حديث الجمعة 483: كلمة في ذِكْرى الغدير – غياب الحوار أساس التَّأزيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحِيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصًّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد، فهذه:
كلمة في ذِكْرى الغدير
هذه الذِّكرى تحرِّك – دائمًا – (جدليَّة النَّصِّ، والشُّورى) بين المسلمين.
فأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) يؤمنون بـ(مبدأ النَّصِّ) في تعيين الخليفة.
وأتباع مدرسة الخلفاء يؤمنون بـ(مبدأ الشُّورى) في اختيار الخليفة.
ولا أريد أنْ أدخل في معترك (هذه الجدليَّة التَّاريخيَّة).
ولا يعني هذا أنَّه لا يجوز معالجة (قضايا التَّاريخ)، فهذه المعالجة حقُّ مشروع ما دامت (أهداف المعالجة مشروعة)، وما دامت (أدوات المعالجة صحيحة)، وما دامت (لغة المعالجة نظيفة).
إثارة مسألة الخلافة لا يعني تأجيج الفتن والعصبيَّات
ولكنِّي – هنا – أريد أنْ ألفت إلى مسألةٍ في غايةِ الأهمية والخطورة.
إنَّ إثارة الجدل حول (مبدأ النَّصِّ)، و(مبدأ الانتخاب) في شأن الخلافة لا يبرِّر إطلاقًا أنْ يحرِّك بين المسلمين (الصِّراعات)، و(العصبيَّات)، و(الفتن المذهبيَّة).
فإذا كان هذا الجدل يهدف إلى إنتاج هذه (المعطيات السَّلبيَّة الخطيرة) فهو جدل محرَّم، وغير مشروع، ومرفوض جدًّا.
أوَّلًا: لا تُحرِّكوا أيَّ جدل بهدف إنتاج الصِّراعات
يقول تعالى في (سورة الأنفال: الآية 46): ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ …﴾.
التَّنازعُ الذي يمزِّق وحدة المسلمين، ويضعفُ شوكتَهم، ويُسقطُ هيبتهم أمر محرَّم، ومقيت.
إنَّ عنوان (وحدة الأمَّة) عنوان مقدَّس لا يجوز أنْ ينهار، أو أنْ يتداعى وفق كلِّ الحسابات والاعتبارات.
1- قال تعالى في (سورة الأنبياء: الآية 92): ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
2- وقال تعالى في (سورة المؤمنون: الآية 52): ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.
3- وقال تعالى في (سورة آل عمران: الآية 103): ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ …﴾.
الوحدة لا تعني إلغاء الانتماءات المذهبيَّة
وحينما نتحدَّث عن عنوان (الوحدة) كعنوان يشكِّل ثابتًا من ثوابت هذه الأمَّة لا يعني إلغاء الانتماءات المذهبيَّة، وإنَّما يعني (تفعيلًا عمليًّا للقواسم المشتركة) الكبيرة جدًّا بين المسلمين، وتبقى مساحات الاختلاف خاضعة للحوارات العلميَّة الجادَّة.
كما يعني عنوان الوحدة (تفعيلًا عمليًا للمواقف المشتركة) في قضايا الأمَّة المصيريَّة كقضيَّة فلسطين، وغيرها.
فالتَّنوُّع المذهبيُّ لا يُشكِّل عُقدةً أمامَ مشروعات الوحدة والتَّقارب، فالرُّؤى المذهبيَّةُ، والثَّقافيَّةُ، والسِّياسيَّةُ المتعدِّدةُ لا تمثِّل مكوِّناتِ تناقضٍ وتنافٍ، إلَّا إذا عاشت هذه الرُّؤى المتعدِّدةُ حالاتِ الانسجانِ، والانغلاقِ على الذَّات، وحالات النَّفي المُطلق للآخر.
ثانيًا: لا تحرِّكوا أيَّ جدل بهدف إنتاج (العصبيَّات)
فالتَّنوُّع المذهبيُّ، والثَّقافيُّ، والسِّياسيُّ مشروع إلَّا إذا تحوَّل إلى تعصُّب، وتشدُّد، وتطرُّف، فهو مرفوض كلّ الرَّفض، وقبيح كلّ القبح.
إنَّ الخطابَ العاقلَ المنفتح قادرٌ أنْ يحوِّل الكثيرَ من نقاط الاختلاف في مجالات الفكر، والفقه، والسِّياسة إلى (منتجاتٍ فاعلةٍ)؛ للتَّقاربِ، والتَّآلف، وإلى (صياغاتٍ عمليَّة متحرِّكةٍ) تغني الواقعَ بخياراتٍ متعددِّةٍ، وتُنشِّطُ آفاق الحوار في مجالاتِ الدِّينِ، والثَّقافةِ، والسِّياسةِ، وتدفعُ إلى مزيدٍ من الحركيَّةِ، والتَّجديدِ، والإبداعِ، والشَّفافيَّةِ، والمرونةِ، والانفتاح.
