كيف يجب أن نتعاطى مع ذكرى عاشوراء ؟ (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
الحديث معكم – أيها الأحبة – في هذا اللقاء بعنوان:
كيف يجب أن نتعاطى مع ذكرى عاشوراء ؟
والسؤال بعبارة أخرى: كيف يجب أن نمارس أساليب الإحياء في ذكرى عاشوراء ؟
من خلال هذا الحديث نحاول أن نتعرف على الصيغة الأصيلة للتعاطي مع ذكرى عاشوراء أو الصيغة الأصيلة لأشكال الممارسة في إحياء ذكرى عاشوراء.
لماذا نحن في حاجة للتعرف على هذه الصيغة الأصلية ؟
إنَّ غياب الصيغة الأصيلة في إحياء المراسيم العاشورية يعني وجود البدائل الفاقدة للأصالة،ومن هذه البدائل:
الممارسات المنحرفة عن أهداف الذكرى.
الممارسات الخاطئة.
الممارسات المتخلفة.
وكلّما تكرّست هذه البدائل الفاقدة للأصالة في واقعنا أنتجت أجيالاً فاقدة للأصالة، وأنتم تعلمون كم لعاشوراء من دور كبير وكبير في صياغة أجيال الأمة، فبمقدار ما يكون التعاطي مع ذكرى عاشوراء واعياً وناضجاً وأصيلاً، تكون الصياغة لأجيال الأمة واعية وناضجة وأصيلة.
فمن الجناية على قضية عاشوراء، ومن الجناية على أجيال هذه الأمة أن تبقى مسألة التعاطي مع الذكرى وأن تبقى أساليب الإحياء لعاشوراء مأسورة لأنماط من الصيغ والممارسات التي لا تعبّر عن الوعي والأصالة، ممّا يجمّد دور القضية الحسينية في حركة الواقع الروحي والثقافي والاجتماعي والسياسي لهذه الأمة.
وهنا تتجسّد مسؤولية كل القّيمين على حماية وعي الأجيال، وعلى حماية وعي المسيرة من علماء وخطباء ومثقفين أن يمارسوا دورهم الفاعل في التصحيح والتغيير وفي التصدي لكل أشكال التعبير المنحرفة والخاطئة والمتخلفة والتي تعطي لموسم عاشوراء صورة مشوهة وصورة متخلفة.
مسؤولية هؤلاء القيّمين من علماء وخطباء ومثقفين هو الحفاظ على الوجه المشرق لعاشوراء الحسين (عليه السلام)، والحفاظ على الأهداف الكبيرة لهذه الذكرى.
وإنّ غياب هذا الدور الفاعل لصّناع الوعي في حركة الأجيال، وصّناع الأصالة في مسيرة الأمة، يفسح المجال لصّناع التخلف، وصناع الجهل أن يصوغوا حركة الأجيال، وأن يوجهوا مسيرة الأمة بعيداً عن خط الوعي وبعيداً عن خط الأصالة، الأمر الذي يؤدي إلى مصادرة أهداف الثورة الحسينية وتجميد معطياتها في كل حركة الواقع بكل إمتدادته الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
إنّ عاشوراء الحسين (عليه السلام) تملك من الإمكانات الهائلة ما يمّون حركة الواقع بكل حاجاته وطموحاته ومتغيراته، الإّ أنّ طريقة التعاطي مع ذكرى كربلاء، ونمط التعامل مع عاشوراء الحسين (عليه السلام) هو الذي يوظف أو يعطّل، يحرك أو يجمّد هذه الإمكانات.
من هنا أكدنا على ضرورة التعرف على الصيغة الأصيلة للتعاطي والتعامل مع ذكرى عاشوراء، وضرورة تفعيل هذه الصيغة في حركة الواقع.
من هنا أكدنا على أهمية أن يتصدى العلماء والخطباء وكل القدرات الثقافية والاجتماعية إلى ترشيد أساليب التعبير العاشورية، وأشكال الممارسة في إحياء الذكرى.
