حديث الجمعة 467: أفضلُ العبادةِ العَفَافُ – النَّزاهةُ ضَرُورةٌ لكلِّ الحَياةٍ
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.
قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “أفضلُ العبادةِ العَفَافُ” (الكافي2/79، الشَّيخ الكليني).
العَفَافُ يعني النَّزاهةَ من الخطايا، والآثام.
إنسانٌ عفيف، يعني: إنسانًا نزيهًا نظيفًا من كلِّ التَّلوُّثات.
مِن هنا نفهم لماذا: (أفضل العبادةِ العَفَاف)؟
لماذا لا تكون الصَّلاة؟
لماذا لا تكون بقيَّةُ منظومةِ العبادات: الصِّيام، الحجُّ، الذِّكْر، الدُّعاء، تلاوة القرآن الكريم؟
تصوّرُوا إنسانًا كثيرَ الصَّلاة أنَّه لا يحمل (نزاهةَ قلبٍ)، أو لا يحملُ (نزاهةَ سلوك)، فهل تَحمل صلاتُه أيَّ قيمةٍ؟
طبعًا: لا تحمل أيَّ قيمةٍ عند اللهِ سبحانه.
قِيمة ُالصَّلاةِ حينما تصنعُ عفافًا، وطُهرًا، ونقاءً، حينما تصنع نزاهةَ قلبٍ، ونزاهةَ سلوك.
• ﴿… وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ …﴾ (سورة العنكبوت: الآية45).
• في الكلمةِ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “مَنْ لم تنْهَهُ صلاتُهُ عن الفحشاءِ والمنكر لم يزدد من اللهِ إلَّا بعدًا” (بحار الأنوار79/198، العلَّامة المجلسي).
• وفيما أوحى اللهُ إلى داود (عليه السَّلام): “…، كم مِن ركعةٍ طويلةٍ فيها بكاءٌ بخشيةٍ قد صلَّاها صاحبُها لا تساوي عندي فتيلًا حين نظرتُ في قلبِهِ، ووجدتُه إنْ سلَّم من الصَّلاةِ، وبرزتْ له امرأةٌ، وعرضتْ عليه نفسَها أجابَها، وإنْ عامَلَهُ مؤمنٌ خانَه” (بحار الأنوار81/257، العلَّامة المجلسي).
فلا صلاة بلا عفاف، ولا نزاهة.
وهكذا إذا نظرنا في بقيَّة العبادات، فلا قِيمةَ لصيامٍ بلا عَفَافٍ، ولا نزاهةٍ.
• قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “رُبَّ صائمٍ حظُّهُ من صيامِهِ الجوعُ والعطش،
ورُبَّ قائمٍ حَظُّهُ من قيامِهِ السَّهر” (وسائل الشيعة1/72، الحر العاملي).
ولا قيمةَ لحجٍّ لا يصنع عفافًا، ونزاهةً.
• قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “مِن علامةِ قَبولِ الحجِّ إذا رجع الرَّجلُ عمَّا كانَ عليه من المعاصي، هذا علامةُ قَبولِ الحجِّ، وإنْ رجع مِن الحجِّ، ثمَّ انهمك فيما كان (عليه) من زناء، أو خيانةٍ، أو معصيةٍ، فقد رُدَّ عليه حجُّهُ” (جامع أحاديث الشيعة12/227، السَّيِّد البروجردي).
ولا قيمةَ لذكرٍ لا يقرِّبُ إلى طاعةِ اللهِ تعالى:
• عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “مَنْ أطاع الله، فقد ذَكَرَ الله وإنْ قلَّتْ صلاتُه، وصيامُهُ، وتلاوتُهُ للقرآن.
ومَنْ عصى اللهَ، فقد نسي اللهَ وإنْ كثرتْ صلاتُه، وصيامُهُ، وتلاوتُهُ” (وسائل الشيعة15/257، الحر العاملي).
ولا قيمة لدُعاءٍ بلا تقوى، وبلا عمل.
• قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “الدَّاعي بلا عملٍ كالرَّامي بلا وتر” (الخصال، الصَّفحة621، الشَّيخ الصَّدوق).
• وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “مَنْ أحبَّ أنْ يُستجابَ دعاؤُهُ، فليطيب مطعمُهُ، وكسبُهُ” (بحار الأنوار90/372، العلَّامة المجلسي).
• مرَّ مُوسى (عليه السَّلام) برجلٍ من أصحابِهِ وهو ساجدٍ، وانصرف من حاجتهِ وهو ساجدٌ، فقال: لو كانت حاجتُكَ بيدي لقضيتُها لك.
فأوحى الله إليه: يا موسى، لو سَجَد حتَّى ينقطعَ عنقُهُ ما قبلتُهُ، أو يتحوَّل عمَّا أكرَهُ إلى ما أحبُّ” (عدَّة الدَّاعي ونجاح السَّاعي، الصَّفحة164، ابن فهد الحلي).
ولا قيمةَ لتلاوةٍ لا تهذِّبُ سُلوكًا، ولا تطهِّر قُلوبًا، ولا تنقي أرواحًا.
الفارقُ كبير جدًّا بين مَنْ يقرأ القرآن الكريم مجرَّد حكاية ألفاظٍ وكلماتٍ، ومَنْ يقرأ القرآنَ الكريم تمثُّلًا واقتداءً، والتزامًا، وعملًا، وممارسةً، وتطبيقًا.
فمَن يقرأ قوله تعالى: ﴿… إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (سورة الزمر: الآية13).
فإنْ لم يكن خائفًا وَجِلًا كانت قراءتُهُ حكاية ألفاظٍ وكلماتٍ.
ومَنْ يقرأ قَولَهُ تعالى: ﴿… وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا …﴾ (سورة إبراهيم: الآية12).
ولم يكن كذلك، كانت قراءتُهُ حكايةَ ألفاظٍ وكلماتٍ.
ومَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (سورة التَّوبة: الآية119).
ولم يتمثَّل شيئًا من ذلك في حياتِهِ، وسلوكه، وأخلاقِهِ، وممارساتِهِ كانت قراءته حكاية ألفاظٍ وكلمات.
ومَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ …﴾ (سورة النِّساء: الآية 135).
ولم يمارسْ شيئًا من القِسط والعدل والإنصافِ كانت قراءتُهُ حكايةَ ألفاظٍ وكلماتٍ.
ومَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿… وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى …﴾ (سورة البقرة: الآية197).
ولم يتزوَّد بشيئ من التَّقوى، وبشيئ من العفافِ، وبشيئ من النَّزاهةِ كانت قراءتُهُ حكايةَ ألفاظٍ وكلماتٍ.
ومَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (سورة الفاتحة: الآية5).
وهو يعبُد هواهُ ولذاتِه وشهواتِه، وهو يستعين بغير اللهِ تعالى كانت قراءتُهُ حكايةَ ألفاظٍ وكلماتٍ.
ومَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿… أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (سورة هود: الآية18).
وهو مِن أجلى مصاديق الظَّالمين كانتْ قراءتُهُ حكاية ألفاظٍ وكلماتٍ.
ومَنْ يقرأ قوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (سورة الصف: الآية3).
وكان مِن الَّذين يَقُولون ما لا يفعَلُون كانت قراءتُهُ حكايةَ ألفاظٍ وكلماتٍ.
ولا أريد أنْ أسترسل في ذِكر آياتِ القرآن العزيز.
فقد جاء في الرِّوايات: “رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآنُ يلعنُهُ” (بحار الأنوار89/184، العلامة المجلسي)، و”ما آمنَ بالقرآنِ مَنْ استحلَّ محارَمَهُ” (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة482، علي بن محمد الليثي الواسطي).
أخلصُ إلى القولِ:
إنَّ الصَّلاةَ كلَّ الصَّلاةِ هي التي تصنع عَفافًا، ونزاهةً.
وإنَّ الصِّيامَ كلَّ الصِّيامِ هو الَّذي يصنعُ عفافًا، ونزاهةً.
وإنَّ الحجَّ كلَّ الحجِّ هو الَّذي يصنع عَفَافًا، ونزاهةً.
