حديث الجمعة252: ولادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) – شهر رجب محطَّة من محطَّات التعبئة الروحيَّة – الحلُّ السِّياسيّ الذي يستجيب لمطالب الشَّعب العادلة – كلمةٌ أخيرة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلوات على سِّيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين…
نتناول مجموعة عناوين:
ولادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام):
في البدء أهنِّئكم بميلاد بطل الإسلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سائلين المولى القدير أن يجعل هذه الذكرى العزيزة على كلِّ القلوب مناسبة خيرٍ وبركةٍ وأمنٍ وأمانٍِ على كلِّ أبناء هذا الوطن، وعلى كلِّ المسلمين في كلِّ الأوطان، وأن يكون هذا الميلاد الأغر ميلادًا لانتصار آمال الشّعوب الباحثة عن العزَّة والكرامة في زمن القهر والمعاناة، فما أحوجنا إلى أن نستلهم من هذه الذكرى الكبيرة قيم الإيمان والحقِّ والثبات على المبدأ، وقيم المحبَّة والتسامح والتآلف والتقارب، وإن كنَّا ضحيَّة خطاباتٍ مشحونةٍ بالكراهية والتحريض والتخوين…
إنَّ عليًّا عليه السَّلام كان القلب المملوء بالحبِّ حتى لأولئك الذين حاربوه وقاتلوه، وحتى لأولئك الذين كفَّروه، لقد استلَّ من قلبه كلَّ حقدٍ وضغينةٍ وكراهية، وهو القائل: «الناس صنفان، إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق».
فنحن أبناء هذه المدرسة، فما أجمل أن نحمل شيئًا من طهرها ونقائها ومُثِلها وأخلاقها، لنكون مثالاً لأقوال أئمّتنا الأطهار «كونوا لنا زينًا ولا تكونوا علينا شينًا» نسأل الله تعالى أن يجعلنا من السائرين على نهجهم والمقتفين آثارهم.
شهر رجب محطَّة من محطَّات التعبئة الروحيَّة:
كثيرًا ما تشكِّل ضغوطات الحياة الماديَّة أسبابًا لاستنفار الطاقة الروحيَّة التي في داخل الإنسان، ممَّا يفرض الحاجة إلى تعبئةٍ دائمةٍ ومستمرّة، ونفاذ الطاقة الروحيَّة يمثِّل خطرًا كبيرًا على الإنسان المؤمن، فيكسل عن الطاعات والعبادات، ويضمر لديه الإحساس بقيمة الإيمان، ويضمر عنده الخوف من الله تعالى، ويصبح غرضًا سهلًا للشَّيطان، ويسقط في منزلقات المعاصي والذُّنوب، هذه بعض نتائج الضُّمور الرُّوحي، ولست في صدد الحديث عن نتائج أخرى مرعبة تتمثَّل في ما يتعرَّض له الإنسان في لحظة خروج الروح من شدائد، وما يلاقيه في البرزخ من أهوال، وما ينتظره في القيامة من العظائم التي تذهل الألباب..
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾. (الحج/ 1-2)
فكم هي الحاجة كبيرةٌ وكبيرة أن نتعبَّأ بالطاقة الرُّوحيّة لننشط في الطاعات، ونستشعر لذَّة الإيمان، ويقوى عندنا الخوف من الله، ونحصِّن أنفسنا ضدَّ الشَّيطان، ومزالق الأهوال والشَّهوات، ثمَّ إنَّ النمو الروحيّ زادٌ كبيرٌ للإنسان، في لحظات الموت، وفي البرزخ، وفي يوم المعاد…
فالحذر الحذر من الغفلة، وإضاعة الفرص، خاصَّةً في موسم الطاعة، كما هي هذه الأشهر رجب وشعبان وشهر رمضان.
وبقدر ما نتوفَّر على الاستفادة من العطاءات الرُّوحيّة في شهري رجب وشعبان، نكون قد تهيَّئنا تهيّؤًا حقيقيًّا لاستقبال شهر الله العظيم، فالجدّ الجدّ استعدادًا للقاء شهر الصيام، لمن كُتب له أن يكون من ضيوف الله في شهر الضيافة الربَّانية، فشمِّروا الساعد لاسترفاد المزيد المزيد من الرَّوحانيّة في شهر رجب الأصبّ الذي تُصبُّ فيه الرَّحمة الإلهيَّة صبًّا…
وشهر رجب من الأشهر الحُرُم، والتي قال الله تعالى فيها:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ (التوبة/ 36)
وهذه الأربعة (ذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم ورجب) وسمِّيت الأشهر الحُرُم لأنّ أهل الجاهليَّة كانوا يحرِّمون فيها القتال تعظيمًا لها، فلمَّا جاء الإسلام لم يزدها إلّا حرمةً وتعظيمًا، فنسأله تعالى أن يجعل شهرنا هذا شهر أمنٍ وأمانٍ على هذا الوطن وهذا الشَّعب الذي لا يزال يعيش أوضاعًا أمنيَّةً ضاغطةً ومقلقة…
أعود للقول بأنَّ شهر رجبٍ محطَّةٌ مهمَّةٌ من محطَّات التعبئة الرُّوحية، ولكي نمارس شحنًا روحيًّا في هذا الشَّهر العظيم الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«رجب شهري، وشعبان شهر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وشهر رمضان شهر الله عزَّ وجلَّ». [هامش (الحر العاملي، وسائل الشيعة 10/ 480، كتاب الصوم، باب استحباب صوم رجب، ح16، طبعة آل البيت)]
فعلينا بالجدِّ والاجتهاد في القيام ببعض الأعمال المندوبة إضافةً إلى المحافظة على أداء الفرائض اليوميَّة الواجبة…
مِن هذه الأعمال المندوبة والتي تمثِّل روافدَ مهمَّةً للشَّحن الرُّوحي:
(1) الصِّيام:
• ففي الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله كما ذكر الشيخ الكفعمي في المصباح: «مَنْ صام ثلاثة أيامٍ من رجب كتب الله له بكلِّ يومٍ صيامَ سنةٍ، ومَنْ صام سبعة أيامٍ من رجب أغلقت عنه سبعة أبواب النَّار، ومَنْ صام ثمانية أيامٍ مِن رجب فُتحت له أبواب الجنَّة الثمانية، ومَنْ صام خمسة عشر يومًا حاسبه الله حسابًا يسيرًا، ومَنْ صام رجبَ كلّه كتب الله له رضوانه ومَنْ كتب الله له رضوانه لم يعذِّبه». [هامش (الحر العاملي، وسائل الشيعة 10/ 481، كتاب الصوم، باب استحباب صوم رجب، ح18، طبعة آل البيت)]
• وروى الصَّدوق عن علي بن سالم عن أبيه قال: دخلت على الصَّادق عليه السَّلام في رجب وقد بقيت منه أيام فلمَّا نظر إليَّ قال لي:
«يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئًا؟ قلت: لا والله يا ابن رسول الله.
فقال لي: فقد فاتك مِن الثواب ما لا يعلم مبلغه إلَّا الله عزَّ وجلَّ، إنَّ هذا شهر فضَّله الله وعظَّم حرمته، وأوجب للصَّائمين فيه كرامته…
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فإن صمت ممَّا بقي منه شيئًا هل أنال فوزًا ببعض ثواب الصَّائمين فيه؟
فقال [عليه السَّلام] : يا سالم مَنْ صام يومًا مِن آخر هذا الشهر كان ذلك أمانًا مِنْ شدَّة سكراتِ الموتِ وأمانًا مِن هول المطّلع وعذاب القبر، ومَنْ صام يومين مِن آخر هذا الشهر كان له بذلك جوازًا على الصِّراط، ومَنْ صام ثلاثة أيامٍ مِن آخر هذا الشهر أمِنَ يوم الفزع الأكبر مِن أهواله وشدائده وأُعطي براءةً مِن النَّار». [هامش (الحر العاملي، وسائل الشيعة 10/ 475، كتاب الصوم، باب استحباب صوم رجب، ح8، طبعة آل البيت)]
• وفي بعض الأحاديث أنّه مَنْ لم يقدر على الصَّوم يُسّبِح في كلِّ يومٍ مائة مرَّةٍ بهذا التسبيح لينال أجر الصِّيام فيه:
«سبحان الإله الجليل، سبحان مَنْ لا ينبغي التسبيح إلَّا له، سبحان الأعزِّ الأكرم، سبحان مَنْ لبس العِزَّ وهو له أهل». [هامش (الحر العاملي، وسائل الشيعة 10/ 484، كتاب الصوم، باب استحباب الصدقة والتسبيح في كل يوم من رجب، ح1، طبعة آل البيت)]
(2) الاستغفار:
الإكثار من الاستغفار في هذا الشَّهر له ثوابٌ عظيم، كما أكَّدت ذلك الأحاديث والرِّوايات…
والاستغفار على أنحاء:
أ- الاستغفار المطلق بلا تحديد الزَّمان والمكان والعدد، فبقدر ما يلهج لسان العبد بقول: (أستغفر الله ربِّي وأتوب إليه) أو (أستغفر الله ربّي) أو (أستغفر الله) فقط، في أيِّ حالٍ فهو مِنَ الذَّاكرين، الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ…﴾. (آل عمران/191)
فأنواع الذِّكر كثير، من أهمِّها (الاستغفار) و(التسبيحات) و(الصلاة على محمدٍ وآل محمد [صلّى الله عليه وآله]) وغير ذلك من أنواع ذكر الله تعالى.
وممَّا يؤكِّد الاستغفار المطلق:
• قوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾. (نوح/ 10)
• وقوله صلَّى الله عليه وآله: «خير الدًّعاء الاستغفار». [هامش (الكليني: الكافي 2/ 504، كتاب الدعاء، باب الاستغفار، ح1، طبعة دار الكتب الإسلامية)]
• وقوله صلّى الله عليه وآله: «خير العبادة الاستغفار». [هامش (الكليني: الكافي 2/ 517، كتاب الدعاء، باب من قال لا إله إلّا الله، ح1، طبعة دار الكتب الإسلامية)]
• وقوله صلّى الله عليه وآله: «أكثروا مِنَ الاستغفار». [هامش (الميرزا النوري، مستدرك الوسائل 5/ 319، أبواب الذكر، ب21، ح13، طبعة آل البيت)]
ب- الاستغفار عند المصيبة:
• كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾. (آل عمران/ 135)
• وقوله صلّى الله عليه وآله: «لكلّ داءٍ دواء، ودواء الذُّنوب الاستغفار». [هامش (الكليني: الكافي 2/ 439، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستغفار من الذنب، ح8، طبعة دار الكتب الإسلامية)]
ج- الاستغفار بالأسحار:
• وقوله تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. (آل عمران/17)
• وقوله تعالى: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. (الذّاريات/ 18)
• وقوله صلّى الله عليه وآله: «ثلاثة معصومون من إبليس وجنوده: الذَّاكرون الله، والباكون من خشية الله، والمستغفرون بالأسحار». [هامش (الميرزا النوري، مستدرك الوسائل 5/ 319، أبواب جهاد النفس، ب93، ح5، طبعة آل البيت)]
وقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذابٍ قال: لولا الذين يتحابّون بجلالي، ويعمرون مساجدي، ويستغفرون بالأسحار لأنزلت عذابي». [هامش (الحر العاملي، وسائل الشيعة 5/ 204، كتاب الصّلاة، باب استحباب بناء المساجد، ح5، طبعة آل البيت)]
د- الاستغفار في شهر رجب في الغذاة والعشي:
• في الحديث: «من استغفر الله في رجب وسأله التوبة سبعين مرّةً بالغداة وسبعين مرة بالعشي يقول: (أستغفر الله وأتوب إليه)، فإذا بلغ تمام سبعين مرة رفع يديه وقال: (اللهمّ اغفر لي وتُب عليّ)، فإن مات في رجب مات مرضيًّا عنه، ولا تمسّه النّار ببركة رجب». [هامش (الحر العاملي، وسائل الشيعة 10/ 485، كتاب الصوم، باب استحباب الصدقة والتسبيح في كل يوم من رجب، ح5، طبعة آل البيت)]
(3) الصَّلوات المندوبة:
تشكِّل الصَّلوات المندوبة رافدًا مهمًّا من روافد الشَّحن الرُّوحي في هذا الشهر العظيم، وهذا الصَّلوات على نحوين:
أ- صلوات مندوبة مطلقة لا تخصُّ هذا الشهر، ومنها صلاة الليل، وصلاة جعفر، وصلاة الوصيّة، وصلوات أخرى…
ب- صلوات مندوبة خاصّة بهذا الشهر، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية كمفاتيح الجنان…
• في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ من صلَّى في ليلةٍ من ليالي رجب عشر ركعات يقرأ في كلِّ ركعةٍ الحمد و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ مرة، و(التوحيد) ثلاث مرات غفر الله له ما اقترفه من الإثم».
(4) وهناك أعمال خاصّة بكلِّ ليلةٍ من ليالي رجب، وهي مدوَّنة في كتب الأدعية…
أيّها الأحبَّة:
لا تفوتنَّكم فرصة المتاجرة مع الله في هذا الشهر العظيم بالاستزادة من الصَّلاة، والدعاء، وتلاوة القرآن، والصدقات، وأعمال البر، ومختلف أنواع الطاعات والقربات، فهنيئًا لمن استثمر وقته فيما يرضي الله تعالى ويقرِّبه إليه زلفى…
الحلُّ السِّياسيّ الذي يستجيب لمطالب الشَّعب العادلة:
الشعب يطالب بحلٍّ سياسيٍّ يستجيب لمطالبه العادلة، ولن يرضى بحلولٍ ترقيعيَّةٍ لا تلبِّي مطالبه، فيجب على كلِّ مَنْ يتصدَّى للمشاركة في معالجة الوضع السِّياسي أن يضع في حسابه هموم هذا الشعب ومطالبه المشروعة، وإلَّا فسوف يتعرَّض إلى محاسبةٍ عسيرة.
إنَّ أيَّ حلٍّ سياسي تنتجه المداولات والحوارات لن يعالج أزمات هذا الوطن إلَّا إذا كان محلَّ رضى وقناعة الشعب، الذي أكَّد الدستور والميثاق أنَّه مصدر السلطات…
فعلى كلِّ مَنْ يضع نفسه ممثَّلًا لإدارة الشَّعب أن يكون:
أولًا: مخوَّلاً أو محلاًّ للثِّقة من هذا الشعب أم مَنْ يمثِّله من أبناء هذا الشعب، فليس بالضَّرورة أن تكون القوى السِّياسية والمجتمعيَّة ممثّلة لكلِّ الشَّعب، أو تحظى برضى كلِّ الشعب، بل يكفي أن تمثِّل مكوِّنًا من مكوِّنات هذا الشعب أو تكون محلَّ رضى هذا المكوِّن…
وثانيًا: حريصًا على تحقيق أهداف وهموم ومصالح ومطالب الشعب العادلة والمشروعة، وإلَّا فهو خائنٌ لإرادة أبناء هذا الوطن ومصالح هذا الشعب…
وهنا يجب التأكيد أنَّ مشوار الحلّ السِّياسي لا يمكن أن يبدأ بشكلٍ طبيعي إلَّا إذا توقَّف الخيار الأمني بكلِّ إجراءاته القاسية والتي أرهقت هذا الوطن…
فما دامت القناعة قائمة بأنَّ الحلّ السِّياسي الجادّ هو الخيار للخروج بالبلد من أزماته ومآزقه، فيجب أن تمسح كلّ تداعيات الخيار الأمني، وكلّ مخلّفاته المرهقة…
والفارق كبير بين الحلّ الأمني والحلّ السِّياسي:
1- الحلّ الأمني – إذا مُورس بشكلٍ سليم وليس بشكلٍِ طائش – فهو ليس إلَّا مُخدِّرًا، أمّا الحلّ السّياسي فهو علاج للمُشكل إذا كان حلًّا صائبًا وصادقًا…
2- الحلّ الأمني – إذا حقَّق هدفه – فهو وسيلة إسكاتٍ، وليس وسيلة إرضاء، بخلاف الحلّ السّياسي الصحيح فهو وسيلةٌ لإرضاء الشعب…
3- الحلّ الأمني أداة قمعٍ – في الغالب – وأمّا الحل السّياسي إذا كان صحيحًا، فهو وسيلةٌ لإقناع النّاس…
4- الحلّ الأمني ربّما يكلّف أثمانًا باهضة مِن أرواح ودماء وخسائر اجتماعيّة واقتصادية… أمّا الحل ّ السّياسي فيحقِّق الكثير من الأرباح والمصالح للشعوب…
5- الحلّ الأمني يعتمد أدوات العنف، والحلّ السياسي يعتمد لغة الحوار والتفاهم…
6- الحلّ الأمني – بأساليبه القمعيّة – يزعزع الثّقة بين الحاكم والمحكوم، بينما يزرع الحلّ السّياسي كلَّ الثِّقة بين الشعوب وحكَّامها…
7- الحلّ الأمني يدفع إلى مزيدٍ من التأزّم والتوتّر والاحتقان، بينما يدفع الحلّ السّياسي إلى مزيدٍ من الهدوء والاستقرار…
8- الحلّ الأمني هو خيار الأنظمة الحاكمة، أمّا الحلّ السّياسي فهو خيار الشعوب.
9- الحلّ الأمني – في الغالب – ممارسةٌ انفعاليّةٌ غاضبة، أمّا الحلّ السّياسي فيمثِّل ممارسة عقلانيّة هذا إذا كان الحلّ السّياسي رشيدًا وصادقًا، وإلَّا كان أيضًا فعلًا مزاجيًا انفعاليًا ضارًا…
10- في أجواء الحلّ الأمني تتحرَّك خطابات التحريض والقذف والتخوين، بينما في أجواء الحلّ السّياسي تتحرَّك خطابات التهدئة، والتفاهم والمحبَّة…
وهنا يجب أنّ نؤكِّد أنّ استمرار خطابات التحريض والقذف والتخوين في هذا البلد يشكّل عائقًا كبيرًا لأيّ مشروعٍ سياسي يطمح إلى إنقاذ هذا الوطن من أزماته ومآزقه…
مِن المؤسف جدًا هذا الاستغراق في هوس التحريض والانتقام، بما له من آثارٍ مدمّرة، كونه ينتج شحنًا مضادًا، مسكونًا بالكراهية، وحبّ الانتقام، وهكذا يحدث التقاذف في الخطابات، ممَّا يؤزِّم أواصر العلاقات ويعقِّد أيَّ خطوةٍ في اتجاه الانفراج..
كلمةٌ أخيرة:
وفي سياق الحديث عن خطابات التحريض والتخوين أودّ أن أعبِّر عن قلقٍ واستنكارٍ تجاه الحملة الظالمة الممنهجة التي تمارسها بعض الأقلام في حقِّ سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، إنَّ هذه الحملة لها تداعيات خطيرة ليست في صالح هذا الوطن، كونها تؤجِّج المشاعر وتَشحن النفوس، في مرحلةٍ يُراد لها أن تتعافى من واقعٍ مأزومٍ مشحونٍ بالاستفزازات المتضادّة…
أمرٌ في غاية الخطورة أن يُستهدف رمزٌ دينيٌّ كبيرٌ كرَّس حياته لخدمة الدِّين، وحماية وحدة المواطنين مِن خلال خطابه المعتدل، ومواقفه العاقلة…
تحاول خطابات التحريض أن توظِّف بعض كلماتٍ لسماحة الشيخ توظيفًا خاطئًا أو محرَّفًا، وما عرفناه عن هذا العالم الكبير أنَّه صادقٌ كلَّ الصدقِ مع دينه وقيمه، وحريصٌ كلَّ الحرص أن يكون خطابه مدافعًا عن مطالب هذا الشعب العادلة المشروعة، معتمدًا أساليب عاقلة معتدلة لا تضرّ بأمن هذا الوطن واستقراره، وما وجدناه يومًا محرِّضًا ضدَّ طائفة، أو محرِّكًا لفتنةٍ، أو مؤجِّجًا لصراعٍ…
إنّ وجود هذا النَّمط مِن الرجال الأتقياء العقلاء يشكِّل ضمانة كبيرة لوحدة الشعب، كما برهنت مواقفه في الكثير من الأزمات، مهما حاولت خطابات التحريض والتخوين أن تفهمه عن جهلٍ أو عمدٍ فهمًا مُلتبسًا خاطئًا، فيه إصرار على اتهامٍ ظالمٍ من خلال مقولاتٍ باطلةٍ، ولعلَّ مقولة (حكومة ولاية الفقيه) واحدةٌ من أفحشها، رغم كلّ التوضيحات والتأكيدات على نفي هذا الوهم الخاطئ، وكونه لا يعبِّر عن خيارٍ عاقلٍ في هذا الوطن الذي يحتضن مكوّناتٍ مذهبيّة متعدِّدة لا تسمح إطلاقًا في التفكير فضلًا عن العمل في اتِّجاه هذا المشروع…
أتمنَّى أن يُعيد أصحاب الخطاب التحريضي الانتقامي حِساباتِهم في التعاطي مع هذه الرموز الدينيّة والوطنيّة الكبيرة، لكي لا يدفعوا الوطن إلى منحنى التأزيم الخطير، ولكي لا تنفجر مواقف مضادّة يصعب السيطرة عليها.