حديث الجمعة 349: هل من المسموح نقد الممارسات العاشورائية؟ – هل يُسمح لمراسيم عاشوراء أنْ تنفتح على الشأن السِّياسي؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد المرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين وبعد فمع العناوين التالية:
تساؤلات في حاجة إلى إجابة:
• نقد الممارسات العاشورائية:
التساؤل الأول: هل من المسموح نقد الممارسات العاشورائية؟
يتَّجه البعضُ إلى عدم السَّماحِ بنقد ومحاسبة الممارسات العاشورائية مبررين ذلك بما يلي:
1- الشعائر الحسينية خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه.
2- إنَّ هذا يغري كلّ عابث أنْ يتدخل في شؤون الشعائر الحسينية.
3- إنَّ هذا النقد المكشوف للممارسات العاشورائية يفتح المجال لأعداء عاشوراء أنْ يتَّهموا هذه المراسيم ويحاربوها.
4- إنَّ كل ما يمارس باسم الشعائر، ومواساة للإمام الحسين عليه السَّلام فهو عمل مشروع ما دام الهدف إحياء قضية عاشوراء.
ولنا ملاحظات حول هذا الكلام:
الملاحظة الأولى: إنَّ ممارسة النقد والمحاسبة للممارسات العاشورائية ليس عبثًا في الشعائر وإنَّما العبث هو إقحام ممارسات مسيئة ومشوهة لشعائر عاشوراء، فممارسة النقد والمحاسبة هي حماية للشعائر وتنقية لها من كلِّ الشوائب والمشوهات.
الملاحظة الثانية: إذا صمتنا عن محاسبة هذه الممارسات فلن يصمت الآخرون، خاصة وأنَّ مراسيم عاشوراء أصبحت مكشوفة لكلِّ العالم من خلال وسائل البث في هذا العصر، إنَّهم لا ينتظرون إذنًا منَّا ليمارسوا النقد والطعن والمحاسبة.
الملاحظة الثالثة: إنَّ وجود ممارسات مسيئة هو الذي يعطي لأعداء عاشوراء المبرر للطعن والتشويه والإساءة ومحاربة الشعائر النظيفة.
فلماذا نسقط هذه الشعائر الأصيلة النقيَّة بسبب أعمال وممارسات لا تملك أيَّ أصالة وأيَّ نقاء؟
الملاحظة الرابعة: ليس كلّ الذين لا ينسجمون مع بعض الممارسات العاشورائية (من خارج الساحة الشيعية) هم أعداء لعاشوراء.
أعداء عاشوراء لهم موقف رافض من كلِّ الشعائر العاشورائية وإنْ كانت تملك كلَّ الشرعية، وكلَّ الأصالة، وكلَّ النظافة، هؤلاء لا حديث لنا معهم.
ولكن هناك المساحة الأكبر في العالم لا يعادون عاشوراء، وهم يريدون أن يفهموا عاشوراء، وأن ينفتحوا على عاشوراء، هؤلاء نضع بينهم وبين عاشوراء حواجز وحواجز من ممارسات وأعمال منفِّرة، إنّنا نظلم عاشوراء حينما نقدِّمها للعالم من خلال تلك الأعمال والممارسات.
الملاحظة الخامسة: مَنْ قال: أنَّ كلَّ عمل يمارس باسم الشعائر ومواساة للإمام الحسين عليه السَّلام هو عمل مشروع ما دام الهدف إحياء عاشوراء؟
هذا الكلام ليس صحيحًا على إطلاقه.
لا نشك في صدق وإخلاص كلّ الذين يؤدون أعمالًا باسم الحسين ولكن يجب أنْ نخضع الممارسات العاشورائية لمجموعة ضوابط، كما يؤكِّد ذلك الفقهاء والعلماء:
(1) أنْ تكون الممارسات تعبيرًا عرفيًا وإنسانيًا وعقلائيًا عن إظهار الحزن على مصيبة الإمام الحسين عليه السَّلام.
– البكاء تعبير عرفي إنساني عقلائي عن الحزن العاشورائي.
– إقامة مجالس العزاء تعبير عرفي إنساني عقلائي عن الحزن العاشورائي.
– السواد مظهر من مظاهر الحزن العاشورائي.
– اللطم الهادئ مظهر من مظاهر الحزن العاشورائي، أمَّا إذا تحوَّل اللطم استعراضًا، وإيذاءً للنفس تحوَّل إلى عنوان آخر.
وهكذا يجب أنْ نخضع كلَّ الممارسات.
(2) أنْ تكون الممارسات منسجمة كلَّ الانسجام مع أهداف وقيم ورسالة عاشوراء.
(3) أنْ تكون الممارسات خاضعة للضوابط الشرعية.
– فالممارسات التي تسبب الإضرار بالنفس منهي عنها شرعًا، فلا يمكن أن تنتظم في شعائر عاشوراء.
– والممارسات التي تسبِّب هتكًا لحرمة المذهب أو توهينًا للشعائر أو إساءة لعاشوراء فهي محرَّمة شرعًا، فلا يجوز اعتبارها من الشعائر فالشعائر ما ورد منها نص ديني بشكلٍ مباشر، أو أنَّها تندرج تحت عنوان عام منصوص عليه… وهذه الشعائر هي الخط الأحمر الذي لا يسمح المساس به، وليس كلَّ ممارسة أو فعل.
والقدر المتيقَّن أنَّ الممارسات التي تسبب الإضرار بالنفس أو تسبب توهين الشعائر وهتك المذهب فهي خارجة قطعًا عن عنوان الشعائر.
والخلاصة:
إنَّ ممارسة النقد والمحاسبة وتنقية الممارسات العاشورائية من كلِّ ما هو مسيئ مسؤولية كلِّ الغيارى على عاشوراء بشرط أنْ يتوفَّر مَنْ يمارس النقد والمحاسبة على بصيرة فقهية ناضجة، وعلى وعيٍّ مركَّز بمفاهيم الدِّين، وأهداف وقيم عاشوراء، وعلى رؤية موضوعية قادرة أنْ تحاسب الممارسات، وبهذا نحمي عملية النقد والمحاسبة من كلِّ أشكال التخبط والعبث والارتباك.
وكلّما حصَّنا مراسيم عاشوراء فسوف تكون أمنع وأقوى في مواجهة كلِّ التهم والإشكالات والإساءات.
والمسألة لا تتصل بالمراسيم والشعائر فقط بل بكلِّ أوضاع الموسم العاشورائي، وأوضاع المآتم والمنابر والمواكب والمضايف وكلِّ الأجواءالمتحرِّكة في هذا الموسم، هذه الأمور في حاجة إلى وقفات جريئة وإلى معالجة جادَّة، وإلَّا أفقدت الموسم العاشورائي الكثير من وهجه، والكثير من أهدافه ومعطياته والكثير من نقاوته وأصالته.
الدفاع عن الشعائر مسؤولية كلِّ الغيارى المخلصين لعاشوراء، وينتظم ضمن هذا الدفاع محاسبة الأوضاع الخاطئة.
عاشوراء والشأن السِّياسي:
التساؤل الثاني: هل يُسمح لمراسيم عاشوراء أنْ تنفتح على الشأن السِّياسي؟
هنا تطرح عدَّة آراء:
الرأي الأول:
يتَّجه إلى ضرورة تجنيب موسم عاشوراء كلَّ أشكال التصدِّي السِّياسي، والابتعاد به كلِّيًا عن التعاطي مع مسائل السِّياسية.
– لأنَّ الشأن السِّياسي له مواقعه وميادينه.
– ولأنَّ هذا الانفتاح يقحم موسم عاشوراء في معتركات السِّياسية، وفي مواجهة الأنظمة الحاكمة، ممَّا يهدِّد مراسيم العزاء ويُعرِّضها للاعتداء والقمع وربَّما المنع والحظر والإلغاء.
الرأي الثاني:
يتَّجه إلى ضرورة أنْ ينفتح موسم عاشوراء بكلِّ ممارساته وفعَّالياته ومراسيمه (المنبر، الموكب، الشعار، بقية المراسيم) على كلِّ الشأن السِّياسي بكلِّ أشكاله وبكلِّ حركاته، وإنْ كلٍَّف ذلك الموسم العاشورائي صراعًا ومواجهةً مع أنظمة الحكم والسِّياسة، لأنَّ من أهم أهداف عاشوراء تعبئة الأمَّة على كلِّ المستويات الفكرية والروحية والسِّياسية والجهادية، فإقصاء موسم عاشوراء عن الشأن السِّياسي يشكِّل تعطيلًا لدور عاشوراء الجهادي والسِّياسي.
الموقف من الرأيين:
لنا تحفّظ على كلا الرأيين، ونطرح تصورًا ثالثًا يمزج بينهما، خلاصة هذا التصوّر (أنْ يمارس الموسم العاشورائيحضورًا سياسيًا من دون استغراق في الشأن السِّياسي ومن دون التورّط في المعترك السّياسي).
نوضح هذا التصور من خلال النقاط التالية:
(1) موسم عاشوراء له أهداف كبيرة وجدانية وفكرية وروحية وأخلاقية وإيمانية واجتماعية والسّياسية وجهادية، فيجب الموازنة المواءمة بين هذه الأهداف، فلا يجوز تكريس الموسم لهدف واحد على حساب بقية الأهداف، وإذا سمحنا لعاشوراء أنْ يقتحم الشأن السِّياسي بلا حدود ولا ضوابط فسوف يهيمن هذا الشأن على بقية الشؤون الأخرى المهمة والضرورية، والتي إذا غابت أفقدت عاشوراء هويته وأهدافه… وحتَّى الشأن السِّياسي يفقد معناه الحسيني حينما تغيب القيم العاشورائية.
(2) مطلوبٌ من الموسم العاشورائي أنْ يكون له حضورٌ سياسي، ولكن بطريقة بصيرة جدًا، لا تقحم الموسم في معتركات السِّياسية، ولا تجعله يعيش استغراقًا في الشأن السِّياسي.
(3) يجب الحرص كلّ الحرص على الاحتفاظ للموسم بصبغته العاشورائية، فمن الجناية كلّ الجناية على هذا الموسم حينما تصادر صبغته العاشورائية.
وماذا نعني بالحفاظ على الصبغةالعاشورائية: (الحفاظ على العنوان العاشورائي وعدم استبداله بأيّ عناوين أخرى مهما كان وهجها وصداها وضجيجها).
حافظوا على عنوان الحسين، على عنوان عاشوراء، على عنوان كربلاء، من خلال هذه العناوين يمكن الانطلاق إلى أيِّ مفهوم يتحرَّك في خط هذه العناوين.
خطاب المنبر، خطاب الموكب، خطاب الشعار، خطاب المسرح، خطاب المرسم، كلّ خطاب يحمل اسم هذا الموسم مطلوب منه أنْ يكرِّس العنوان العاشورائي، كلّ فعالية تتحرَّك في هذا الموسم يجب أنْ تؤصِّل العنوان العاشورائي.
لا يجوز أنْ نحوِّل عنوان (المجلس الحسيني) إلى عنوان (الندوة السِّياسية) لكلٍّ من العنوانين مساره ودلالاته ومعطياته وأهدافه، فليس الندوات السِّياسية رغم قيمتها وأهميتها بديلًا عن المجالس الحسينية.
ولا يجوز أنْ نحوِّل عنوان (الموكب الحسيني) إلى عنوان (المسيرة السِّياسية) لكلٍّ من هذين العنوانين أهدافه ومعطياته، فليست المسيرات السِّياسية بديلًا عن المواكب الحسينية، فيجب أنْ لا نقحم تلك في هذه.
ولا يجوز أنْ نلغي (الشِعار الحسيني) ونستبدله بالشِعار السِّياسي البحت، لكلٍّ من الشعارين دلالاته ومساراته وأهدافه ومنتجاته.
لا يملك أيُّ شِعارٍ سياسي مهما كانت ضخامته أنْ ينتج شيئًا ضئيلًا مما ينتجه الشِعار الإيماني والديني والعاشورائي والحسيني.
اعطوني شِعارًا سياسيًا مهما كان حجمه ينتج ما ينتجه شعار (الله أكبر) هذا الشِعار الذي أسقط (عرش الطاووس في إيران) خامس قوة عسكرية في العالم، هذا الشِعار الذي حطَّم خط بارلييففي حرب رمضان، هذا الشِعار الذي أحدث معجزة العصر على أيدي مقاتلي حزب الله في لبنان، هذا الشِعار الذي جعل الأرض تهتز تحت أقدام الصهاينة على أيدي أبطال الانتفاضة في فلسطين…
اعطوني شِعارًا سياسيًا مهما كان حجمه ينتج ما ينتجه شعار (هيهات منَّا الذلة) الشِعار الذي أطلقه الإمام الحسين عليه السَّلام في يوم عاشوراء ليتحوَّل شعار الثوَّار والمجاهدين عبر التاريخ، وشعار المعذَّبين والمضطهدين والمظلومين في كلِّ الدنيا…
مَنْ يملك شِعارات في هذا الحجم قبيح جدًا أنْ يستجدي أيّ شعار آخر.
لا يعني أن نرفض أيَّ شعار سياسي يحمل أصالةً وعمقًا وقدرة على أنْ يعبِّر عن مطالب الشعوب العادلة…
إنَّما الحديث هنا عن موسم عاشوراء، في هذا الموسم اعطوا لشعارات عاشوراء وشعارات الإيمان كلَّ الحضور، ولا تستبدلوها بأيِّشعارات سياسية مهما كانت صدقيتها.
عبِّروا عن مطالبكم في المراسيم العاشورائية من خلال شعارات عاشوراء، واتركوا للشعارات السِّياسية دورها في مواقع السِّياسة، وفي مسيرات السِّياسة، وفي تجمعات السِّياسة، وفي خطابات السِّياسة…
ليس في هذا أيَّ مصادرة لدور عاشوراء السِّياسي وإنَّما نحن نريد لهذا الدور أنْ يعتمد أدوات عاشوراء لا أدوات السِّياسة، وإنَّ أدوات عاشوراء بكل تنوعاتها قادرة أنْ تمارس دورها في التعاطي مع قضايا الأمة الثقافية والروحية والاجتماعية والسِّياسية…
وحينما نجد عجزًا في هذه الأدوات فالخلل فينا نحن وليس في عاشوراء ولا في أدواتها الأصلية.
حينما نسيئ استخدام هذه الأدوات، فيجب أنْ نتحمَّل مسؤولية العجز والفشل ولا يجوز أنْ نحمِّل عاشوراء وأدواتها المسؤولية.
لا يعني هذا الفصل بين أدوات عاشوراء وأدوات السِّياسة أنَّنانقلِّل من قيمة الحَراكات السِّياسية، إنَّنا نُثمِّن أيَّ حراكٍ سياسي نظيف يحمل هموم الشعب، ويخلص للوطن، ويعتمد الأدوات المشروعة، إلَّا أنَّ هذا الحراك له شروطه ووسائله ومواقعه، كما لعاشوراء شروطها ووسائلها ومواقعها، وإنْ تداخلت بعض الأهداف والمنطلقات وبعض الأدوات.
الخلاصة إنَّنا يجب أنْ نحافظ على الخصوصية العاشورائية، فمن الظلم لعاشوراء أنْ نفرِّط في هذه الخصوصية مهما كانت الذرائع والمبرِّرات.
وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.