حديث الجمعة 135: الإمام الحسن الإمام المظلوم – مؤشرات ماذا ورائها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته … وبعد:
فهذه بعض عناوين :
• الإمام الحسن المجتبى(ع) الإمام المظلوم
رغم ـن أئمة أهل البيت عليهم جميعا عليهم السلام تعرضوا إلى ظلامات تاريخية قاسية، وإلى مواجهات صعبة، وإلى تصفيات خطيرة، إلا أن شخصية الإمام الحسن المجتبى(ع) السبط الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله، وثاني الأئمة من أهل البيت قد تعرض إلى ظلامات متنوعة:
1. ظلمه كُتّاب التاريخ:
كم لعبت أقلام المزورين بملفات التاريخ، وقد يتساءل البعض حقا حدث تلاعب وعبث في أحداث التاريخ زفي بعثرة أوراق التاريخ؟
وهل يعني أن ما بين أيدينا من مدونات لتاريخ هذه الأمة فيه خلطٌ وتشويش وتحريف؟
لماذا نستغرب من العبث في ملفات التاريخ؟
هذه ملفات الحاضر…
أقرأوا الملفات السياسية ، والملفات الأمنية
أقرأوا الملفات الثقافية، والملفات الاجتماعية
كم هو العبث والتلاعب بها، وكم هو التشويش والتزوير للحقائق.
هذا الحاضر ماثل بين أيدينا بكل تزويراته وتحريفاته، وبكل عبثه و تلاعباته، فإذا الطغاة المجرمون يتحولون إلى إبطال ورموز، أليس من العبث والتزوير أن يتحول طاغية من أسوء طغاة هذا العصر إلى (شهيد القرن)، هذا الطاغية الذي ملأ الدنيا إجراما، و هتك للحرمات، وسفكا للدماء، وإرهابا، وتدميرا، وإفسادا، هذا الطاغية حولته أقلام التزوير إلى بطل كبير وحولته إلى شهيد العصر، إننا لنأسف على هذه العقول التي ماتت في داخلها كل المعايير وكل القيم.
هل بعد هذا يصح أن نستغرب العبث بأوراق تاريخ يبتعد عنّا قرونا وقرونا.
فأحداث التاريخ الإسلامي التي كتبتها أقلام التزوير والتحريف فيها الكثير الكثير من التشويش والخلط والعبث، والغموض والإبهام.
وقد انطلقت دعوات صادقة ومخلصة تطالب فإعادة قراءة التاريخ، إلا أن هذه الدعوات وئدت في مهدها، كما هي دعوة الأستاذ سعيد عاشور – أستاذ مصري في جامعة الكويت – فقد أطلق دعوة في بداية الستينات تتبنى(إعادة كتابة التاريخ الإسلامي)، وتجاوبت مع هذه الدعوة مجموعة مؤسسات علمية وأكاديمية في عدة دول عربية وتشكلت ( لجنة من علماء وأساتذة) لبدأ عملية إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، إلا أن هذه اللجنة تفجأت بتدخل أنظمة عربية، تصدت للمشروع، وطالبت بتجميده، وهكذا تم إجهاض المشروع … وإن بقى هاجسا عند الكثير من العلماء والأساتذة والباحثين ممن يهمهم تصحيح الأوراق التاريخية، ولعل من هؤلاء الأستاذ حسين بن فرحان المالكي من المملكة العربية السعودية وقد صدر له كتاب بعنوان( نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) وهو عبارة عن قراءة نقدية لنماذج من الأعمال والدراسات الجامعية، وقد أكد المؤلف في هذا الكتاب على ضرورة محاسبة أحداث التاريخ ومما جاء فيه هذا المقطع:
(( التاريخ الإسلامي بحاجة أن نضع لدراسته منهجا يحمينا من التناقضات، وإلى منهج يعلمنا كيف نصل إلى الحقيقة، وإلى منهج يعلمنا كيف نحمي الحقيقة، إلى منهج يجبرنا على إتباع الحقيقة، وإلى منهج يعلمنا كيف نحمي التاريخ من أنفسنا وأهوائنا وأمراضنا..))
وفي مقطع آخر – في سياق مناقشة بعض قضايا التاريخ يقول:
((نحن أمام خيارات ثلاثة:
الخيار الأول: إما نجعل التاريخ الإسلامي مسجلا للحقائق نافيا للأكاذيب، ونترك اللعب على الأذقان ونثبت الروايات الصحيحة..
الخيار الثاني: أن نترك التاريخ كلية ولا نبرئ زيدا، ولا نتهم عمرا، ولا ندرسه في مدارسنا، ولا في جامعاتنا، ونرمي به في البحر أو ندسه في التراب، وليذهب إلى حيث ألقت رحله… وهذا لا يقوله عاقل، لكن هذا يضمن لنا أن لا نتهم أو نثبت خطأ أحد السابقين، كما يريد منا البعض أن نتعسف ونفعل ذلك…
وإذا لم نرض بهذا – وعدم الرضا حق – فأمامنا خيار ثالث باطل وهو أن نؤلف من (عندياتنا) تاريخا محببا إلى نفوسنا ونعجنه كما نشاء ونذكر فيه أن يزيد بن معاوية مبشرا بالجنة، وأن الحجاج صحابي جليل ، وهكذا كما لا تنسى أن نأخذ حبرا أسود ونطمس الروايات الصحيحة في الصحيحين التي تدين بعض نقاط الضعف في تاريخنا الإسلامي، وندعي أن هذا يشوه التاريخ)) – انتهى كلامه –
أيها الأحبة:
حينما نتحدث عن تزوير التاريخ لا نتحدث عن قضية وهمية مزعومة، وإنما نتحدث عن حقيقة واقعية لها أمثلها وتطبيقاتها الواضحة، ولا نريد هنا أن نخوض الكثير في هذا الموضوع، رغم أهميه وخطورته وحينما نتناول موضوع التاريخ لا يعني أننا نهرب من قضايا الحاضر، كما تحاول بعض المقولات أن تصور ذلك … هناك من يرفض الانشغال بقضايا التاريخ، بدعوى أن هذا الانشغال يجعلنا ننسجن في أحداث الماضي، وننسى أحداث الحاضر، فالساحة الحاضرة مشحونة بأحداث وقضايا وأزمات ومشكلات تحاصر إنسان هذا العصر، فهي أولى بالاهتمام والانشغال، أن نعالج الأزمات والمشكلات التي يعاني منها واقعنا وحاضرنا من الأولويات التي لا يصح أن تزاحمها اهتمامات أخرى… هذا الكلام فيه الكثير من الصحة، فلا يجوز أبدا أن نغفل عن حاضرنا بكل قضاياه، وأزماته ومشكلاته الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وإلا تركنا إنسان هذا العصر ، وإنسان هذه المرحلة يقاسي أشد الابتلاءات ، والمحن والعذابات، إلا أن الحديث عن قضايا التاريخ، وقراءة أحداث التاريخ إذا كان بطريقة الاستغراق في الماضي، والاسترخاء في أحضانه والغيبوبة بين أوراقه والهروب من إشكالات الحاضر وتحدياته وحاجاته، فذلك أمر مرفوض تماما، وذلك أسلوب متخلف في التعاطي مع التاريخ.
أما إذا كانت قراءة التاريخ قراءة واعية وبصيرة، فهي منطلق لمحاسبة قضايا الحاضر وإلا فلماذا دون القرآن تاريخ الأنبياء وتاريخ الطغاة، وتاريخ الأقوام السابقين؟
أليس من أجل أن تُقرأ لتكون عبرة لكل الأجيال.
قال تعالى:
• ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) سورة يوسف – آية 111
• ((تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا…)) سورة الأعراف – آية 101
• ((نَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)) سورة القصص – آية 4
فإذا كانت قراءة أحداث التاريخ، وقص التاريخ من أجل العبرة، والتأمل، والدرس، والاستفادة، ومن أجل محاسبة قضايا الحاضر بوعي وبصيرة، فإن هذه القراءة لا يمكن أن تفصلنا عن حاضرنا، وعن قضايانا الراهنة، وعن أوضاعنا المعاصرة، فكم في الحاضر من أحداث هي نسخ متكررة لأحداث التاريخ، وكم في الحاضر مواقف هي نسخ متكررة لمواقف التاريخ، وكم في الحاضر من طواغيت هم نسخ متكررة لطواغيت التاريخ ، وكم في الحاضر من رجالات مبدأ هم نسخ متكررة لرجالات المبدأ في التاريخ.
هكذا تتأكد القيمة لقراءة التاريخ، ودراسة قضايا التاريخ، وأحداث التاريخ…
وهكذا تتأكد الذهنية الكبيرة لمحاسبة مدونات التاريخ، وكتابات التاريخ، وقراءات التاريخ وأقلام التاريخ…
من هذا المنطلق سوف ندخل إلى موضوع الإمام الحسن وافتراءات المؤرخين)
هذا موضوع حديثنا في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
مؤشرات … ماذا وراءها؟
السّاحة المحلية شهدت في أزمنة متقاربة مجموعة حوادث، ودائما هذه الحوادث ضد مجهولين..
– تم الاعتداء على مرقد صعصع بن صوحان، وفي وضح النهار، وأصيب المكان ببعض التخريب، من المعتدي؟ مجهولون، وأغلق الملف
– تم الاعتداء على عدد من ( قطع السواد) التي وضعت بمناسبة عاشوراء، وأحرقت، من المعتدي؟ مجهولون، وأغلق الملف.
– وأخيرا تعرض أحد مأتم العاصمة إلى عدة اعتداءات ، نشرت أحد الصحف المحلية هذا الخبر(( أقدم مجهولون على حرق واجهة حسينية السيد حبيب الموسوي الواقعة غربي منطقة المنامة مساء أمس الأول… وأتت النيران على الواجهة الرئيسية واليافطات السوداء(السواد)، وتضررت نوافذ الحسينية وأنابيب الماء والكهرباء – إلى آخر الخبر – )) وهكذا سجل هذا الاعتداء ضد مجهولين، وأغلق الملف.
ومن المحتمل جدا أن تتكرر هذه الحوادث ، وهذه الاعتداءات، سوف تتكرر الإدانة لمجهولين، وسوف تغلق الملفات.
ماذا تحمل هذه الاعتداءات من مؤشرات؟
أنا لا أتصور أنه مجرد عبث عابثين، ونزق طائشين، المسألة أكبر من ذلك ولا نريد أن نستعجل التفسير، ونطلق الكلام على عواهنه، ولكن المؤشرات قد تفرض علينا فهما نخشى أن يكون له آثاره السلبية الخطيرة.
قلت: لن نستعجل التفسير، إلا أن الأجواء المعبئة بالخطابات الطائفية، مرشحة إلى هذا اللون من الممارسات والاعتداءات، وما نطالبه أن تتحرك السلطة بجدية لملاحقة هذه الاعتداءات خشية أن تستمر وتتزايد، وخشية أن تكون هناك ردود فعل تربك أمن البلد واستقراره وهذا ما نرفضه جميعا.
إننا نرفض أي شكل من أشكال العبث والفوضى ونرفض أي شكل من أشكال العنف والتطرف من أي مصدر أو جهة، ومن السلطة، أو من القوى السياسية أو من الشارع.
الاعتداء على المراقد أو مساجد أو حسينيات، أو على شعائر دينية أمر يجب أن يدان، مطلوب من نواب البرلمان، ومن القوى السياسية ومن القوى الدينية، ومن الجمعيات والمؤسسات والفعاليات أن تدين هذه الممارسات وأن تتصدى لها… مطلوب من السلطة أولا وأخيرا أن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذا اللون من الاستفزازات الخطيرة، حتى لا تنطلق شرارة الفتنة الطائفية المدمرة.
إن السكوت أمام هكذا ممارسات يهيئ الأوضاع للتوتر والتأزم والاحتقان.
قد بقال أنكم تطالبون بإدانة مجموعة قليلة من الحوادث طالت مراقد أو حسينية أو قطعة من سواد، ولا نسمع منكم أيّ إدانة لحوادث العبث والشغب والتخريب والتي باتت ظاهرة تقلق أمن البلد واستقراره؟
لقد أدنا ولا زلنا ندين أي شكل من أشكال العنف في التصدي والمواجهة.
لقد أكدنا ولا زلنا نؤكد أن هناك أزمات واحتقانات في هذا البلد يجب أن تعالج حتى لا توفّر المناخات الملائمة للانفلات والتطرف والعنف فنحن ضد أيّ عمل يخلق أجواء متوترة، أو يساهم في إثارة الرعب في نفوس الناس، ولذلك أبدينا قلقنا وانزعاجنا من بعض البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية والتي تتحدث عن اكتشاف مخطط يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار ، وعن وجود مراكز للتدريب على أعمال الإرهاب والشغب، مما يوحي للرأي العام بأن هناك مشروعا سريا خطيرا يتحرك لإرباك الأوضاع في هذا البلد.
ومما يؤسف له أن الأقلام المشحونة بهاجس الظن السيئ، تعالت صيحاتها تندّد بالمؤامرة الكبيرة التي استطاعت أجهزة الأمن أن تكتشفها…
رحمة بها البلد، وبهذا الشعب يا وزارة الداخلية ويا أقلام الصحافة، إن هذه التهويلات الموهومة وهذه الضجات المفتعلة، تعمل على خلق الرعب في نفوس المواطنين، وتعمل على تعبئة الأجواء بالتوتر، وتدفع في إتجاه الكراهية، فنتمنى وبكل إخلاص بهذا الوطن أن لا نسمع خطابات التخوين، وبيانات المؤامرات، إذا أردنا أن نعززّ روح الثقة، وروح المحبة، وروح التعاون.
ونتمنى وبكل إخلاص لهذا الشعب أن لا تعود الأجواء إلى الذكريات البغيضة أيام أمن الدولة، إننا نرفض تلك الانفلاتات التي تمارس التخريب هنا أوهناك مما يخلق إرباكا وتوترا إلا أن هذا لا يبرر أبدا أن تفبرك مسرحيات موهومة لها مردواتها الخطيرة جدا على أمن هذا البلد واستقراره… ولا يبرر أبدا أن تحاك قصص مختلفة لها فعلها المدمر، ونتائجها المرعبة، ولا يبرر أبدا هذه الاستنفارات الإعلامية والصحافية مما يوحي بأن البلد يعيش أقصى حالات الإنذار.
هذه كلمات نقولها وفاء وحبا لهذا الوطن وإيمانا بضرورة الحفاظ على أمنه واستقراره ودفاعا عن كرامة هذا الشعب وإخلاصه
وآخر دعونا أن الحم لله رب العالمين