ثورة الإمام الحسين والامتحان الصعب لمواقف الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربَّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمدٍ وعلى أهل بيتة الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت الامتحان الصعب لمواقف الأمة:
– فكيف وقفت الأمة من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)؟
– هل وقفت مع الثورة؟
الأمة التي كانت تصلي وتصوم وتحج وتحمل شعار الإسلام , وشعار القران، هل نجحت وهي تقف أمام الامتحان الصعب؟
قال الله تعالى: {ألم أحسب الناس أن يتركوا إن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
ليس المهم أن نحمل الشعارات شعارات الدين، وشعارات السياسية, وشعارات الثقافة, المهم كيف نكون صادقين مع هذه الشعارات, وكيف نحوّل الشعارات إلى واقع، فما اكثر المتاجرين بالشعارات من اجل خداع الجماهير, فيجب على الجماهير أن تملك الوعي والبصيرة، وهل نتعامل مع الشعارات المطروحة في الساحة؟
نعم كانت الأمة في عصر الإمام الحسين (عليه السلام) في حاجة إلى امتحان فكانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي الامتحان الصعب , وهي الاختبار العسير…
فكيف اجتازت الأمة هذا الامتحان الصعب وهذا الاختبار العسير؟
الأمة كانت بين خيارين:
أ – الخيار الأول: الوقوف مع الإمام الحسين (عليه السلام)…
وماذا يعني هذا الخيار؟
انّه خيار الثورة والجهاد والمقاومة , وخيار الموت والشهادة.
وما هي نتيجة هذا الخيار؟
نتيجته هذا الخيار الفوز بالجنة والنعيم الأبدي.
ب – الخيار الثاني: الوقوف مع يزيد بن معاوية
وماذا يعني هذا الخيار؟
خيار المشاركة في قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وخيار الدنيا، والسلامة، والموال والمناصب.
وما هي نتيجة هذا الخيار؟
نتيجة هذا الخيار العار ودخول النار والعذاب الأبدي.
هكذا عاشت الأمة صراع الخيارين، خيار الجنة وخيار النار، وفي كل عصر وزمان يوجد هذا الصراع بين الخيارين خيار الجنة وخيار النار.
خيار الانتماء إلى خط الله تعالى، وخط أولياء الله تعالى، وخط القيادات الربانية الداعية إلى الله تعالى.
وخيار الانتماء إلى خط الشيطان، وخط أولياء الشيطان، وخط القيادات التي تدعو إلى الشيطان.
فعلى الإنسان في زحمة صراع الخيارات أن يملك الوعي والبصيرة والشجاعة والإرادة في تحديد الخيار الذي يقوده إلى الجنة، ورفض الخيار الذي يقوده إلى النار.
فأيّ قيمة لدينا وأموال ومناصب إذا كان المآل إلى النار والعذاب والخسران الأبدي.
وما خسر من فقد الدنيا كل الدنيا إذا كان المآل الجنة والنعيم والفوز الأبدي.
كيف تعاملت الأمة في عصر الإمام الحسين (عليه السلام) مع هذين الخيارين؟
أ- أما الخيار الأول: خيار الحسين والثورة والشهادة والجنة:
فكان نصيبه عدد قليل جداً من الأمة، ورغم أنّ أصحاب الخيار الأول كانوا يشكّلون رقماً صغيراً جداً، إلاّ أنّهم استطاعوا أن يكونوا “الرقم الأصعب ” في كل مسار التاريخ، واستطاعوا أن يكونوا “الرقم الأقوى” في كل مواقف التاريخ.
إنهّ الدرس الكبير لهذه الأمة، فإذا أردت أن تستعيد عزتها وقوتها وأصالتها، في هذا العصر الذي نواجه فيه مؤامرات الاستكبار العالمي، وغطرسة الصهاينة المجرمين، فعليها أن تعتمد خيار الإمام الحسين (عليه السلام)، و خيار أنصار الحسين (عليه السلام)، خيار الجهاد، خيار الشهادة.
المسلمون اليوم يربو عددهم على المليار، فلماذا يعيشون الصغار والذل أمام غطرسة الصهاينة الحاقدين؟
لأنّهم تركوا خيار الحسين (عليه السلام) وخيار الجهاد وخيار الشهادة، جاء في الحديث: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: آمن قلة فينا يؤمئذ يا رسول الله، قال: لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم وينزع من قلوب أعدائكم لحبكم الدنيا وكراهتكم الموت)
نعم الذين يعيدون لهذه الأمة أصالتها وعزها هم أبطال الجهاد والمقاومة، وأبطال الشهادة والاستشهاد في فلسطين، وفي جنوب لبنان، الذين اسقطوا كبرياء اليهود، واسقطوا أسطورة الجيش الذي لا يقهر، هذا هو الخيار وكل الخيارات الأخرى فهي خيارات زائفة، فيجب أن تقف أنظمة الحكم العربية والإسلامية إلى جانب هذا الخيار، ويجب أن تقف شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى جانب هذا الخيار، واهمون الذين يفكرون بأن الصهاينة يمكن أن يفهموا لغة غير لغة الجهاد والمقاومة وغير لغة الدم والشهادة والاستشهاد.
إذن الخيار الأول للأمة في عصر الإمام الحسين (عليه السلام) كان خيار القلة التي آمنت بأهداف الثورة الحسينية وأعطت الدم عنواناً من أجل أن يبقى الإسلام ومن أجل أن يبقى القرآن.
ب – وأماّ الخيار الثاني:
خيار يزيد بن معاوية، خيار الدنيا والسلطة، وخيار النار، فقد تورطت فيه الكثرة الكاثرة من الأمة، ويمكن أن نصنف أصحاب الخيار الثاني إلى عدة أصناف:
الصنف الأول: النظام وعناصر النظام:
لا شك أنّ المسؤول الأول عن مجزرة كربلاء هو رأس النظام يزيد بن معاوية، وإن كانت هناك محاولات للدفاع عن يزيد بن معاوية، وهذه المحاولات تتجه اتجاهين:
الاتجاه الأول: : إعطاء المبرر الشرعي لقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، باعتباره خرج على خليفة المسلمين، وخرج على جماعة المسلمين، وقد زعموا أن النبي (ص) أمر بقتل من يخرج على الجماعة كائناً من كان، هكذا ضللوا الأمة بأحاديث مكذوبة وبفتاوى مزورة خدمة لأنظمة الحكم والسلطة.
الاتجاه الثاني: محاولة تبرئة يزيد بن معاوية من دم الإمام الحسين (عليه السلام) وساقوا أدلة واهية جداً في هذا الاتجاه، إنّ الواقع التاريخِ يثبت بشكل قاطع أنّ يزيد بن معاوية هو المسؤول الأول عن هذه الجريمة الكبرى في التاريخ. وقد شارك في هذه الجريمة عدد كبير من عناصر النظام أمثال عبيد الله بن زياد والي الأمويين في الكوفة، وعمر بن سعد قائد الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين (عليه السلام) وجميع أركان الجيش، وهكذا تتورط عناصر أنظمة الحكم في أكثر الجرائم التي تنفذ ضد الشعوب، من الممكن أن تمارس عناصر في هذا النظام أو ذاك جرائم في حق الناس بعيداً عن معرفة رأس النظام في هذا البلد أو ذاك، إلاّ أنّ مسؤولية الحاكم العادل تفرض عليه أن يلاحق هذه العناصر العابثة وأن يحاسب كل ممارسات الظلم والفساد في جميع الأجهزة التنفيذية للسلطة.
