حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة195: للإمام المهديّ غيبتان – الدول الأشهر في دنيا الدعارة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين المعصومين …


للإمام المهديّ غيبتان:
(1) الغيبة الصغرى بدأت سنة 260 هـ وانتهت سنة 329 هـ.
مدة الغيبة الصغرى: 70 سنة تقريبًا .
(2) الغيبة الكبرى بدأت سنة 329 هـ بوفاة السفير الرابع عليّ بن محمد السمري .
قبل وفاة السفير الرابع بأيام صدر توقيعٌ من الإمام المهديّ إلى عليّ بن محمد السمري جاء فيه (كما جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي) .
التوقيعات: ما يصدر عن الإمام المهديّ بواسطة أحد السفراء أو النواب جوابًا على أسئلة ، أو توجيهًا للشيعة ، أو أوامر تحدّد بعض المواقف …
نص التوقيع الأخير الذي صدر إلى عليّ بن محمد السمري ( آخر السفراء ) :
« بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبيني ستة أيامٍ فأجمع أمرك ولا توصِ إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله –  تعالى ذكره –  وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورًا، وسيأتي لشيعتي من يَدَّعي المشاهدة ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّابٌ مفترٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».


وقفة تأمل وتدبر في هذا التوقيع الشريف، من خلال النقاط التالية:
النقطة الأولى:
قد يتساءل البعض، هل يدّعي الشيعة أنّ أئمّتهم يعلمون الغيب، حيث نقرأ في هذا التوقيع أنّ الإمام المهديّ قد أخبر عليّ بن محمد السمري بيوم وفاته «فإنّك ميّت ما بينك وبيني ستّة أيامٍ..»؟


الجواب: إنّنا نعتقد أنّ الله تعالى وحده هو «عالم الغيب» لا يشاركه أحدٌ من خلقه حتى الأنبياء والأوصياء.
القرآن مشحونٌ بالآيات التي تؤكّد أنّ الله سبحانه هو «عالم الغيب»:
• «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلا هُوَ» الأنعام: 59.
• «فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ…» يونس: 20.
• «وَللهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ» هود: 123.
• «عالِمُ الغَيْب والشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ» الحشر: 22.
• « ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ» الجمعة: 8.
والكثير الكثير من الآيات القرآنيّة التي تؤكّد هذا المعنى…


إلى جانب ذلك توجد آياتٌ تنفي الغيب عن غير الله تعالى:
• «قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ…» الأنعام: 50.
الخطاب هنا إلى سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم (قل) لهم يا محمد (لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ) أي خزائن رحمة الله ومقدّراته و أرزاقه…
(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الذي يختصّ الله بعلمه وإنّما أعلم قدر ما يعلّمني الله تعالى من أمور الغيب….
وفي نصٍ آخر يقول الله على لسان النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله «ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير».
نعم هناك آياتٌ تشير إلى أنّ الله تعالى يُطلع بعض أنبيائه وأوصيائه وأوليائه على بعض الغيب إذا اقتضت المصلحة الربانيّة ذلك:
• قال تعالى «عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدًا، إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ…» الجن: 26 – 27.
• وقال تعالى مخاطبًا نبيّه صلّى الله عليه وآله:
• «تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ» هود: 49.
• «ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ» آل عمران: 44.


بعد هذا إن قلنا بصدور شيءٍ من المغيّبات عن الأنبياء أو الأولياء إنّما ذلك بتعليمٍ وإيحاءٍ من الله سبحانه المتفرّد بعلم الغيب …



الدول الأشهر في دنيا الدعارة:
في أحد التقارير التي تتحدّث عن الدعارة في العالم، حُدّدت أسماءُ عددٍ من الدول تصل إلى تسعٍ أو عشرٍ هي الأشهر في العالم على مستوى الدعارة..
وتأتي البحرين الدولة العربيّة الوحيدة التي حظيت [بفخر الانتماء] إلى هذه القائمة…
وسواء أكان هذا التقرير صحيحًا أو كاذبًا فإنّ واقع الدعارة في هذا البلد ينذر بكارثةٍ أخلاقيّةٍ مرعبةٍ إذا استمر مؤشّر الدعارة في التصاعد…
قرأنا قبل أيامٍ أنّ تسعةً وثلاثين نائبًا في مجلس النواب تقدّموا بطلب منع مغنّيةٍ مشهورةٍ بالغناء الجنسي، وقد ردّت الحكومة على ذلك بأنّ المغنّية ستلتزم بالحشمة..


ولنا بعض التعليقات على هذا الموضوع:


أولاً: إنّنا نشدّ على أيدي النواب التسعة والثلاثين الذين تقدّموا بهذا الطلب، مثمّنين غيرتهم الشديدة على القيم والأخلاق في هذا البلد، متسائلين عن سبب غياب صوت نائبٍ واحد.


ثانيًا: من حقّنا أن نتساءل وقد أوشكت السنوات الأربع أن تنتهي، لماذا لم يتقدّم النواب وغالبيتهم من الإسلاميين سنّة وشيعة بأيّ مشروعٍ لإنقاذ البلد من الكارثة الأخلاقيّة المرعبة التي تهدّد هذا البلد في حاضره ومستقبله وكلّ أجياله، أم أنّ قضايا القيم والأخلاق لا تشكّل واحدةٍ من أولويات برامجهم واهتماماتهم، إذا كانت هناك ملفاتٌ أخرى خطيرة تضغط على هاجس النواب وعلى اهتماماتهم كملفات الأوضاع السياسيّة والأمنيّة والمعيشيّة والتي لم يتحرّك منها شيءٌ حتى الآن بفعل التجاذبات والاختلافات والهيمنات المفروضة…
فإنّ ملف القيم والأخلاق المهدّدة بفعل المشروعات المدعومة رسميًّا أو المسكوت عنها يشكّل ملفًا لا يقلّ أهميّة إن لم يكن هو الملف الأهم والأخطر…
قد يقال: إنّنا إذا استطعنا إصلاح العمليّة السّياسيّة فسوف ينعكس ذلك على إصلاحاتٍ في كلّ المواقع الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة.. فمطلوبٌ الآن أن تتركّز كلّ الجهود من أجل إنقاذ العمليّة السّياسيّة وتصحيح مساراتها الخاطئة.. وأن لا تجتذب جهودنا اهتماماتٌ أخرى مهما كانت كبيرة وخطيرة، إذا استطعنا أن نتوفّر على دستورٍ صحيح، وانتخابٍ صحيح، وبرلمانٍ صحيح، وأداءٍ صحيح، فإنّ القضايا كلّ القضايا سوف تعالج وتصحّح، وتغيّر، ولن نحتاج إلى عناءٍ في التعاطي مع كلّ الملفات…
لا أريد أن أشوّش على هؤلاء أحلامهم الورديّة الكبيرة، ولا أريد أن أخدش في عزائمهم الصلبة، وهممهم المتحفّزة، وإراداتهم المتوثّبة… فما أحلى أن نعيش الأمل دائمًا مهما تعقّدت الأوضاع، وتأزّمت الأمور…
ولكنّي أقول: على بركة الله وبالاتكال عليه تعالى يجب أن نعمل جادين مخلصين ومصمّمين من أجل إصلاح العمليّة السّياسيّة وبكلّ الوسائل المشروعة، ولا يجوز أن يتقاعس أحدٌ يملك القدرة في أن يدفع في اتجاه هذا الإصلاح والتغيير والتصحيح..


أمّا كيف نعمل، وكيف نحرّك ما نملك من قدراتٍ وإمكاناتٍ وطاقاتٍ من أجل هذا الهدف المبارك؟
فهي مسألةٌ لا تخضع للمزاجات والانفعالات والشعارات والمزايدات والمبارزات، الأمر في حاجةٍ إلى عقلٍ وحكمةٍ وبصيرة، وصدقٍ وإخلاصٍ وتقوى، وتآزرٍ وتآلفٍ وتعاون… ولا يجوز لأحدٍ أن يحتكر لنفسه المواصفات وأن يتّهم الآخرين…


وإن كنت أؤمن كلّ الإيمان بضرورة العمل من أجل إصلاح العمليّة السياسيّة، إلاّ أنّني أرى أنّه من الجناية كلّ الجناية على واقعنا أن نعطّل أيّ مساحةٍ من العمل نتوفّر على إمكاناتها وقدراتها بدعوى انتظار إصلاح العمليّة السياسيّة…


فما هو المسوّغ العقلي والشرعي لأن نعطّل العمل في المساحات الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والثقافيّة انتظارًا لإصلاح العمليّة السياسيّة، هذا الإصلاح الذي قد يطول ويطول، ويجب أن يتحرّك المشروع السّياسي، ويجب أن يتحمّل المسؤوليّة كلّ من يملك أدوات التحريك وإمكانات التحريك وشروط التحريك…
ولكنّ هذا لا يعني أن نجمّد أيّ تحرّكٍ آخر..
 نستغرب كلّ الاستغراب من بعض الأصوات حينما حركّنا المواجهة ضدّ مشروع الهيمنة على أحكام الأحوال الشخصيّة سمعنا من يقول: ابدؤا بإصلاح الدستور…
حينما حرّكنا المواجهة ضدّ قرار كادر الأئمّة سمعنا من يقول: البدء بالدستور أهمّ..
حينما حركّنا المواجهة ضدّ قرار المساجد وضدّ قرار ضوابط الخطاب الديني سمعنا من يقول: وهل هذا إلا نتيجةً لغياب الدستور، فما قيمة الوقوف في وجه هذه القرارات ما دام الوضع مرشحًا لمزيد من القرارات الظالمة؟ أبذلوا جهودكم لإصلاح الدستور..
أن تبذل الجهود لإصلاح الدستور مطلبٌ صحيحٌ جدًا…. ولكن أن نجمّد كلّ المطالبات الأخرى فأمرٌ مرفوضٌ مرفوض، ولا يقرّه عقلٌ ولا شرع…
العقل والشرع يقولان لنا: أنّنا إذا كنّا قادرين أن نخطو خطوةً في الطريق فيجب أن نخطو هذه الخطوة، ثمّ نحاول أن نتابع الخطوات، نعم إذا كانت الخطوة على حساب بقيّة الخطوات، على حساب الهدف الأكبر فالمسألة لها حكمّ آخر…
أمّا أنّي استطيع أن اسقط مشروعًا للدعارة أو أن اسقط قرارًا ظالمًا، أو أن اسقط قانونًا فاسدًا، أو أن أحقّق مطلبًا لخير الناس وصلاح الناس…. فيجب أن أجمّد كلّ ذلك ما دام الدستور المطلب غائبًا، وما دام البرلمان المطلب غائبًا ولو استمر الغياب خمسين، ستين، مائة سنة فهذا كلامٌ باطلٌ لا يستند إلى حجّة من عقلٍ أو شرع..


ثم – أيّها الأحبّة – دعونا نتساءل:
إذا حقّقنا الانتصار وحصلنا على الدستور العادل، فهل هذا هو خاتمة الأشواط؟
فربما بقي الدستور حبرًا على ورق وربّما بقي الميثاق حبرًا على ورق، وربّما بقيت القوانين العادلة حبرًا على ورق…
القيمة كبيرة وكبيرة للدستور العادل، للميثاق العادل، للقانون العادل، ولكنّ الأهمّ أن يتحوّل الدستور العادل إلى واقعٍ يتحرّك على الأرض، وإلاّ كان ذلك خدعةً للشعوب وتخديرًا للشعوب، وكذبةً على الشعوب…
أما مسؤوليّة الحكومة عن أوضاع الدعارة والفساد، فسوف يكون له حديثٌ آخر إن شاء الله تعالى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى