حديث الجمعة 125: مراسيم العيد بين الشكل والمضمون – وثيقة مكة للمصالحة – من أخلاقيات المعترك الانتخابي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه بعض عناوين تتناولها في هذا الحديث
• مراسيم العيد بين الشكل والمضمون
• وثيقة مكة للمصالحة
• من أخلاقيات المعترك الانتخابي
مراسيم العيد بين الشكل والمضمون:
في العيد أعمال وآداب ومستحبات حددتها الشريعة الإسلامية، نحن نمارس الكثير من هذه الأعمال، ولكن السؤال:
ما هو مستوى هذه الممارسة فهما وتطبيقا؟
مراسيم العيد ليست مفردات متناثرة، وإنما تشكل”برنامجا إسلاميا شاملا ومتكاملا” برنامجا روحيا، أخلاقيا، ثقافيا، اجتماعيا، سياسيا، وهكذا كل العبادات الإسلامية.
• الصـلاة تشكل برنامجا إسلاميا شاملا متكاملا، برنامجا روحيا أخلاقيا ثقافيا اجتماعيا سياسيا.
• الصيـام يشكل برنامجا إسلاميا شاملا متكاملا، برنامجا روحيا أخلاقيا ثقافيا اجتماعيا سياسيا.
• الحـــج يشكل برنامجا إسلاميا شاملا متكاملا، برنامجا روحيا أخلاقيا ثقافيا اجتماعيا سياسيا.
سببان يصادران المضمون الكبير لهذه الممارسات العبادية:
السبب الأول: الفهم الخاطئ
حينما لا نملك رؤية واعية قادرة أن تستوعب المضامين الكبير لهذا العبادات فإنها سوف تتحول إلى ممارسات شكلية فارغة من المضمون الحقيقي، هكذا تفقد العبادات معطياتها الكبيرة الروحية والأخلاقية والعملية والثقافية والاجتماعية والسياسية، فمن الضروري أن نتوفر على (وعي العبادة) لنعطيها مضمونها الأصيل ودلالاتها الكبيرة.
السبب الثاني: التطبيق الخاطئ
قد نتوفر على (وعي العبادة) إلا أنه قد يغيب عندنا (التطبيق الصحيح)، غياب التطبيق الصحيح كليا أو جزئيا ربما يكون نتيجته غياب الصدق والإخلاص، وربما يكون نتيجة ضعف الإرادة، وربما يكون نتيجة الخلل في الفهم التطبيقي ، فلا يمكن أن يتحول العبادة إلى قوى فعالة في حياتنا إلا أذا توفرنا على:
• وعي العبادة
• الإخلاص والصدق
• الإرادة الإيمانية
ومن خلال هذه المكونات يتشكل(التمثل العملي الواعي الصادق للعبادة) وإلا كانت ممارسات لا تحمل قيمة عنده الله تعالى:
• من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.
• كم من صائم ليس عليه من صيامه إلا الظمأ، وكم قائم ليس عليه من صيامه إلا الظمأ، وكم قائم ليس له من قيامه إلا العناء.
• من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى، (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).
• من أطاع الله فقد ذكر الله وأن قلت صلاته وصيامه وتلاوته، ومن عصى الله فقد نسي الله وأن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته.
• أن الله لا يعبا عن قصد هذا البيت ما لم يرجع بثلاث: ورع يعصمه عن محارم الله، وخلق يعيش به مع الناس، وحلم يرد به جهل الجاهلين.
من خلال هذا التمهيد نحاول أن نقرا(مراسيم العيد، أعمال العيد، آداب العيد) لنرى هل تحولت هذه المراسيم والأعمال والآداب إلى برنامج إسلامي عملي قادر أن يصوغ واقعنا روحيا ، أخلاقيا، سلوكيا، ثقافيا، اجتماعيا، سياسيا، أم أنها مجرد ممارسات شكلية لا تنتج واقعا عمليا ملتزما بأحكام الدين وقيمه وأخلاقه؟
سوف نجيب على ذلك في اللقاء القادم أن شاء الله.
وثيقة مكة للمصالحة:
لقد وقع عدد من علماء الدين السنة والشيعة العراقيين وثيقة مصالحة في مكة المكرمة وأمام الكعبة المشرفة وقد جاءت هذه الخطوة من أجل وأد الفتنة الطائفية في العراق، ومن أجل حماية الدماء والأعراض والأموال ومن أجل إيقاف مسلسل العبث والعنف والتطرف والإرهاب، إننا نبارك هذه الخطوة بقوة، ونؤكد على ضرورة الاستمرار في المساعي الحميدة لا إيقاف نزيف الدم في العراق ولإنقاذ هذا البلد المسلم من شبح الحرب الأهلية المدمرة.
إن وثيقة مكة للمصالحة حاول القائمون عليها أن يعطوها قيمتها الروحية الكبيرة من خلال المكان والزمان، فالوثيقة وقعت أمام الكعبة المشرفة وفي أيام شريفة مباركة، ستأخذ هذه الوثيقة حظها من التطبيق والتفعيل، فالقيمة ليس أن نوقع على وثائق ومعاهدات، القيمة كل القيمة أن تتحول تلك الوثائق والمعاهدات إلى (مشروعات عمل) تتحرك على الأرض ،إلى مشروعات عمل تواجهه مخططات الفتنة الطائفية، ومخططات العبث الطائفي، القيمة كل القيمة أن توضع (آليات عمل) تلزم الجميع بالتحرك الجاد لمحاصرة الفئات المجرمة التي تمارس القتل والتدمير والعبث بأمن العراق واستقراره ووحدته، فهل وضع مؤتمر مكة المصالحة في مكة آليات عملية قادرة أن تحاصر القتلة والمجرمين؟
نأمل أن لا يكون هذا المؤتمر واحد من كل مؤتمرات العرب والمسلمين الفاشلة، نأمل أن لا تبقى الوثيقة حبرا على ورق، فما أحوج شعوبنا في هذه المرحلة الصعبة إلى (مشروعات وحدة) حقيقية تواجه كل مشروعات الفتنة، وكل مشروعات التمزيق، وكل مشروعات الاختراق والاقتتال.
من الذي يحرك مشروعات الفتنة والتمزيق والاحتراب بين الشعوب؟
كل الذي لهم مصالح في أن نبقى ممزقين، أن نبقى أشتاتا، أن نبقى ضعفاء، أن نبقى مهزومين… كل هؤلاء يحركون تلك المشروعات، كل هؤلاء يتآمرون على وحدتنا، على تلاحمنا، على قوتنا، على انتصاراتنا، على عزتنا، على إسلامنا، على قيمنا.
أمريكا تمثل رأس الحربة في مشروع الحرب الثقافية والإعلامية والسياسية والأمنية ضد الإسلام وضد المسلمين وضد وحدة المسلمين.
هناك أنظمة حكم وسياسة في مجتمعات العرب والمسلمين تمارس إنتاج الفتنة الطائفية، وإنتاج العداء المذهبي، مما يؤسس إلى معارك طائفية وصراعات مذهبية تهدد وحدة الشعوب وتعبث بأمن البلدان، هناك خطابات تغذي المشاعر الطائفية بين الناس.
هناك شبكات وخلايا ومنظمة في داخل مجتمعاتنا وظفت من أجل تحريك الصراعات الطائفية، وما هذه الشبكة أو الخلية التي كشف النقاب عنها(تقرير البندر) إلا واجدة من تلك الشبكات والخلايا التي زرعت في جسم هذه الأمة من أجل تمزيقها وتفتيت وحدتها ونشر الفتنة بين أبنائها وتغذية الصراعات بين مذاهبها.
لا يهمنا التشكيك في (تقرير البندر) وفي معلوماته، وفي وثائقه ومستنداته، ليكن ما يكون هذا التقرير صادقا أو كاذبا، صحيحا أو مزورا، المهم أن المعلومات التي أثارها التقرير لها شواهدها الصارخة المتحركة على الأرض، هناك ممارسات طائفية واضحة، هناك دراسات تتحدث عن أرقام، هناك غبن صريح، هناك إقصاء، هناك مصادرة، هناك تمييز، المطلوب أن نسمع إجابات صريحة ومقنعة المطلوب أن نلمس خطوات عملية تسحب من داخلنا كل القلق، وكل الخوف، وكل الشعور بالغبن والظلم.
جميل جدا، ومهم جدا،وضروري جدا، أن يوقع علماء السنة وعلماء الشيعة عهود المصالحة والمؤاخاة والتقارب والتلاحم فما أحوجنا إلى ذلك في هذه المرحلة التي تكالبت فيها قوى الكفر وقوى الشر من أجل محاربة الإسلام ، ومصادرة مقدرات هذه الأمة، وتمزيق وحدة المسلمين، ونشر الفتنة بين المذاهب.
ما أحوجنا في هذه المرحلة إلى وثائق صلح ومحبة وأخوة بين علماء الأمة سنة وشيعة، إلا أن هذه الوثائق تبقى بلا قيمة، وبلا جدوى أذا لم تدفع إلى وضع الخطط العملية الجادة التي تحاصر كل أسباب الفتنة، وكل أسباب الصراع.
هذه الوثائق تبقى بلا قيمة، وبلا جدوى مادامت الحكومات تمارس سياسات التميز وسياسات المصادرة، ومادامت شبكات وخلايا الفتنة الطائفية تتحرك مزودة بملايين الدنانير، ومدعومة بإمكانات هائلة.
من أخلاقيات المعترك الانتخابي:
من البديهيات الانتخابية أن تتنافس قوى وكتل وشخصيات متعددة الانتماء على مقاعد البرلمان، لانتحدث هنا عن الكفاءات والقدرات والمستويات وما تفرضه من ضرورة أن تعطي الفرصة للأكفأ والأقدر والأرقى مستوى.
وضروري أن لا يدخل المعترك الانتخابي من لا يملك مؤهلات هذه المسؤولية، وضروري أن تحرق الأصوات بلا جدوى، إننا هنا نتحدث عن معترك انتخابي وعن تنافس انتخابي، هذا المعترك وهذا التنافس له اخلاقيات، هذه الأخلاقيات التي يفرضها الدين قبل كل شيء، ثم تفرضها الممارسة الديمقراطية النزيهة.
ما هي أخلاقيات الانتخابات؟
لن أتناول كل هذه الأخلاقيات، أقتصر على الإشارة إلى بعضها:
1. من أخلاقيات الانتخابات”الصدق ” هناك من “يكذب” من أجل أن يكسب “أصواتا”، وهناك من يكذب من أجل أن يسقط”مترشحا” منافسا.
قد يقال: أن السياسة كذب في كذب، فمن يدخل السياسة لابد أن”يكذب” وإلا فليعتزل السياسة، هذه مقولة باطلة وفاسدة، صحيح أن الكثيرين ممن يمارسون اللعبة السياسية يكذبون و يكذبون و يكذبون حتى إذا أدمنوا الكذب أصبحوا يعتقدون أنهم يصدقون، هؤلاء أنمسخ عندهم “مفهوم الصدق”.
مأساة السياسة أن يتصدى لها “ساسة كذابون” و”سياسيون دجالون”.
إننا من منطلق ديننا وقيمنا وأخلاقنا نرفض كل الرفض أي شكل من أشكال الكذب والزيف والدجل في الممارسة السياسية، فمطلوب من المؤمنين (المترشحين و الناخبين) أن يمارسوا الدق كل الصدق في البرنامج الانتخابي، في الدعية الانتخابية، في الخطاب الانتخابي، في التنافس الانتخابي… الكذب من الكبائر المغلظة في الشريعة الإسلامية والتي يقود صاحبها إلى النار “أنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون”.
2. من أخلاقيات الانتخابات الابتعاد عن “الغيبة والبهتان”
بعض المرشحين وبعض الناخبين يمارسون “الغيبة” ويمارسون “البهتان” ضد “مترشحين آخرين” من أجل إسقاطهم ومن أجل صرف الأصوات عنهم، هنا يجب أن نلتفت إلى مجموعة نقاط :
أ. إذا كان هذا المترشح أو ذاك يحمل أفكارا تتنافى مع الدين والقيم أو تناقض مبادئ الديمقراطية الصحيحة أو تشكل انحيازا ضد مصالح الشعب، الحديث عن هذا المترشح ونقد أفكاره ومحاسبة رؤاه لا يدخل تحت عنوان الغيبة، مادام الحديث موضوعيا ويهدف إلى حماية العملية السياسية من العبث والتلاعب والانحراف.
ب. إذا كان هذا المترشح أو ذاك يحمل صفات سلبية إلا أنها تدخل ضمن السلوك الشخصي فهنا صورتان:
• الأولى: أن يكون هذا المترشح متجاهرا بتلك الصفات ومشتهرا بها، فالحديث عنها لا يحمل عنوان الغيبة، إلا أنه يجدر بالمترشحين أو الناخبين أن يترفعوا عن الحديث المباشر عن تلك السلوكيات، نعم يمكن التأكيد على ضرورة أن يكون سلوك المترشح نظيفا وبعيدا عن كل التلوثات الأخلاقية والسلوكية. نعم إذا كان المسألة تمثل تورطا في سلوكيات تشكل خطرا على العملية السياسية وعلى مصالح الشعب فهنا يجب التعامل مع المسألة بصيغة أخرى.
• الثانية: أن لا يكون المترشح متجاهرا بتلك الصفات فالحديث عنها وكشفها يدخل في دائرة الغيبة المحرمة ما لم يكن هناك عنوان ثانوي يضعها ضمن المستثنيات.
3. من أخلاقيات الانتخابات اعتماد “اللغة النظيفة” في الخطابات والحوارات والمناظرات والابتعاد عن لغة السب والشتم والقذف والتجريح والتسقيط … لا يلجأ إلى اللغة الهابطة إلا الضعفاء المهزومون … أما من يملكون الثقة بأنفسهم وبأفكارهم ومواقفهم قهم يترفعون دائما عن هذه اللغة، ولا يعتمدون إلا اللغة النظيفة وهي اللغة القادرة على أن تقتحم عقول الآخرين وقلوب الآخرين.
4. من الأخلاقيات في هذا السياق “النزاهة في اعتماد الوسائل والأساليب”، فليس من النزاهة إشراء الضمائر والأصوات بحفنة من الأموال، أنه امتهان للعملية الانتخابية وامتهان لكرامة الناخبين، فالمترشح الذي يبذل الأموال لشراء الأصوات يرتكب سلوكا لا أخلاقيا ، ويمارس عملا شائنا، مرفوضا دينا وقانونا، والناخب الذي يبيع صوته بدراهم معدودة هو الأخر يرتكب سلوكا لا أخلاقيا، ويمارس عملا شائنا، ولا يبرر ذلك حاجته وعوزه وفقره.
أيها الأحبة من المترشحين والناخبين كونوا النماذج النظيفة فيما ما تحملون من اخلاقيات الدين وقيم الإسلام، وضوابط الشريعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين