في ذكرى شهادة السَّيِّد الصَّدر .. تأصيل العلاقة بالقيادات المرجعيَّة في عصر الغَيبة الكبرى – الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر نموذجًا للقيادة المرجعيَّة المتميِّزة – التعريف بقِممنا الإيمانية والموسمة –
مأتم السَّنابس – السَّنابس في ذكرى شهادة السَّيِّد الصَّدر تاريخ: يوم الأربعاء (ليلة الخميس)، 17 شوال 1446 هـ الموافق: 16 أبريل 2025 م
في ذكرى شهادة السَّيِّد الصَّدر
العنوان الأول: تأصيل العلاقة بالقيادات المرجعيَّة في عصر الغَيبة الكبرى
مطلوب أنْ نؤصِّل علاقتنا بالقيادات المرجعيَّة في عصر الغَيبة الكبرى والتي بدأت سنة 329ه ولا زالت مستمرة.
تاريخ أُمَّتنا حافلٌ بقِمم مِن الفقهاء والمواقع المرجعيَّة.
ولو أردنا أنْ نتحدَّث عن وطننا البحرين فقط فهو غنيٌّ بقِممٍ كبرى مِن الفقهاء والمجتهدين مِن أمثال: ابن ميثم البحرانيّ، وصاحب الغُنية، وصاحب الحدائق، والمحقِّق البحرانيّ الشَّيخ سليمان الماحوزي وأضرابهم (اقرأوا: أعلام الثَّقافة الإسلاميَّة في البحرين خلال 14 قرنًا للأستاذ الكبير سالم النُّويدري رحمه الله، وكتابه الآخر: أُسر البحرين العلميَّة).
مقترح: موسم سنوي للتَّعريف بأعلام هذا الوطن الكبار تتبنَّاه الحوزات الدِّينيَّة.
وتبقى الضَّرورة أنْ تتعرَّف أجيال الطَّائفة على أعلامنا العظام مِن أمثال شهيدنا الصَّدر (رضوان الله عليه).
العنوان الثَّاني: الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر نموذجًا للقيادة المرجعيَّة المتميِّزة
كيف نقرأ الشَّهيدَ الصَّدر؟
هناك منهجان لقراءة الشَّهيد الصَّدر:
المنهجُ الأوَّل: المنهجُ التَّجزيئيُّ
– أنْ نقرأ الشَّهيد الصَّدر فقيهًا.
– أنْ نقرأه مُفكِّرًا.
– أنْ نقرأه مُفسِّرًا.
– أنْ نقرأه فيلسوفًا.
– أنْ نقرأه اقتصاديًّا.
– أنْ نقرأه سياسيًّا.
– أنْ نقرأه كاتبًا، مؤلِّفًا، باحثًا.
والعناوين الكبيرة في حياة الشَّهيد كثيرة، وكلُّ عنوانٍ في حاجةٍ إلى مُعالجةٍ مُسْتَقِلةٍ مُتخصِّصةٍ.
فإذا أخذنا هذا العنوان: (الشَّهيدُ الصَّدرُ الكاتبُ والباحثُ والمؤلِّفُ).
فهو القِمَّةُ، فنِتاجاتُه ومُؤلَّفاتُهُ ومُصنَّفاتُه قِمَّةٌ في الإبداعِ، قِمَّةٌ في الأصالةِ، قِمَّةٌ في العُمقِ، قِمَّةٌ في التَّجديد، قِمَّةٌ في التَّميُّز.
كتاباتُه الأصوليَّةُ والفقهيَّةُ تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه الفلسفيَّة والمنطقيَّة تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه العقائديَّة والكلاميَّةُ تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه الأخلاقيَّة والعُرفانيَّة تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه القُرآنيَّةُ تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه التَّاريخيَّةُ تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه السِّياسيَّة تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه التَّنظيميَّة تُمثِّل قِمَّةً.
كتاباتُه التَّربويَّةُ تُمثِّل قِمَّةً.
وهكذا في كلِّ المجالات التي اقتحمها فكرُه، وعقلُه، وبحثه، وقلمُهُ.
كان قِمَّةً، وكان منهجًا، وكان مدرسةً، وكان عنوانًا، وكان إبداعًا، وكان تجديدًا…
هذا هو المنهج التَّجزيئيّ في قراءة الشَّهيدِ الصَّدر.
وهناك منهجٌ آخر لقراءةِ الشَّهيد الصَّدر وهو:
المنهج الآخر: المَنهجُ الشُّمُوليُّ
وهو أنْ نقرأ الشَّهيدَ الصَّدر مشروعًا كاملًا تتلاحمُ في داخلِهِ المُكوِّناتُ، فلا ينفصل الفقهُ عن الفكرِ، ولا تنفصلُ الفلسفةُ عن الاقتصاد، ولا تنفصل السِّياسةُ عن الأخلاق، ولا ينفصل التَّاريخُ عن الحاضِر.
فأيُّ المنهجين هو الأصحُّ والأصوب؟
أنْ نقرأ الشَّهيد الصَّدر قراءةً مُجزَّأةً، أو أنْ نقرأه قراءةً شموليَّةً؟
القراءتان مطلوبتان جدًّا.
فالقراءة التَّجزيئيَّة تضعُنا أمام مُكوِّناتٍ تفصيليَّة متنوِّعةٍ، وأمام مَسَاحاتٍ كبيرة عمليَّةٍ مِن حياة هذا المفكِّرِ العظيم، وهذا الفقيهِ الكبير، وهذا المرجعِ المجدِّد.
رُبَّما لا تتوفَّر عليها القراءة الشُّموليَّة.
وتبقى هذه القراءةُ الشُّموليَّةُ لها قِيمتُها الكبرى، فهي تُعطي المضمونَ الأوسعَ والأشملَ في فهم شخصيَّة الشَّهيد الصَّدر.
وإذا أردنا أنْ نقاربَ الدِّراساتِ والكتاباتِ التي صدرت حول شخصيَّة هذا المفكِّر العظيم، فهي لا زالت قليلة بالنِّسبة لمفكِّرٍ عملاقٍ كالسَّيِّد الصَّدر.
كم هو مؤسف أنْ تصدر دراسات عن فنَّانٍ، أو رسَّام، أو قصَّاص، أو رياضيّ تُشكِّل رقمًا قياسيًّا، ولا يحظى عملاقُ فكرٍ وفقهٍ واجتهادٍ إلَّا بقراءاتٍ محدودة!
لا أريد أنْ أقلِّل مِن قِيمة النِّتاجات التي صدرت حول الشَّهيد الصَّدر – هنا الحديث عن الكم – أقول هذا الكم لا زال لا يتناسب مع هذا المفكِّر والفقيه والمجدِّد.
ونبقى نثمِّن ما صدر مِن نِتاجاتٍ حاولت أنْ تقرأ الشَّهيد الصَّدر:
- محمَّد باقر الصَّدر السِّيرة والمسيرة/ أبو زيد العامليّ
خمسة أجزاء (عرض تفصيليّ لسيرة الشَّهيد الصَّدر).
- محمَّد باقر الصَّدر حياةٌ حافلة، فكرٌ خلَّاق/ محمَّد الحُسينيّ
دراسة معمَّقة وغنيَّة.
- الإمام محمَّد باقر الصَّدر معايشة مِن قريب/ محمَّد الحيدريّ.
- منهج الشَّهيد الصَّدر في تجديد الفكر الإسلاميّ/ عبد الجبار الرِّفاعيّ.
- محمَّد باقر الصَّدر دراسات في حياته وفكره/ نخبة مِن الباحثين.
ومِن الواضح أنَّ الاتِّجاه التَّجزيئيّ هو الغالب على هذه الدِّراسات والكتابات.
ورغم أهميَّة هذه الاتِّجاه، حيثُ يدوِّن كلَّ المساحاتِ التَّفصيليَّة في حياة السَّيِّد الصَّدر منذ الولادة حتَّى الشَّهادة، وهو تدوين في غاية الضَّرورة، وفي غاية الأهميَّة.
خاصَّة في هذا العصر، حيثُ ازدحمت المشاريع التي تحاول أنْ تسرقَ أجيال الأُمَّة، معتمدة كلَّ الوسائل، وأخطر الوسائل، مِمَّا يفرض على حرَّاس الوعي الإيمانيّ مِن عُلماءَ وخُطباءَ وحَمَلَةِ فِكرٍ، وصُنَّاعِ ثقافةٍ أنْ يستنفروا كلَّ القُدرات؛ مِن أجلِ حماية الأجيال.
ومِمَّا يُؤسِّس لهذه الحمايةِ الفكريَّةِ، والرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة هو التَّعريف بقِممنا الإيمانيَّة.
التعريف بقِممنا الإيمانية والموسمة
وهذا التَّعريفُ مطلوبٌ أنْ لا يتمَوسَم
ما معنى التَّموْسِم؟
للمواسم الدِّينيَّة قِيمتها الكبرى، حيثُ ينفتحُ الحديث في هذه المواسم على شخصيَّاتنا الدِّينيَّة، بدءًا مِن الشَّخصيَّاتِ المعصومة، وانتهاء بكلِّ الشَّخصيَّاتِ التي تحملُ ثِقلًا إيمانيًّا.
واعتدنا أنْ نُموسِم الإحياءات الدِّينيَّة.
بمعنى أنْ تكون الذِّكرى هي المناسبة للحديث عن هذا المعصوم، أو هذا الفقيه، أو هذا المفكِّر، أو هذا الرَّمز… وتنتهي الذِّكري فيصمت الحديثُ عن هذه المواقع!
تمرُّ ذِكرى ميلادِ أو شهادةِ الإمام الحَسن المجتبى (عليه السَّلام) فينشط الحديث عن هذا الإمام، وتنتهي المناسبة فيصمت الحديث عن إمامنا الحَسن (عليه السَّلام).
وتمرُّ ذكرى ولادة أو شهادة إمامنا الصَّادق (عليه السَّلام) ويكون الأمر كذلك.
وهكذا نتعامل مع مناسبة النِّصفِ مِن شعبان ذِكرى إمامنا الحُجَّةِ المهديّ المنتظر (عليه السَّلام).
وتمتدُّ الظَّاهرة إلى رموزنا الكبيرة مِن فُقهاء، وعُلماء، ومواقع دِينيَّة…
أنا لا أرفض أنْ يتمركز الحديث في المناسبات، فهي محطَّاتٌ مهمَّةٌ جدًّا تؤسِّسُ لانطلاقة التَّعريف بهذه المواقع الإيمانيَّة.
ما أعنيه لماذا يصمت الحديث في بقيَّة الأزمان والأوقات؟
الذي أعطى الإمام الحُسين (عليه السَّلام) حضورًا دائمًا هو هذه المجالس المتحرِّكة طيلة الأيَّام واللَّيالي؛ مِمَّا أصلَّ الولاء العاشورائيّ.
قد يُقال إنَّ لِعاشوراء وَهجُها الخاص.
هذا صحيحٌ… إلَّا أنَّ الولاء للرُّموز المعصومة لهُ وهجه الكبير.
وكذلك عشقُ الرُّموزِ الدِّينيَّةِ الشَّاخِصة.
أخلصُ للقول ونحن نحتفلُ بذكرى شهادة السَّيِّد الصَّدر، وذكرى شهادةِ شقيقتِه السَّيِّدة آمنة الصَّدر بنت الهُدى، والتي شاطرتهُ الجِهادَ والصُّمودَ والنَّشاطَ والثَّباتَ والعَطاءَ والتَّضحيةَ والشَّهادة.
أخلصُ للقول أنَّ مسؤوليَّتَنا أنْ نحافظ على هذه المناسبات؛ لتبقى في ذاكرة الأجيال.
إنَّها مسؤوليَّةُ كلِّ مواقعِ الفكرِ والوَعْي.
مسؤوليَّة الحوزات.
مسؤوليَّة المساجد، والحُسينيَّات، والمواقع الدِّينيَّة.
مسؤوليَّة العُلماء والخُطباء والمفكِّرين والمثقَّفين.
إنَّها مسؤوليَّة أجيالنا، وكما تقدَّم القول مطلوبٌ مِن أجيالنا:
– أنْ تملكَ وعي الارتباطِ بهذه الرُّموز الإيمانيَّة.
– أنْ تملكَ الولاءَ كلَّ الولاء لها.
– أنْ تملكَ الاقتداءَ، صِدقَ الاقتداء بها.
– أنْ تملك رساليَّة الانتماء.
ما معنى رساليَّة الانتماء؟
حينما يكون الحديثُ عن شهيدِنا السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر
وحينما يكون الحديثُ عن شهيدتنا بنت الهُدى آمنة الصَّدر
أبرز ما ننفتح عليه في هذا الحديث عنوانُ الجهادِ مِن أجلِ الإسلام، وجهادُ الشَّهيدِ الصَّدر وجهادُ الشَّهيدة بنت الهُدى هو جهادٌ اتَّسع لكلِّ العناوين.
هو جهاد الكلمة؛ الكلمة النَّاطقة، والكلمة المكتوبة، بكلِّ مساحات هذه الكلمة.
ولا يتَّسع لقاءٌ عاجلٌ لمقاربة ما صدر عن الشَّهيد الصَّدر، وعن شقيقتِهِ مِن نتاجات علميَّة، وفكريَّة، وثقافيَّة شكَّلت عناوين كبيرة في مجالات الوَعْي والعِلم والبِناء.
كما هو جهاد الموقف بكلِّ أثمانِهِ الكبيرة كان ثمنه دم الشَّهيد الصَّدر، وكان ثمنه دم الشَّهيدة بنت الهُدى، وما أغلاه مِن ثمن، إلَّا أنَّ الشَّهيدَ الصَّدر استرخص هذا الثَّمن مِن أجلِ الإسلام.
وأنَّ السَّيِّدة بنت الهُدى استرخصت هذا الثَّمن مِن أجلِ الرِّسالة.
هكذا كان الشَّهيد الصَّدر عظيمًا بحجم ما للإسلام مِن عَظمة.
وهكذا كانت الشَّهيدة بنت الهُدى عظيمة بحجم ما للرِّسالة مِن عَظمة.
فإحياؤنا لذكرى الشَّهادةِ في حياة السَّيِّد الصَّدر.
وإحياؤنا لذكرى الشَّهادة في حياة السَّيِّدة بنت الهُدى؛ هو إحياءٌ للإسلام بكلِّ قِيمه، وهو إحياءٌ للرِّسالة بكلِّ مُثُلها.
إنَّ أجيالًا امتدَّت مِن بداية خمسينات القرن العشرين الميلاديّ وحتَّى هذا الزَّمان، هي مَدِينَة لِمدرسة الشَّهيد الصَّدرِ، ولِجهادِ الشَّهيد الصَّدر، ولِدمِ الشَّهيدِ الصَّدر.
فمِن الوفاء لهذا الرَّجلِ العظيم الذي أعطى كلَّ وجودِهِ مِن أجلِ الإسلام، ومِن أجلِ أجيالِ الإسلام أنْ تجدِّد الأُمَّة ذِكراه، وأنْ تعطيه حضوره في كلِّ وجودها، فقد كان الحاضر في كلِّ قضاياها، وفي كلِّ همومها، وفي كلِّ طموحاتها، وكذلك شقيقته السَّيِّدة بنت الهُدى شريكته في هذا المسار الطَّويل، وفي هذا الجهادِ الصَّعب، هي الأخرى مطلوبٌ مِن الأجيال أنْ تجدِّد ذكراها، وأنْ تعطيها كلَّ الحضور.
ولا يكفي أنْ تحتفي الأجيال بذكرى رحيل هذين الرَّمزين، وهذا أقلُّ الواجب، إنَّ الوفاءَ للشَّهيد الصَّدر وللشَّهيدة بنت الهُدى أنْ يكونا الحاضرين في كلِّ مسيرة أجيالنا، وفي كلِّ هموم أجيالنا، وفي كلِّ جهادِ أجيالنا، وبقدر ما يكون هذا الحضور جادًّا وصادقًا يكون الوفاء جادًّا وصادقًا، ويكون الاحتفاء جادًّا وصادقًا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
وصلَّى الله على محمَّد وآله الطَّاهرين