حديث الجمعة 177: في ذكرى الإمام الخميني – لجنة حكومية لمراقبة الطائفية – قرار وزارة العدل والشؤون الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استمرارا لحديثنا في ذكرى الإمام الخميني رضوان الله عليه:
أعود للقول: مع بداية (سنة 328هـ) أو (سنة 329هـ) غاب الإمام الثاني عشر (الإمام المهدي) غيبته الكبرى، وبانتهاء الغيبة الصغرى انتهت (النيابة الخاصة أو السفارة) وقد صدرت توقيعات عن الإمام المهدي تقول بأن من يدعي (النيابة الخاصة أو السفارة) بعد عصر الغيبة الصغرى فهو مفتر كذاب ملعون.
ومنذ بداية الغيبة الكبرى وحتى الآن ظهرت دعاوى كاذبة، تقمصت عنوان (السفارة عن الإمام) و ( النيابة الخاصة عن الإمام)، ولا زلنا نسمع بهذه الدعاوى وتحت مسميات متعددة، فمرة تحت اسم (الحجتيه) الذين ظهروا في (إيران) منذ أيام الشاه المقبور وأدعى زعيمهم أنه معين من قبل الإمام المهدي، وخدعوا الناس وضللوهم وانقاد لهم البسطاء والجُهال، وبعد قيام الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، تصدى هؤلاء (الحجتيون الكذابون) إلى محاربة الإمام الخميني ومحاربة الثورة، إلا أنهم باءوا بالفشل والهزيمة وانكشفت أضالييهم وأكاذيبهم، واندحروا شر اندحار وتم محاصرتهم وإنهاءهم، فاعتقل من اعتقل، وهرب من هرب، وعاد إلى الرشد أعداد كبيرة.
وبالأمس القريب سمعنا عن من أسموا أنفسهم (جند السماء) في( العراق)، وقد أدعى زعيمهم أنه يمثل الإمام المهدي، وكان من مخططاتهم الرهيبة، تصفية المرجعية في النجف الأشرف، واغتيال الفقهاء البارزين وقد شاء الله أن يفتضحوا وينكشفوا، وتم التصدي لهم، وتصفيتهم، وإفشال مخططهم المدمر.
ولسنا بعيدين عن ( دعوى السفارة) في (البحرين) وقد تصدى لها علماء البلد، وصدرت فتاوى كبار الفقهاء – في حينها – ضدهم، وتمت محاصرتهم في أوساط المؤمنين، وبعد اختفاء طويل برزوا مجددا تحت عناوين جديدة، وقد أتاحت لهم الأوضاع المتغيرة أن ينشطوا وبشكل مكشوف، وبدعاوى جديدة تحمل عنوان (التجديد)، وروح هذه (التجديد) عند هؤلاء هو طرح الدين بطريقة تخالف ما عليه فقهاء الأمة الصالحون، وتخالف منهج المرجعية الصالحة، وباسم (التجديد) تطرح في هذا العصر أفكار تصادر الدين من داخله، وهذا الأسلوب أخطر من الأسلوب المكشوف المباشر.
وإن كانت هذه الدعاوى في النهاية تضطر أن تسفر عن وجهها الحقيقي، وأهدافها المبطنة. ومن الطبيعي أن دعاوى النيابة الكاذبة عن الإمام المهدي تقود في النهاية إلى موقف صريح في التمرد على الدين ومعاداة قيادات الدين الأصيلة.
ومن خلال قراءة تاريخية لكل الحركات التي أدعت زورا وكذبا السفارة عن الإمام المهدي، قد انتهت في آخر أشواطها إلى حركات متحررة تماما من الدين ومن قيم الدين، انتهت في آخر أشواطها إلى حركات إلحادية وإباحية، والتاريخ حافل بأمثلة كثيرة على ذلك، وليس آخرها ( البابية والبهائية) في (إيران).
للحديث صلة إن شاء الله
لجنة حكومية لمراقبة الطائفية:
طالعتنا الصحافة قبل أيام بقرار مجلس الوزراء في تشكيل لجنة برئاسة وزارة الداخلية تضم في عضويتها ممثلين عن وزارة العدل والشؤون الإسلامية ووزارة الإعلام، وكل من تراه مناسبا من الجهات ذات الاختصاص لمراقبة التقيد والالتزام بألا يسمح بالتجاوزات سواء من المنابر أو الصحف أو المواقع الإلكترونية حيال القيم والثوابت الوطنية، وبخاصة فيما يتعلق بالذات الملكية وسمو ولي العهد والوحدة الوطنية وموضوع الطائفية وعروبة البحرين.
إننا نبارك ونقف بكل صدق وقوة مع أي خطوة تهدف إلى محاربة الطائفية في هذا البلد … الطائفية المشروع المرعب والمدمر للبلاد والعباد، ولا أظن أن مواطنًا نظيفًا، مخلصًا لدينيه ووطنه وشعبه يتردد لحظة واحدة في دعم وتأييد ومساندة أي خطة هادفة إلى إيقاف الطائفية البغيضة المدمرة ، وإنه خائن لدينه ووطنه وشعبه من يسعى إلى إنتاج الفتن الطائفية العمياء التي تحرق الأخضر واليابس …
ولكن السؤال الصريح الجريء:
هل أن تشكيل لجنة حكومية هو الحل في مواجهة الطائفية؟
ماذا إذا كانت الحكومة في – بعض مواقعها – وفي بعض سياساتها – متهمة بإنتاج الطائفية؟
من سيراقب الحكومة؟
هل اللجنة الحكومية سوف تراقب نفسها؟
لنفترض أنّها مجرد تهمة موجه للحكومة في أنّ بعض ممارساتها تنتج الطائفية، من الذي يتحمل مسؤولية التحقيق؟ اللجنة الحكومية ذاتها؟ ليس منطقيا هذا…
أم مجلس الشورى؟
هل يملك مجلس الشورى القدرة والجرأة على هذا التحقيق والمحاسبة؟ نتمنى ذلك.
أم مجلس النواب؟
وهو المصنوع بطريقة لا تؤهله أن يمارس هذا الدور …
نطمع إلى مجلس نواب يملك كل الصلاحيات ولن يكون ذلك إلا إذا توفر هذا الشعب على دستور حقيقي، وانتخابات حقيقية… أمّا في ظل دستور مفروض، وفي ظل انتخابات محكومة لحسابات خاطئة، فلن نملك برلماناً قادرًا على محاسبة (المنٌتِجات الحقيقية للطائفية).
المسألة ليست مجرد تصدي للمنابر والصحف والمواقع الإلكترونية … ولخطابها الطائفي.
الخطاب الطائفي هو إفراز لواقع، وإذا لم يعالج هذا الواقع ، فلا يمكن معالجة المأزق الطائفي ولا يمكننا إسكات الخطاب الطائفي.
المشكلة أنّ هناك خلط كبير – عن جهل أو تعمد – هذا الخلط لا يفرق بين الخطاب الذي ينتج الطائفية وينتج الفتن الطائفية وبين الخطاب الذي يدافع عن النفس التي أرهقها الظلم الطائفي، والظلم السياسي… كم هي جناية كبيرة هذا الخلط.
أقول:لا يوقف الطائفية تشكيل لجان لمراقبة الخطاب المنبري والصحافي والإلكتروني… وخاصة إذا كانت هذه اللجان حكومية بحته، ولا يوقف الطائفية توجيه نداءات، وهي مشكورة.
يوقف الطائفية … أن توضع اليد على الأسباب الحقيقية لإنتاج الواقع الطائفي، ومن أهم هذه الأسباب: سياسة التمييز التي تنتجها بعض أجهزة السلطة، وإنّنا على استعداد أن نضع الوثائق والأرقام بين يدي السلطة إذا أرادت ذلك، ثم إنّ بعض القرارات الرسمية واضحة في تأثيراتها الطائفية، حتى لو سلّمنا أنّ هذا ليس مقصودًا لدى السلطة.
القرار الأخير الصادر عن وزارة العدل والشؤون الإسلامية في إخضاع مسألة بناء المساجد والحسينيات إلى هذه الوزارة هذا القرار له تداعيات طائفية خطيرة قصدت الحكومة ذلك أم لم تقصد، ما هو المبرر لهذا القرار المثير للحساسية المذهبية، إذا كانت المسألة من أجل ضبط الأمور الخدمية والفنية، فوزارة البلديات هي المعنية بذلك، كما أن إدارة الأوقاف قادرة على تشخيص احتياجات المناطق، إنّ الإصرار على ربط الأمور بوزارة العدل والشؤون الإسلامية أمرٌ يدفع للشك والريبة .. وانطلاقًا من هذا أصدر العلماء بيانهم الرافض لهذا القرار، وسوف يبقى موقفنا رافضًا … الأوقاف الشيعية رافضة، كل المساجد والحسينيات الشيعية رافضة، فلا تدخلوا البلد في مدخل طائفي جديد.
إننا ننصح وبكل إخلاص لهذا الوطن أن تتراجع الوزارة عن هذا القرار الخطير، أنّ ما يحدث في البلد من تجاوزات وسطو على بعض المساجد أو المقابر وتحويلها من إدارة الأوقاف الجعفرية إلى إدارة الأوقاف السنية أمر يشكّل استفزازًا كبيرًا ويشكّل مخالفة صريحة (لمسألة التولية الشرعية على شؤون الوقف ) هذه الأمور أخذت تتكرر مما يفرض علينا موقفًا شرعيًا لا يسمح لنا بالسكوت والتنازل.
أين هو شعار مواجهة الطائفية؟
أليس هذه التصرفات مما تدفع في اتجاه التصعيد الطائفي، وفي اتجاه الاحتقان الطائفي؟
سوف يقولون لنا: إنّ خطابكم هذا يمثل إثارة طائفية، عجيب كل العجب، أذبحونا طائفيا ولا تسمحوا لنا أن نصرخ، أن نستغيث، أن نرفض، أي طائفية أبشع من هذه الطائفية.
أكرر القول: إن قرار وزارة العدل والشؤون الإسلامية قرار مرفوض … لأنّه قرار غير عادل، نحن لا نريد أن نتمرد على القرارات الرسمية، إذا كانت قرارات عادلة وتصب في مصلحة هذا الشعب وبلا تمييز… إننا من أحرص الناس على تطبيق هذه القرارات العادلة، أما أن يصدر قرار ظالم يهدف إلى الهيمنة والسيطرة، وله تداعياته الطائفية والمذهبية، فهذا القرار يجب أن نرفضه، ويجب أن نتصدى له من منطلق شرعي، ومن منطلق وطني، وليس من أي منطلق آخر، نتمنى أن لا نضطر إلى خيارات أصعب ومواقف أكبر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين