاننا الإسلاميَّة.
ولِتَسْتجيب شعوبنا الإسلاميَّة.
ولِتَسْتجيب أنظمة السِّياسة في بلداننا الإسلاميَّة.
ولِتَسْتجيبَ قوى الفكر والثَّقافة في مجتمعاتنا الإسلاميَّة.
لِتَسْتجيبَ بشكل جادٍّ، وصادق إلى نداء الله تعالى:
1- ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ …﴾. (سورة آل عمران: الآية103).
وإلى نداءِ اللهِ تعالى:
2- ﴿… وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ …﴾. (سورة الأنفال: الآية46).
وإلى نداءِ اللهِ تعالى:
3- ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾. (سورة الأنبياء: الآية92).
وإلى نداءِ اللهِ تعالى:
4- ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾. (سورة المؤمنون: الآية52).
ولِتَسْتَجيبَ بشكلٍ جادٍّ وصادق إلى نداء نبيِّ الإسلام (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلَّم): “لا تختلفوا، فإنَّ مَنْ كان قبلكم اختلفوا، فهلكوا”. (ميزان الحكمة1/764، محمَّد الريشهري).
لا يتكلَّم هذا الحديث عن اختلاف الرُّؤَى، والقناعاتِ، والاجتهادات، فهذا الاختلاف إذا كان مُؤَسَّسًا على أسس مشروعة ومدروسة، وليس على أساس الهَوَى والتَّعصُّب، فهو اختلاف مشروع.
وإنَّما يتكلَّم عن الاختلاف الذي ينتج الخلافاتِ والصِّراعاتِ، والعداواتِ، والتي تؤول إلى المواجهاتِ، والصِّداماتِ، وإلى المعارك، والحروب.
وتكون المنتجاتُ ضَحايا، ودِماءً، ودَمارًا، ورُعبًا، وعُنفًا، وإرهابًا، وعَبَثًا بالأعراضِ، والأموالِ، والمقدَّساتِ.
وضَياعًا للقِيمِ، والمُثلِ، والكرامات، وسحقًا لكلِّ معايير الحقِّ، والخير.
والنَّتيجة الهلاك كلُّ الهلاك!
لا يبقى للمسلمين كيانٌ، ولا هَيبةٌ، ولا عِزَّةٌ، ولا كرامة.
فتتكالب عليهم الأمم.
وكما في الكلمة عن النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلّم): “يوشكُ أنْ تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها.
قيل: يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فمن قلَّةٍ بنا يومئذٍ؟
قال [صلَّى الله عليه آلِهِ وسلّم]: لا!، ولكنَّكم غثاءٌ كغثاء السَّيل.
يُجعل الوَهْنُ في قلوبِكم، ويُنزعُ الرعب من قلوبِ عدوكم،…”. (كنز العمال11/132، المتقي الهندي).
لماذا أصبح المسلمون اليوم بلا قوَّة، ولا هيبة، ولا يُشكِّلون رقمًا في معادلات السِّياسة؟
رغم أنَّهم في العدد يشكِّلون رقمًا كبيرًا، ورغم أنَّهم في الإمكانات والثَّروات يملكون رصيدًا ضخمًا!
أنَّهم في المواقع لهم استراتيجيَّتُهم.
أصبحوا هكذا يوم أضاعوا هُويَّتهم، ويوم اختلفوا، ويوم أباحوا دماءَ بعضهم، وأعراضَ بعضهم، وأموالَ بعضِهم، ومقدَّرات بعضهم!
فما لم يعودوا إلى هُويَّتهم، وما لم يتصالحوا، وما لم يتآلفوا، وما لم يتوحَّدوا، وما لم يتحابُّوا، وما لم يتعاونوا، فسوف يبقى هو هذا حالهم، وهو هذا واقعهم، وهو هذا حاضرهم ومستقبلهم.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.