صحيفة الوسط:الإساءة إلى مراجع الدين ظاهرة تنذر بالخطر
العنوان الأول: كيف نحافظ على استراتيجية الوهج الروحي بعد شهر رمضان؟
هنا نعرض عدة عوامل، العامل الأول: تجنب الأسباب التي تؤدي إلى الفتور الروحي، ومن هذه الأسباب: 1- التلوث القلبي: القلب الملوث قلب يملأه الحقد، الحسد، الضغينة، الشحناء، البغضاء، الغش، السوء، الشر. .. إلى آخر الشوائب والتلوثات.
ومتى تلوث القلب أصيب الإنسان بالجفاف الروحي، والفتور الروحي، والكسل الروحي… ومن أجل أن نحافظ على صحوتنا الروحية ووهجنا الروحي الذي توفرنا عليه في شهر رمضان المبارك، يجب أن نحافظ على نقاوة القلب وطهارة القلب، وصفاء القلب، ونظافة القلب.
2- المعاصي والذنوب:
من أهم آثار المعاصي أن يصاب الإنسان بالشلل الروحي، والكسل العبادي، والحرمان من الفيوضات الربانية.
– “كيف يجد لذة العبادة من لا يصوم عن الهوى؟”.
– “ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب”.
– “اتقوا الذنوب، فإنها ممحقة للخيرات، إن العبد ليذنب فيمنع من قيام الليل”.
– “حرام على كل قلب مغلول بالشهوة أن ينتفع بالحكمة”.
– “إن العبد ليذنب فينسى به العلم الذي كان قد تعلمه”.
أيها الأحبة في الله:
إذا أردنا أن نحافظ على بركات شهر رمضان، وعطاءاته، وروحانيته، وفيوضاته، فلنحذر المعاصي والذنوب.
3- الأكل الحرام أو المشتبه بالحرام:
جاء في الحديث عن النبي “ص”: “من أكل الحرام اسود قلبه، وضعفت نفسه، وقلت عبادته، ولم تستجب دعوته”.
فمن الآثار الخطيرة لتناول الأكل الحرام:
– اسوداد القلب وقسوته وجفافه… “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” “المطففين:14”.
– الضعف النفسي والحذر وانهزام الإرادة في مواجهة التحديات والإغراءات والمساومات.
– الكسل والخمول العبادي:
“وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى” “النساء:142”.
“وإنها كبيرة إلا على الخاشعين” “البقرة:45”.
– عدم استجابة الدعاء:
ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين “ع” الإشارة إلى بعض آثار الذنوب:
– “اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم” “بمعنى تفضح الستر”.
ومن الذنوب التي تهتك العصم كما جاء في بعض الروايات: شرب الخمر، الغيبة، السخرية والاستهزاء، لعب القمار.
– “اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم”. ومن الذنوب تنزل النقم، وتغير النعم، وبحسب ما جاء في الروايات: الزنا، القتل.
– “اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء”. ومن الذنوب التي تحبس الدعاء بحسب ما جاء في بعض الروايات: عقوق الوالدين، قطيعة الرحم، الظلم، أكل الحرام.
– “اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء” وما أكثر الذنوب التي تنزل البلاء. ومن آثار الذنوب أنها تحرق الطاعات.
– “الغيبة حرام على كل مسلم، وأنها تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”.
– “من اغتاب مؤمنا أو مؤمنة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوما وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه”.
– “كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس من قيامه إلا العناء”.
4- الإسراف في الأكل والشراب وفي الملذات المباحة:
– “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا” “الأعراف: 31”.
– “لا تميتوا قلوبكم بكثرة الطعام والشراب، فإن القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء”.
– “إياك والبطنة فإنها مقساة للقلب مكسلة عن الصلاة”.
– وجاء في بعض وصايا لقمان:
“إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وتراخت الأعضاء عن العبادة”.
العامل الثاني: التعبئة الروحية المستمرة:
من أجل أن نعطي للوهج الروحي ديمومته وبقاءه لابد من تعبئة روحية مستمرة، ومن أهم وسائل هذه التعبئة:
1- الصلاة الواجبة والمستحبة.
2- الإكثار من ذكر الله.
3- الإكثار من قراءة القرآن.
4- البكاء من خشية الله وخصوصا في جوف الليل وفي حالات السجود.
5- الإكثار من ذكر الموت.
6- قراءة كتب المواعظ والأخلاق.
7- الإطلاع على سيرة الأولياء والصالحين.
العامل الثالث: الترويض العملي الدائم للإرادة الإيمانية:
الاسترخاء يبلد الإرادة في داخلنا فنصاب بخمول وكسل وشلل في فعالياتنا ونشاطاتنا “الاسترخاء العبادي، الاسترخاء الفكري والاسترخاء العملي”.
ومن أجل أن نتخلص من حال الاسترخاء يمكن أن نمارس ما يأتي:
1- أن ندرب إرادتنا باستمرار… فالإرادة كما الملكات الأخرى، تقوى بالتدريب والممارسة وتضعف بالإهمال والتغافل.
2- ألا نستسلم لأية لحظة ضعف.
3- أن نحصن إرادتنا ضد حالات الانهزام:
– في خط الطاعة “فعل المستحبات”.
– في خط المعصية “ترك المكروهات”.
العامل الرابع:
الأجواء الإيمانية ودورها الفاعل في تنشيط الحال الروحية:
كما هي الأجواء الإيمانية لها فعلها الكبير في التنشيط الروحي، فإن الأجواء الفاسدة لها فعلها الكبير في الخمول والشلل الروحي.
العامل الخامس: المراقبة والمحاسبة:
– المراقبة رصد دائم للسلوك والحركة والفعل.
– المحاسبة وقفة نقد وتقويم ومراجعة.
ولاشك في أن اعتماد برنامج هادف للمراقبة والمحاسبة يساهم بدرجة كبيرة في صون النفس وحمايتها من كل الإنحرافات والانزلاقات، وفي تحصينها ضد أشكال الضعف والتراجع والانتكاس على كل المستويات الروحية والفكرية والعملية.
العنوان الثاني: الإساءة إلى مراجع الدين ظاهرة تنذر بالخطر:
في سياق المتابعات والقراءات للوضع العراقي أصبحنا نسمع مقولات ظالمة جائرة تتهم المرجعية الدينية في النجف الأشرف بالتفريط والتهاون والصمت بل وبالعمالة للمشروع الأميركي الجاثم على صدر العراق. هكذا وبكل وقاحة فجة، يكون التطاول على مراجع الأمة العظام، وعلى رموزها المخلصين، وعلى قادتها الدينيين.
لا نزعم العصمة لمراجع الدين… ولا نزعم لهم أنهم فوق النقد والمحاسبة.
ولكن أن يتجرأ كل من هب ودب، وأن يتجرأ كل من يحمل في داخله الكثير من العقد والحساسيات تجاه الدين وعلماء الدين، وأن يتجرأ كل مفلس من القيم الروحية، وأن يتجرأ كل قلم مأسور للأهواء والنزوات، وأن يتجرأ كل مثقف مسكون بالهوس السياسي… وأن يتجرأ كل كاتب مصاب بالغبش في الرؤية… وأن يتجرأ كل صحافي متمرغ في الوحل الإعلامي، وأن يتجرأ كل قادر على العبث بالألفاظ والكلمات.
وأن يتجرأ كل واحد من هؤلاء ليمارس دوره في التجني والتطاول والإساءة إلى مراجع الدين، فمسألة في حاجة إلى موقف وإلى تصد وإلى غضب.
إلى مراجع الدين، فمسألة في ولكن هذا لا يعني ألا نقف ضد الأسباب التي قد تبرر لهذا الانفلات، وتبرر لهذا الانفعال وتبرر لهذا الإرباك تلك الأسباب التي يصنعها موقف طائش، أو كلمة مخبولة، أو قلم مأجور، أو سياسة ظالمة.
أقول وبكل صراحة إن اللغة المتجرئة على مقامات المراجع العظام، ستحرك ردود فعل غاضبة يصعب التحكم في نتائجها، فمن أجل الحفاظ على أمن هذا البلد واستقراره ومن أجل حماية روح المحبة والاخوة بين أبنائه، ومن أجل أن نجنب وطننا العزيز كل أسباب الفتنة العمياء التي تحرق الأخضر واليابس، ومن أجل درأ أشبح الطائفية البغيضة، فلنتعاون جميعا حكومة وشعبا لإيقاف هذه الأصوات الكريهة المتجرئة على مراجع الدين ورموز الدين بما تحمله تلك الأصوات من إساءات واضحة، واتهامات ظالمة تطال علماء عظاما يدين لهم بالولاء ملايين المسلمين في كل أقطار العالم.
إننا ضد القمع الفكري، وضد تكميم الأفواه، وضد المصادرة لحرية التعبير، والمصادرة لحرية النقد الهادف النظيف، وضد التقديس الأعمى للشخصيات.
إلا أن ما تمارسه بعض الأقلام من إساءات ووقاحات وجنايات في حق مراجع الدين ليس فكرا أصيلا، وليس تعبيرا منصفا، وليس نقدا نظيفا.
أن تتهم كتابات مرجعا عظيما كالسيدالسيستاني حفظه الله، بالعمالة للمشروع الأميركي، وبالارتماء في أحضان اللعبة الأميركية جناية كبيرة، وجريمة لا يمكن السكوت عليها. بهذه السهولة، تصدر تلك الأقلام والكلمات حكمها الظالم في حق المرجعية الدينية التي تحمل من الطهر والنزاهة والإخلاص والتقوى والوعي والبصيرة، والعزيمة والإيمان ما يجعلها أكبر من كل المساومات والإغراءات وأكبر من كل التحديات، وأكبر من كل مشروعات الاستكبار.
هذه المرجعية النظيفة متورطة في منظور تلك المقولات الظالمة في العمالة والارتباط باللعبة الأميركية وبالمشروع الأميركي. ولا ندري كم يكون أصحاب تلك المقولات والكتابات متحررين من اللعبة الأميركية.
وهل اللعبة الأميركية وهل المشروع الأميركي إلا مصادرة الهوية الحقيقية لهذه الأمة، ومصادرة كل قيمها وأصالتها وانتمائها… فمن هو الأولى بالتورط في اللعبة الأميركية والمشروع الأميركي من أولئك الكتاب والمثقفين التغريبيين الذين جندوا كل فكرهم وثقافتهم وأقلامهم من أجل انتاج الواقع التغريبي في حركة الأمة، ومن أجل انتاج الثقافة التغريبية، والسياسة التغريبية، والاقتصاد التغريبي، والإعلام التغريبي، والأخلاق التغريبية.
إن كتابا ومثقفين من هذا النمط هم آخر من يحق لهم أن يتحدثوا عن العمالة للمشروع الأميركي، وهم في الصميم من هذا المشروع في مكوناته الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والإعلامية… وإذا جاز لنا أن نعتبرهم خارج المشروع السياسي الأميركي، فأين مواقفهم الجريئة في مواجهة هذا المشروع الذي يهيمن على كل مفاصل الواقع العربي والواقع الإسلامي… لماذا صمت هؤلاء “الغيارى على كرامة الأمة” ومازالوا صامتين وهم يجدون أميركا تعبث بكل مقدسات العرب والمسلمين وتجثم بقواعدها وطائراتها الحربية وبوارجها العسكرية على أراضينا وفي مياهنا… وفي كل شبر من أوطاننا… أين النخوة الوطنية التي تفور في دماء أولئك الكتاب في التصدي لعبث الأنظمة السياسية بمقدرات الأمة في الكثير من أوطان العرب والمسلمين؟
وأين هذه النخوة في رفض الهيمنة الاستكبارية التي فرضت نفسها على واقعنا السياسي والاقتصادي والإعلامي والتربوي؟
لنا عودة وموقف إذا أصر أصحاب الأقلام العابثة على الاستمرار في التطاول والإساءة وإننا نحمل كل الإكبار للأصوات الجريئة والغيورة التي تصدت إلى تلك الأقلام العابثة… وننتظر أصواتا أخرى تمارس دورها المبدئي… وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.