الصنف الثاني: عملاء النظام من عبّاد المال والمناصب:
أمثال شمر بن ذي الجوشن الضبابي الذي قطع رأس الإمام الحسين وقام بأخس الأدوار في كربلاء، وشبث بن ربعي الذي ساهم بدور قذر في يوم عاشوراء، ومرّة بن منقذ العبدي الذي قتل علياً الأكبر، وعمر بن سعد الأزدي الذي قتل القاسم بن الحسن، وحرملة بن كاهل الأسدي وهو الذي رمى عبدالله بن الحسين الطفل الرضيع بسهم فذبحه في حجر أبيه، وبحر بن كعب التميمي الذي سلب سراويل الإمام الحسين، وحصين بن تميم وقد جاء في الرواية أن الحسين لما أشتد به العطش دنا من الماء ليشرب منه، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه، فجعل الإمام الحسين يتلقى الدم من فمه، ويرمي به إلى الماء، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم جمع يديه فقال: (( اللهم أحصهم عدداً، وأقتلهم بدداً، ولا تذر على الأرض منهم أحداً ))، وضمن هذه المجموعة من المجرمين القتلة سنان بن انس الذي طعن الإمام الحسين (عليه السلام) بالرمح فوقع على ثرى كربلاء، وكانوا لا يدنو أحد من الحسين إلا شدّ عليه مخافة أن يسبقه إلى ذبح الحسين، والقائمة بأسماء هؤلاء العملاء الذين باعوا دينهم وضمائرهم الممسوخة للنظام الحاكم طمعاً في الجاه والمال والمناصب كبيرة وكبيرة.
وهذه النماذج من عبّاد المال والمناصب ومن أعوان الظلمة تتكرر في كل عصر.
– وقد شدّدت النصوص الدينية على حرمة التعاون مع الظالمين:
جاء رجل إلى الإمام (عليه السلام) وقال له: أنا أخيط للسلطان، فهل أنا من أعوان الظلمة.
فقال له الإمام: الذي باعك الخيط والأبره من أعوان الظلمة، أمّا أنت فمن الظلمة أنفسهم.
وجاء في حديث أخر أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال لصفوان الجمال: يا صفوان كل شيء فيك جميل ما عدا اكراءك جمالك لهذا الطاغية – يعني هارون الرشيد –
فقال صفوان: يا ابن رسول الله إنما هو هذا الطريق – يعني طريق الحج – وأرسل معهم غلماني.
فقال الإمام: أتحب بقاءهم ليعطوا كراءك، قال: نعم، فقال الإمام: من أحب بقاءهم فهو معهم، ومن كان معهم فهو وارد النار.
وجاء في الحديث: ((الساعون بالناس عند السلطان يحشرون يوم القيامة وهم مصلبون على جذوع من نار)).
وفي الوقت الذي تشدّد النصوص على حرمة التعاون مع الظالمين، نجد الأئمة (عليهم السلام) يسمحون لأمثال علي بن يعطين أن يبقى في داخل جهاز الحكم من أجل حماية قضايا المؤمنين، فالمسألة خاضعة لرؤية دقيقة جداً، في ما هو الشخص المؤهل لهذا التواجد وما هي الظروف التي تفرض هذا التواجد، وعلى كل حال فيشترط في هذا الإنسان المؤهل للتواجد في داخل النظام أن يملك مستوى إيمانا قوياً يحميه من السقوط أمام إغراءات النظام وإرهاباته، وأن يملك القدرة لممارسة الدور الحقيقي في خدمة قضايا الناس، وإلاّ فهو محسوب من أعوان الظلمة.
الصنف الثالث: علماء البلاط المستأجرون من قبل النظام الحاكم:
وكانوا يبررون للنظام مواقفه وانحرافاته أمثال شريح القاضي الذي أصدر الفتوى بمشروعية قتل الإمام الحسين (عليه السلام). وهذا الصنف من الناس هم أخطر النماذج لأنهم يوظفون الدين توظيفاً مزوراً في خدمة الحكام والسلاطين ويمارسون دوراً خطيراً في تظليل الجماهير.