قد يقال: إن حماس الجماهير في ذكرى عاشوراء، وإن فوران العواطف وهيجان المشاعر، وغليان الانفعال مع المأساة لا يسمح أن تتحرك أصوات التصحيح والترشيد، بل إن ردات الفعل الغاضبة سوف تكرس الأساليب الخاطئة، فمن الخير أن نصمت، ونترك للزمن دوره في ترشيد وتطوير أساليب التعاطي مع ذكرى عاشوراء.
لذلك كثيراً ما نسمع من بعض العلماء والخطباء والمثقفين هذه المقولات: ( قضايا عاشوراء لا يمكن أن نتدخل فيها، إننا نخشى غضب الجماهير، ليس صحيحاً أن نواجه فوران العواطف، إن أسلوب الصدمة لا يصحح الأوضاع الخاطئة، إن كل أشكال التعبير في ذكرى الحسين هي من الشعائر فلا يجوز إلغاءها أو مواجهتها، إلى غيرها من المقولات ).
إننا هنا لا نريد أن ندخل في مناقشة هذه المقولات.
ما نريد أن نؤكده أنّ الصمت قد أدّى إلى تراكم بعض الظواهر في مراسم العزاء الحسيني، وتحولت كل ألوان التعبير عن المشاعر وإن كانت خاطئة إلى (( شعائر )) تحمل القداسة وهكذا ترتبك المعايير، وتفقد الأصالة مضمونها الكبير.
إنّ ألوان التعبير عن مشاعر المأساة في ذكرى عاشوراء يمكن أن تصنف إلى طائفتين:
الطائفة الأولى:
: ألوان من التعبير تنطلق من البعد الإنساني، وهي مدعومة بنصوص دينية، وشواهد تاريخية كالبكاء على الحسين، هذا اللون من التعبير لا يخضع لمؤثرات الزمان والمكان، فالبكاء الحسيني لن يتجمد ولن يتغير فهو يتمون من روافد دينية وإنسانية وتاريخية موصولة بأفعال المعصومين، إضافة إلى الخصوصية المتميزة لمأساة كربلاء.
الطائفة الثانية:
: ألوان من التعبير تفرضها طبيعة الظروف الزمانية والمكانية، وهذه الألوان خاضعة للمؤثرات والمتغيرات فلا تملك صفة الديمومة والبقاء في شكلها وفي صيغتها، لنأخذ ( الموكب الحسيني ) مثالاً، هذه الظاهرة الحسينية تشكّلت في الواقع الشيعي في بعض مراحل التاريخ، للتعبير عن حالة من حالات التعاطي مع ذكرى عاشوراء، وقد استطاعت هذه الظاهرة الحسينية أن تستوعب حماس الجماهير الشيعية وأن تحافظ على حرارة الوهج العاطفي العاشوري.
والسؤال الذي نطرحه هنا:
هل أن الموكب الحسيني، منذ أن تشكّل كظاهرة في مراسم العزاء وحتى الوقت الراهن قد اعتمد صيغة واحدة وشكلاً واحداً ؟
وهل أن هذا اللون من التعبير يمارس بطريقة واحدة في كل مجتمعات الشيعة ؟
من الواضح جداً أن الموكب الحسيني في مراحله التاريخية قد أخذ صيغاً وأشكالاً متعددة، وكذلك تعددت الطرق بحسب تعدد المجتمعات الشيعية.
من هنا نستطيع أن نقول أن لعامل الزمان والمكان تأثيراته في تغيير وتطوير بعض أساليب التعبير والإحياء في ذكرى عاشوراء.
وفي ضوء هذا فنحن لا نجد أي إشكالية في الدعوة إلى إعادة النظر في صياغة بعض الأساليب والطرق المعتمدة في إحياء ذكرى عاشوراء لتكون هذه الذكرى قادرة على الحضور المتجدد في كل حركة الواقع.
إنّ غياب الوعي التغييري في التعاطي مع الذكرى الحسينية، سوف يجمد قدرتها الفاعلة على العطاء، وسوف يعطل إمكاناتها في الحركة والتغيير.
فمن لضروري جداً أن ينمو هذا الوعي التغييري من أجل الترشيد والتطوير أولاً ومن أجل الحماية والصيانة ثانياً، وإذا كان الترشيد والتطوير بشكل ضرورة لاعطاء ذكرى عاشوراء دورها في التواصل مع حركة الواقع، فإن الحماية والصيانة تشكل ضرورة للحفاظ على أصالة الصورة ونقائها.
وتأسيساً على هذا الفهم نحاول أن نحدد الاتجاهات المتعددة في التعاطي مع ذكرى عاشوراء، وتبرز أمامنا ثلاثة اتجاهات:
1. الاتجاه الأول: الاتجاه الفكري المحض:
هذا الاتجاه يتعامل مع ذكرى الحسين (عليه السلام) تعاملاً فكرياً بحتاً مفرغاً تماماً من المضمون العاطفي، بل يحاول هذا الاتجاه أن يشجب كل ألوان التعبير العاطفي من الرثاء والبكاء والحديث عن المأساة باعتبارها حالات سلبية مرفوضة.
فالتعاطي الحقيقي – وفق هذا الاتجاه – أن نعيش كربلاء فكراً وأهدافاً ومعطيات رسالة وجهادية، وأن لا نستغرق في العواطف والانفعالات السلبية، الأمر الذي يصادر المضمون الكبير لثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
إننا نرفض هذا الاتجاه، فالتعاطي الفكري المحض، والمفرغ من المحتوى العاطفي، تعاطي جاف وراكد ويؤدي إلى نتائج خطيرة من أهمها:
فتور في الانتماء، فغياب العاطفة يعني غياب الحرارة والنبض والحيوية في الانتماء وغياب الانصهار والذوبان التفاعل.
جفاف في الروح، فالتعاطي الفكري البحت والخالي من العواطف يسبب ضموراً وجدبا وجفافاً روحياً.
ركود في الحركة فالأفكار المجردة والمفرغة من نبض العواطف لا تملك القدرة على صنع ( الحركية والفاعلية ) ولا تملك القدرة على تنشيط الإرادة في داخل الإنسان.
من هنا نستطيع أن ندعي بأن الثقافة البحتة التي لا تمتزج في داخلها شحنات العاطفة غير مؤهلة لصياغة الإنسان الرسالية الحركي.
في ساحتنا المعاصرة يوجد كثير من المثقفين الذين ينتمون إلى الإسلام، ويمارسون عبادات الإسلام، إلا أنهم لا يعيشون حركية الإسلام، ولا يساهمون في فعاليات الإسلام، ولا يحملون هم الإسلام لماذا ؟، لأن هؤلاء يحملون الإسلام ثقافة مجردة، تعيش في أذهانهم فقط ولم تتحول إلى نبضات في القلب، وأحاسيس في المشاعر، وحرارة في الروح.
ولا شك أن ثقافة من هذا النوع ليست ثقافة الإسلام الأصلية، لأن هذه الثقافة بما تملكه من حركية وفاعلية لا يمكن أن تبقى قابعة في الأذهان، ولا تنساب في القلوب والضمائر، ولا تتحرك في الأفعال والممارسات.
من خلال هذا الفهم نؤكد خطأ الاتجاه الأول الذي يحاول أن يصادر مسألة الزخم العاطفي في القضية الحسينية.
لهذا فنحن نرفض بقوة أن يتحول موسم عاشوراء – العشر الأوائل من المحرم – إلى محاضرات مجردة، وندوات ثقافية، فمهما أعطت هذه المحاضرات والندوات من زخم ثقافي وفكري لهذا الموسم.
إن بقاء الطابع المأساوي في مجالس عاشوراء مسألة ضرورية، ولا يسمح بالتفريط بها ولا مصادرتها، ولا يسمح أن يوضع مكانها أي بديل آخر يجفف روافد المأساة في هذا الموسم.
أيها الأحبة، لا تتركوا لكل المحاولات التي تجمد عنصر المأساة أن تخترق المراسم العزائية
هناك اتجاه يدعو إلى أن تتحول المواكب إلى مجرد مسيرات تحمل الشعارات الثورية والوطنية، وحتى نوفر الفرصة لكل القوى الوطنية والعلمانية أن تشارك في هذه المسيرات.
إننا نشجب هذا الاتجاه بقوة، إننا لا نرفض أن ترتفع شعارات ثورية ووطنية في مواكب العزاء ولكن من خلال شعارات كربلاء ومن خلال عنوان الحسين (عليه السلام)، على أن يبقى وهج المأساة يطبع كل المظاهر في هذه المراسيم العاشورية.
لا تصادروا أجواء عاشوراء من خلال أي عنوان مهما كبيراً لأن عنوان عاشوراء هو العنوان الأكبر الذي يجب أن يستوعب كل العناوين.
نعم نحن ندعو إلى تطوير أساليب الطرح وصيغ العرض لقضية كربلاء ولكن يجب أن يبقى طابع عاشوراء.
كما ندعو إلى الارتقاء بمستوى المنبر الحسيني بما يتناسب وضرورات المرحلة ولكن يجب أن يبقى عنصر المأساة.
وندعو أن يكون للموكب الحسيني حضوره في كل قضايا العصر ولكن من خلال صوت الحسين (عليه السلام).
2. الاتجاه الثاني: الاتجاه العاطفي المحض:
هذا الاتجاه يعطل دور الوعي والفكر، ويعطي للعاطفة المجردة حضورها الكبير.
وكما تعلمون أنّ عاشوراء الحسين (عليه السلام) تعطي للعاطفة زخمها المتأجج، وفورانها المتصاعد ويبلغ هذا التأجج والفوران الذروة في اليوم العاشر من المحرم، ويمارس الجمهور الشيعي التعبير عن هذا الهيجان العاطفي بأساليب متعددة، وكما أكدنا في معالجة الاتجاه الأول على ضرورة بقاء هذا الزخم العاطفي، وضرورة التصدي لأي محاولة تستهدف مصادرة أو تجفيف أو تخفيف زخم العاطفة وفورانها.
وإذا كان التعاطي الفكري المحض يشكل خطراً على مسار التفاعل مع قضية عاشوراء، فإن التعاطي العاطفي المحض المجرد من الوعي والفكر هو الأخر يشكل خطراً كبيراً على مستوى مسار الارتباط بقضية كربلاء، العاطفة التي لا تملك الوعي والبصيرة كثيراً ما تنحرف، وتتيه وتضل، فقد جاء في الحديث (( العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير الإ بعداً )).
التاريخ يحدثنا عن كثير من الشواهد، الخوارج كانوا يحملون حرارة العبادة، وحرارة الأيمان، إلاّ أنّهم كانوا لا يملكون البصيرة، ولذلك تاهوا وضلوا وانحرفوا عن الطريق، أعلنوا الحرب ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هكذا تكون العاطفة التي لا تملك الوعي ولا تملك البصيرة.
مثال آخر، أهل العراق في عصر الإمام الحسين (عليه السلام)، كانت عواطفهم وقلوبهم مع الحسين (عليه السلام)، إلأ أنأ سيوفهم قد شهروها في وجه الحسين، هكذا العاطفة التي لا يصوغها عمق الإيمان.
مثال ثالث، بعض المواكب الحسينية في العراق – في مرحلة من مراحل التاريخ المعاصر – كانت تطرح ( شعارات وردات ) تحمل أفكارا الشيوعيين، وما كانت جماهير المواكب الحسينية واعية لمضامين تلك الشعارات والردات، فكانت وفي زحمة الفوران العاطفي وباسم الحسين (عليه السلام) كانت تردد الهتافات التي تتنافى مع أهداف الحسين (عليه السلام)، هكذا العواطف الفارغة من الوعي والبصيرة، تكون عرضة للسرقة والابتزاز من قبل أعداء المبدأ والعقيدة، ومن قبل أنظمة الحكم والسياسة.
إنّ واقع المرحلة التي يعيشها شعبنا في البحرين، تحتاج إلى الكثير من الوعي وإلى الكثير الكثير من البصيرة.
فيجب على جمهورنا المؤمن في هذا البلد المسلم أن يتعامل مع الأفكار السياسية والأفكار الثقافية، والأفكار الاجتماعية بدرجات عالية من الوعي والبصيرة، وأن يعتمد (( الرؤى الموثوقة )) والصادرة عن المواقع المؤتمنة على الدين، وعلى القيم، وعلى المبادئ، ويجب أن لا تأسره العناوين الكبيرة فينزلق في متاهاتٍ تبعده كثيراً عن إسلامه وعن عقيدته فيخسر آخرته ويخسر دنياه، لأن الذين لا يؤتمنون على الدين والقيم والمبادئ لا يمكن أن يكونوا أمناء على مطالب الدنيا المشروعة.
إن العواطف السياسية المفرغة من الوعي الإيماني تشكل حالة تقود الجماهير في مسارات عشوائية متخبطة.
فالحذر الحذر من الانسياق وراء كل شعار، مهما كان يملك من بريق وصدى وضجيج، الشعارات قد تكون كاذبة وزائفة وخادعة.
نكرر التأكيد على ضرورة التوفر على (( الرؤية الشرعية البصيرة )) في تحديد الموقف من كل الأفكار المطروحة في الساحة الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، وفي تحديد الموقف الشرعي من كل المشروعات المتحركة في هذه المرحلة.
وخلاصة القول حول الاتجاه الثاني الذي يحاول أن يعطل دور الوعي والفكر ويكتفي باستنفار العاطفة، هذا الاتجاه يفرغ عاشوراء من مضامينها وأهدافها ومعطياتها، ويعرض جمهور عاشوراء على الاستغلاليات المنحرفة والمشبوهة، والانقيادات الساذجة والمتخلفة، ويجمد قدرة الذكرى – ذكرى عاشوراء الحسين (عليه السلام) – على الانفتاح والتواصل مع كل المتغيرات والمستجدات في حركة الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي.
الاتجاه الثالث: الاتجاه الفكري العاطفي:
هذا الاتجاه يعتمد في التعاطي مع عاشوراء:
عنصر الوعي والبصيرة بكل معطيات وأهداف ومنطلقات الثورة الحسينية.
الانصهار العاطفي مع معطيات والأهداف والمنطلقات، ومع مضمون المأساة في قضية كربلاء.
وهنا تكون العاطفة واعية بصيرة، والفكرة فاعلة متحركة، فالعاطفة الحسينية تبعث عند الجماهير الحركة والحرارة والاندفاع، والفكرة الحسينية الواعية والبصيرة تصوغ الرؤية والنضج والوضوح.
وهكذا تلتحم العاطفة النابضة بالحرارة مع الفكرة البصيرة الواعية لتشكّل الصيغة الأصلية في التعاطي مع ذكرى عاشوراء.
ويتحمل خطباء المنبر الحسيني مسؤولية كبيرة في تنمية هذا الاتجاه الأصيل عند جماهير عاشوراء، وجماهير المنبر.
فالمنبر الحسيني يملك حضوراً متميزاً في الواقع الشيعي، فبمقدار ما يحمل هذا المنبر من وعي وبصيرة ونضج وكفاءة عالية، تكون قدرته اكبر على صياغة وعي الأمة، وتكوين رؤية الأجيال، وتأصيل حالة الانتماء إلى خط الثورة الحسينية.
ومن الخطورة جداً على هذه الصياغة، وهذا التكوين، وعلى حركة التأصيل أن يهبط مستوى المنبر، وأن تنخفض كفاءات خطباء المنبر، الأمر الذي يؤدي إلى تدني مستوى الوعي والأصالة عند جماهير هذا المنبر.
صحيح إن وعي الجماهير أصبح محكوماً لمجموعة مؤثرات، ومجموعة روافد، ولم يعد المنبر هو الموقع الوحيد الذي يغذي هذا الوعي إلا أن المنبر الحسيني لا زال يعتبر الرافد الأكثر تأثيرا في وعي الجماهير، فالتفاعل الروحي والوجداني والعاطفي مع المسألة الحسينية أعطى للمنبر خصوصيته وتميزه في التأثير الجماهيري .