لقد أكَّدت النُّصوصُ الدِّينيَّة على شجب (العصبيَّات) التي تؤزِّمُ العلاقات، وتمزِّقُ الأواصر، وتنتج العداوات، وتخلق التَّوتُّرات، وتؤسِّس للصِّراعات.
هكذا كانت (الحميَّة الجاهليَّة) التي تحدَّث عنها القرآنُ الكريم حيث قال: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ …﴾ (سورة الفتح: الآية 26)، حيث منعوا النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله)، والمؤمنينَ أنْ يدخلوا مكَّة، ويؤدُّوا مناسكَهُم، …، وقالوا: لو دخل – الذين قتلوا آباءَنا، وإخواننا – أرضنا، وديارنا، وعادوا سالمين، فما عسى أنْ تقول العرب فينا؟! (انظر تفسير: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل16/481، الشَّيخ ناصر مكارم الشيرازي).
هذه الحميَّة – حميَّة الجاهلية – دفعتهم إلى هذا التَّعصُّب المقيت، وكذلك دفعتهم إلى أنْ يمتنعوا من كتابة ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ بصورتها الصَّحيحة حينما كُتبت معاهدةُ صُلح الحديبيَّة.
رغم أنَّ عاداتِهم وسنَّتهم كانت تجيز العُمرة، وزيارة بيت الله الحرام للجميع، وكانت مكَّة عندهم حَرَمًا آمنًا، حتَّى لو وَجَدَ أحدُهُم قاتل أبيه فيها، فلا يناله منه سوء، وأذى لحرمة البيت!، إلَّا أنَّ العصبيَّة الجاهليَّة جعلتهم يقفون هذا الموقف من النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومن أتباعه المؤمنين.
1- جاء في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “مَنْ كان في قلبِهِ حبَّةٌ مِن خردلٍ من عصبيَّة بعثه اللهُ يومَ القيامةِ مع أعراب الجاهلية” (الكافي2/308، الشَّيخ الكليني).
2- وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “مَنْ تعصَّبَ عصَّبهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بعصابة من نار” (بحار الأنوار70/291، العلامة المجلسي).
فالعصبيَّة المذمومة هي نتاج جهلٍ، وتخلُّفٍ، وانحطاطٍ ثقافيٍّ.
ولذلك كانت العصبيَّة وراء الكثير من العداواتِ، والصِّراعات، والتَّوتُّرات.
وبقدر ما يتوفَّر الوعي والرُّشد لا تجد العصبيَّة المذمومة طريقها إلى قلوب النَّاس، وإلى عقولهم، وإلى ممارساتهم.
وربَّما يكون التَّعصُّب ممدوحًا إذا كانت تعصُّبًا للحقِّ، للخير، للعدل، للفضيلة، للقِيم، والمُثُل، للحبِّ، للتَّسامح، للتَّآلف، للتَّقارب.
3- جاء في الكلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلام): “إنْ كنتم لا محالةَ متعصِّبين، فتعصَّبوا لنصرة الحقِّ، وإغاثة الملهوف” (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة163، علي بن محمد الليثي الواسطي).
الفارق بين تعصُّبَيْنِ
فالفارق كبير جدًّا بين التَّعصُّب الممدوح، وذاك التَّعصُّب المذموم.
كما هو الفارق بين الحقِّ والباطل.
وكما هو الفارق بين الخير والشَّر.
وكما هو الفارق بين العدل والظُّلم.
وكما هو الفارق بين الفضائل والرَّذائل.
فالتَّعصُّب الممدوح انحياز إلى الحقِّ، إلى الخير، إلى العدل، إلى الفضائل.
والتَّعصُّب المذموم انحياز إلى الباطل، إلى الشَّرِّ، إلى الظُّلم، إلى الرَّذائل، إلى المواقف الخطأ.
الانتماء المدروس علميًّا انحياز مشروع
قد يقال: إنَّ الإنسانَ حينما تتشكَّل لديه قناعةُ الانتماء إلى طائفةٍ، أو إلى مذهب، أو إلى حزبٍ، أو إلى جماعة، فمن الطَّبيعيِّ أنْ ينحاز إلى هذه القناعة، والذي يعني بالضَّرورة الانحياز إلى طائفته، وإلى مذهبه، وإلى حزبه، وإلى جماعته، فهل يُشكِّل هذا تعصُّبًا مرفوضًا؟
بالتَّأكيد أنَّ الانحيازَ إلى القناعةِ المؤسَّسةِ على البحث والدِّراسة، وليس على العاطفة والهوى هو انحياز مشروعٌ، ولا يُعدُّ تعصُّبًا.
ولكن ليس بالضَّرورة أنْ تكون مواقفُ الطَّائفةِ، أو المذهبِ، أو الحزبِ أو الجماعةِ تمثِّلُ الحقَّ، وتمثِّل الخير، وتمثِّل العدل، وتمثِّل الصَّواب.
قد يكون العكس هو الصَّحيح، فتكون مواقف الطَّائفة، أو المذهب، أو الحزب، أو الجماعة تمثِّلُ الباطل، وتمثِّل الشَّرَّ، وتمثِّل الظُّلم، وتمثِّل الخطأ.
فمن العصبيَّة المرفوضة الانحياز إلى الطَّائفة في كلِّ مواقفها وإنْ كانت باطلة، وإنْ كانت شرًّا، وإنْ كانت ظلمًا، وإنْ كانت خطأً.
وهكذا الانحياز إلى مواقف المذهب، وإلى مواقف الحزب، وإلى مواقف الجماعة.
المطلوب أنْ أنحاز إلى الحقِّ، إلى الخير، إلى العدل، إلى الصَّواب في أيِّ موقع وُجد ذلك، مع طائفتي أم مع غيرها، مع مذهبي أم مع غيره، مع حزبي أم مع غيره، مع جماعتي أم مع غيرها.
1- سئل النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) عن العصبيَّة: فقال: “أنْ تعين قومك على الظُّلم” (ميزان الحكمة3/1992، محمد الريشهري).
2- وسئل الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلام) عن العصبيَّة، فقال: “العصبيَّةُ التي يأثم عليها صاحبُها أنْ يرى الرَّجلُ شرارَ قومِهِ خيرًا مِن خِيار قوم آخرين، وليس مِن العصبيَّة أنْ يُحبَّ الرَّجلُ قومَهُ على الظُّلم” (الكافي2/309، الشَّيخ الكليني).
ويعتبر إبليسُ هو أول مؤسِّس للعصبيَّة حينما تعالى على السُّجودِ لآدم.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ (الأعراف، الآية 11).
هذا السُّجود لم يكن سجود عبادة لآدم (عليه السَّلام)، بل كان سجود عبادة لله سبحانه، وتحيَّة لآدم (عليه السَّلام)، وقد تخلَّف عن هذا الأمر الإلهيِّ إبليسُ.
وهنا سؤالٌ يطرح: كيف توجَّه الأمر الإلهيُّ بالسُّجود لإبليس وهو ليس من الملائكة، وإنَّما هو من الجنِّ ﴿… فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ …﴾ (سورة الكهف، الآية 50)؟
ذهب البعض إلى أنَّ إبليس كان من الملائكة، وحاول هذا البعض تفسير كلمة ﴿الْجِنِّ﴾ في هذه الآية بأنَّها تعني فصيلًا من الملائكة يحمل هذا الاسم!
إلَّا أنَّ الأشهر – وحسب ظاهر الآية – أنَّه من الجنِّ، وليس من الملائكة.
أمَّا لماذا شمله الأمر بالسُّجود، فلأنَّه كان يتعبَّد مع الملائكة.
وهكذا بدأ إبليسُ أخطرَ مشروعٍ يُؤسِّسُ للتَّعصُّب، والتَّشدُّد، والتَّطرُّف حينما رفض الأمر الإلهيَّ بالسُّجود لآدم (عليه السَّلام)، مُعلِّلًا هذا الرَّفض بأنَّه خيرٌ من آدم (عليه السَّلام)، كونه من نارٍ وآدم (عليه السَّلام) من تراب!
﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (سورة الأعراف، الآية 12).
إنَّ كلَّ المتعصِّبين، والمتشدِّدين، والمتطرِّفين هم من إنتاج هذا المشروع الإبليسيِّ الذي أسَّس للفتن، والعداوات، والصِّراعات بين أبناء البشر.
نقرأ في الكلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) – في ذمِّ إبليس- قوله: “…، فافتخر على آدمَ بِخَلْقِهِ، وتعصَّبَ عليه لأصلِهِ، فَعَدُوُّ اللهِ إمامُ المُتعصِّبينَ، وسَلَفُ المستكبرينَ الَّذي وَضَعَ أساسَ العَصَبيَّةِ، …” (نهج البلاغة، الصَّفحة286، فهرسة: الدكتور صبحي الصَّالح).
إذا كان من حقِّ النَّاس أنْ يُحدِّدوا (خَياراتِهم الدِّينيَّة)، و(خَياراتِهم الفكريَّة)، و(خَياراتِهم السِّياسيَّة) ما دامت هذه الخَياراتُ تعبِّر عن قناعاتٍ مدروسةٍ، وأنْ يتحمَّلوا مسؤوليَّة هذه القناعات.
إذا كان من حقِّهم ذلك؛ فهذا لا يبرِّر لهم أنْ يكونوا متعصِّبين، ومتشدِّدين، ومتطرِّفين.
لا مشكلة في أنْ يتحرَّك الحوارُ فيما هي القناعات الدِّينيَّة، أو الفكريَّة، أو السِّياسيَّة بشرط أنْ يكون حِوارًا علميًّا نظيفًا.
أمَّا إذا كان الحوار مصبوغًا بالتَّعصُّب، والتَّشدُّد، والتَّطرُّف فهو حوار مرفوض وسيِّئ.
1- قال تعالى مخاطبًا نبيَّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ﴿… وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…﴾ (سورة النَّحل، الآية 125).
2- وقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾ (سورة العنكبوت، الآية 46).
هذا هو منهج القرآن الكريم في مجادلة الآخر، الآخر في العقيدة، الآخر في الفكر، الآخر في السِّياسة، الآخر في الموقف.
غياب الحوار أساس التَّأزيم
إنَّ من أهم الأسباب في تأزيم العلاقات هو (غياب الحوار)، أو (غياب المنهج الصَّائب في الحوار).
غياب الحوار يباعد بين المواقف.
وغياب المنهج الصَّائب في الحوار يؤزِّم العلاقات.
اقرأوا الصِّراعاتِ، صِراعاتِ الطَّوائف، صِراعاتِ المذاهب، صِراعاتِ المكوِّنات، صِراعاتِ الجماعات، صِراعاتِ الأحزاب، صِراعاتِ الأنظمة والكيانات، فسوف تجدون أنَّ هناك غيابًا للحوار، أو سوف تجدون أنَّ هناك خَلَلًا في الحوار.
الحلُّ للأزمات تحريك الحوار الجادِّ
مطلوبُ أنْ تحرَّكَ الحِواراتُ الجادَّةُ الصَّائبة؛ لمعالجة الأزمات والتَّوتُّرات في كلِّ العلاقاتِ الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة.
صحيح هناك مَنْ لا يريد للأزمات والتَّوتُّرات في داخل الأوطانِ أنْ تنتهي، ربَّما بدوافع ملتبسةٍ، أو لغايات سيِّئةٍ، هؤلاء هم (صنَّاع الفتن)، هذا النَّمط من النَّاس يقتلون (المحبَّة، والتَّسامح)، وينشرون (الكراهية، والتَّعصُّب).
بُعدًا للفتنِ العمياء
حذارِ حذارِ من فِتَنٍ عمياء تحرقُ، وتدمِّرُ، وتخرِّبُ، وتفسد أوضاعًا، وتزهقُ أرواحًا، وتسفك دماءً، وتهتك أعراضًا، وتحرق أموالًا.
قال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً …﴾ (سورة الأنفال، الآية 25). حينما تتحرَّك في السَّاحة أوضاعٌ منحرفةٌ أو خطأ، فإنَّها تؤدِّي إلى نتائج سلبيَّة، وربَّما قادت إلى كوارث ونتائج مدمِّرة.
ولنْ تقتصر هذه النَّتائج على صنَّاع هذه الأوضاع، بل تمتدُّ إلى كلِّ النَّاس، وإلى كلِّ المواقع، وربَّما دمَّرت أوطانًا بكاملها.
الجميع مُطَالب بوقف الفتَن، ونشر الحبِّ
من هنا فمطلوبٌ من كلِّ القادرين على إيقاف الفتن أنْ يوقفوها، وإلَّا أحرقت الأخضر واليابس.
مطلوبٌ من كلِّ الأنظمة أنْ تزرع الحبَّ، والتَّسامح، والرِّفق.
ومطلوبٌ من كلِّ الشُّعوب، ومن كلِّ الجماعات، ومن كلِّ المواقع، ومن كلِّ النَّاس أنْ يزرعوا الحبَّ، والتَّسامح، والرِّفق.
أوطانٌ مزروعٌ فيها الفتنُ، والأحقادُ، والضَّغائنُ، والعصبيَّات.
وأوطانٌ مقتولٌ فيها الحبُّ، والتَّسامح، والرِّفق، والاعتدال.
هي أوطانٌ مآلاتها إلى الدَّمار، والفساد، والانحطاط.
حمى اللهُ أوطانَ المسلمين من كلِّ المكاره والأسواء، ومن كلِّ المحن والشَّدائد.
وآخر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.