الأرشيفملف شهر محرم

بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


نتابع حديث الجمعة الماضية و الذي عنوناه بهذا العنوان ” ثورة الأمام الحسين والامتحان الصعب لمواقف الأمة ”


أود أن أجيب عن تساؤل طرحه أحد الشباب بعد الانتهاء من حديث الجمعة الماضية هذا التساؤل يقول:


لقد أكدتم في حديثكم على خيار الإمام الحسين (عليه السلام) وخيار الثورة و الشهادة.



  • فأين هو خيار الإمام الحسن، خيار السلم و المصالحة؟
  • وهل أمتنا في حاجة إلى خيار الثورة و المواجهة فقط؟
  • ألا ترون خيار السلم و المصالحة قد يكون هو الخيار المطلوب؟

التساؤل يبدو وجيهاً، و قبل أن أجيب عن هذا التساؤل أرى ضرورة عن مسألة الصلح عند الإمام الحسن، ومسألة الثورة عند الإمام الحسين، “الصلح ” في حركة الإمام الحسن(عليه السلام)، و الثورة في حركة الإمام الحسين (عليه السلام)، أسلوبان متمايزان، وصيغتان مختلفتان ولغتان متغايرتان، لغة الصلح الكلمة والحوار، ولغة الثورة السيف والدم..


لماذا هذا الإختلاف؟


هنا محاولات مرفوضة لتفسير هذا الإختلاف:


المحاولة الأولى:
تتجه إلى تفسير هذا الإختلاف بأنه لون من التناقض في الأسلوب.


المحاولة الثانية:
الإختلاف في الرؤية، هذا التفسير يحاول أن يفهم الإختلافان في أساليب الأئمة بأنها ناتجة عن إختلافان في”الرؤية والفهم”.


المحاولة الثالثة:
الإختلاف في الطبيعة النفسية هو الذي أنتج هذا الإختلاف في الأسلوب، فالطبيعة النفسية المسالمة عند الإمام الحسن (عليه السلام)، فرضت عليه أن يتجه نحو “الصلح” والطبيعة الثورية عند الإمام الحسين (عليه السلام)، فرضت عليه أن يتجه نحو الإسلوب الثوري.


المحاولة الرابعة:
الإختلاف في القدرات والكفاءات، فالإمام الحسن (عليه السلام) ما كان يملك القدرة و الكفاءة العسكرية و الحربية، مما جعله يتخلى عن خيار الحرب والمواجهة، في حين كان الإمام الحسين يملك القدرة و الكفاءة مما جعله يعتمد هذا الخيار.


المحاولة الخامسة:
الإختلاف في النمط الحياتي، فالإمام الحسن (عليه السلام) يميل إلى الدعة والراحة، والإمام الحسين (عليه السلام) يميل إلى الجد و الصرامة، مما إنعكس على طبيعة الأسلوب الذي مارسه كل منهما.


المحاولة السادسة:
الإختلاف في النزعة إلى السلطة، فالإمام الحسن (عليه السلام) عازفاً عن السلطة والحكم، و الإمام الحسين كان يحمل هذه النزعة نحو السلطة و الحكم.


هذه مجموعة تفسيرات كلها خاطئة و مرفوضة، فكلا الأسلوبين يمثل الموقف المعصوم – وفق النظرية التي تؤمن بعصمة الأئمة – و لذلك جاء الحديث عن النبي صلى عليه وآله وسلم: الحسن والحسين إمامان قاما أم قعدا


وكلا الأسلوبين يمثل الموقف الملائم لظرفه، فاختلاف الظروف الموضوعية التي تمر بها الرسالة، واختلاف الحالة التي تعيشها الأمة وعياً والتزاماً واستعداداً، واختلاف طبيعة النظام الحاكم، كل ذلك يفرض الإختلاف في الأسلوب، ثم إن كلا الأسلوبين ينسجم مع أهداف الرسالة سواء الهدف الإستراتيجي العام المتمثل في مصلحة الرسالة و حماية مسيرتها، أم الأهداف المرحلية وفق نظرية المراحل.


كما أنّ هناك ترابطاً بين الموقفين، فصلح الإمام الحسن (عليه السلام) قد هيأ لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) و قد تمثل ذلك في النقاط التالية:



  • تصعيد حالة الرفض والغليان عند الأمة.
  • تأهيل الكوادر.
  • تنضيج مبررات الثورة في ذهنية الأمة أو في ذهنية الواعين.
  • تهيئة الظروف الموضوعية.

وبعد هذه المعالجة العاجلة لمسألة الصلح و مسألة الثورة، نعود للإجابة عن التساؤل.


لماذا أكدتم في حديثكم على خيار الثورة والشهادة، وأغفلتم خيار الصلح والمسالمة؟


وربما يكون الخيار الثاني هو الأصلح للأمة في هذه المرحلة.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل أقول:


أولاً:
حديثي عن خيار الجهاد و المقاومة كان في سياق الموقف من المشروع الصهيوني الغاصب.
وكما هو واضح:



  • أنّ هذا المشروع غاصب للأرض و المقدسات فلا يملك شرعية البقاء أساساً.
  • إن هذا الكيان اللاشرعي يمار سياسية العنف والإرهاب والقتل والإبادة والدمار، منذ أن تأسس وحتى الآن..
  • إنّ هذا الكيان لا يعترف بكل القرارات والأعراف والقوانين، ولا القيم و المبادئ.
  • إنّ جميع مشروعات الصلح و السلام مع هذا العدو الغاصب باءت بالفشل.

ووفق هذه الحيثيات لا خيار في مواجهة هذا المشروع اليهودي إلا خيار الجهاد والمقاومة، وخيار الشهادة و الاستشهاد، و لا معنى إطلاقاً لخيار الصلح و المسالمة.


ثانياً:
و إذا كان للوضع الدولي ضغوطاته في فرض ( مشروع المصالحة )، وإذا كانت أنظمة الحكم والسياسة في المنطقة لا تملك القدرة على الرفض والمعارضة، فإن ذلك لا يلغي خيار الجهاد والمقاومة لدى شعبنا في فلسطين، ولدى شعوب امتنا العربية و الإسلامية.


ثالثاً:
إما خيارات الشعوب مع الأنظمة الحاكمة، فمسألة لم تناولها في حديثي..


فما هو خيار الشعوب العربية و الإسلامية؟ هل خيار الثورة و المقاومة أم خيار المسالمة و المصالحة؟


هذه أسئلة الإجابة عنها خاضعة لمجوعة حيثيات فقهيه و موضوعية، و لعلي أتناول هذا الموضوع – إن شاء الله – بصورة أكثر تفصيلاً ووضوحاً في حديثي القادم ليلة الأربعين في مسجد مؤمن بعد الصلاة.


رابعاً:
و حتى لو اعتمدنا خيار المصالحة السياسية مع هذا النظام أو ذاك فإن ذلك لا يلغي ضرورة أن تعيش الأمة روحية الجهاد و الشهادة، بل يجب على أنظمة الحكم العربية و الإسلامية.


أن تنميّ عند جماهير الأمة روحية الجهاد و الشهادة.


إنّ التعبيرات الغاصبة التي شهدتها شوراعنا العربية والإسلامية، ضد الجرائم الصهيونية وضد الانحياز الأمريكي المفضوح، وضد الصمت الدولي، وضد تخاذل الأنظمة، وإن مسيرات الدعم و التأييد، والمناصرة بالمال والدم، كل ذلك يستحق المباركة والاعتزاز والفخر، إلا أننا نطالب أنظمة الحكم والسياسة العربية والإسلامية أن تمارس إعداد الجماهير العربية والإسلامية على روحية الجهاد والشهادة، كما نطالب علماء الأمة أن يمارسوا الإعداد الروحي والثقافي لمسألة الجهاد والشهادة، وقد يفرض الموقف إصدار الفتاوى بالجهاد والإستشهاد، كما نطالب القوى السياسية أن تعبئ الجماهير بروح الجهاد والمقاومة، ونطالب جماهيرنا أن ترفع شعار الجهاد و الشهادة ضد المجرمين الصهاينة، الأمة التي لا تحمل شعار الجهاد أمة مكتوب عليها الهزيمة، الأمة التي لا تتعشق الشهادة أمة مكتوب عليها بالموت.


إن من أخطر الوسائل التي مارستها سياسات التدجين والتهجين لجماهير أمتنا العربية والإسلامية هو القضاء على روحية الجهاد و الشهادة،خوفاً من غضبة الجماهير تجاه الأنظمة. وفي سبيل هذا التدجين والتهجين أغرقت هذه السياسات واقع الأمة بسيل من مشروعات الفساد و اللهو والعبث مما أنتج أجيالاً مهجنة مائعة خانعة وقعت أسيرة الهوى والنزوات والشهوات، وكانت الأنظمة الحاكمة واعية تماماً لهذا الأسلوب الخطير الذي استطاع أن يقتل في داخل الجماهير روحية الصرامة والجدية، وروحية الثبات والصمود، وروحية الجهاد والشهادة، فأجيال مأسورة لأجواء اللهو والمجون و الفسق و الترف المحرم، لا يمكن أن تحمل هموم الأمة ولا يمكن أن تتفاعل مع قضايا الأمة المصيرية.


أقولها بصراحة أنا لا أستطيع أن أفهم أن هؤلاء الغادقين في دنيا المحرمات ودنيا الموبقات، و دنيا الشيطان يمكن أن يتصدوا لقضايا الأمة، وأن يحملوا مسؤوليات الأمة، وأن يتعاطفوا مع طموحات الأمة، وإن أعطوا لأنفسهم صفة الثورية والنضال من أجل حقوق الشعوب.


إن هؤلاء الذين لا يملكون القدرة أن يثوروا على نزوات الهوى داخلهم، ولا يملكون أن يناضلوا ضد غوايات الشيطان في حياتهم، كيف يمكن أن يكونوا ثوريين و كيف يكونوا مناضلين في أمة تؤمن بالله، والإسلام و القرآن و القيم، في أمة تكفر بالشيطان، والضلال والباطل و الإنحراف.


من هنا نؤكد على جماهير شعبنا المؤمن، أن لا يستأمنوا على قضاياهم المصيرية، وعلى أهدافهم و طموحاتهم و حقوقهم إلاّ الأمناء على دينهم، فالذين لا يحملون أمانة الدين لا يمكن أن يكون أمناء على دنيا المؤمنين، نعم يمكن أن يكونوا أمناء على دنيا الفاسقين والمنحرفين.


الفارق كبير وكبير بين دنيا المؤمنين، ودنيا الفاسقين، دنيا المؤمنين، دنيا الطهر والنقاء والقيم والفضيلة، دنيا الإيمان والهدي والصلاح والتقوى، ودنيا الفاسقين، دنيا القذراة والخبث والفساد والرذيلة، دنيا الكفر والضلال والفسوق والعصيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى