حديث الجمعة183: كيف نقرأ الثورة الحسينيّة؟(2) – أحيا المؤمنون عاشوراء الحسين-إغلاق مسجد الإمام الصادق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين…
نتابع حديثنا حول قراءة الثورة الحسينيّة…
تناولنا في الحديث السابق عدة قراءات حاولت أن تحدّد منطلق الثورة الحسينيّة، وقلنا أنّ هذه القراءات وقعت في إشكالين أساسيين:
الإشكال الأول: أنّها خلطت بين (المنطلق) و(المبرر) و(الهدف) وهي عناوين متغايرة.
الإشكال الثاني: اعتماد العامل الواحد في تفسير الثورة (العامل القبلي/ العامل السياسي / العامل الاجتماعي / العامل الاقتصادي) ثم خلصنا إلى القراءة المعتمدة في تحديد منطلق الثورة الحسينيّة وهو (التكليف الإلهي = الأمر الإلهي).
فالإمام الحسين (ع) في ثورته التي كلفته دمه، ودم الصفوة من أهل بيته وأصحابه وكلفته سبي نسائه وعياله، انطلق من التكليف الإلهي الرباني (الأمر الإلهي)
وكذلك بقية الأئمة عليهم السلام، فرغم تعدد أساليبهم، وتنوع أدوارهم، إلا أنّهم جميعًا:
أ- ينطلقون من منطلق واحد هو(التكليف الإلهي = الأمر الإلهي)
ب- ومن أجل هدف مركزي واحد (الهدف الإستراتيجي)
ما هو الهدف المركزي الإستراتيجي في ممارسات الأئمة عليهم السلام؟
هذا الهدف يتشكّل من الأبعاد الرئيسيّة التالية:
1- الحفاظ على الإسلام في مفاهيمه وأحكامه وقيمه، وتطبيقاته في حياة الناس.
2- إقامة حكم الله في الأرض (هذا الأمر خاضع لمجموعة شروط موضوعيّة)
3- وحدة الأمة.. فإذا درسنا حياة الأئمة (ع) فإنّنا نجد:
• الإمام أمير المؤمنين (ع) مارس أسلوبين متغايرين:
– أسلوب المسالمة:
مارس هذا الأسلوب لمدة خمس وعشرين سنة (من حين وفاة النبي (ص) حتى انتهاء خلافة عثمان بن عفان)
– أسلوب التصدّي المسلح:
مارس هذا الأسلوب لمدة خمس سنوات (من حين تسلّم الخلافة حتى استشهاده)
في هذه المرحلة خاض أمير المؤمنين ثلاث حروب:
1- حرب الجمل في مواجهة الناكثين.
2- حرب صفين في مواجهة القاسطين.
3- حرب النهروان في مواجهة المارقين (الخوارج).
فالإمام أمير المؤمنين (ع) مارس أسلوب المسالمة انطلاقا من (التكليف الإلهي = الأمر الإلهي) ومارس أسلوب التصدي المسلح انطلاقا من (التكليف الإلهي = الأمر الإلهي)
ثمّ إنّ الهدف المركزي (الإستراتيجي) في المرحلتين ( مرحلة المسالمة ومرحلة المواجهة) هو هدف واحد وهو الحفاظ على الإسلام في مفاهيمه وأحكامه وقيمه، وتطبيقاته في حياة الأمّة، وكذلك الحفاظ على وحدة الأمّة..
لسنا هنا في صدد تناول حياة أمير المؤمنين (ع) ولذلك لا يتسع المجال لطرح الإستشهادات التي تؤكد هذا المنهج الذي اعتمده الإمام أمير المؤمنين..
• الإمام الحسن السّبط (ع)..
مارس أسلوب المسالمة مع معاوية.. والإمام الإمام الحسن (ع) في هذه المسالمة ينطلق من (التكليف الإلهي)
كما أنّ هدفه المركزي الإستراتيجي هو الهدف الذي حرك الأئمة جميعًا..
نعم لكلّ إمام أهداف مرحلية تفرضها الظروف الموضوعيّة في عصر كلّ إمام.
هذه الظروف الموضوعيّة هي التي تحدّد (طبيعة الدور) و(شكل الأسلوب)
أحيا المؤمنون عاشوراء الحسين:
أحيا المؤمنون في البحرين عاشوراء الحسين، من خلال إقامة مجالس العزاء، والخروج بالمواكب الحسينيّة، والانطلاق بعدّة فعّاليات، وعبّروا عن مواساتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ولأمير المؤمنين ولفاطمة الزّهراء بمختلف وسائل التعبير والتي اعتادوا على ممارستها في هذا البلد ومنذ أقدم العصور…
فإحياء مراسم عاشوراء في البحرين لها أصالتها المتجذّرة في هذه الأرض بتجذّر المنتمين إلى مدرسة الأئمة من أهل البيت (ع)، فالولاء لأهل البيت (ع) ولد في البحرين مقترنًا ومتزامنًا مع ولادة الإسلام، وهذه حقيقة دوّنتها المصادر التاريخية المنصفة، فالشيعة ليسوا دخلاء على هذه الأرض، كما تزعم بعض الأقلام المأجورة والحاقدة والتي تريد أن تشوّه الحقائق وتزوّر التاريخ…
وكما تردد بعض الخطابات والكلمات المشككة في ولاء الشيعة لهذه الأرض، ولهذا الوطن، إنّ ولاءنا لهذه التربة ارتبط بالولاء للإسلام، فمنذ وصلت الدعوة إلى أبناء البحرين أعلنوا إسلامهم طائعين وبلا حروب ولا قتال، وفي الوقت ذاته كان الولاء لأهل البيت قد بدأ يتأصّل في وجدان أبناء هذا البلد الطيب… فنحن هنا لا ننتمي إلى حفنه من تراب، إنّما ننتمي إلى تاريخ ومبادئ، وقيم صنعها الإسلام…
إنّنا نأسف لتلك المقولات الزائفة التي تنطلق بين الحين والآخر مشحونة بالاتهامات الرخيصة والإدعاءات الكاذبة، ولأهداف مشبوه، ولأغراض سيئة…
لماذا هذا الإصرار على الإساءة لأبناء هذه الطائفة التي أخلصت كلّ الإخلاص للوطن وللأرض، وللتاريخ…
قالوا إنّكم لا تخلصون للنظام؟
عجبًا، حينما نصرخ بأننا مظلومون، حينما نطالب بالحقوق كمواطنين في هذا البلد، حينما نطالب بإيقاف التمييز الذي تغلغل في كلّ مفاصل الدولة.. حينما نرفض الفساد المستشري في كلّ المؤسسات الرسمية، حينما نرفض الأساليب الأمنية المتشددة، حينما.. حينما.. أصبحنا لا نخلص للنظام، وأصبحنا لا نملك ولاءً للحكم…
لكي نحصل على وثيقة الولاء والإخلاص، مطلوبٌ منا أن نصفق لكلّ سياسات النظام حتى لو كانت ظالمة وجائرة، مطلوبٌ أن نصفّق للتمييز بكل أشكاله، مطلوبٌ أن نصفق للتجنيس السياسي المرعب، مطلوبٌ أن نصفق للفساد والعبث والتلاعب، مطلوبٌ أن نصفق لغياب الدستور الصالح، مطلوبٌ أن نصفق لتقسيمات الدوائر الانتخابية الجائرة، مطلوبٌ أن نصفق لكلّ القرارات والقوانين حتى لو كان فيها عبث بأحكام الله، هل هذا هو مفهوم الولاء والمواطنة والانتماء؟ وهل هذا هو مفهوم الديمقراطية العريقة؟ وهل هذا مفهوم الإصلاح السياسي؟ إذا كان الأمر كذلك فنحن من الكافرين بالمواطنة، والديمقراطية، والإصلاح السياسي…
لا أريد أن أعيد إلى ذاكرة هؤلاء مواقف أبناء هذه الطائفة، وفي مراحل مفصلية صعبة،وفي منعطفات سياسية خطيرة…
ولا أريد أن أعيد إلى ذاكرة هؤلاء التضحيات التي قدمّها أبناء هذه الطائفة من أجل هذا الوطن..
والله لو أنصفوا، ما كان يسعهم أن يقولوا ما قالوا، وأن يتهموا ما اتهموا، وأن يعزفوا ما عزفوا..
إغلاق مسجد الإمام الصادق
نرفض وبشدة أن تغلق المساجد، مهما كانت الذرائع المطروحة، يجب أن تمارس المساجد وظائفها وأدوارها كما أراد الله لها، لا كما تريد الأنظمة السياسية..
ورغم أنا ندعو إلى أن يكون خطاب المسجد خطابًا جريئًا بصيرًا رشيدًا منفتحًا على كلّ قضايا الأمة وهمومها ومشاكلها، ومسؤولًا عن حماية روح التآلف والتقارب بين أبناء الوطن، إلاّ أننا لا نقبل أن تفرض الأنظمة الحاكمة هيمنتها على المساجد… كادر الأئمة كان خطوة خطيرة جدًا في اتجاه الهيمنة وفرض الوصاية، ورفضنا، ولازلنا رافضين، وجاء قرار العدل بشأن المساجد والحسينيات استمرارًا لهذا التوجه في السيطرة ومصادرة الاستقلال، وتأتي التوجيهات الأخيرة حول خطب المساجد لتأكد الرغبة في محاصرة المساجد ومسؤولياتها، لا نشك أنّ الثوابت الدينية والوطنية من الأساسيات التي لا يجوز أن يتجاوزها خطاب المسجد، إلا أن هذا لا يعني أن تفرض على المساجد رقابة سياسية وأمنية تعطل الأدوار المرسومة من قبل الله تعالى لهذه المؤسسات الدينية…
ما حدث أخيرًا من إغلاق لهذا المسجد أمر يبعث على القلق الشديد، وعلى الاستنكار الشديد فمهما حاولت السلطة أن تبرر لها الإغلاق فهو أمر غير مقبول، ولا يصح السكوت عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين