حديث الجمعة 56: المُتَحابُّونَ فِي اللَّهِ – التعاطي مع الشَّأن السِّياسي – حماقات الاحتلال الأمريكي
حديث الجمعة 56 | 25 صفر 1425 هـ | 15 أبريل 2004 م | المكان: مسجد الإمام الصَّادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربِّ العالمين والصّلاة والسَّلام على خير الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
المتحابون في الله:
من كلمات النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، حسب ما جاء في بعض الروايات أنّه قال:
«إنّ حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور، ووجوههم نور، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيّون والشهداء.
فقيل: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال (صلى الله عليه وآله) هم المتحابون في الله، والمتجالسون في الله، والمتزاورون في الله»، كم هي منزلة هؤلاء عظيمة عند الله تعالى في يوم الحساب، إنهّم في مواقع عالية في الجنة (حول عرش الرحمن).
كناية عن كونهم في أعلى درجات القرب من الله سبحانه، عالم الآخرة غيبٌ لا نعلم منه إلاّ ما تحدّث عنه القرآن وتحدّثت عنه الروايات الصحيحة، ورغم ذلك تبقى المساحات الكبيرة من النعيم والعذاب خارج دائرة التصور المحدود لهذا الإنسان في هذه الدنيا.
أليس الله تعالى يقول { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.
من هؤلاء؟ إنهم الذين {تتجافــى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً}إنهم عبّاد الليل المستغفرون بالأسحار.
أليس نبينا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يقول وهو يتحدث عن الجنة ونعيمها: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، نعم عطاء الله تعالى في الآخرة لعباده الأبرار الأخيار عطاء غير محدود.
نعود إلى الحديث الذي بدأنا به، أنه يتكلم عن جماعة من المؤمنين الصالحين، موقعهم في الجنة في أعلى الدرجات «حول العرش»، «على منابر من نور»، «لباسهم نور»، «وجوههم نور».
إنهم المتحابون في الله، والمتجالسون في الله، والمتزاورون في الله.
من هم المتحابون في الله؟
هم الذين ملأ قلوبهم حبُ الله، ومن خلال هذا الحب وحده التفت قلوبهم والتفت أرواحهم والتفت مشاعرهم، فما كان حب أحدهِم للآخر ينطلق من رغبات دنيا، أو مصالح هوى أو عصبية أرض أو عصبية أسرة، قد تفرض رغبة هوى في داخل أحدنا علاقة مع الآخرين، وقد تفرض مصلحةُ دنيا أحدنا علاقة مع الآخرين، وقد تفرض عصبية أسرة أو عصبية أرض علاقة مع الآخرين، وإذا فتشنا في هذه العلاقات فلن نجد لحب الله نصيباً.
الذين ينزلون منازل القرب من عرش الله على منابر النور هم الذين يؤسسون علاقاتهم على حب الله تعالى، فلا يحكمهم هوى أو مصلحة أو عصبية على حساب حب الله، هذه العناوين تسقط عندهم حينما تصطدم مع حب الله تعالى، فكم يملك أحدنا من علاقة محكومة لحب الله سبحانه؟ إذا أردتم أن تكونوا على منابر النور حول عرش الله تعالى، وممن يغبطكم الأنبياء والشهداء فكونوا المتحابين في الله تعالى.
من المؤسف أننا في عصر أصبح التحابب في الله قليل، أصبحت كلّ العلاقات أقوى من علاقة الحب في الله، أصبحت علاقة الأرض، علاقة السياسة، علاقة المصالح الذاتية، علاقة الانتماءات الدنيوية أقوى من علاقة الحب في الله.
نعود للتذكير بقيمة الحب في الله من خلال الروايات والأحاديث، إضافة إلى ما سبق من حديث هذه طائفة أخرى من الروايات:
1- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
« ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون،
فقيل من هم يا رسول الله؟
قال: هم المتحابون في الله.
2- وعنه (صلى الله عليه وآله) قال:
«إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون فـيَّ؟ اليوم أظلّهم في ظلي يوم لا ظلّ إلاّ ظله».
3- وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: «أي عرى الإيمان أوثق؟»
فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج لله والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكلّ ما قلتم فضل وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري عن أعداء الله».
4- وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين قام منادٍ فنادى يسمع الناس فيقول: أين المتحابون في الله؟ قال: فيقوم عنق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، قال: فتلقّاهم الملائكه فيقولون: إلى أين؟
فيقولون: إلى الجنة بغير حساب.
قال: فيقولون: فأي حزب أنتم من الناس؟
فيقولون: نحن المتحابون في الله.
قال: فيقولون وأي شيء كانت أعمالكم؟
قالوا: كنّا نحب في الله ونبغض في اللّه.
فيقولون: نعم أجر العاملين».
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:
إذا أردت أن تعلم أنك فيه خيراً فانظر إلى قلبك فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب.
اللهم أجعل قلوبنا عامرة يحبك، وبحب من يحبك ويطيعك، ولا تجعل في قلوبنا وِداً لأعدائك والمحاربين لك، ولكلّ العصاة المارقين عن طاعتك.
{ لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدّهم بروح منه ويُدخِلُهمُ جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزبُ الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}
أيهّا الأحبة في الله:
هكذا يؤكدّ الحديث الذي بدأنا به، وتؤكد هذه الأحاديث على أهمية الحب في الله، وعظمة المتحابين في الله.
وفي سياق هذا العنوان يطرح الحديث الذي افتتحنا به عنوانين آخرين هما:
المتجالسون في الله والمتزاورون في الله:
فمن هم المتجالسون في الله؟
ومن هم المتزاورون في الله؟
المتجالسون في الله هم الذين يكون لقاؤهم لله تعالى، وأحاديثهم لله تعالى، وحواراتهم لله تعالى.
اللقاءات الفردية، واللقاءات الجماعية، ولقاءات القوى والأحزاب والجمعيات والمؤسسات، ولقاءات الدول والأنظمة والكيانات.
هذه اللقاءات كلّها تتحرك في اتجاهين:
أ- لقاءات لله سبحانه فيها رضى.
ب- لقاءات ليس لله فيها رضى.
فأنت أيّها المؤمن مسؤول أن تكون لقاءاتك تتحرك في خط رضا الله، وحذارِ من كلّ لقاء يغضب الله تعالى.
لا تقل هذا لقاء سياسي أو لقاء ثقافي أو لقاء اجتماعي أو لقاء تجاري أو لقاء رياضي أو لقاء ترفيهي أو.. أو.. كلّ اللقاءات، كلّ المحادثات، كلّ المؤتمرات، كلّ الفعاليات، كل المنتديات يجب أن تكون خاضعة لمعايير الدين، إنّ المشروع المناهض للدين والذي تتزعمه في هذا العصر أمريكا وقوى العلمنة والتغريب هذا المشروع يصر على إقصاء الدين عن كلّ مفاصل الحياة تحت شعار الرفض لـ «تسيس الدين وتدين السياسة».
وليتهم اكتفوا بالدعوة إلى إقصاء الدين، ومحاصرة الدين، وتعطيل حركة الدين، أنهم يسعون جاهدين إلى إقتحام مواقع الدين، والهيمنة على خطاب الدين، والسيطرة على قرار الدين.
إذا كنتم لا تسمحون للدين أن يتحرك في ساحات السياسة، وفي ساحات الثقافة، وفي كل ساحات المجتمع، فاتركوا للدين خطابه، واتركوا للدين قراره، واتركوا للدين مساجده، وحسينياته، وحوزاته، وما تبقى له من مواقع ومما يؤسف له أن ينخدع البعض بمشروعات تتحرك هنا وهناك هي مشروعات تضر عاجلاً أو آجلاً بإستقلالية الخطاب الديني، كما هو مشروع الكادر الوظيفي لأئمة الجمعة والجماعة، وتجارب الدول الأخرى أكبر شاهد على ذلك، إننا ندعو الإخوة الذين تكونت عندهم القناعة بالإنتماء لهذا المشروع أن يعيدوا النظر، ويحاسبوا كلّ النتائج، ويقرأوا الأمر بكل موضوعية، ويضعوا أمامهم كل الاحتمالات، فالمسألة ليست شأناً خاصاً أنّها تمس مفصلاً خطيراً من مفاصل هذا الكيان، وتمس تاريخاً طويلاً من الاستقلال عاشته هذه المدرسة، والمسؤولية كبيرة وكبيرة، ولا يمكن لتبريرات واهمة أن تعطي الشرعية لهذا النمط من المشروعات.
أيها الأحبة:
إذا كان المتجالسون في الله على منابر من نور، فما أحوجنا في هذا الزمان الذي تأسره أو تحاول أن تأسره غوايات الشيطان وخطط الشيطان وأطماع الشيطان.
كيف نتعاطى مع الشأن السياسي؟
ما أحوجنا إلى أن نطرح شعار «المجالسة في الله » لنحدد مفاصلتنا مع كل المجالسات التي ليس لله فيها نصيب، وكم هي خطرة هذه المجالسات مسؤوليتنا أن نحاسب كلّ المجالسات وكلّ الملتقيات وكلّ المنتديات، قد يقال: هل يعني هذا أنكم ترفضون مجالسة الآخر الذي يختلف معكم في الدين وفي المبدأ وفي العقيدة وفي الهدف وفي المنهج؟
إننا لا نرفض ذلك، ولكن لا يجوز وتحت أيّ مبرر من المبررات أن نفّرط في معاييرنا الدينية، وفي أهدافنا الإسلامية، وفي قيمنا الأخلاقية، وفي ثوابتنا الشرعية.
إذا كانت هذه المجالسات واللقاءات تقود إلى ذلك التفريط، فهي مجالسات ولقاءات مرفوضة كلّ الرفض، إننا يجب أن نعيش (مبدئيتنا) بشجاعة، وليس في هذا إنغلاق وجمود وتزمت وتشدّد، إن مرونة الحوار وشفافية الحوار لا تعني التنازل عن «المبدئية» وعن «القناعات» وعن «الأهداف».
قد تفرض الظروف الموضوعية، وحسابات النتائج أن نصوغ «الموقف» بهذه الطريقة أو تلك، ولكن لا يصح أبداً التفريط في المبادئ والقيم والأهداف الأساسية، فيجب أن تبقى هذه العناوين متحركة في وعي الأمة وفي وجدان الأمة وفي طموحات الأمه وهذا لا يعني أن نتجمد ضمن خيار واحد في ممارساتنا السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية،إنّها الحركة المفتوحة لكلّ الخيارات مادامت هذه الخيارات لا تصادر (المبدئية والقيم والأهداف) ومادامت هذه الخيارات في منظور الأرباح والخسائر تمثل الموقف المنسجم مع الرؤية الشرعية التي يجب أن تحكم كلّ المواقف والخيارات وكلّ اللقاءات والمحادثات.
إن حديث (التحابب في الله) و(التجالس في الله) و(التزاور في الله) الذي بدأنا به يؤكّد على قضية هامة وخطيرة يجب أن تكون حاضرة في وعي الإنسان المسلم وفي وجدان الإنسان المسلم وفي كلّ إنطلاقاته العملية هي أن يكون «الله» وحده هو الذي يجب أن يحكم علاقاتنا مع الآخرين، مع المشروعات، مع القرارات مع المواقف مع القبول مع الرفض، مع الحركة مع الوقوف، مع المواجهة مع المصالحة، مع المباينة مع المهادنة، ويوم نكون هكذا فنحن مؤهلون أن نكون مع الأبرار على منابر من نور في ظل عرش الله يوم لاظل إلاّ ظله، ويوم لا حكم إلاّ حكمه، ويوم لا عطاء إلاْ عطاؤه، ويوم لا رحمة إلا رحمته.
لماذا منابرهم من نور ووجوههم تشرق بالنور وأجسادهم يغمرها النور؟
لأنهم عاشوا في هذه الأرض مع نور الله، فلابد أن يكون معهم نور الله حينما يفترشون القبور وأن يكون معهم نور الله حينما يبعثون، وأن يكون معهم نور الله حينما يقفون في المحشر وأن يكون معهم نور الله وهم في الجنان يتنعمون.{ ومن لم يجعل له الله نوراً فماله من نور}.
حماقات الاحتلال الأمريكي:
لازالت قوات الاحتلال في العراق تمارس أبشع الحماقات والجرائم في حق الشعب العراقي، وفي حق المدن العراقية، اعتداءات انتقامية مستمرة وعقوبات جماعية لا تستثني الأطفال والنساء والشيوخ وكل الأبرياء، وبذلك برهنت هذه القوات الغازية وبزعامة أمريكا على فشل كبير في معالجة أوضاع العراق، إن الانتهاكات والخروقات لكل القوانين والقيم والأعراف والصادرة عن قوات الاحتلال لتعبر بكل وضوح عن زيف الادعاءات الأمريكية في التأسيس لديمقراطية عصرية في العراق، أين هي الديمقراطية المزعومة وشعب العراق يتعرض لإبادة ودمار وفوضى وإرهاب وعنف وخراب على أيدي الأمريكان وعلى أيدي حلفاء الأمريكان ومن خلال مختلف الذرائع الزائفة والمبررات الكاذبة، هل حقاً أنّ أمريكاً جاءت من أجل أن تحرر العراق، ومن أجل أن تعطي لشعب العراق الحق في أن يقرر مصيره، ويقرر شكل الحكم الذي يريده، ومن أجل تصفية قوى العنف والإرهاب؟
لا نجد أي مصداقية لهذا الكلام في العراق، ومتى كانت أمريكا صادقة في نواياها تجاه العرب والمسلمين؟
والعجب ممن يصفق للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، هذا المشروع الذي يزعم أنه يدعو إلى إصلاحات وتغيرات سياسية ويطالب الأنظمة في هذه المنطقة بضرورة الإسراع في تبني الإصلاحات والتغيرات الجديدة المصنعة في الدوائر الأمريكية، والمطبوخة في المطابخ الأمريكية، التجربة في العراق البرهان الكبير على مصداقية النوايا الأمريكية، وهذا الجنون الأرعن لسياسة الاحتلال والهيمنة كفيل بأن يكشف كل الأقنعة، فما عاد أحد يصدّق دعاوى أمريكا إلا أن يكون مخبولاً أو مأجوراً، وآخر الحماقات الأمريكية في العراق وليس الأخير، هذا التحشيد الكبير حول مدينة النجف الأشرف استعدادا لاقتحام المدينة المقدسة، إن إقدام قوات الاحتلال على عمل أرعن من هذا النوع لهو تعبير صارخ عن الرغبة لدى الأمريكان في الإساءة إلى المقدّسات.
موقف المرجعية من الوضع في العراق:
لقد أصدر المراجع العظام في العراق وإيران بيانات تدين وتندد بأي محاوله للمس بقداسة النجف الأشرف مهما كانت المبررات، وإنه لجريمة كبرى أن تدنس قوات الاحتلال بأقدامها تراب المدن المقدسة في العراق، ولاشك أنّ هذه الجريمة سوف تستفز مشاعر المسلمين في كلّ مكان، وسوف تستنفر غضب الجماهير المؤمنة في كلّ مكان، إننا تضامناً مع مواقف المرجعية، وتعبيراً عن وقوفنا مع إخوتنا في العراق نعلن إدانتنا الشديدة لأي اعتداء على النجف الأشرف ولأي اعتداء على المدن المقدسة، وندعو كافة المؤسسات الدولية، وكل الأنظمة في العالم وخاصة الأنظمة العربية والإسلامية أن تضغط على أمريكا لإيقاف أي جريمة في حق النجف الأشرف وفي حق المدن المشرفة في العراق وفي حق كل أبناء العراق، إنّ قلوبنا مع إخوتنا في العراق، مع معاناتهم، مع آلامهم، مع صبرهم، مع جهادهم مع تضحياتهم، مع كل آمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم.
إذا كانت قلوبنا مع أبناء العراق، فيجب أن يكون موقفنا، دعمنا مساندتنا هو التعبير الصادق لهذا التعاطف.
لازال أخوتكم في العراق في حاجة إلى المؤازرة والمساندة، فكونوا في موقع المسؤولية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.