مؤتمر عاشوراء الثاني- السيد الغريفي: التدقيق في مرويات عاشوراء
السنابس – عبدالله الملا
جدد نائب رئيس المجلس الإسلامي العلمائي السيدعبدالله الغريفي الدعوة إلى كتابة التراث الحسيني سواء في البحرين أو منطقة الخليج، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة التحقيق والتدقيق في مرويات ثورة الإمام الحسين (ع) غير الدقيقة. جاء ذلك في الليلة الختامية لمؤتمر عاشوراء الثاني أمس الأول في مأتم السنابس الجديد.
وقال الغريفي: «ربما صدرت بعض كتابات، وبعض قراءات، تناولت جوانب من «تراث المنبر الحسيني» في المنطقة إلا أنها لا تشكل المشروع المطلوب، حينما نتحدث عن مشروع يُعنى بدراسة «تراث المنبر الحسيني» في المنطقة، نحن لا نتحدث عن «نتاجات» متفرقة ومجزءة – على رغم أنها مساهمات مشكورة – وإنما نتحدث عن مشروع موسوعي شمولي، علمي، منهجي.
وأضاف «إن مشروعاً في هذا المستوى في حاجة إلى مشاركة جميع المعنيين وجهودهم قادرة على النهوض بمثل هذه المشروعات وإذا تيسر لبعض القدرات الفردية أن تمارس هذا العمل فسيستوعب منها الكثير من الجهد والكثير من الوقت، وسوف لن يخلو من نواقص وأخطاء وعثرات، بخلاف العمل المؤسسي بما يوفره من وقت وجهد، وبما يملكه من دقة وإتقان… إن مشروعاً على هذا المستوى – وخصوصاً إذا عمّمناه للمنطقة – يوفر فرصة لتواصل علمائي وخطبائي وأدبائي وثقافي، وكم الحاجة ملّحة لهذا التواصل العلمي والثقافي والأدبي…».
ونوه الغريفي «وإذا كانت تعقيدات السياسة وهواجسها ومخاوفها قد خلقت فواصل مصطنعة فليكن الهمّ العلمي والثقافي المشترك هو الذي يحطّم هذه الحواجز والفواصل ويبدد تلك الهواجس والمخاوف… فنحن هنا نتحدث عن شأن علمي بحت، وشأن ثقافي بحت، إلا أن الأنظمة السياسية تتوجس خيفة من أي مشروع وإن كان يحمل طابعاً علمياً بحتاً، وثقافياً بحتاً، وتاريخياً بحتاً…».
وقال: «يحضرني هنا مثال شاخص في هذا البلد حينما شُكلت لجنة تضم مجموعة كتاب وباحثين من السنة والشيعة، ومهمة هذه اللجنة كتابة «تاريخ البحرين»، واللجنة تشكلت بقرار رسمي، وتم اختيار أعضائها بقرار رسمي… وبدأ الفريق المنتخب لهذه المهمة عمله بعد أن تم الاتفاق على المعايير العلمية والمنهجية للتدوين والكتابة، استمر العمل جاداً ودؤوباً حتى أنجز المشروع وقُدّم إلى الجهات الرسمية لاعتماده، وكانت المفاجأة أن صدر أمرٌ بإيقاف المشروع وتجميده ومازال المشروع سجيناً».
التدقيق في المرويات ضرورة ملحة
وقال الغريفي: «نتمنى أن يكون المؤتمر قد استطاع أن يحرك الهواجس والمخاوف الحقيقية لما يواجهه المنبر الحسيني من أخطاء وتحديات، تحاول أن تحاصر دوره وقدرته على النهوض بالأهداف الحقيقية لعاشوراء الحسين… وعلى رغم أن أوراق المؤتمر ومداخلاته ومداولاته قد تناولت الكثير من الأخطاء التي تهدد خطاب المنبر الحسيني فإنني هنا أود أن أختم كلمتي بالإشارة إلى واحد من هذه الأخطاء إلا وهو «غياب التحقيق والتدقيق في مرويات ومنقولات السيرة العاشورائية» ما أوجد كماً كبيراً من (الدخيل والمكذوب والخرافة) في الموروث الذي يعتمده بعض خطباء المنبر الحسيني».
وأضاف «كل ذلك ساهم في إنتاج كم كبير من الروايات الموضوعة، والقصص المختلقة، والصور الموهومة، ما أوجد تشويشاً وإرباكاً وإساءة إلى عاشوراء… بل جنح البعض إلى اعتبار هذه المرويات والقصص هي التي تعطي لقضية كربلاء ديمومة واستمراراً وتجذراً في وجدان الناس… وهي التي تحرك المشاعر والعواطف والدموع…».
إننا في الوقت الذي نرفض أن يتجمّد الحديث عند «عاشوراء المأساة والحزن والدمعة» لأن في هذا تفريغاً لمراسيم عاشوراء من أهم مرافد الشحن العاطفي والوجداني مما يصادر حالات الانصهار والحرارة في التعاطي مع قضية كربلاء. وأكد الغريفي «نعم في الوقت الذي نرفض ذلك نتحفظ كل التحفظ على بعض الموروث الروائي والقصصي كما نعتبر الاقتصار على البعد العاطفي وغياب القضايا الفكرية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والجهادية والثورية هو الآخر تفريغ خطير جداً لخطاب المنبر الحسيني من أهم أهداف عاشوراء الحسين».
هواجس كثيرة تعتري المنبر الحسيني
وانطلق الغريفي في حديثه متطرقاً إلى عدة هواجس في قوله: «ليس صعباً أن يتشكل مؤتمر يحمل عنوان «المنبر الحسيني المسئوليات والتحديات»… وليس صعباً أن تنشط من خلال هذا الملتقى فعاليات جادة وهادفة… وليس صعباً أن يحتشد جمهور كبير، وليس صعباً أن تصدر قرارات وتوصيات في غاية الأهمية والخطورة».
واستدرك الغريفي «ولكن التحدي الأصعب: ماذا بعد الملتقيات والمؤتمرات؟ وماذا بعد الأوراق والكلمات؟ وماذا بعد القرارات والتوصيات؟ (…) أخشى ما نخشاه أن تتحول هذه الملتقيات إلى ترف فكري وثقافي؟ وأخشى ما نخشاه أن تتحول هذه الملتقيات إلى ملهاة خطابية… وأخشى ما نخشاه أن تتحول هذه الملتقيات إلى هوس إعلامي… وأخشى ما نخشاه أن تتحول هذه الملتقيات إلى منتديات غارقة في التنظير… وأخشى ما نخشاه أن تتحول هذه الملتقيات إلى هدر للطاقات والأموال».
وأضاف «لست متشائماً ولا مشككاً، فأنا مؤمن كل الإيمان بقيمة هذا المؤتمر وأهميته إلا أن المسئولية كل المسئولية تفرض علينا أن نحاسب وأن نقوّم كل المشروعات التي ننطلق بها، حتى نعطيها دورها الفاعل، وحركتها المنتجة، وحتى لا نزرع الإحباط في قلوب الناس وقبل كل شيء حتى لا يحاسبنا الله الخبير البصير المطلع على النوايا والسرائر «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور» (غافر: 19)… إن قيمة هذه الملتقيات بمقدار ما تملك من قرارات متحركة، وتوصيات متجسدة، وإنجازات شاخصة، وإلا كانت ملتقيات للاستهلاك الخطابي، والسجال الكلامي، وكانت ملتقيات راكدة، وكانت ملتقيات لا تحمل إلا الشعار والعنوان، فمطلوب أن يتحول الخطاب إلى حركة وأن يتحول الكلام إلى فعل وأن يتحول الشعار إلى واقع وأن يتحول العنوان إلى مصداق»، مؤكداً أن قيمة هذه الملتقيات كذلك بمقدار ما تملك من خلوص لله سبحانه لتكون محطاً لألطاف الله، وتأيداته، وتسديداته وعطاءاته ورحماته… وإلا كانت ملتقيات شهرة، ومباهاة، وأصداء، وأضواء… فكم هي خاسرة أعمالٌ وأعمالٌ تملك ضجيجاً وإعلاماً، وتهويلاً إلا أنها فارغة من الخلوص لله تعالى. من الأعمال ما تملك كل الشهرة، وكل الانتشار وكل الامتداد، وكل الثناء وكل الإطراء غير أنها عند الله لا تساوي جناح بعوضة.
الجميع شركاء في قضية عاشوراء
وعن مسئولية تنفيذ توصيات المؤتمر وأهدافه قال الغريفي: «ليس المجلس الإسلامي العلمائي وحده هو المسئول عن تفعيل القرارات والتوصيات. صحيح أنه يتحمل قسطاً كبيراً من المسئولية ولكن تشاركه في المسئولية كل المفاصل الأخرى التي تضمنها هذا المؤتمر: الخطباء، الرواديد، الشعراء، الفنانون، الإعلاميون، الكفاءات العلمية والثقافية، إدارات المؤسسات الحسينية، الجماهير الحسينية وكذلك بقية المواقع في هذا المجتمع…
وكانت أوراق العمل التي طرحت طوال المؤتمر الذي اختتمت فعالياته أمس الأول قد دعت إلى ضرورة النهوض بالخطاب الحسيني من مختلف الجوانب واعتبار المؤسسة الحسينية منبراً للدعوة إلى التقارب والتلاحم. وأوصت أوراق العمل بتطوير الطرح من مختلف الجوانب مع الحفاظ على الموروث العاطفي من دون إفراط ولا تفريط، كما وأوصت الأوراق بإنشاء مؤسسة تضم تحت مظلتها جميع الجهات المعنية بالقضية الحسينية لتكون انطلاقاً إلى حفظ أهداف الثورة الحسينية ومبادئها الإنسانية.