في ذكرى الشهيد الصدر/2:أجيالنا في حاجة ماسة وضرورية أن تنفتح على مشروع الشهيد الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الهداة الميامين…
أيّها الأحبة أتابع معكم الحديث عن شهيدنا العظيم السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه).
فما أحوجنا في هذه المرحلة التي نواجه فيها أخطر التحديات أن نستحضر الشهيد الصدر وأن نستحضر مشروع الشهيد الصدر، وأن نستحضر الشهيد الصدر، وفكر الشهيد الصدر، وروحانية الشهيد الصدر، وجهاد الشهيد الصدر.
الهيمنة الأمريكية على مقدرات المسلمين:
إننا نعيش مرحلة صعبة، مرحلة الهيمنة الأمريكية التي تستهدف كل وجودنا الديني والحضاري وتستهدف كل واقعنا الروحي والأخلاقي والثقافي والإجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.
المسألة ليست – كما تزعم أمريكا – مسألة إسقاط نظام الاستبداد في العراق من أجل عيون الشعب العراقي، والمسألة ليست مسألة إزالة أسلحة الدمار الشامل، والمسألة ليست مسألة مكافحة الإرهاب، المسألة – في أهداف أمريكا الحقيقية – نفط العراق ونفط المنطقة بكاملها، المسألة ثقافة العراق وثقافة المنطقة بكاملها، المسألة هوية العراق وهوية المنطقة بكاملها، المسألة إعادة صياغة خريطة المنطقة من جديد وفق المصالح الأمريكية ووفق المصالح الصهيونية.
حاجة الأجيال إلى التحصين والتأصيل:
وأمام هذا المشروع الإستعماري الخطير فانّ أجيالنا في حاجة إلى (تحصين وتأصيل)، كون هذه الأجيال مهددة بالمسخ والمصادرة والاستلاب روحياً وأخلاقياً وثقافياً وحضارياً.
ومن أهم مكونات (التحصين والتأصيل) أن تنفتح أجيال الأمة على رموز الوعي والأصالة في تاريخ هذه الأمة، ومن أبرز رموز الوعي والأصالة في تاريخنا المعاصر شهيدنا الكبير السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) الذي أعطى كلّ وجوده، وكلّ حياته من أجل الإسلام، ومن أجل صياغة الوعي والأصالة في حركة الأجيال، من أجل التصدي والمواجهة لكل تيارات التغريب والعلمنة ولكل المبادئ والأفكار والنظريات والإيديولوجيات الضالة والمنحرفة والكافرة، ومن أجل حماية قيم الأمة وأخلاقياتها ومكوّناتها الأصيلة.
فهل تملك أجيالنا ثقافة المعرفة بالشهيد الصدر؟
سيرته، أخلاقه، مدرسته، عطاؤه، جهاده… أظن أن أغلب أبنائنا وبناتنا لا يملكون أيّ ثقافة معرفية عن الشهيد الصدر، اكثر من الإسم وبعض العناوين العامة.
من المسؤول عن غياب الشهيد الصدر عن ثقافة الأجيال؟
يتحمل هذه المسؤولية رجال الوعي والثقافة، وقادة المسيرة من علماء وخطباء ومفكرين، وأساتذة وتربويين وسياسيين، فهؤلاء جميعاً مسؤولون أن يضعوا بين يدي أجيالنا (التجربة الكبيرة) للشهيد الصدر رضوان الله عليه، تجربته العلمية والفكرية والثقافية، وتجربته الروحية والأخلاقية والتربوية، وتجربته في الدعوة والتبليغ، وتجربته في الحوزة والمرجعية، وتجربته في العمل الإجتماعي والسياسي والقيادي.
أجيالنا في حاجة ماسة وضرورية أن تنفتح على هذه التجربة الغنية، وأن تتغذى من عطاءات هذه التجربة المباركة.
حياة السيد الصدر كلّها عطاء، كل من اقترب من حياة هذا الإنسان العظيم يعلم كم كانت حياته كلّها خيراً وعطاء، كلماته عطاء، نظراته عطاء، حركاته عطاء هكذا كنا نشعر ونحن نقترب منه، ونلتقي معه، ونستمع إليه، فلا يضمنا مجلس له إلا ونخرج ونحن اكثر قربا إلى الله تعالى…
فما أحوج أجيالنا أن يطًلعوا على حياة هذا الرجل الكبير والعالم الرباني الفذ.
أعداؤنا وأعداء ثقافتنا وأعداء ديننا، وأعداء وعينا وأصالتنا يحاولون دائما أن يفصلوا بين الأجيال ورموز الإيمان والهوية والأصالة، يحاولون دائما أن تغيب الرموز عن ذاكرة الأجيال وفي المقابل يزرعون في وعي الأجيال أسماء دخيلة لا علاقة لها بهويتنا الإيمانية والروحية والثقافية، وهكذا يبدأ مشروع التغريب لأجيال الأمة، وهكذا تبدأ حركة الاستلاب الثقافي، مخترقة كل مكوّنات الثقافة والإعلام والتربية…
أيها الأحبة يجب العمل الجاد من أجل أن تبقى رموزنا الإيمانية في ذاكرة أجيالنا من خلال:
1- إحياء ذكريات الرموز.
2- التعريف الدائم بهذه الرموز في كل المناسبات.
3- إحياء ونشر تراثهم الفكري والثقافي والعلمي.
4- إقامة المؤتمرات والمهرجانات التي تأصّل وجودهم.
5- اعتماد أسمائهم وإطلاقها على المدارس والحوزات والمؤسسات والجمعيات والمكتبات والمساجد والحسينيات.
6- اعتماد الملصقات والصور مما يكرّس حضورهم الدائم في الذاكرة.
وإذا كنا نؤكد على حضور الرموز الإيمانية في ذاكرة الأجيال، فإننا نؤكد ثانيا على ضرورة حضور الرموز الإيمانية في وجدان الأجيال.
وماذا يعني حضور الرموز في الوجدان؟
أن نعيش الانصهار والذوبان الروحي والعاطفي مع الرموز، وبتعبير آخر أن تكون علاقتنا مع الرموز علاقة حب وعشق، فلا يكفي الحضور في الذاكرة ولا يكفي الحضور في العقل إذا لم ينفتح القلب والوجدان وإذا لم تنفتح الروح والعاطفة، ومن خلال هذا الانفتاح تتكون حرارة التواصل وحرارة الارتباط، وإلا كان التواصل بارداً، والارتباط فاترا، والعلاقة خاملة.
ونؤكد ثالثا أن يكون للرموز حضور في السلوك والحركة والعمل، وأن يكون للرموز حضور في كل الواقع الروحي والثقافي والإجتماعي والسياسي، وتأسيساً على هذه التأكيدات الثلاثة يجب أن نعطي لشهيدنا السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) ولشهيدتنا السيدة بنت الهدى شقيقة السيد الصدر وشريكته في العطاء والجهاد والشهادة أن نعطي لهما حضورهما في ذاكرة الأجيال وفي وعي الأجيال، وحضورهما في وجدان الأجيال، وحضورهما في حركة الأجيال…
إن ولاءنا لشهيدنا الصدر يفرض علينا أن نصر على العمل من أجل تأصيل هذا الحضور بكل مستوياته، إذا كنا الأوفياء الصادقين لهذا الإنسان العظيم الذي أعطى دمه الزكي ثمناً لكرامتنا وعزتنا وحياتنا ووجودنا، فمن الوفاء أن نقرأه، أن نتعرف على حياته، أن نستلهم سيرته، أن نتربى من خلال مدرسته، أن نتعلم منه كيف نكون حملة رسالة، وأصحاب مبدأ، وأنصار عقيدة، ودعاة قيم، وعشاق شهادة.
المؤلفات التي كتبة عن حياة الشهيد الصدر
ورغم ما صدر عن الشهيد من كتابات ودراسات إلاّ أنّ شخصية كما هي شخصية السيد الصدر لازالت في حاجة إلى الكثير الكثير من الدراسة والبحث، ولازالت في حاجة إلى الكثير الكثير من الاستكشاف والاستنطاق.
وهنا أؤكد على الشباب والشابات أن يقرأوا الشهيد الصدر من خلال كتاباته ونتاجاته وهي كثيرة ومتنوعة، وذات مستويات متعددة، فليقرأ كل شهيدنا الصدر على حسب مستواه وثقافته، فكتابات الشهيد الصدر قادرة أن تغني كل المستويات.
كما أؤكد على الشباب والشابات أن يقرأوا الشهيد الصدر من خلال كتابات الباحثين والدارسين الذين تناولوا العديد من جوانب شخصيته، وقد يتساءل شبابنا وشاباتنا عن بعض الكتابات التي تناولت حياة الشهيد الصدر، فأحاول هنا أن أضع نماذج لهذه الكتابات:
1- الإمام الشهيد محمد باقر الصدر: دراسة في سيرته ومنهجه، المؤلف السيد محمد الحسيني.
2- الشهيد الصدر: سنوات المحنة وأيام الحصار – عرض لسيرته الذاتية وسيرته السياسية والجهادية، المؤلف الشيخ محمد رضا النعماني.
3- شهيد الأمة وشاهدها دراسة وثائقية لحياة وجهاد الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الكتاب يتألف من جزئين، الأول يتناول حياته الشخصية والعلمية، والثاني يتناول حياته السياسية والجهادية، المؤلف الشيخ محمد رضا النعماني (ولعلّ هذا الكتاب هو نفسه كتابه الأول مع إضافات).
4- مدرسة الشهيد الصدر الأخلاقية أصولها وخصائصها، المؤلف الأستاذ عادل القاضي.
5- فلسفة الصدر، دراسات في المدرسة الفكرية للإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر المؤلف الدكتور محمد عبداللاوي – جامعة وهران – الجزائر.
6- مقدمة كتاب مباحث الأصول، تناولت هذه المقدمة دراسة تحليلية مستفيضة لحياة الشهيد الصدر، بقلم تلميذه سماحة أية الله السيد كاظم الحائري.
7- هكذا قال الصدر (في المحنة وحب الدنيا) بقلم ميثم الجاسم.
8- محمد باقر الصدر: دراسات في حياته وفكره، بأقلام نخبة من الباحثين.
9 السيد محمد باقر الصدر: دراسة في المنهج، المؤلف نزيه الحسن.
هذه إشارة إلى نماذج من بعض الكتابات التي تعرفنا جانبا من حياة الشهيد الصدر، هذا الرجل العظيم الذي قال عنه الإمام الخميني رضوان الله عليه في بيانه التاريخي حيث أعلن عن استشهاد الإمام السيد الصدر وأخته المظلومة بنت الهدى، أنه (من مفاخر الحوزات العلمية، ومن مراجع الدين، ومن مفكري المسلمين) كما قال عن الشهيدة بنت الهدى أنها (من أساتذة العلم والأخلاق ومفاخر العلم والأدب).
وقال الإمام الخميني أنهما (قد نالا درجة الشهادة الرفيعة على أيدي النظام البعثي العراقي المنحط وذلك بصورة مفجعة).
قراءة في كتاب الحق المبين:
أيها الأحبة: ونحن في سياق الحديث عن الكتابات التي تناولت حياة الشهيد الصدر، أجد نفسي مضطراً أن أقف مع كتاب صدر مؤخراً في مدينة قم المقدسة، الكتاب بعنوان (الحق المبين في معرفة المعصومين) تصدّر الكتاب تمهيد تناول الاتجاهات المعاصرة في فهم النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، وقد أحدثت هذه المقدمة التمهيدية ردود فعل عنيفة على المستوى العلمائي وعلى المستوى الجماهيري وصدرت بيانات وتصريحات شاجبة ومستنكرة لما ورد في هذه المقدمة مما اعتبرته هذه البيانات والتصريحات اساءة كبيرة للشهيد الصدر، وإساءة إلى فكره وخطه ومدرسته بما تحمله من شبهات حول منهج السيد الصدر في دراسة الأئمة المعصومين، وبما تحمله من اتهامات لفهم السيد الصدر في قراءة النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين بأنه فهم إلتقاطي ومتأثر بالفكر السني وأحيانا بالفكر الغربي.
وفور صدور المقدمة المذكورة أصدر سماحة آية الله السيد كاظم الحائري بيانا أعلن فيه الحداد بتعطيل الدراسة الحوزوية احتجاجا على نسبة التشيع الإلتقاطي إلى الشهيد الصدر تغمده الله برحمته، إلاّ أنّ سماحته ألغى إعلان الحداد على أثر صدور إعتذار من صاحب المقدمة بأنه ما كان يقصد الإساءة للشهيد الصدر، وإنّ نسبة الإنحراف والإلتقاط إلى السيد الصدر كان اشتباها منه في التعبير، كما أعلن سحب مقدمة الكتاب، ورغم صدور الاعتذار فإن البيانات والاحتجاجات استمرت على اختلاف في لغتها ولهجتها، اكتفى بعضها بالتأكيد على أصالة نهج الشهيد الصدر ونقاوة فكره، ومتانة برهانه، وصعد البعض الإستنكار والاحتجاج، وطالب آخرون بمحاكمة صاحب المقدمة…
وكم تمنيننا أن لا تنزج ساحتنا في هذه المرحلة الصعبة، في هذه التوترات، وفي هذه المواجهات توفيرا للجهود والطاقات والقدرات، وكم تمنينا أن لا يصدر من شخص محسوب على مدرسة الشهيد الصدر كما هو أخونا الشيخ الكوراني ما يوجب هذه الإثارات والتوترات…
لا نرفض مبدأ النقد والمناقشة للأفكار والنظريات والآراء، إلا أن لغة الإتهام والطعن غير مقبولة وخاصة لإنسان عظيم كالشهيد الصدر يعد من أعظم مراجع المسلمين، وأبرز المفكرين في هذا العصر.
وأخيراً نتمنى أن لا يكون سماحة الشيخ الكوراني قاصدا الإساءة إلى الشهيد الصدر، وأن ما صدر منه من بعض الكلمات كان اشتباها في التعبير حسب ما جاء في اعتذاره.
فما أحوجنا في هذه المرحلة أن نحافظ على رموزنا الكبيرة في مواجهة التحديات التي تهدد وجودنا الإيماني، وتهدد أصالتنا وهويتنا وإنتماءنا.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الزيغ والزلل وأن يبصرنا طريق الهداية، وأن يوّحد كلمتنا ويجمع شملنا، وأن ينصرنا على أعداء الدين إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين،