حديث الجمعة134: الخطبة السياسية :كلمات سريعة تتناول بعض أوضاع الساحة
حديث الجمعة 134: الخطبة السياسية
كلمات سريعة تتناول بعض أوضاع الساحة:
إذا كان لابد من كلمة حول الأحداث الأخيرة فنحن نؤكد على ما يلي:
أولا: لا يوجد عاقل و مخلص لهذا الوطن يريد أن تتفجر الأوضاع في هذا البلد، وتتأزم الأمور، و تشتعل الفتن، و يرتبك الأمن و الاستقرار،و تتأجج الصراعات، هذه ثوابت و خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها أبدا، مطلوب من السلطة أن تحترم هذه الثوابت، و مطلوب من القوى السياسية (الموالية و المعارضة) أن تحترم هذه الثوابت،ومطلوب من الشارع أن يحترم هذه الثوابت.
ثانيا: إن حرية الرأي و التعبير و حرية النقد و المحاسبة لكل الأوضاع السياسية هي الأخرى من الثوابت التي لا يجوز مصادرتها أبدا.
من حقنا أن نحاسب سياسة النظام، و من حقنا أن ندافع عن قضايانا،و من حقنا أن نرفض الظلم و الاستبداد، إلا أننا لن نسمح لأنفسنا أن نعتمد أسلوب السب و الشتم أو أي أسلوب غير نظيف، هكذا علمنا إسلامنا و ديننا،و هكذا علمتنا مبادؤنا و قيمنا، وهكذا يكون الأسلوب الحضاري.
ثالثا: إننا نطالب السلطة أن لا تعتمد أسلوب القوة و العنف و أسلوب المداهمات الأمنية في مواجهة الأحداث و القضايا و الأشخاص، فإن لذلك تأثيراته الخطيرة جدا على أوضاع البلد و على أمنه و استقراره.
مسؤولية السلطة أن تحافظ على هذا الأمن و الاستقرار إلا أن الأساليب العنيفة والمواجهات الشرسة هي التي تؤزم الأوضاع، و تشنج الأجواء، و تربط الأمن والاستقرار، إذا كان من حق الأجهزة الأمنية أن تستدعي من تشاء و أن تحقق مع من تشاء، إلا انه ليس من حق هذه الأجهزة أن تعتدي على الكرامات، و أن تصادر الحريات، و أن تقسو في المواجهات،و أن تعنف في الإجراءات.
رابعا:في الوقت ذاته فإننا نطالب القوى المعارضة أن لا تعتمد أسلوب العنف خيارا في التصدي لقضايا الساحة، من حق المعارضة أن تمارس كل الوسائل السلمية في المطالبة بالحقوق و في تصحيح الأوضاع السياسية، إلا أن اللجوء إلى العنف لن يزيد الأمور إلا تعقيدا و لن يزيد الأوضاع إلا سوءا، إن الوسائل السلمية-في المعارضة- قادرة أن تمارس ضغطا على السلطة، و قادرة أن تدفع في اتجاه صحيح، و هنا يجب على السلطة أن تحترم هذه الأساليب، و أن تستجيب لهذا الضغط حتى لا تحرق كل الخيارات السلمية، الأمر الذي يفتح الطريق أمام خيارات العنف و التطرف.
إن الكثير من هذه الخيارات المتشددة تتحمل مسؤوليتها الأنظمة الحاكمة، حينما تصر على مصادرة الخيارات السلمية.. فمن العقل و الحكمة أن تتجاوب الحكومات مع الوسائل السلمية حتى لا تسمح للعنف أن يفرض وسائله و أساليبه.
خامسا: إننا نصر أن يكون للشارع حضوره السياسي، و أن يكون للجماهير دورها في الدفاع عن الحقوق،و ليس صحيحا أن يغيب هذا الحضور و أن يجمد هذا الدور، غير أننا نريد أن يكون حضور الشارع رشيدا، و أن يكون دور الجماهير واعيا، من الجور على الأهداف و المطالب أن يتسلمها شارع منفعل، أم تحتضنا جماهير لا تملك الوعي و البصيرة.
إننا نريد لشارعنا أن يكون في مستوى الأهداف الكبيرة ، و أن يكون جماهيرنا في مستوى الشعارات الراقية، لا نريد لهذا الشارع أن ينفلت، و لا نريد لهذه الجماهير أن تتخبط، و هنا يأتي دور القيادات الواعية الرشيدة في صوغ وعي الشارع، و في صوغ وعي الجماهير، و كذلك في توظيف حركة الشارع، و في توظيف حركة الجماهير.
إذا كنا نرفض أن يغيب حضور الشارع، و أن يتجمد دور الجماهير، كما تريد ذلك أنظمة الحكم و السياسة و كما تريد ذلك ثقافات التخدير و التجميد، فإننا نرفض كذلك أن يكون الحضور طائشا، وأن يكون الدور منفلتا.
إننا نهيب بكل الأحبة من أبنائنا، حينما نفرض عليهم مسؤوليتهم أن يكون لهم حضورهم في الشارع أن يكونوا على درجة كبيرة من الوعي و الانضباط و على درجة كبيرة من الابتعاد عن الفوضى و العنف و التطرف، و التخريب و التدمير.
فإن هذه يسيء إلى الأهداف الكبيرة، و يعطي مبررا للسلطة أن تمارس أقسى الأساليب و أشرس المواجهات.
سادسا: من المؤسف جدا أن نسمع هذا الخطاب الذي يحاول أن يصبغ الأحداث السياسية بصبغة مذهبية، و أن يطبع أي اختلاف في هذا السياق بطابع طائفي.
فلا تكاد تتحرك مطالب سياسية حتى يبادر أصحاب التوظيف الطائفي ليتهموا تلك المطالب بأنها تحمل نفسا مذهبيا.
لا نشك أن المرحلة مأزومة بهاجس الصراع المذهبي، و لا نشك أن الساحة مشحونة بالخطابات الطائفية، مما ينذر بأخطار مروعة، إلا أن هذا لا يبرر أبدا أن نصبغ كل حدث، و كل اختلاف، و كل مطلب، بصبغة طائفية، و بدوافع مذهبية، فحينما يتفجر وضع في الساحة قالوا إن وراءه محركات مذهبية، و حينما ينطلق اختلاف في شأن من شؤون السياسة قالوا أنه محكوم لمؤثرات مذهبية، و حينما يرتفع صوت يطالب بحق قالوا إنه مأسور لهاجس مذهبي.
لماذا هذا الإصرار على إقحام المذهبية في كل القضايا و الأحداث و الاختلافات..
إن هذا الإقحام غير المبرر هو أحد الأسباب الخطيرة التي تؤسس للصراع الطائفي المدمر..
إن الجميع يتنادون للتحذير من شبح الطائفية المرعب، و إن الجميع لا يشكون في النتائج المروعة للإحترابات الطائفية، إلا أن الكثير من الخطابات تغذي الحس الطائفي، و يأتي هذا الخطاب الإقحامي في مقدمة ما يغذي حس الطائفية، و إذا كنا جميعا جادين في مواجهة الطائفية البغيضة فيجب أن نجمد هذا النمط من الخطابات، لا نجد أي موقف من الحكومة تجاه هذا الشحن الطائفي، فهذه الصحافة بما تحتضنه من أقلام مشحونة بالكراهية الطائفية، تغذي الصراعات و الخلافات، وإن كان تحت شعار محاربة الطائفية… و حتى ضيوف المملكة و ضيوف الدولة أصبحوا هدفا مكشوفا لهذه الأقلام و لهذه الخطابات..
إنه من المفارقات العجيبة أن يستقبل عاهل البلاد ضيفا، و يحتفي به رسميا، ثم تتحرك الصحافة و حتى المحسوبة على الحكومة لتنقل بيانات و كلمات معبئة بالحقد و الكراهية و العداء لهذا الضيف، و لا نسمع أي تعليق رسمي على ذلك… فهل هذا يعني أن هناك دورا مزدوجا، نأمل أن لا يكون كذلك.
مطلوب من كل أبناء هذا الوطن الحبيب بكل انتماءاهم، و بكل مواقعهم أن يكرسوا خطاب الوحدة و التقارب، و خطاب الحب و الوءام، و خطاب الحوار و التفاهم، أن مشروعات الفتنه باتت تهدد كل واقعنا،و كل حياتنا، و كل أوضاعنا.. فإذا استسلمنا لهذه المشروعات المدمرة فسوف يكون الوطن هو الضحية، و سوف يكون أبناء الوطن جميعا هم الضحية.
فمتى ينتبه العقلاء، و الغيارى من كل المذاهب و الانتماءات ليوقفوا خطابات التشنيج و التوتير و خطابات الفتنه الطائفية..
و متى تتنبه الجهات الرسمية إلى خطوة السياسات الطائفية التي تتحرك في هذا البلد..
إذا كانت كل الأطراف تندد بالطائفية ، و إذا كانت الحكومة تحارب الطائفية كما تقول.. فمن المسؤول عن التوتر الطائفي؟
و من المسؤول عن الممارسات الطائفية؟
دعونا من تبادل الاتهامات …..
اللقاءات و الحوارات هي المنطلق لعلاج هذا الواقع المأزوم، إذا أخلصت النوايا و نشطت الهمم…
هناك أزمات معيشية، و أزمات سياسية، و أزمات اقتصادية، و أزمات أمنية في حاجة إلى معالجة، إلا أن الحديث عن هذه الأزمات، و المطالبة بحلها لا يعبر عن حس طائفي، و إنما هو الحس الوطني المطالب بالحقوق، و المدافع عن الحريات، ربما تكون هذه الطائفة أو تلك، أو هذه الجماعة أو تلك أكثر تضررا أو أكثر تأثيرا بهذه الأزمات، و مع ذلك يبقى الحديث عن الحقوق ليس طائفيا، و لا مذهبيا، ما دام لا يحارب الآخر، و لا يعادي الآخر…
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين