حديث الجمعة 387 : وقفات مع حديث «أيُّ عُرَى الإيمانِ أوثق؟» (المُعطى الأوّلُ) (1) – الرُشدُ السّياسيُّ يُصلّحُ الأوْطان
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةِ والسَّلام على سيّد الأنبياءِ والمُرسلينَ مُحمّدٍ وعلى آلهِ الهداةِ المَعصومين…
نَقرأ حديثًا نبويًا جاءَ فيه:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وآلهِ طرحَ في إحدى المرّاتِ على أصحابهِ هذا السُؤال:
«أيُّ عُرَى الإيمانِ أوثق؟»
أوثق يعني أقوى
العُرَى جمع عُرَى وهو ما يتمسك بِه أمانًا من السقوط.
فالنبيَّ صلَّى الله عليهِ وآلهِ يَقولُ:
إنَّ للإيمانِ عُرى يجب التمسكُ بها، لتحمي الإنسانَ مِن السقوط في مهاوي الضلالِ والتيهِ والانحرافِ.. وهنا يَسألُ أصحابَهُ عنْ أوثقِ وأقوى هذه العُرى…
بماذا أجابوا؟
قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلم، ثمَّ بدأوا يعبّرونَ عن آرائهم:
قال بعضُهم: الصَّلاة.
وقال بعضُهم: الزّكاة.
وقال بعضُهم: الصّيام.
وقال بعضُهم: الحج.
وقال بعضُهم: الجهاد..
ولمّا استنفدوا ما لديهم من إجابات بدأ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وآلهِ يتحدّث مُعلّقًا على تلك الإجابات ومثمِّنًا ومحترمًا لها فَقال:
«لِكلِّ ما ذَكرتُم فضلٌ»
وتابع كلامه:
«ولكنْ أوثقُ عُرَى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ والبُغضُ في اللهِ، وتوالي أولياءِ اللهِ والتبرّي من أعداءِ الله»
لِهذا الحديث النبوي مَجموعةُ معطيات مهمّة جدًا نَذكرُ بعضَها:
المُعطى الأوّلُ:
لماذا لجأ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ إلى أسلوب السُّؤال؟ وهو أسلوب نجده كثيرًا في الأحاديث…
أرادَ صلَّى الله عليهِ وآلهِ أنْ يُحرّك عُقولَهمْ وتَفكيرَهُم ومُشاركَتُهمْ، وأنْ يُدربَهُمْ على مَنهجِ الحوارِ والتَشاورِ، وتَبادلِ الرأي…
وهذا مُعطى كبير يجب أنْ نَتَعلَّمُه إذا كُنا في أيِّ موقعٍ مِن مواقعِ المسؤولية…
– إذا كانَ أحدُنا في موقعِ المسؤولية الدينية (عالمَ دينٍ، خطيبَ منبرٍ، مُرشدًا، مُوجّهًا) فلا يفرض تعاليمهُ وتوجيهاتِه وإرشاداتِه بصورةٍ استعلائيةٍ..
فكم هو مفيدٌ لو أِشركَ النّاسَ في التفكير، وحرّك عُقولهم ونشّطَ لديهم روحَ الحوارِ…
– إذا كانَ أحدُنا في مَوقعِ المسؤوليةِ السّياسية، فيجب أنْ يتعاطى بانفتاحٍ وأريحيةٍ مع آراءِ النّاسِ فيما يخصُّ قضايا السّاحة…
– إذا كانَ أحدُنا في موقع المسؤولية التربوية (مديرًا، مشرفًا، مدرسًا، معلّمًا..) فيجب أن لا يكون استبداديًا قاسيًا، وكم هو مُفيدٌ جدًا لو دَرّبَ المدرّسُ أو المعلّم طلابَه وتلامذتَه على المشاركةِ في التفكير وإبداءِ الرّأي وممارسة الحوار…
– إذا كان أحدُنا في موقع المسؤولية الإدارية لأيّ عملٍ تجاري، مهني، اجتماعي، ثقافي، مطلوبٌ مِنه أنْ يكون شفافًا، أريحيًا، مُنفتحًا، مُوظِفًا كلَّ القُدراتِ الخاضعة لإشرافهِ، ومستفيدًا من كلِّ الآراء…
– وإذا كان أحدُنا في موقع المسؤولية الأسرية ربَّ أسرة، فيجب أنْ لا يكون مُتسلّطًا، عنيفًا، دكتاتوريًا، واقصائيًا، لا يعترف لزوجته بأيَّ قيمةٍ في المشورة وإبداء الرّأي متدرّعًا بأنّ «النساء ناقصات العقول» كما تقول الرّوايات.. أو كما في روايات أخرى «شاورهنَّ وخالفوهنَّ».
أود أنْ أقِفَ بعض الوقت مع هذه المسألة كونها تشكّلُ أحد المطاعنِ الموجّه إلى الإسلام في رؤيته حول المرأة…
هذا النمط من الكلمات يَتَحفّظ بعضُ العُلماء في صِحة صدورها كون الإسلام أعطى المرأة مكانة كبيرة جدًا، لم تحظ بها في كلُّ الدّيانات والتشريعات…
القرآن يُحدّثُنا عن نبيّ من أنبياء الله وهو «شُعيب» عليهِ السَّلام وقد أخذ بمشاورة ابنتهِ حين قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} القصص26
وإذا سلّمنا بصحة صدور بعضُ هذه الكلمات فهي تتحدّث عن المساحاتِ التي ترتبط بالبعد العاطفي عند المرأة، ففي هذه المساحات يصعب على المرأة أنْ تتحرّرَ مِنْ ضُغوطاتِ العاطفة والتي تُهيمن على العقلِ والتفكير والإرادةِ، وأمّا المساحاتُ الأخرى التي لا ترتبطُ بالبعدِ العاطفي، فالمرأة لها قُدراتٍ لا تَقل عنْ قُدُراتِ الرجلِ، وربّما تَفَوّقتْ عليهِ كما هو مشاهدٌ في مُعدّلات النتائج الدراسية…
والقرآن يُحدّثُنا عنْ امرأةٍ كانتْ قِمةً في العقلِ السّياسي والذي تفوّقَ على عقولِ النُخبة مِنْ رِجالِ السّياسة في عصرها… إنّها ملكةُ سبأ – وقيل تُسمّى بلقيس – جاءها كتابٌ من نبيّ اللهِ سُليمانَ يَدعوها ويَدعو قومَها لأنْ يُسلموا ويُؤمنوا برسالتِهِ… ماذا صَنعت؟ جَمعتْ كِبارَ مُستشاريها السّياسيين والنُخبة من رِجال البلاط، لكي تتداولَ الأمر الخطير معهم… {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} النمل32
فَماذا قالوا لَها؟
{قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} النمل33
أشاروا عليها باستخدامِ القُوة العَسكرية في مُواجهة سُليمان…
كم يرتكبُ مُستشارو السّاسةِ والقادةِ حَماقاتٍ حينما يَطرحونَ خِياراتِ القُوةِ في غَير مواضِعِها وبِلا رويّة وبِلا تدبّر..
هل استجابتْ ملكةُ سبأ لِرأي هؤلاءِ المستشارين؟
كلّا لم تستجبْ، بل درستْ المسألةَ بعمقٍ ورويّةٍ واتزانٍ، وحاسبت كُلَّ النتائج، فاتخذتْ قرارًا سياسيًا رشيدًا وصائبًا…
قرّرتْ أن تُرسلَ هديّةً ماليةً إلى سُليمانَ، لِتكشف هل أنّه مِنْ الملوكِ الذينَ إذا دخَلوا قريةً أفْسدُوها، واستعبدوا أهلها، وهل أنّه ممن تغريهم الهدايا الغاليةُ الثّمينةُ، أمْ أنّه صاحب رسالةٍ لا يخضعُ للإغراءِ، ولا يَسقُط أمامَ المال؟
هكذا كانَ قرارها {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} النمل/34-35
جاءَها الجواب من سُليمانَ رافضًا الهدية {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} النمل36
وتستمر القصةُ كما يرويها القرآنُ، وكانت النِهايةُ أنّ ملِكة سبأ أسلمتْ وآمنتْ بنبوةِ سُليمان عليه السَّلام {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} النمل44
ماذا لو استجابت لخيار الحرب؟
لخسرتْ الهِداية الرَّبانية وهي الخسارة العُظمى
ولخسرتْ المَعركةَ أيضًا، فنبيُّ الله سُليمان يَملك مِنْ القُدُراتِ العسكرية ما يَتفوّق كثيرًا على قُدراتِها وهذا ما أكّدته رسالتُهُ الثّانية إليها {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} النمل37
إلّا أن سُليمانَ لم يستخدمْ هذه القُوة العسكرية بل اعتمد قوةً مستمدّةً مِنْ الغيب، ليكون ذلك وسيلة للإقناع.. فقرّر إحضارَ عرشِ بلقيس…
التفت إلى أعوانِه من الجنِّ وخاطبهم {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} النمل38
أجابهُ عِفْريتٌ مِنْ الجنِّ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ… } النمل39
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ… } النمل40
مَنْ هُو هذا؟
آصف وصي سُليمان؟
رجلٌ آخر عنده الاسم الأعظم؟
الخضر؟
جبرائيل؟
لا ضُرورة للاستغراق في هذا الجدل..
المُهم أنّ هذا الشخص يَملك علمًا ليس مألوفًا لدى البشر..
ماذا قال هذا الذي عنده عِلم من الكتاب {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ… } النمل40
فلم ينْتهِ هذا من كلامِهِ حتّى كانَ العرشُ بين يدي سُليمان…
دَرْسَانِ كَبيران:
ويترشحُ مِن هذهِ القصةِ القرآنية دروسٌ مهمّةٌ جدًا، يجدرُ بالسّاسة والقادةِ في هذا العصر أن يتعلَّمُوها وأنْ يطبّقوُها…
أختار منها هذين الدرسين الكبيرين:
الدّرسُ الأوّل: الرُشدُ السّياسيُّ يُصلّحُ الأوْطان:
كانَ رشيدًا وصائبًا قرارُ ملكةِ سبأ..
وكانَ طائشًا وخاطئًا خِيارُ الحرب الذي طرحهُ مُستشارو الملكة ورجالُ البلاط…
وهكذا دائمًا الفارقُ الكبير جدًا بين الرُشدِ السّياسيِّ والطيشِ السّياسيِّ…
الرُشدُ السّياسيُّ يُصلحُ الأوطانَ، ويَحمي الشعوب، ويُكرّسُ العدلَ، ويزرعُ الأمنَ، ويَنشرُ المحبّة، ويَصنعُ الازدهار، ويُنهي الأزمات، ويُنشّطُ القُدُرات، ويُحِصّن البُلدان، ضدّ المكائد والأخطار…
أمَّا إذا غاب الرُشْدُ السّياسيُّ فالنتائج مُرْعبةٌ ومُدمّرة، فَسادُ الأوطانِ، وعناءُ الشّعوبِ، وانتشارُ الظلمِ، وغيابُ الأمنِ، وشِياعُ الفتنِ والصّراعات، ورُكودُ الازدهار، وتَراكُمُ الأزمات، وخُمودُ القُدُرات، واستباحت البلدان…
ما هي المؤشّراتُ لغياب الرُشد السّياسي؟
المؤشّرُ الأوّل: المكابرةُ وعَدم الاعترافِ بالفشلِ السّياسي…
فكثير من الأنظمة تَعيشُ إخفاقاتٍ وإفلاساتٍ سياسية واضحةً كلَّ الوضوح، إلّا أنّها تَتباهى بالنجاحاتِ والانجازاتِ السّياسية رُغم كُلِّ المآزق التي تُحاصرُ أوضاعَها، وتُرهقُ شُعوبها.
المُؤشّرُ الثّاني:إنتاجُ الأزَمَات…
فالأنظمةُ التي تَملكُ رُشْدًا سياسيًا لا تُنتج أزماتٍ، ولا تَسمح للأزماتِ أنْ تَتشكّل، وإذا حدثت هذه الأزماتُ بفعل أسبابٍ استثنائية، سارعت هذه الأنظمة إلى مُحاصرتها، وعَملتْ جادّةً وصادقةً لِكي تُعالجها، وتَنهي وجودَها…
بينما الأنظمة التي لا تملك رُشْدًا سِياسيًا فهي تَتغذّى على إنتاجِ الأزماتِ، وخلقِ الصِراعاتِ، والمآزقِ والإرباكاتِ في السّياسة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية..
المؤشّرُ الثّالث: الخشيةُ مِن حراكاتِ الشعوب…
حينما يكونُ الرشدُ السّياسي هو الموجِّهُ فإنّ الأنظمةَ لا تخشى من وجود أيَّ حَراكٍ شعبي، ما دام هذا الحَرَاكُ سليمًا، ورشيدًا، وصادقًا، ومُخلصًا للوطن، وساعيًا مِنْ أجلِ الإصلاح، ومُعتمدًا كلَّ الأدواتِ المشروعة…
أمّا إذا غابَ الرُشدُ السّياسي، فإنّ الأنظمة تَضيقُ بأيِّ حراكٍ شعبي، مهما كانت نزاهتُهُ، ونظافتُهُ، وعقلانيتُهُ، ورشدُهُ، وسلميتُهُ، واعتدالُهُ، ممّا يدفعُها إلى مواجهتِهِ، ومحاصرتِهِ، واتهامِهِ، وإنهائِهِ…
نحن لا نتحدّثُ عن حَرَاكَاتٍ مُتطرّفةٍ تَعتمدُ العُنف والإرهاب، والوسائل غير المشروعة، فهذه مطلوبٌ إيقافُها ومُحاصرتُها والتَصدّي لها، كَونُها تُشكّلُ خطرًا على الأوطان، وعلى أمن الأوطان، وعلى مُكوّنات الأوّطان، هذه الحَرَاكَاتُ التي تذبح البشر كما يُذبح الخِراف، وتَحرق الأحياء في أبشعَ وأقسى صورة، نعم هذه الحَرَاكَاتٌ يجب أن تَتوحّد البشرية في التصدّي لها ومُواجهتها…
أمّا الخلطُ بين هذه الأنماط من الحَرَاكَات المُتطرّفة، والحَرَاكَاتِ الأخرى النَظيفةِ الرّافضةِ للعنفِ والإرهابِ والتطرّفِ، والتي تُمثّل النبض الصادق لإرادات الشعوب وطموحاتِها المشروعة، فهو خلطٌ مَشبوهٌ، يَهدفُ إلى التَشويش والتشويه، ومُحاصرة الحُقوق والحرّيات…
وهكذا تتشكّلُ المآزقُ والاحتقاناتُ والأزمات…
وكم هي الأنظمةُ في غنى عن هذا لو مارستْ رُشدًا سياسيًا، يدفعها لاستيعابِ هذه الحَرَاكَاتِ النَظيفة والمُخلصةِ للأوطانِ، لتصنع مِنها قوى فاعلة تُساهمُ في بِناء البُلدانِ، وحمايةِ أمنِ الأوطانِ، والدّفاعِ عن كرامة الشعوب.
وبِهذا تتحوّل القوى السّياسية الشّعبيةُ الفاعلةُ مكوّنات ناجحة في صنع الواقع السّياسي، وفي شراكةٍ جادّةٍ مع أنظمة الحكم، بعيدًا عن هيمنة الهواجسِ المُرعبة المُتبادلة…
إنّ الرُشد السّياسيَّ لدى الأنظمة قادرٌ أنْ يصنعَ «الثقِة» عنّد الجماهير، حينما تُحسنُ الأنظمةُ الظنَّ بهذهِ الجماهير، وحينما تنفتحُ على مَطالبها، وحينما تُمكّنُ لإرادتِها، وحينما تكونُ نبضًا يُمثّلُها، وحينما تُلامسُ كلَّ همومِها وآلامها…
بيد الأنظمةُ الحاكمةُ أنْ تخلقَ الثقةَ بينها وبين شُعوبِها، وبيدها أنْ تَقتل هذه الثقة..
والطريق إلى إنتاج «الثقةِ» ليس عسيرًا، ولا صعبًا، ولا مجهولًا…
إلّا أنّ أغلب الأنظمةِ تخطئ هذا الطريق…
ليسَ الطريق إلى قُلوب الشعوب سياساتٍ باطشةً، وخياراتٍ قاسيةً، ومُمارساتٍ ناقمةً…
ليسَ الطريقُ إلى قُلوبِ الشعوبِ رَصاصاتٍ، ومُلاحقاتٍ، ومُداهماتٍ، واعتقالاتٍ، ومُحاكماتٍ، وزنزاناتٍ…
الطريقُ أسهلُ وأسهلُ وأسهلُ مِنْ كُلّ هذهِ الخياراتِ الصّعبةِ والمؤذيةِ والظالمةِ…
هذهِ الخياراتُ تُرهقُ الشعوبَ كثيرا كثيرا ..
وهذهِ الخياراتُ تُكلّفُ الأنظمة الكثير الكثير…
وهذهِ الخياراتُ تُحمّلُ الأوطانَ الكثير الكثير..
هنا تأتي القيمةُ كل القيمةُ للرشِد السّياسي، الذي يُحاسبُ كلَّ النتائج، ويُحاسب كلَّ الأرباحِ والخسائر، بعيدًا عن الانفعالاتِ، والمزاجاتِ الذاتية، وبَعيدًا عن الأهواءِ المنفلتة…
المُعطى الثّاني مِنْ مُعطيات القصة القرآنية التي أوردناها لا يتسع له الوقت، نُؤجلّه، ونؤجّل بقية دروس الحديث النبوي الذي بدأنا به إلى لقاءٍ آخر إنْ شاء اللهُ تعالى…
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