وإنَّ الذِّكر كلَّ الذِّكرِ، وإنَّ الدُّعاءَ كلَّ الدّعاءِ، وإنَّ التِّلاوةَ كلَّ التِّلاوةِ ما يصنع عفافًا، ونزاهةً.
من هنا يجب أنْ نفهم لماذا قال الحديث: “أفضلُ العبادةِ العفاف” (الكافي2/79، الشَّيخ الكليني).
والعفاف – كما تقدَّم – يعني النَّزاهةَ: نزاهةَ العقلِ، ونزاهةَ القلبِ، ونزاهةَ الضَّمير، ونزاهةَ السُّلوكِ والأفعالِ والممارساتِ.
النَّزاهةُ ضَرُورةٌ لكلِّ الحَياةٍ
الحَياةُ بكلِّ إمتدادَاتِها العقيديَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والرُّوحيَّةِ، والأخلاقيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والاقتصاديَّةِ، والسِّياسيَّة في حاجةٍ إلى النَّزاهة.
كم هي مُرعبةٌ الحياة بلا نزاهة.
إنَّها حياةٌ بلا أمنٍ، ولا أمان.
إنَّها حياةٌ بلا سلامٍ، ولا استقرار.
إنَّها حياةٌ بلا عَدْلٍ، ولا إنصافٍ.
إنَّها حياةٌ بلا محبَّةٍ، ولا وِئامٍ.
إنَّها حياةٌ بلا تسامحٍ، ولا تآلفٍ.
إنَّها حياةٌ بلا خيرٍ، ولا ازدهارٍ.
إنَّها حياةٌ بلا عِزَّةٍ، ولا كرامةٍ.
إنَّها حياةٌ بلا أملٍ، ولا رجاء.
إنَّها حياةٌ بلا رُشْدٍ، ولا بصيرةٍ.
إنَّها حياةٌ بلا رأفةٍ، ولا رحمةٍ.
إنَّها حياةٌ بلا تعاونٍ، ولا تآزرٍ.
إنَّها حياةٌ بلا صَدْقٍ، ولا وفاءٍ.
إنَّها حياةٌ بلا نظافةٍ، ولا نقاءٍ.
إنَّها حياةٌ بلا أمانةٍ، ولا إيمانٍ.
إنَّها حياةٌ بلا تقوى، ولا وَرَعٍ.
إنَّها حياةٌ بلا قانونٍ، ولا نظامٍ.
إنّها حياةٌ بلا شعبٍ، ولا وطن.
وهكذا إذا ماتت النَّزاهةُ في أيِّ موقعٍ من مواقعِ الحياة.
(1) تصوَّرُوا مواقعَ دينٍ لا تَملِكُ نَزَاهةً.
كم تُدمِّر هذه المواقعُ الدِّينَ، ومبادئَ الدِّينِ، وقِيم الدِّينِ، وأحكامَ الدِّينِ، وتعاليم الدِّينِ.
وكم تكونُ نماذجَ مزوَّرةً، ومُثُلًا سيِّئةً.
وكم تسرقُ من النَّاسِ إيمانَهم، والتزامَهم.
وكم تُمثِّل مواقعَ فتنٍ وعصبيَّاتٍ، وخلافاتٍ، وصراعات.
وكم تكونَ أدواتِ تطرُّفٍ، وعنفٍ، وإرهابٍ.
(2) تصوَّرُوا مواقعَ سياسةٍ لا تَملِكُ نَزَاهةً.
غيابُ النَّزاهةُ هنا: يُهدِّدُ الأوطانَ، ويُخرِّبُ البلدانَ، ويُفسدُ الشُّعوبَ، ويعقِّدُ الأوضاعَ، ويُربكُ العلاقاتِ، ويقتلُ الثِّقةَ، ويزرعُ اليأسَ.
وبقدرِ ما تتأسَّس النَّزاهة تُصانُ الأوطانُ، وتَعْمُر البلدان، وتَصْلُحُ الشُّعوبُ، وتُصحَّح الأوضاعُ، وتتماسك العلاقات، وتتجذَّر الثِّقةُ، ويُورِقُ الأمل.
وحينما نتحدَّث عن نزاهة السِّياسة نتحدَّث عن نزاهة أنظمة، ونزاهة قوى ناشطة، ونزاهة حَراكات شعوب، وتبقى نزاهة الأنظمة هي الأساس في بناء الأوطان.
(3) تصوَّرُوا مواقعَ إعلامٍ وصحافةٍ لا تَملِكُ نَزَاهةً.
كم هو خطرٌ مُرعبٌ يُهدِّدُ الأوطانَ والشُّعوبَ حينما يفقدُ الإعلامُ النَّزاهةَ، وحينما تفقدُ الصَّحافةُ النَّزاهةَ.
الإعلام هو الَّذي يَصنَعُ عَقلَ الشُّعوبِ.
والصَّحافةُ هي التي تصنعُ وجدانَ الجماهير.
فما أكثر ما عَبَثَ إعلامٌ بعقولِ شعوبٍ.
وما أكثر ما عبثت صحافةٌ بضمائر جماهير.
وحينما نتحدَّث عن إعلامٍ عابثٍ، وعن صحافةٍ عابثةٍ، إنَّما نتحدَّث عن أقلامٍ تمارسُ العَبَثَ، ولا شكَّ أنَّ الأَقلامَ العابثةَ هي أدواتُ عقولٍ لا تملك نزاهةً، وأدواتُ ضمائر لا تملك نزاهةً، وبالتَّالي هي أدواتُ أهواءٍ ونزواتٍ وشهواتٍ، وأطماع دنيا.
كم هي مآلاتُ الأوطانِ والشُّعوب خطيرةٌ جدًّا حينما يتلوَّثُ الإعلام، وحينما تتلوَّث الصَّحافة، وهذا نتاج تلوُّثِ عقولٍ وضمائرَ.
(4) تصوَّرُوا مواقعَ ثقافةٍ وتربيةٍ لا تَملِكُ نَزَاهةً.
بمعنى لا تملك نظافةَ عقولٍ، ولا نظافة ضمائر، ولا نظافة مشاعر، ولا نظافة مُثُل، ولا نظافة سلوكٍ.
فأيّ منظومةٍ من المفاهيم والقيم والمُثل تزرعُها هذه المواقع في الأوطان، وفي داخلِ الشُّعوب.
إنَّها منظومةٌ فاسدةٌ ومدمِّرةٌ، تشكِّل خطرًا كبيرًا على ثقافةِ الأجيال، وعلى وعي الأجيال، وعلى أخلاقِ الأجيال، وعلى طباعِ الأجيال، وعلى سلوك الأجيال.
وكم سُرقتْ أجيالٌ ثقافيًّا، وأخلاقيًّا، وروحيًّا، وسلوكيًّا من خلال مواقع اختراقٍ زُرعتْ في أوطانِ المسلمين، في مواقع ثقافةٍ، وفي مواقع تربية، وفي مواقع إعلامٍ، وفي مواقع فنٍّ، وفي مواقع رياضةٍ، وفي مواقع سياسيَّةٍ، وفي الكثير من المواقع الاجتماعيَّة.
(5) تصوَّرُوا مواقعَ قانونٍ وحقوقٍ لا تَملِكُ نَزَاهةً.
وهنا الكارثةُ كلُّ الكارثة، فمطلوب من هذه المواقع أنْ تكون راعيةً للقوانين، وحارسةً للحقوق ممَّا يفرض التَّوفُّر على أعلى مستويات النَّزاهة، وأرقى درجات النَّظافةِ، وإلَّا فقدت قدرتها أنْ تكونَ الرَّاعية للقوانين، والحارسة للحقوق، وأصبحت مواقع اختراقٍ خطير يهدِّد مسارات القوانين والحقوق، ويقتل لدى الشُّعوب الثِّقة بصدقيَّة هذه العناوين، وبجدوى قيامها.
(6) تصوَّرُوا مواقعَ اقتصاد لا تَملِكُ نَزَاهةً.
وهنا تحدث كوارث الاقتصاد، وأزماتُ الاقتصاد.
أخطر ما يُهدِّد البلدانَ في هذا العصر كوارثُ الاقتصادِ، وأزماتُ الاقتصاد، وقد استنفرت الدُّولُ كلَّ أدواتِها في مواجهة الكوارث والأزمات الاقتصاديَّة، ورغم أنَّ هذا الشَّأن له رجالُهُ وخبراؤُه – ولا أريد أنْ أقحم نفسي فيه – إلَّا أنَّه لا إشكال أنَّ (غيابَ النَّزاهة) أحد أهم العوامل في إنتاج الأزمات الاقتصاديَّة.
فكم وضعت مشاريع في غاية الدِّقَّةِ والمِهنيَّة؛ لمعالجة أزمات الأوطان الاقتصاديَّة إلَّا أنَّها فشلت وارتبكت بسبب (انعدام النَّزاهة) لدى القائمين على تنفيذ المشاريع، فما لم تُحصَّن ممارساتُ المالِ والاقتصاد بمحصِّن (النَّزاهة) فيما يعنيه هذا المحصِّن من:
1- نظافة المنابع، والمصادر.
2- نظافة المصارف، والغايات.
3- نظافة الإدارة، والإشراف.
فإنَّ هذه الممارساتِ سوف تنزلق؛ لتشكِّل أزمات، وربَّما لتشكل كوارث.
الخُلاصَةُ: إنَّ النَّزاهةَ هي القوَّة التي تصنع كلَّ الأوضاعِ الصَّالحةِ في كلِّ المواقع، سواءً أكانت مواقع دينٍ أم مواقعَ سياسةٍ.
أم مواقع ثقافةٍ، أم مواقع تربيةٍـ
أم مواقع اقتصادٍ، أم مواقعَ إعلامٍ.
أم أيّ مواقع أخرى.
كلُّ هذه المواقع حينما تنتظم مساراتِها نزاهةُ عقل، ونزاهةُ قلبٍ، ونزاهة ضميرٍ، ونزاهةُ سلوكٍ، فإنَّها تتحوَّل مواقعَ خيرٍ، وصلاحٍ، وبناءٍ، وتنميةٍ، وعطاءٍ، وتقدُّمٍ، وإزدهارٍ، وأمنٍ، واستقرارٍ.
فلا يُصلح الأوطان إلَّا النَّزاهة.
ولا يُدمِّر الأوطان إلَّا الفساد.
وكلَّما كانت مواقعُ الفسادِ أكبر، وكلَّما كانت أدواتِ الفساد أكبر كان الدَّمار أكبر، وكان الشَّرُّ أكبر.
• ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (سورة الروم: الآية41).
• وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) عن أحوال العامَّة، فقال: “إنَّما هي من فساد الخاصَّة، وإنَّما الخاصَّة ليقسمون على خمس: العلماء، وهم الأدلَّاء على الله.
والزُّهاد، وهم الطَّريق إلى الله.
والتُّجَّار، وهم أمناء الله.
والغزاةُ، وهم أنصارُ دين الله.
والحُكَّام، وهم رُعاةُ خلق الله.
فإذا كان العالم طمَّاعًا، وللمالِ جمَّاعًا، فبمَن يُستدلُّ؟
وإذا كان الزَّاهد راغبًا، ولِمَا في أيدي النَّاس طالبًا، فبمن يُقْتَدَى؟
وإذا كان التَّاجر خائنًا، وللزَّكاة مانعًا، فبمَن يُستوثق؟
وإذا الغازي مرائيًا، وللكسب ناظرًا، فبمَن يُذبُّ عن المسلمين؟
وإذا كان الحاكم ظالمًا، وفي الأحكام جائرًا، فبمَن ينصر للمظلوم على الظَّالم؟
فَوَ اللهِ، ما أتلف النَّاسَ إلَّا العلماءُ الطَّمَّاعون، والزُّهَّادُ الرَّاغبونَ، والتُّجَّار الخائنون، والغزاةُ المراؤون، والحُكَّام الجائرون، ﴿… وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (سورة الشُّعراء: الآية227)” (ميزان الحكمة3/2420، محمَّد الريشهري).
والحمد لله ربِّ العالمين.