حديث الجمعة131:الخطبة السياسية – وقفة نقد ومحاسبة لمجريات الانتخابات
وقفة نقد ومحاسبة:
صمت ضجيج الانتخابات، وهدأ الصراخ، وسكت الحماس، وفاز من فاز، واخفق من أخفق، وهنا لابد من وقفة نقد ومحاسبة:
أولا: العملية الانتخابية في صيغتها الرسمية، وفي معاييرها تحمل الكثير من الزيغ والشطط، والجور والظلم، من الواضح أن تقسم الدوائر الانتخابية كانت تقسيما لا يحمل عدالة ولا إنصافا، لذلك كانت النسب التي أفرزتها النتائج نسبيا غير عادلة وغير منصفة.
• (86405 من الأصوات) أنتجت (18 نائبا)
• (53479 من الأصوات) أنتجت (22 نائبا)
• 9157 من الأصوات) أفرزت (نائبا واحدا)
• (423 من الأصوات) أفرزت (نائبا واحدا)
• (18 نائبا) يملكون نسبة من الأصوات تقدر بما يقارب (62%)
• (22 نائبا) يملكون نسبة من الأصوات تقدر بـ (38%)
فأي عدالة هذه التي تعبر هؤلاء أكثرية ومن يملك النسبة الأكبر من الأصوات أقلية؟
ثم إن المراكز العامة والمحكومة لأوضاع مشبوهة كان لها الدور الكبير في إنتاج موالين وفي إسقاط معارضين، ومن هنا نفهم لماذا كان الإصرار الرسمي على بقاء المراكز العامة رغم النداءات التي انطلقت بقوة مطالبة بإلغائها، فالدوائر التي قلبت المعادلة فيها أصوات المراكز العامة تعتبر نتائجها في غالية الشك والريبة، كما يجب أن لا يغفل دور العسكريين والمجنسين في توجيه معطيات النتائج الانتخابية وفق رغبة السلطة.
ثانيا: لقد شاب أجواء الانتخابات تجاذبات صعبة، وخلافات مكشوفة، وتشنجات حادة، كما حملت الدعايات الانتخابية شيئا من الممارسات تجاوزت لدى البعض ضوابط الدين ومعايير الأخلاق، وقيم الممارسة الديمقراطية، ورغم كل ذلك فنحن ندعو إلى تجاوز تلك المرحلة بكل أخطائها، لا بمعنى أن لا تحاسب الأخطاء والتجاوزات، إلا أن المحاسبة لا تعني أن تتصدع العلاقات، وتبقى الأجواء متشنجة، وقد أكدنا في أكثر من حديث على أن أخوة الإيمان والدين والعقيدة، وأخوة الأرض والوطن يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات وفوق كل الحسابات، فليس الربح أو الخسارة أن نربح مقعدا أو نخسر مقعدا إذا أسقطنا كل اعتبار لأخوة الدين والوطن، فماذا ربحنا أن خسرنا هذه الأخوة، وماذا خسرنا إذا ربحنا هذه الأخوة؟
مطلوب من كل المتنافسين في الانتخابات من كتب له الفوز ومن لم يكتب له ذلك أن يكونوا اكبر من كل الحساسيات، واكبر من كل الانفعالات واكبر من ردود الفعل، أن يحمل الجميع هم هذا الوطن، وهم هذا الشعب، وليس خدمة هذا الوطن وهذا الشعب حكرا على الموقع أو ذاك، فلتتعاون كل الجهود، ولتتآزر كل القوى، ولتلتحم كل الطاقات، ولتتوحد كل القدرات من أجل مصلحة هذا الوطن ومن أجل مصلحة هذا الشعب.
وإذا كانت هناك حسابات لأخطاء المرحلة الانتخابية فيجب أن تكون أجواء من الحب والشفافية، وليس في أجواء من العداء والانفعال، وفي أجواء من الحوار الهادف وليس في أجواء المواجهات الصاخبة، لابد أن يلتزم الجميع بأخلاقيات الاختلاف وقيم التعدد في الرؤى والمواقف والقناعات.
ومطلوب كذلك من كل الناخبين مهما اختلفت خياراتهم أن يسمحوا من حياتهم كل ما علق بها من الشوائب والمنغصات والخلافات والصراعات بفعل الهوس الانتخابي، والمزاج الانتخابي، والضجيج الانتخابي.
فحذار أن تتقطع أرحاما أمر الله أن توصل… وحذار أن تتباعد قرابات… فحذار أن تتصدع أخوات، وان تتمزق أواصر، وان تتشنج علاقات، وان تتشاحن قلوب،وان تتأزم نفوس، وان تتباغض أرواح، حذار حذار من التهاجر والتدابر والتقاطع.
أين نحن من كلمة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
“أيما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلا كانا خارجين من الإسلام، ولم يكن بينهما ولاية فأيهما سبق الكلام لأخيه كان السابق غالى الجنة يوم الحساب”.
وأين نحن من كلمه صلى الله عليه وآله:
“لا يحق لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة “
وأي نحن من كلمة الإمام الصادق عليه السلام:
“لا يزال إبليس فرحا ما اهتجر المسلمان، فإذا التقيا اصطكت ركبتاه وتخلعت أوصاله”
وأين نحن من كلمة الإمام الباقر عليه السلام:
“إن الشيطان يغري بين المؤمنين مالم يرجع احدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدد ثم قال: فزت.. فرحم الله امرءا آلف بين وليين لنا، يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا”.
أيها الأحبة اتقوا الله، ولا تتركوا للشيطان فرصة الضحك عليكم، والعبث بعلاقاتكم، وتأجيج العداوات بينكم، وإيقاظ الفتن في أوساطكم، وتذكروا دائما قول الله العظيم” إنما المؤمنين إخوة”
ثالثا: أيها الأعزاء وبعد أن هدأت الأجواء وبعد أن حسم المشاركون خياراتهم بالتصويت لهذا المترشح أو لذاك المترشح، لابد من جلسة محاسبة مع النفس ، جلسة خلوة بين يدي الله عزوجل، بعيدا عن كل الضجيج، وبعيدا عن كل الأضواء، في هذه الجلسة ، يطرح كل منا على نفسه أسئلة استنطاق، وأسئلة مراجعة وأسئلة محاسبة، فإذا كنت مقاطعا، هل كانت مقاطعتي وفق حسابات الدين والشرع؟
وأن كنت مسترخيا في المشاركة، فهل أنا واثق أني لم أفرط في مسؤوليتي؟
وان كنت مشاركا، فهل كنت مستجيبا لنداء التكليف الشرعي؟
وإذا منحت صوتي لهذا المترشح أو لذاك المترشح فهل انطلقت في ذلك من رؤية دين، وقناعة شرح، وضمير إيمان؟
أم أني حكمت حسابات المنفعة الشخصية، وحسابات القرابة، وحسابات العلاقة، وحسابات المنطقة القرية؟
هذه أسئلة وغيرها لابد من مواجهة النفسي بها، وفي جلسة محاسبة صريحة وجريئة وصادقة، وفي لقاء منفرد مع الله سبحانه المطلع على السرائر والضمائر وما تخفي الصدور.
• “واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور”
• “يعلم ما يسرون وما يعلنون انه عليم بذات الصدور”
• أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين”
• يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور”
• قل إن تخفنا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله”
• وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون”
ليس من الشجاعة أن يكابر احدنا في إصرار على خطأه، الشجاعة كل الشجاعة أن يواجه الإنسان خطأه، أن يعترف بخطاه، أن يصحح خطأه، ما دام هذا الخطأ سوف يوقفه أمام حساب عسير بين يدي رب” لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض” ولا اصغر من ذلك ، ولا اكبر إلا في كتاب مبين”
بين يدي رب حكيم” يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور”
فما أثقل الحساب في الآخرة لمن أصر على المكابرة والتمرد والعصيان، وما اخف الحساب في الآخرة لمن تاب واستغفر وناب، “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر فان للقيامة خمسين موقفا كل موقف ألف سنة وذلك في قوله تعالى” في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة”
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين