حديث الجمعة 34: الأَهْدَافُ الكَبيرة لِلمولد النَّبويّ وأُسْبُوع الوحدة – الأحوال الشخصية وصيحات التقنين (2)
حديث الجمعة 34 | 13 ربيع الأول 1424 ه | 15 مايو 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين،
أتناول في حديثي هذه الليلة الموضوعين التاليين:
٭ الترشيد الواعي للاحتفالات.
٭ حديث الأحوال الشخصية (الحلقة الثانية)
نبدأ بالموضوع الأول: الترشيد الواعي للإحتفالات:
أن نحتفل بذكرى المولد النبوي له أهدافه الكبيرة، وكذلك أن نحتفل بالغدير، وأن نحتفل بعاشوراء، وهكذا كلّ المناسبات الإسلامية، وقيمة هذه الإحتفالات ليس بمقدار ما تحمل من أهداف كبيرة فقط، وانــّما بمقدار ما تتحرك هذه الأهداف في حياتنا،
ولذلك فيمكن أن نصنف الاحتفالات إلى:
1- إحتفالات استهلاكية راكدة:
قد تملك هذه الاحتفالات فورانات عاطفية، وهيجانات في المشاعر، وضجيجاً وصخباً وانفعالات، ومع ذلك تبقى احتفالات راكدة، وتبقى احتفالات استهلاكية، لأنــّها عاجزة عن تحريك أهداف الذكرى في حياتنا، وأهداف الذكرى ليس العواطف والمشاعر والانفعالات الراكدة..
هذه العواطف والمشاعر والانفعالات تشكّل هدفاً له قيمة حينما تتحول إلى ممارسات عملية متحركة، فالاحتفالات التي لا تحرك الأهداف على الأرض إحتفالات فاشلة وخاملة.
2- احتفالات فاعلة:
وهي الاحتفالات القادرة على أن تحرّك أهداف الذكرى في حياتنا، وبعبارة أخرى أن تصوغ حياتنا من خلال أهداف الذكرى، وفاعلية الاحتفالات تصنعها مجموعة عناصر:
العنصر الأول: وعي الأهداف:
فكلّما كان خطاب الاحتفالات أكثر وعياً وأكثر نضجاً، وأكثر بصيرة كان أقدر على الحركة والفعل والإنتاج.
ومن المسؤول عن تشكّل هذا الوعي في خطاب الاحتفالات..؟
٭ يتحمل هذه المسؤولية:
أ- القائمون على هذه الاحتفالات.
ب- المشاركون في هذه الاحتفالات.
ج- جمهور الاحتفالات.
العنصر الثاني: الإنصهار والذوبان مع الأهداف:
أن لا تبقى الأهداف حالة فكرية تعيش في العقل فقط، وأنـّـما تتحول إلى نبضٍ في داخل القلب والوجدان، الإيمان بالأهداف وحده لا يحرك الأهداف إلا إذا تحوّل هذا الإيمان إلى حب وعشق لتلك الأهداف.
فما أكثر الذين يؤمنون بالمبادئ والقيم والأهداف الكبيرة، ولكنّ هذه المبادئ والقيم والأهداف تبقى جامدة لا تتحرك، لماذا؟ لأنّ هذا الإيمان لم يرتقِ إلى مستوى الحب والعشق والذوبان في تلك المبادئ والقيم والأهداف.
أمّا إذا أرتقى الإيمان إلى هذا المستوى فإنه يدفع بالإنسان في اتجاه المبادئ والقيم والأهداف، ويدفع بالإنسان في اتجاه الدفاع عن المبادئ والقيم والأهداف، وفي اتجاه الموت من أجل المبادئ والقيم والأهداف.
نعود إلى حديث الاحتفالات وأهدافها الكبيرة، فنحن في حاجةٍ إلى (إيمان واعٍ) بهذه الأهداف ونحن في حاجة إلى (إنصهارٍ وذوبان) مع هذه الأهداف.
ومن خلال هذين العنصرين يتشكّل البعد الفكري والبعد النفسي في التعاطي مع هذه الاحتفالات ويبقى البعد الثالث وهو الأهم: البعد العملي، ونتحدث عنه من خلال:
العنصر الثالث: أن نحرّك الأهداف في حياتنا:
وكما قلنا أن القيمة الحقيقية لهذه الاحتفالات بمقدار ما تتحرك أهدافها في حياتنا، وبمقدار ما يكون لهذه الأهداف من حضور في كلِّ واقعنا.
فإذا وجدنا للأهداف حضوراً في حياتنا الروحية والأخلاقية كان احتفالاً بالذكرى احتفالاً حقيقياً، وإلاّ فيجب أن نعيد الحساب في علاقتنا بالاحتفالات.
وإذا وجدنا للأهداف حضوراً في حياتنا الثقافية كان احتفالنا بالذكرى احتفالاً حقيقياً وإلاَّ فيجب أن نعيد الحساب في علاقتنا بالاحتفالات.
وإذا وجدنا للأهداف حضوراً في حياتنا الاجتماعية كان احتفالنا بالذكرى احتفالاً حقيقياً وإلاًّ فيجب أن نعيد الحساب في علاقتنا بالاحتفالات .
وإذا وجدنا للأهداف حضوراً في حياتنا السيّاسية كان احتفالنا بالذكرى احتفالاً حقيقياً وإلا فيجب أن نعيد الحساب في علاقتنا بالاحتفالات…
أيهّا الأحبة:
يجب أن تمارس هذه الاحتفالات دورها الفاعل في كلِّ واقعنا الروحي والأخلاقي والثقافي والاجتماعي والسيّاسي، ومن الظلم لهذه الاحتفالات أن نجمّد دورها في حركة الواقع، أعداؤنا يريدون أن تغيب مساجدنا، وأن تغيب منابرنا، وأن تغيب احتفالاتنا، وأن تغيب مؤسساتنا، وأن يغيب خطابنا، وبالتالي ليغيب كلَّ حضورنا… وماذا يعني هذا الغياب؟
يعني هذا الغياب أن يتفرد هؤلاء المناهضون للدين، وللقيم، وللأصالة، أن يتفرد هؤلاء بكلِّ واقعنا، وليكون خطابهم هو الحاضر، وثقافتهم هي الحاضرة، وأهدافهم هي الحاضرة، ومشروعاتهم هي الحاضرة.
حرامٌ وحرام جداً أن يجمّد أحدنا قدراته وطاقاته وإمكاناته الثقافية والروحية والاجتماعية والاقتصادية والسيّاسية في هذه المرحلة الصعبة التي يتعرض فيها إسلامنا وديننا وقيمنا إلى الخطر.
في هذه المرحلة الصعبة التي تحاصرنا فيها مشروعات التغريب والعلمنة، ومشروعات الفساد والعبث، ومشروعات المصادرة والإلغاء لأحكام اللّه، ومشروعات الهيمنة على ثقافتنا ومناهجنا، وكلِّ مكوّناتنا الحضارية.
أيهّا المؤمنون:
كونوا الواعين في مرحلة يراد لنا أن نكون الأغبياء، الأغبياء ثقافياً، الأغبياء اجتماعياً، الأغبياء سياسياً.
كونوا العاملين في مرحلة يراد لنا أن نكون الكسالى والعاطلين، وأن نكون الخاملين والراقدين.
كونوا الصامدين الثابتين الباذلين في مرحلة يراد لنا أن نكون المنهزمين المتراجعين المانعين.
أيهّا المؤمنون:
إننّا في حاجة أن نملك «البصيرة الإيمانية» فهي القادرة أن تخلق فينا الوعي، والحركة، والثبات، والعطاء، والتضحية، «قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا ومن اتبعني…».
وحتى نملك البصيرة يجب أ ن نتثقّف وأن نتعلّم وأن نتفّقه في دين اللّه..
جاء في الحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام):
«تفقّهوا في دين اللّه فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتبة الجليلة في الدين والدنيا، ومن لم يتفقه في دينه لم يرضى الله له عملاً»
وروي عن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من خرج يطلب باباً من علم ليرد به باطلاً إلى حق أو ظلالة إلى هدى كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاماً».
الموضوع الثاني: الأحوال الشخصية وصيحات التقنين(2):
متابعة الحديث حول قضية الأحوال الشخصية، أكّدنا قبل قليل على ضرورة أن نمتلك الوعي والبصيرة، وأكدّنا أن غياب الوعي والبصيرة ينتج الغباء الثقافي والاجتماعي والسيّاسي، وفي ظل هذا الغباء تمرر المشروعات الخطيرة، وتصادر قيم الأمة، وتسرق الحقوق، وامّا إذا كانت الجماهير واعية بصيرة، وكانت مخلصة إلى دينها وإسلامها وقيمها فسوف تتصدّى بكل إصرار إلى كل مخططات الهيمنة والمصادرة والإستلاب.
واستنفاراً لوعي الجماهير واستنهاضاً لغيرتها الإيمانية نخاطب أبناء هذا البلد المسلم رجالاً ونساءً أن يعبّروا عن رفضهم لمجموعة مشروعات بدأت تتحرك على ساحتنا المحلية، وهناك أصوات أخذت تتعالى مطالبة بإحالة هذه المشروعات إلى «مجلس النواب»، ما يهمنا من هذه المشروعات ثلاثة:
٭ مشروع قانون ا لأحوال الشخصية أو قانون الأسرة.
٭ مشروع قانون الأوقاف الموحد.
٭ مشروع تنسيب أئمة المساجد إلى الكادر الوظيفي الرسمي.
هذه مشروعات خطيرة جداً، تعرّض الكثير من الأساسيات الإسلامية والمذهبية إلى المصادرة، وتعرّض الكثير من الثوابت الشرعية والفقهية إلى التغيير والتبديل، الأمر الذي يربك أوضاع الزواج والطلاق والأنساب والوصايا والمواريث، ويربك أوضاع الوقوفات والمساجد والحسينيات وأوضاع العلماء والدعاة والمبلغين.
أترك الحديث عن المشروعين الثاني والثالث، واركّز الكلام حول المشروع الأول، إننّا نرفض بقوة أن تناط مهمة التشريع في شؤون الأحوال الشخصية أو في شؤون الأسرة إلى المؤسسة الوضعية المدنية، لم يبق لنا – أيّـها المؤمنون – إلاَّ هذه المساحة، خارجة عن تدخل المشرع المدني، المساحات الأخرى التي سقطت في هيمنة التشريعات المدنية إنحرفت في أكثر أحكامها عن الإسلام، والأمر واضح لا يحتاج إلى برهان.
من الخيانة للإسلام وللدين وللشريعة أن نصمت أمام محاولات السرقة لهذه المساحةِ الباقية من مساحات حياتنا.
الدعاة إلى مشروع التقنيين يطرحون مجموعة مبررات:
1- إنَّ التقنيين للأحوال الشخصية سيكون وفق الشريعة الإسلامية، ووفق أحكامها، فما الداعي إلى هذا القلق والفزع والخوف.
2- إنَّ هذا التقنيين حماية لأوضاع الأسرة من الفوضى في ظل غياب القانون الواضح.
3- إنَّ هذا القانون حماية لحقوق المرأة الذي وقع علهيا جور كبير في ظل الوضع الراهن.
4- تنظيم أوضاع القضاء.
5- إنَّ هذا التقنيين ليس بدعاً في مملكة البحرين، فالكثير من الدول العربية والإسلامية تملك قانوناً للأحوال الشخصية، بما في ذلك الدولة الإسلامية في إيران.
هذه المبررات لنا معها وقفات من خلال النقاط التالية:
النقطة الأولى:
إنَّ أعضاء البرلمان أساساً لا يملكون صلاحية التشريع الفقهي حتى لو جاءوا بقانون موافق للشريعة الرسلامية (مائة في المائة).
قد يقال: إنَّ أعضاء البرلمان لا يمارسون تشريعاً فقهياً، إنــّما يمارسون تطبيق أحكام الشريعة، ويقنون فقه الشريعة، هذا القول ليس صحيحاً.
٭ ماذا يعني أن يقبل أعضاء البرلمان رأياً فقهياً، وأن يرفضوا آراء أخرى؟
٭ ماذا يعني أن يرجّحوا هذا الرأي الفقهي على بقية الآراء الفقهية الأخرى؟
وعلى أيّ أساس يبتنى هذا القبول وهذا الرفض، وعلى أيّ أساس يتبنى هذا الترجيح؟
هل يملك أعضاء البرلمان «مؤهلات إجتهادية» تخوّلهم أن يمارسوا هذا العمل الفقهي؟!
أليس هذا عملاً تشريعياً، وممارسة تشريعية؟
ثمّ ما هي «القوة الشرعية» التي تعطي لرأي البرلمان في قضية فقهية أن يكون رأياً ملزماً لكلِّ الناس في زواجهم وطلاقهم وأنسابهم ومواريثهم؟
الفقيه الجامع للشروط لا يكون رأيه ملزماً لكلّ الناس، إلاّ إذا كان الأمر على مستوى «الحكم» حينما يرى الفقيه المصلحة الإسلامية في إصدار الحكم.
إذاً من الخطر جداً أن يكون البرلمان مصدراً لشرعية القوانين الدينية، ما يوافق عليه البرلمان الشرعية الديننية، وما لا يوافق عليه البرلمان لا يملك الشرعية الدينية، ولو على مستوى المحاكم والقضاء.
إنَّ شعب البحرين المسلم بكل مذاهبه لن يقبل أنّ يشرّع لقضاياه الدينية برلمان منتخب أو معين، مهما كانت نزاهة هذا البرلمان ومهما كانت كفاءة هذا البرلمان..
المسألة هنا ليست مسألة كفاءة أو مسألة نزاهة، المسألة مسألة الصلاحية الشرعية، فمبدأ السماح للبرلمان بالتشريع في قضايا الدين مبدأ خطيرٌ وخطيرٌ جداً له نتائجه المدمرة، ومن الغريب جداً أن بعض الإسلاميين في البرلمان قد غفلوا عن هذه الحقيقة، وتحمّسوا لمشروع التقنيين، ظناً منهم أن هذا يصب في مصلحة الدين الإسلامي، ومادروا أنّ هذا الأمر إقتحام غير مشروع لمنطقة التشريع الفقهي في المساحة الخاصة بالأعراض والأنساب.
وخاصة ونحن في هذا العصر الذي تعالت فيه وتيرة الأصوات المتغربة التي تطالب باستلهام النموذج الغربي في قضايا الأسرة وفي قضايا المرأة، وقد استطاعت هذه الأصوات أن تفرض نفسها في بعض الدول العربية والإسلامية وأستطاعت أن تفرض رؤاها على قوانين الأسرة والمرأة.
النقطة الثانية:
قالوا إنّ التقنيين في مسألة الأحوال الشخصية، وفي مسألة الأسرة لن يخرج عن إطار الشريعة الإسلامية وثوابتها، والسؤال الذي نطرحه هنا:
٭ ما هو الضمان لعدم الخروج عن إطار الشريعة الإسلامية وثوابتها؟
وبعبارة أخرى: ما هو الضمان أن يكون قانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة وفق أحكام الشريعة الإسلامية؟
ربّمــا يطرح هؤلاء الضمانات التالية:
1- المادة الدستورية التي تنص على أنّ «دين الدولة الإسلام».
2- المادة الدستورية التي تنص على أنَّ «الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع».
3- الأغلبية في البرلمان هم من الإسلاميين الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية.
4- موقف الشعب المسلم في البحرين والذي لن يرضى بأيّ قانون مخالف للشريعة الإسلامية.
هذه ضمانات أربعة ربّما تطرح لحماية التقنيين من أن ينحرف عن جادة الشريعة الإسلامية، إلاّ أنني سوف أناقش هذه الضمانات في حديث الجمعة القادمة – إن شاء الله – لأثبت أنها غير قادرة على حماية التقنيين من أن ينحرف عن جادة الشريعة الإسلامية…
وقبل أن أختم حديثي أعرض إلى مقولة يرددها البعض، نسمع من يقول:
لماذا هذا الحماس الكبير في هذه القضية؟
ولماذا لم تتحمسوا بهذا الحجم أو أقل حينما اخترق الدستور؟. ولماذا لم تتحمسوا بهذا الحجم أو أقل في قضايا التجنيس، والبطالة، والتمييز الطائفي وغيرها من القضايا الخطيرة..؟!
نقول لهؤلاء:
لقد وقف العلماء بقوة في قضايا هذا الوطن، وقالوا كلمتهم الصريحة…
وإذا كان مصادرة الإرادة السياسية أمراً خطيراً، وإذا كان مصادرة الهوية أمراً خطيراً، وإذا كان مصادرة لقمة العيش أمراً خطيراً، فإنّ مصادرة الهوية الدينية، ومصادرة أحكام اللّه واقتحام شريعة اللّه أخطر وأخطر وأخطر، وإنّ الذين لا يفرقون بين الخطرين إمّا مستغفلون لا يملكون وعياً وبصيرة، وأمّا أنــّهم لا يقيمون للدين وللشريعة وزناً..
أعاذنا اللّه وإياكم من هذا الزلل والزيغ، ربنــّا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنــّا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار..
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين..