الأقصى في خطر
لقد تدفق الآلاف من اليهود المتطرفين على مدينة القدس القديمة استعدادا لاقتحام باحة المسجد الأقصى، وفي هذا استفزاز كبير لمشاعر ملايين المسلمين في العالم، وفي هذا تحد صارخ لكل العرب والمسلمين… وفي هذا تدنيس خطير لواحد من أهم المقدسات…
لاشك أن الحقد اليهودي ضد الإسلام وضد المسلمين، وضد القيم، وضد المقدسات وضد الأعراف، وضد القوانين، وضد الإنسانية، يقف وراء الكثير من محاولات العبث والاستهتار والصلف والعنجهية التي يمارسها هؤلاء المتطرفون الحاقدون…
إن الإقدام على هذا العمل الشائن بتدنيس المسجد الأقصى من قبل اليهود العابثين المتطرفين إنذار خطير بتفجر الوضع في فلسطين وفي كل المنطقة، فلن يسكت أبناء الشعب الفلسطيني الغيارى، ولن يسكت المسلمون في أرجاء العالم إن كانت لديهم حمية وغيرة على حرمة المسجد الأقصى وحرمة المقدسات…
وإذا كان انتهاك شارون لحرمة الأقصى العام “0002” قد فجر انتفاضة الأقصى التي أرعبت اليهود ومازالت ترعبهم، فإن الاقتحام الجديد من قبل المتطرفين سيفجر انتفاضة كبرى لن تسمح لليهود أن تغمض أعينهم.
إن الدفاع عن حرمة المسجد الأقصى ليست مسئولية الفلسطينيين فقط، إنها مسئولية كل حكام المسلمين، ومسئولية كل علماء المسلمين، ومسئولية كل المثقفين والسياسيين، ومسئولية كل العرب والمسلمين، فما عسى يكون الموقف؟
كالعادة بعد كل جريمة يمارسها اليهود والصهاينة، وكالعادة بعد كل انتهاك للحرمات والمقدسات، وكالعادة بعد كل قتل وابادة وتدمير، وكالعادة بعد كل صلف وعنجهية وإرهاب. يرتفع بعض الضجيج والاستنكار، ويرتفع بعض الغضب وتتحرك خطابات وتصدر بيانات، وتنطلق مسيرات واعتصامات… ثم ماذا؟
يهدأ الضجيج، ويهدأ الاستنكار، ويهدأ الغضب، وتسكت الخطابات، وتتوارى البيانات، وتتوقف المسيرات والاعتصامات… وتبقى الجريمة، ويبقى الانتهاك، ويبقى الصلف اليهودي، ويبقى العبث الصهيوني، وتبقى كل أشكال التحدي والاستفزاز…
لا أريد أن أقلل من قيمة الخطاب، والغضب، والمسيرات، فهي ضرورة لتكون الأمة حاضرة، ولتكون الجماهير مستنفرة، ولتكون المواقف معبأة، وليكون الشحن مستمرا…
إلا أنه ماذا بعد هذا الحضور؟ وماذا بعد هذا الاستنفار؟ وماذا بعد هذه التعبئة؟ وماذا بعد هذا الشحن؟
إنا ندعو إلى عودة “شعار الجهاد” في وعي الأمة، وفي وجدان الأمة، وفي حركة الأمة…
فلن نثأر للكرامة، ولن نثأر لحرمة المقدسات، ولن نثأر للدماء إلا من خلال “مشروع الجهاد”.
ربما يعتبر دعاة التسوية، ودعاة المساومات، ودعاة المشروع الأميركي أن “لغة الجهاد” عنف وتطرف وإرهاب… إننا ضد كل أشكال العنف والتطرف والإرهاب، بكل مظاهرها المتحركة في الواقع المعاصر… إنها لا علاقة لها بالجهاد المقدس، إنها غبش في الرؤية، ولوثة في الوجدان، وجنون في الموقف… إن المتطرفين بكل انتماءاتهم يشكلون أزمة خطيرة في حركة البشرية، وفي حركة التطور والبناء والتنمية، وفي حركة الأمن والاستقرار وفي حركة الحضارة والازدهار والتقدم…
أما الجهاد في المنظور الإسلامي فهو “عنوان مقدس” له مكوناته وضوابطه وشروطه ومبرراته… وله منطلقاته وأهدافه ووسائله… وله قياداته الشرعية البصيرة، الواضحة المكشوفة، فليس من حق مجموعة مشبوهة متسترة تتخذ من هذا “الشعار” وسيلة للعبث بالأرواح والدماء ووسيلة لتدمير المؤسسات، ووسيلة لإرهاب الآمنين، ووسيلة لذبح الأطفال والنساء والشيوخ وكل الأبرياء… ووسيلة لخداع المعتوهين والمغفلين، ووسيلة لشراء أصحاب الضمائر الملوثة… ليس هذا هو الجهاد. الجهاد دفاع عن كرامة الإنسان، وحرية الإنسان، وحقوق الإنسان، والجهاد حماية للأمن والطمأنينة والاستقرار، حماية للأرواح والدماء وكل مكونات الحياة…
هناك خطاب واضح الأهداف يحاول أن يشوش الرؤية، ويخلط بين المفاهيم، فيتحول الجهاد في منظوره إلى إرهاب.
وهناك خطاب سرق هذا الشعار فتحولت عمليات الإرهاب – في ممارساته – إلى جهاد.
وهناك أنظمة حاكمة وقعت في أسر الخطاب الأول، وعانت من ممارسات الخطاب الثاني فأصبح الجهاد في نظرها ممقوتا مكروها… وكذلك القوى الثقافية والاجتماعية والسياسية…
وكذلك الشعوب العربية والإسلامية… ظلت محكومة لخطاب التشويش والتضليل ومرعوبة بخطاب التزوير والتحريف، وكان الضحية “عنوان الجهاد”.
الضرورة كل الضرورة أن يعود الاعتبار لهذا العنوان بعيدا عن حركة التضليل وبعيدا عن حركة التزوير…