صحيفة الأيام: عافور الحجاب بين الإسلاميين والعلمانيين . الحجاب بوصفه تحدياً لمقولات الحداثة الغربية
عافور الحجاب بين الإسلاميين والعلمانيين .. الحجاب بوصفه تحدياً لمقولات الحداثة الغربية
كتب – خالد رضي:
آثار قرار الرئيس الفرنسي جاك شيراك في 13 ديسمبر 2003م بحظر لبس الحجاب في المعاهد والمدارس الفرنسية ردود أفعال متباينة.
وفي الوقت الذي خيث فيه القرار الفرنسي آمال قطاعات واسعة من مسلمي فرنسا البالغ عددهم خمسة ملايين مسلم نظمت علي اثره التظاهرات والاعتصامات في داخل فرنسا وخارجها، واصدرت العديد من المرجعيات الدينية بيانات الاعتراض والدعوة الي التراجع عن هذا القرار، رأي شيخ الازهر الدكتور السيد محمد طنطاوي ان اتخاذ هذا القرار حق للفرنسيين وحدهم لا يجوز التدخل فيه والاعتراض عليه.
ومن جهة أخري تحمس كثير من المثقفين العرب العلمانيين لمواقف الرئيس الفرنسي وعدم اعتراض الازهر عليه، وفتح امامهم الباب واسعا لاعادة الولوج الي قضايا قديمة جديدة، منها الحجاب، للحديث عن مدي حجية النصوص الشرعية في الالزام به انطلاقا من مسألة الاختلاف في فهم النصوص الدينية وتفسيرها.
وفي هذا الاستطلاع نقف علي آراء اربعة من علماء الدين في البحرين تجاه ما اسماه البعض بـ عافور الحجاب .
الهوية والانتماء
السيد عبدالله الغريفي قال: ان العلمانيين في اوطان المسلمين استنفروا اقلامهم في الدفاع عن القرار الفرنسي بمنع الحجاب مستخدمين ما في قاموسهم من مفردات تسيء الي الموقف الاسلامي الذي انطلق غيرة علي القيم الدينية الاصيلة، ومتهمة لهذا الموقف بالتخلف والرجعية والتشدد والتطرف، وربما الارهاب وهكذا اصبح الحجاب او الستر الاسلامي تطرفا وارهابا. وهو ما تفهمه امريكا من التطرف والارهاب. وقد استجاب لهذا الفهم اولئك الذين يزعمون لأنفسهم انهم ضد المشروع الامريكي من مثقفين وسياسيين.
ان ارتماء هؤلاء في احضان المشروع الثقافي الامريكي المناهض للدين وقيم الدين ليس عمالة في نظر مثقفة العلمانية.
ان العلمانية في عدائها المتأصل للدين هي التعبير الاوضح لانجاح المشروع الثقافي الامريكي الذي يهدف الي تغيير هوية الامة في مكوناتها الروحية والاخلاقية والثقافية والحضارية.
فاذا لم يكن هذا التسويق والترويج للبضاعة الثقافية الامريكية أو البريطانية او الفرنسية هو العمالة، فماذا تعني العمالة؟
ان هؤلاء المثقفين المتعلمين يطرحون شعار الخطاب النهضوي في مواجهة خطابات التخلف والظلامية، ويعنون بالتحديد خطابات الدينيين والاسلاميين.
ان مفهوم الخطاب النهضوي عند هؤلاء العلمانيين هو الجرأة ضد الدين وقيم الدين، والجرأة في رفض الانتماء الي الدين.
ان تعبير الانسان المسلم عن انتمائه وهويته مسألة لا تنسجم مع روح النهضة والتطور والعصر في منظور الخطاب النهضوي لدي مثقفي التغريب والعلمنة.
ان محافظة الفتاة المسلمة علي هويتها بالتزامها بزيها الشرعي امر يهدد مبادئ العلمانية التي كانت تزعم ان موقفها من الدين ومن الظاهرة الدينية موقف حيادي وليس موقفا عدائيا، وفي المقابل فان دخول فتاة عارية وبشكل فاضح الي الحرم الجامعي مثلا يعتير شأنا شخصيا لا يجوز التدخل فيه بينما تغطية الفتاة مساحة من جسدها حماية للخلق والحشمية يعتبر انتهاكا صارخا لقدسية العلمانية ولحرم الجامعة الذي يجب ان يبقي حياديا كما يقولون.
لا يملك العلمانيون مؤهلات الفقاهة
واضاف الغريفي قائلا: بناء علي ذلك فان الحجاب اذا كان يعبر عن هوية الانتماء الديني فان التحلل يعبر عن هوية الانتماء اللاديني.
واذا كان الحجاب يشكل دعاية دينية في المؤسسة التعليمية التي لا تقدم لطلبتها إلا المعارف العلمية والقيم الانسانية والكونية التي لا تنتمي لأي دين كان ولا تعادي أي دين كان، بحسب ما جاء في بعض المقالات المستنفرة للدفاع عن الموقف العلماني، اقول إذا كان الحجاب يشكل دعاية دينية، فان التحلل في اللباس يشكل دعاية لا دينية. فاذا كان من حق دعاة (اللاديني) ان يعبروا عن انفسهم، فلماذا لا يسمح لدعاة (الديني) ان يعبروا عن انفسهم في مجتمعات تزعم لنفسها انها مجتمعات الديمقراطية والحرية ومن جهة أخري فان العلمانيين اصبحوا ينظرون لنا فقهيا فيما هو جائز وفيما هو حرام، واصبحوا يتدخلون في تفسير النصوص القرآنية والروايا والاحاديث.
فهم من حقهم ان يكوونوا منظرين في الفكر العلماني، اما ان ينصبوا انفسهم منظرين في الفكر الديني ليحددوا الرؤية الشرعية والفهم الشرعي في هذه المسألة أو تلك، فمعذرة ان طلبنا منهم ان يقفوا عن هذا الاقتحام الذي لا يملكون مؤهلاته وكفاءاته، وليكونوا مثقفين وسياسيين ما يحلو لهم، اما ان يمارسوا دور الفقاهة والاجتهاد والاستنباط فأمر غير مقبول منهم حتي لو كان علي مستوي الترجيح لهذا الرأي الفقهي أو ذاك، أو هذا الفهم أو ذاك.
الحجاب
في الاصطلاح والعرف
الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود قال: من وجهة نظري فان هذه إحدي الحملات الموجهة ضد المسلمين الملتزمين، لأن الحجاب حكم شرعي من الاحكام التي اوجبها الله عز وجل في جميع الديانات، ومنها اليهودية والنصرانية والاسلام، ولكن البعض قد أنسي شريعته. وهذه بداية حملة طويلة الامد يتم فيها الانتقاص من احكام الاسلام حكما حكما باجبار المسلمين علي التخلي عن احكام دينهم بمنعهم من الدراسة، ثم من الوظائف العامة، ثم من الاماكن العامة، وهكذا شيئا فشيئا.
وعن اصطلاح الحجاب قال المحمود: هناك اصطلاح شرعي واصطلاح عرفي لكلمة الحجاب.
والحجاب انما ورد بالنسبة لزوجات الرسول (ص) في قوله تعالي : واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب أي: ساتر ولكن العرف نقل الكلمة (الحجاب) الي معني (الخمار).
والخمار قد جاءت فيه آية صريحة في سورة النور حيث قال الله تعالي: وليضربن بخمورهن علي جيوبهن . فينبغي ان يلاحظ هذا التداخل بين المعني الشرعي والمعني العرفي.
والحجاب عندما يطلقه العامة انما يقصد به الخمار والخمار هو ما تستر به المرأة شعر رأسها. وقد امر الله عز وجل ان يكون الخمار ساترا للرقبة ايضا بحيث يكون يغطي ما يبدو من صدر المرأة ونحرها عند فتحة الجيب.
انكار الحكم الشرعي
وفي تعليقه علي موقف المثقفين العلمانيين قال المحمود: ان العلمانيين يريدون ان يخلطوا بين العلم والتكنلوجيا وبين الكفر بالاديان.
والعلمانيون يحبون ألا تري احكام الاسلام مطبقة في بلاد المسلمين أو في غيرها لما في قلوبهم من بغض للايمانيات والاسلام. ولذلك تقرأ في مقالاتهم من يهرف بما لا يعرف او يحاول ان يحرف الحقيقة عن مسارها بما يزين له هواه وعقله وما يدعوه الي ان ينكر الحكم الشرعي الثابت بنص محكم.
التدخل السياسي الثقافي
ورأي الشيخ الدكتور عبداللطيف ان هناك جانبا سياسيا في الموضوع قال فيه: هذه هي الحملة الصليبية الثالثة، ولكن هذه المرة تشترك معها الصهيونية العالمية.
فالحملة الأولي كانت مع التدخل العسكري الصليبي والحملة الثانية كانت مع التدخل الاستعماري الغربي وهذه هي الحملة الثالثة نشهدها في التدخل الثقافي والسياسي.
ومحاربة الحجاب جزء من هذه الحملة، بالاضافة إلي احتلال اراضينا، وتجريد الدول الاسلامية، من القوي الدفاعية، ونشر الاحكام الالحادية، واضعاف الاقتصاد واثارة النعرات القومية والعرقية والطائفية وتقسيم الدول علي اساسها.
واختتم المحمود مداخلته بالقول: ان الحرب بين الحق والباطل هي صراع مستمر الي يوم القيامه، ويأبي الله إلا ان يتم نوره ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون. ولن يزداد المسلمون مع هذه الحملات إلا تمسكا بدينهم وتبصرا بأحكام الاسلام ودخول غيرهم فيه.
إشكالية الحجاب كممارسة شعائرية
السيد كامل الهاشمي تحدث عن الموضوع انطلاقا من ثلاث اشكاليات.
الاشكالية الأولي حول الحجاب كممارسة شعائرية تعبدية قال فيها: ربما يعرف كل مسلم ان الحجاب ممارسة فرضت من قبل الشريعة الاسلامية انطلاقا من رغبة الشرع في الحفاظ علي عفة المرأة وصيانة ذاتها.
وهذه الممارسة مارسها المسلمون بتسليم كامل، واعتبرت احدي التشريعات التي لا يختلف عليها، إلي ان شهدنا في العصر الحديث فحسب، وفي ظل التأثر بالفكر الغربي وظهور نزعات التحرر والاباحية رغبة من البعض في التخلي عن هذه الممارسة، بل وذهاب البعض الي قطع جذورها من الشريعة الاسلامية، والقول بأن الحجاب الشرعي إنما هو ممارسة عفوية وعرفية كانت تقوم بها النساء في الجاهلية واستمرت في الاسلام في ظل وجود الرسول (ص) الذي نزلت عليه الشريعة بتفاصيل شئون الحياة.
ورغم ما يثار حول حجاب المرأة المسلمة اليوم من اشكاليات إلا ان المسألة لا ينبغي ان تطرح في اطار الاجتهاد في الفقه الاسلامي بين اصحاب الدين الواحد. وانما هي قضية تمايز بين رؤية علمانية ترفض الدين جملة وتفصيلا، وبين رؤية دينية تقوم علي اعتبار الدين مكونا من مكونات الحياة الانسانية، وشيئا مهما في تكوين شخصية الانسان ولذلك لا تقبل ان تتحول مسألة الحجاب الي قضية تتناولها المذاهب الوضعية في عالم اليوم.
ومن هنا اركز الحديث علي اعتبار ان الحجاب أولا: فريضة شرعية نختلف فيها مع الآخرين علي ضوء مرجعيتنا الاسلامية المتمثلة في تمسكنها بالقرآن وسيرة النبي (ص) الذي كان مطلعا تمام الاطلاع علي هذا التشريع المهم والداعي إليه في سيرته مع النساء في المجتمع الاسلامي.
وثانيا: حينما نريد ان نتحدث في الاطار الحقوقي الذي يعتبر اليوم الخلفية التي ينطلق منها المشرعون في تحديد حقوق الانسان فان هذه المرجعية أو الخلفية لا تترك أمامنا خيارا سوي ان الحجاب حق من الحقوق الشخصية التي من حق المرأة المسلمة ان ترتديه وتمارسه.
رهان الحداثة
الأوروبية الغربية
الاشكالية الثانية التي تحدث عنها الهاشمي هي اشكالية الحداثة في مواجهة العلمانية والديمقراطية قال فيها: ثمة مقولتان اساسيتان قامت عليها الحداثة الاوروبية الغربية منذ عصر النهضة قبل ما يقارب خمسة قرون من الزمان وهما الديمقراطية والعلمانية.
وهاتان المقولتان باعتقادي بدأتا تواجهان تحديا حقيقيا وفي الصميم تهز من قيمتهما ومن مصداقيتهما في تجربة الحداثة الاوروبية، بل وحتي في تجربة ما بعد الحداثة.
واهتزاز المصداقية يأتي من مثل هذه الممارسات التي تؤسس إليها اليوم فرنسا مهد الحداثة الاوروبية في مواجهتها لحق مسلم للانسان في التعبير بما يشاء ولبس ما يشاء مما تقتضيه شعائره الدينية، وعقائده المذهبية كحرية شخصية وهذا ما لا ينسجم ابدا مع مقولة العلمانية التي تعني ان الشأن الديني هو قضية شخصية من حق الانسان أن يتعبد بها بالاسلوب الذي يرتضيه، وهي تختلف ايضا مع مقولة الديمقراطية التي ما جاءت إلا لتكرس حق الانسان في الحرية وفي العمل وفق قناعاته الشخصية. وبالفعل فان هذا التحدي الكبير الذي تواجهه الحداثة الاوروبية يختبرها كنظام، يتساءل الكثيرون اليوم عن قابليته للاستمرار وقدرته في ادارة الاجتماع البشري.
العلمانية والنزعة الشمولية
الاشكالية الثالثة التي تحدث عنها الهاشمي هي اشكالية تحول العلمانية إلي النزعة الشمولية في الشأن السياسي. قال الهاشمي فيها: تتخذ قضية الحجاب اليوم طابعا سياسيا في مسألة المواجهة مع المسلمين في الغرب. وهذا الطابع يحول الانظمة الديمقراطية الغربية العلمانية الي ان تكون اشبه بالانظمة الشمولية التي طالما نابذها وعاداها الغرب الرأسمالي.
وفي الوقت الذي كان الغرب يعيب علي التجربة الشيوعية في الشرق، وكذا التجارب الدينية انها انظمة شمولية تصادر حق الانسان في المعرفة والثروة والعمل بحرية وبلا قيود فان هذه الانظمة الغربية اليوم تستعيد نفس هذه الاشكالية في موقفها من مظاهر الصحوة الاسلامية التي بدأت تنفذ وتتغلغل حتي في المجتمعات الغربية نفسها.
وكان يفترض بهذه الانظمة ان تبقي وفية لمبادئها وشعاراتها التي رفعتها فيما سبق من مراحل وإلا تتخلي عنها لأن هناك ما لا ترغب في رؤيته اليوم من عودة جدية الي مبادئ الدين ومتطلبات التدين.
فما دام للانسان الحق في ان يتدين وان يتبعد وان يعتنق اي مذهب ورؤية فان الاسلام هو ايضا رؤية دينية من حق المسلم ان يتعبد بها، وان يلتزم بما تتطلبه منه من شعائر وممارسات من دون ان يكون لأية سلطة سياسية علمانية أو غيرها الحق في مصادرة هذه الحرية الدينية وإلا فان العلمانية الحديثة المعاصرة لن تعدو ان تكون صورة أخري من الانظمة الشمولية القمعية التي عرفناها في مراحل سابقة ومازلنا نتعرف علي بعضها اليوم.
وعن موقف شيخ الازهر وموقف العلمانيين العرب في موضوع الحجاب قال الهاشمي:
اعتقد ان الازهر الشريف بموقف شيخه قد فقد كل قيمة له بأن يكون مصدرا للرأي الشرعي بعد ان تحول شيخ الازهر لمجرد موظف في الاطار الرسمي لا يمكن ان يخرج عن اطاره، او ان ينبس ببنت شفة خارج ما يريده النظام الرسمي الذي يحدد ما ينبغي ان يقال وما لا ينبغي ان يقال.
اما مثقفو العرب الذين طبلوا وزمروا للقرار الفرنسي فيؤسفنا ان نقول ان المثقفين العرب بات الكثير منهم لا يمثل اسوارا تحفظ كيان الامة وهويتها وتميزها، بل غدوا عناصر تستفيد منها كل الرؤي والتيارات الوافدة من هنا وهناك.
ضرورة فرض الحجاب
الشيخ عادل المعاودة رأي فيما اثير حول موضوع الحجاب انتكاسة أخري في العالم الاسلامي عزا اسبابها إلي تسلط الظالمين – كما يقول – علي رقاب المسلمين وانشغال المسلمين بدنياهم عن دينهم. واضاف: لقد وصل الحال الي ان يحكم بعض بلاد المسلمين مجانين افضل مكان لهم المصحات النفسية بعد ان باعوا الاوطان وخيروات الامة بأبخس الاثمان.
ومما يزيد الطين بلة ان يصل الانكسار والمجاملة الي بعض اهل العلم الرسميين، ونشكر علماء الازهر الذين وقفوا في وجه شيخ الازهر عندما أيد الموقف الفرنسي في حظر لبس الحجاب علي المسلمات الفرنسيات في المعاهد والمدارس الفرنسية.
وفي رده علي المثقفين العرب الذين ايدوا موقف شيخ الازهر قال المعاودة: ان اتباع العلمنة علت اصواتهم يوم اردنا ان يسن قانون للنساء الطاهرات بالسياقة بالنقاب بينما اعتبروا ان من حق فرنسا ان تسن القوانين التي تناسبها. وهذا يعطينا الحق الآن لأن نفرض الحجاب في بلادنا ونريد ان نسمع تعليقهم علي ذلك. فاذا كانت فرنسا تفرض خلع الحجاب فعلينا فرض لبس الحجاب.
ان هذا يظهر حقيقة العلمانية الكاذية والمتشدقين بالعلمانية.
واننا نري الحرية الحقيقية هي في الالتزام بالحدود التي شرعها الله لعباده، وليس لأحد الحق في التقدم علي حكم الله ورسوله (ص)، ومخالفتها مروق وخروج عن الحق.
واما كذبة الحرية والديمقراطية فهي واضحة في تسلط امريكا علي الناس واطلاق يد الكلب الصهيوني علي النعاج العربية.
تجاوزت الآراء الفقهية لعلماء المسلمين ومفكري الأمة موقف شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي، من سعي الرئيس الفرنسي جاك شيراك لسن قانون يمنع المسلمات في فرنسا من ارتداء الحجاب، حيث قال طنطاوي أنه شأن داخلي ولا يحق لأي فرد أن يتدخل فيه، وأنه لن يعارض قيام فرنسا بإصدار قانون يمنع المسلمات من ارتداء الحجاب.
فقد قال فضيلة الشيخ أحمد محمود المحمود: ما كنا نتوقع أن يتورط شيخ الأزهر في مثل هذه الفتوي والاجازة لهذه الدولة (فرنسا) بمنع الحجاب، لأن ذلك يعتبر تبريرا لباقي الدول غير المسلمة بأن تقوم بالتعرض لتشريعات ديننا ومحاربتها.
وفيما يتعلق بالقرار الفرنسي قال الشيخ المحمود: أن هذا القرار معارض للدستور الفرنسي الذي يعطي الحرية لكل فرد أن يلبس ما يشاء أو يستغني عما يشاء، لأن هذا أمر خاص بالحرية الشخصية وبالتالي فإن مثل هذا القرار يعتبر مخالفاً للدستور والمبادئ العلمانية الفرنسية.
وأضاف الدكتور المحمود: أنه وبما أننا لا نعترض علي السفور والعري في بلادهم فيجب عليهم أن لا يعترضوا علي بناتنا حينما يلبسن الحجاب، مضيفا أن هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة لأن الله تعالي أمر بلبسه.
أما فضيلة الشيخ الدكتور ناجي راشد العربي استاذ الدراسات الاسلامية بجامعة البحرين فقد أكد رفض المسلمين للقرار الفرنسي ، معتبرا اياه حكماً باطلاً لا يجوز في شريعة الاسلام حتي أن يصوت عليه بالقبول أو الرفض، وذلك لأن الشوري أو في المعني الأعم ما يسمي اليوم بالديمقراطية لا يصح التصويت علي حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة أو صح النص فيه علي أن يلتزم به أو لا يلتزم به، مؤكدا أنه لا يصح أن تأتي الشوري بحكم معارض لكتاب الله وسنة نبيه (ص) أو اجماع المسلمين، مشيرا الي أن القرار الفرنسي يصطدم مع الكتاب والسنة والاجماع.
وأضاف الدكتور ناجي العربي أنه اذا نظرنا الي القرار بعيون الفرنسيين وقوانينهم التي من أهمها كما يزعمون الحرية، فذلك يعني أنه يجوز للبنت أن تلبس ما تشاء لاسيما والصورة ظاهرة في المجتمع الفرنسي بهذه الحرية، مشيرا الي أن هناك طائفة كبيرة جدا من النساء تتبرج كما تشاء وتظهر بالزي الذي يعجبها، حتي لو كان ذلك منافيا للأخلاق والذوق، مؤكدا أن مقتضي الحرية أن تلبس المسلمة ما تشاء.
أما بخصوص موقف شيخ الأزهر فقد أكد الدكتور العربي أنه موقف يعبر عن قناعة صاحبه، مؤكدا أن هذا الموقف يتعارض مع النصوص الشرعية، وأن أي فتوي تتعارض مع نص شرعي مقطوع الدلالة فهي فتوي باطلة وغير صحيحة ولا يعتد بها بغض النظر عن صاحبها مع احترامنا وتقديرنا له.
من جانبه تطرق الشيخ حبيب الجمري الي تفنيد فكرة أن الحجاب عرف اجتماعي ليس عليه نص لا في الكتاب ولا في السنة المطهرة، مشيرا الي أن الحجاب ليس عرفاً اجتماعياً كما يزعم البعض وان تلون أحيانا بعادات وتقاليد اجتماعية تتساهل أو تتشدد فيه، لكنه بالقطع تشريع اسلامي نص عليه القرآن الكريم حين قالت الآية (59) في سورة الأحزاب: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما .
وأكد الشيخ الجمري أن هذا أمر صريح من الله سبحانه وتعالي الي نبيه محمد (ص) أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالستر والحجاب الكامل. والادناء الذي تحدثت عنه الآية هو التقريب ، والجلابيب جمع جلباب وهو الخمار أو القناع الذي يغطي رأس المرأة. مما يعني أنه أمر واضح وصريح بأن علي المرأة أن تتستر الستر الكامل لصيانة محاسنها عن الأجانب، خاصة أن في الآية دلالة واضحة علي وجوب الحجاب لأنه يمنح الفتاة السمعة الطيبة والعفاف ويحفظها عن الفساد والفاسدين.
وحول ما اذا كان الحجاب يجمد طاقات المرأة وقواها الفاعلة، قال الشيخ حبيب الجمري: ان الحجاب الذي يؤدي الي تجميد طاقات المرأة وقواها الفاعلة هو الذي يأخذ صورة سجن المرأة ومنعها من ممارسة فعاليتها الاجتماعية والثقافية وحتي السياسية، ومثل هذا الشيء لا وجود له في الاسلام، ذلك أن الاسلام لا يمنع المرأة من الخروج من البيت أو يمنعها من التعلم والانخراط في ميادين الحياة، بل ان طلب العلم فريضة واجبة علي المرأة، كما أننا لا نعتقد أن ستر بدن الفتاة باستثناء الوجه والكفين يعطلها عن أداء دورها في الحياة، بل الذي يشل قوي المجتمع هو تلويث المحيط الاجتماعي بالسلوك الشهواني وتلاوين اللذة.
وبخصوص موقف الشيخ طنطاوي من القرار الفرنسي، قال ان مسألة الحجاب ليس اجتهادا من أحد الفقهاء، وانما هو أمر ثابت ثبوتا قطعيا من المولي عز وجل ويجب الالتزام بما أمرت به الشريعة بغض النظر عن فتاوي الرأي.