حديث الجمعة 456: لمثبِّطونَ والمُخدِّرُونَ متواجدونَ في كلِّ الأوطانِ
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
المثبِّطونَ والمُخدِّرُونَ متواجدونَ في كلِّ الأوطانِ
أنْ تَجِدَ وَضْعًا أخلاقيًّا مُتردِّيًا، فتتصدَّى له، وتحاولُ أنْ تغيِّرَهُ، تلك مسؤوليَّتُكَ الشَّرعيَّةُ ما دمتَ قادرًا أنْ تمارسَ شيئًا.
أنْ تجدَ وَضْعًا اجتماعيًّا فاسِدًا، فتتصدَّى له، وتحاول أنْ تغيِّرَهُ تلك مسؤوليَّتُكَ الشَّرعيَّة ما دمتْ قادِرًا أنْ تمارسَ شيئًا.
أنْ تجدَ وَضْعًا سِياسيًّا سَيِّئًا، فتتصدَّى له، وتحاول أنْ تغيِّرَهُ تِلكَ مسؤوليَّتُكَ الشَّرعيَّة ما دمتْ قادِرًا أنْ تمارسَ شيئًا.
وهكذا أنْ تجدَ أيَّ وَضْعٍ في مجتمعِكَ يحتاج إلى تصحيح وأنت قادرٌ أنْ تصنع شيئًا، فتلك مسؤوليَّتُكَ الشَّرعيَّة، إذا تخلَّيت عنها تعتبر آثمًا.
ربما تمارسُ مسؤوليَّتَك وحدَك إذا كانَ ذلك مؤثِّرًا، وربما تمارسُ مسؤوليَّتك بالانضمام مع غيرك إذا كان الأمر يفرض ذلك، ومَنْ يتخلَّى يكونَ آثمًا.
ولا شكَّ وأنتَ تمارس مَسؤُوليَّتكَ مُنْفردًا، أو مُنضمًّا إلى غيرك في تغيير الواقع الفاسدِ ثقافيًّا كانَ هذا الواقع، أو تربويًّا، أو اجتماعيًّا، أو سياسيًّا.
نعم، وأنت تمارسُ مسؤوليَّتكَ، أو أنتم تمارسونَ مسؤوليَّتكُمْ سوف يواجهُك، أو سوف يواجهُكم مَنْ يحاول أنْ يُعَطِّلَ هذه المسؤوليَّة، ومَنْ يحاولُ أنْ يزرعَ في داخلِكَ، أو داخلِكم الخوف، واليأسَ، والإحباط؛ لكي تتراجعَ أو تتراجعوا، ولكي تصمتَ أو تصمتوا، ولكي تضعفَ أو تضعفوا.
إنَّهم جماعةُ التَّثبيط والتَّخدير، ولا يخلو مجتمعٌ من مجتمعاتِنا، ولا وطنٌ من أوطانِنَا من وجود هذه الجماعة التي تمارسُ أسوءَ وأخطرَ الأدوارِ على المستوى الدِّينيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ.
وكثيرًا ما يتقمَّصُ هؤلاءِ لباسَ النَّاصحين المشفقين، فينخدع بهم النَّاسُ، ويستسلمون لأقوالِهم المثبِّطةِ والمُخدِّرة.
وكم قَتَل هؤلاءِ هِمَمًا، وكم عطَّلوا طاقاتٍ، وكم أفشلوا خططًا طموحةً هادفةً إلى التَّغيير والإصلاح.
إنَّ جماعاتِ التَّخديرِ والتَّثبيط يعتمدون أُسْلوبين:
الأُسلوب الأوَّل: التَّهويل مِن قُدُراتِ الواقع الفاسد
وهذه لغتهم: إنَّ الواقع الفاسد كبيرٌ وكبيرٌ لا يمكن تغييرَهُ!
وإنَّ قدراتِه هائلة لا يمكن مواجهتَها!
وإنَّ وراءَه قوى لا يمكن مقاومتَها!
وبهذا الأسلوب يحاولونَ إدخالَ الرُّعبِ والخوف في نفوس العاملين والنَّاشطين.
من أجلِ أنْ تنهزم عزائمُهم، وتنهار قدراتهم.
الأُسلوبُ الثَّاني: التَّهوينُ والتَّقليل مِن قُدراتِ وإمكاناتِ واستعداداتِ القِوى النَّاشطة والتي تحاول أنْ تتصدَّى لتغيير الواقع الفاسد
وهذا الأسلوب يمارس دورين خطيرين:
الدَّور الأوَّل: إضعاف معنويَّات العاملين
الدَّور الثَّاني: كسر إراداتِهم
القرآنُ الكريم يتحدَّثُ عن دور المثبِّطين
أتناول – هنا – مَقْطعًا قُرآنيًّا تحدَّثَ عن دورِ المثبِّطين والمعوِّقين.
هذا المقطع جاء في: (سورة آل عمران: الآية 173) وهو قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ …﴾.
بعد معركة أُحُد، وما حَدَثَ فيها مِن انتكاسةٍ، أوجدتْ هزَّةً عنيفةً في نفوسِ المسلمينَ، أرادَ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) أنْ يرفع من معنويَّاتِ أصحابِهِ، وأنْ يبقيَ لديهم رُوَحَ الاستعداد للقتالِ، والجاهزيةِ، والتَّعبِئةِ النَّفسيَّةِ؛ لكيلا يفقدُوا روحَ المبادرةِ، لهذا طلب منهم أنْ يعسكروا قربَ المدينةِ بكاملِ عدَّتِهم، وقوَّتهم، وجاهزيَّتِهم، ولكي يفوِّتَ على المشركين فرصةَ الهجومِ من جديد، مسكونين بنشوة النَّصرِ.
وفي هذه الأجواءِ الاستنفاريَّة لدى المسلمين بدأ دورُ جماعاتِ التَّثبيطِ والتَّخدير ينشطُ ويتحرَّكَ، فانطلقت كلماتُهم في أوساط المسلمين المعسكِرِين المرابطين قرب المدينة.
هذه الكلماتُ حاولتْ أنْ توحي للمسلمين بأنَّ المشركينَ يملكونَ ضخامةً في العَدَدِ والعِدَّةِ، بحيث لا يملك المقاتلون المسلمونَ أيَّ قُدْرةٍ على مواجهتهم وفق الحسابات المادِّيَّة.
وكان هدف هؤلاء المخدِّرين أنْ يزرعوا الرُّعبَ في نفوس المسلمين؛ لكي يتراجعوا، ولكي يقبلوا بالتَّنازلات، والمساومات.
ماذا كانت لغةُ المثبِّطين التي واجهوا بها المسلمين المرابطين؟
هذه هي لغتهم حسب ما جاء في القرآن الكريم: ﴿… إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ …﴾ (سورة آل عمران: الآية173).
﴿… إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ …﴾، أي: إنَّ المشركين يملكون استعداداتٍ تفوق استعداداتكم، ويملكون من القوَّة ما لا تملكون، وعددهم يفوق عددكم، وعدَّتهم تفوق عدَّتكم!
﴿… فَاخْشَوْهُمْ …﴾: لا تقدموا على مواجهة خاسرة، ولا على حرب مكتوب لها الهزيمة.
إنَّها لغةُ المثبِّطينَ في كلِّ عصرٍ
هذه – دائمًا – لغةُ المثبِّطين والمعوِّقين في كلِّ الأزمان، وفي كلِّ الأوطانِ، فهم يحاولون أنْ يزرعوا الخوفَ واليأسَ في قلوب العاملين الذي يعيشونَ قلقَ الأوضاعِ السَّيِّئة في مجتمعاتهم، وأوطانِهم.
وقد تطوَّرتْ أدواتُ التَّثبيط والتَّخدير، أو بحسب تعبير عصرنا الحاضر: (أدوات الحرب النَّفسيَّة)، وهي حرْبٌ جُنِّدتْ لها وسائل إعلام متطوِّرة، ووسائل تواصل حديثة.
وما عاد الاستهداف لأفرادٍ، أو لجماعاتٍ صغيرة، بل أصبح الاستهداف لأوطان، ولشعوب، ولقوى، ولكيانات دينيَّة، وثقافيَّة، واجتماعيَّة، وسياسيَّة.
وهكذا سُرقتْ أوطان.
وهكذا قُتلتْ إراداتُ شعوبٍ.
وهكذا حوصرت قوى، وكيانات.
ربما تعجز أدواتُ المواجهةِ المباشرةِ في تحقيق هذه الأهداف خاصَّة، وأنَّ هذه الأدواتِ تكلِّفُ أثمانًا باهظةً جدًّا، وتصنع أوضاعًا ومآلاتٍ في غاية التَّأزُّم، والخطورة.
وهنا كان اللُّجوءُ إلى أسلوب (الحرب النَّفسيَّة)، أسلوب التَّخدير والتَّثبيط، هذا الأسلوبُ لا ينتج أزماتٍ، وإرباكات – كما الأسلوب الأوَّل – إلَّا أنَّه أسلوبٌ خطير جدًّا، ربَّما حوَّلَ شعوبًا بكاملها إلى شعوبٍ مدجَّنةٍ، خانعةٍ، مستسلمةٍ، مسلوبةِ الإرادةِ، فاقدةِ الهُويَّة، مهزومةٍ، مقهورةٍ، محبطةٍ، يائسةٍ.
نتابع قَراءةَ المقطعِ القرآنيِّ المتقدِّم
هل استسلم المرابطون المسلمون إلى مقولات التَّخدير والتَّثبيط؟
هؤلاء المؤمنون الصَّادقون لم يستسلموا لتلك الكلماتِ المخدِّرةِ والمثبِّطةِ، بل تحدَّوا لغة التَّخدير، وواجهوا الحربَ النَّفسيَّة بكلِّ صلابةٍ، وشموخ، وعنفوان.
وبكلِّ وعي، ورشدٍ، وبصيرةٍ.
وبكلِّ إصرارٍ، وثباتٍ، وقوَّة.
وقد سجَّلَ النَّصُّ القرآنيُّ موقفهم حيث قال: ﴿… فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (سورة آل عمران: الآية173).
إنَّ لغةَ التَّخدير ما زادتهم إلَّا إيمانًا، وإلَّا ثباتًا، وإلَّا إصرارًا، وإلَّا صلابةً وأملًا، واطمئنانًا، وقوَّةً.
لماذا لم تنكسرْ إراداتُهم؟
لماذا لم تسقطْ قدراتُهم؟
لماذا لم تضعفْ مواقفهُم؟
لماذا لم تنهزم عزائمُهم؟
لأنَّهم مرتبطون بالله سبحانه، ولأنَّهم يملكون الثِّقة كلَّ الثَّقة بتأييده تعالى، وإسناده، ونصره.
ولذلك كان قولهم: ﴿… حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (سورة آل عمران: الآية173).
ومَنْ يملك الارتباطَ بالله سبحانه، ومَن يملك الثِّقة كلَّ الثَّقة بتأييد الله تعالى، وإسنادِه، ونصرِه لا يمكن أنْ ينكسر، أنْ ينهزم، أنْ يضعف، أنْ يسقط، وإنْ واجهتْهُ أقسى التَّحدِّيات.
وإنْ حاصرتْهُ كلُّ الفتنِ، والابتلاءات.
وإنْ لاحقته كلُّ الاتِّهامات.
وإنْ ساومته كلُّ الإغراءات.
وإنْ ماكرته كلُّ المخادعات.
وإنْ حاربته كلُّ السِّياسات.
ويبقى يُردِّد، ويردِّد: ﴿… حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (سورة آل عمران: الآية173).
إنَّه الذِّكْر الَّذي يتحصَّن به المؤمنون في مواجهة كلِّ المخاوف، والمخاطر، والشَّدائد.
في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال: “عجبتُ لِمَنْ فزع مِن أربع كيف لا يفزع إلى أربع:
عجبتُ لمَن خاف كيف لا يفزع إلى قوله: ﴿… حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، لأنَّه تعالى يقول عقيبها: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ …﴾ (سورة آل عمران: الآية174).
وعجبتُ لِمَن اغتمَّ كيف لا يفزع إلى قوله: ﴿… لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (سورة الأنبياء: الآية87)، لأنَّه تعالى يقول عقيبها: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة الأنبياء: الآية88).
وعجبت لمَن مُكر به كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (سورة غافر: الآية44)، لأنَّ الله تعالى يقول عقيبها: ﴿فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا …﴾ (سورة غافر: الآية45).
وعجبتُ لمَن أراد الدُّنيا كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: ﴿… مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ …﴾ (سورة الكهف: الآية39)، لأنَّ الله تعالى يقول عقيبها: ﴿… إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ …﴾ (سورة الكهف: الآية39 -40)” (الخصال، الصَّفحة218، الشَّيخ الصَّدوق).
هكذا حينما يكون اللُّجوءُ إلى الله صادقًا كلَّ الصِّدْق، وواثقًا كلَّ الثِّقة بالله.
إنَّ الإيمان الصَّادقَ، الواثقَ بالله لا تهزمه كلُّ قوى الأرضِ مهما ملكتْ من قُدراتٍ، وإمكاناتٍ، واستعداداتٍ.
وحينما نتحدَّثُ عن إيمانٍ لا ينهزم، لا ينكسر، لا يضعف، لا يسقط لا نتحدَّث عن مواقفَ منفعلةٍ، عن مواقفَ متطرِّفةٍ، عن عُنفٍ، عن طيشٍ، عن إرهابٍ.
فهذا كلُّهُ لا علاقةَ له بالإيمانِ، الإيمانِ المشدودِ إلى الله سبحانه، لأنَّ الإيمانَ المشدودَ إلى اللهِ يزرعُ المحبَّةَ، والتَّسامح.
ولأنَّ هذا الإيمانَ ينشرُ الأمنَ، والأمانَ في الأرضِ.
ولأنَّ هذا الإيمانَ يصونُ الدِّماءَ، والأعراضَ، والأموال.
ولأنَّ هذا الإيمانَ يُحصِّنُّ الأوطان، والبلدان.
فإذا وُجِدَتْ عصبيَّاتٌ، وعداواتٌ، وكراهياتٌ، فهي ضدُّ الإيمان.
وإذا وُجِدَتْ خَياراتُ عنفٍ، وتطرُّفٍ، وإرهابٍ، فهي ضدُّ الإيمان.
وإذا وُجِدَتْ فتنٌ تدمِّرُ الأوطانَ، وتؤزِّم البلدانَ، فهي ضدُّ الإيمان.
وإذا وُجِدَتْ سياساتٌ تظلمُ، وتُفسدُ، وتعبثُ، وتُرعبُ، فهي ضدَّ الإيمان.
الحاجةُ كبيرةٌ إلى إيمانٍ يحملُ النَّقاءَ كلَّ النقاء، ويحملُ الرُّشدَ كلَّ الرُّشد.
إنَّ قيمَ الإيمانِ إذا صدقتْ ورشدتْ، فهي قادرةٌ أنْ تُسيِّجَ كلَّ المساراتِ الدِّينيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والسِّياسيَّةِ، والأمنيَّة.
إنَّ هذه المساراتِ إذا لم تكنْ مُسيَّجةً، فمآلاتها مُرعبةٌ، ومُدَمِّرةٌ، ومنتجاتُها بطشٌ، وعنفٌ، وعصبيَّةٌ، وكراهيةٌ، وأزَمَاتٌ، وتوتُّراتٌ.
نعم، إذا لم تكن مسيَّجةً بإيمانٍ، ودينٍ، وقِيَم روحيَّة، وأخلاقيَّة.
فالمآلات هي هذه المآلات.
والمُنتجاتُ هي هذه المنتجات.
أنا – هنا – لا أتحدَّثُ عن إسلام سياسيٍّ، ولا أتحدَّث عن دولةٍ دينيَّة، فما دعونا في يوم من الأيَّام إلى دولةٍ ذاتِ صبغةٍ دينيَّة مذهبيَّةٍ كدولةِ ولاية الفقيه، أو دولةِ الخلافة.
ما ندعو إليه دولة مواطنة، دولةِ عدالة، دولة مساواة، دولة مؤسَّسات، دولة قوانين، وهذا لا يختلف عليه أحد.
وإذا كان هناك بعض اختلاف، ففي بعض التَّفاصيل، وهذا الاختلاف يُعالجه الحوار، والتَّفاهم، وأيُّ لغة أخرى فهي مؤزِّمة لأوضاع الوطن، ومكلِّفةٌ جدًّا.
فالأوطانُ لكي تكونَ أوطانَ خيرٍ، ومحبّةٍ، وإنصافٍ، وعدالةٍ، وأمنٍ، وسلامٍ، وتطوُّرٍ، وازدهارٍ.
نَحتاجُ أنْ تَتَوافقَ أنظمتُها وشعوبُها على ما يُحقِّقُ لهذه الأوطانِ كلَّ الخيرِ الصَّلاح، وهذا ليس عسيرًا حينما تصدقُ النَّوايا، وتقوى العزائم، وتتحرَّكُ الإراداتُ، وتتعاونُ القُدُراتُ.
أمَّا إذا كانت النَّوايا غيرُ صادقةٍ، والعزائمُ غيرُ ناشطةٍ، والإراداتُ غيرُ فاعلةٍ، والقُدُرات غير متآزرة فلن تشهدَ الأوطانُ أيَّ حَرَاكاتٍ في اتِّجاه الإصلاحِ، والبناءِ، والتَّغيير، وسوف تبقى الأنظمةُ والشُّعوبُ مُثقَلةً بالإرهاقاتِ، والتَّوتُّراتِ، والأزماتِ، وبكلِّ المكدِّرات والمنغصِّات، ولن تكون المآلاتُ إلَّا مُرعبة لكلِّ الأطراف، فلا منتصر حينما تنهزم الأوطان.
ولا رابح حينما تخسر الأوطان.
فالأوفياءُ لأوطانهم لا يريدون لها أنْ تنهزم، ولا يريدون لها أنْ تخسر، بل يريدون لها كلَّ القوَّة، وكلَّ النَّصر، وكلَّ الخير، وكلَّ الرَّفاه، وكلَّ الأمن.
ولن يكونَ هذا إلَّا إذا أصبح الرُّشدُ هو الذي يوجِّهُ الأوطان.
وأصبح العدلُ هو الذي يسوسُها.
وأصبح الحبُّ هو الذي يعمرُها.
وأصبحت الثقة هي التي تملأها.
وأصبح الأملُ هو الذي يفتح كلَّ الأفاقِ أمامَ تطلعاتِها.
وإذا غابت هذه القِيم، فلا خيرَ في الأوطان.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.