حديث الجمعة 657 : ذكرى المبعث النَّبوي الشَّريف – في ذكرى الإسراءِ والمعراج – الإسراء والمعراج تكرِّس مسؤوليَّة المسلمين تجاه القدس والمسجد الأقصى
مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (657) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 29 رجب 1446هـ الموافق: 30 يناير 2025 م
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
ذكرى المبعث النَّبوي الشَّريف
نلتقي في هذه الأيَّام بأعظم مناسبةٍ في تاريخ الدُّنيا، وهي مناسبةُ البعثَة النَّبويَّة.
ولماذا هيَ أعظمُ مناسبةٍ في تاريخ الدُّنيا؟
لا شكَّ أنَّ الأنبياء هم قِممُ البشريَّة.([1])
ولا شكَّ أنَّ أُولي العزمِ مِن الأنبياء وهم: نبيُّ الله نوح، ونبيُّ الله إبراهيم، ونبيُّ الله موسى، ونبيُّ اللهِ عيسى، ونبيُّ الله وسيِّد الأنبياء الحبيب المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، هؤلاء هم قمم الأنبياء وسادات الأنبياء.
وقِمَّة هذه القِمم، وأعظم هؤلاء الرُّسل هو نبيُّنا الأعظم مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فالبعثة النَّبويَّة تُمثِّل اليوم الذي انطلقت فيه أعظم رسالة، وأعظم نبوَّة في تاريخ البشريَّة.
وكلُّ المناسبات في تاريخ الإسلام هي امتدادٌ لهذا اليوم العظيم.
- سُئِل الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): غَيْرُ هذه الْأَعْيَادِ شَيْئٌ؟
[يعني هل يوجد غير الأعياد المعروفة عند المسلمين كالفطر والأضحى عيدٌ؟]([2])
فأجاب الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «نَعَمْ، أَشْرَفُهَا وَأَكْمَلُهَا الْيَوْمُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله)».
فقَالَ السَّائلُ: فَأَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟
قَالَ الإمامُ الصَّادق (عليه السَّلام): «إِنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ».
قَالَ: قُلْتُ: فَمَا نَفْعَلُ فِيهِ؟ قَالَ (عليه السَّلام): «تَصُومُ وَتُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ (عليهم السَّلام)».([3])
- وفي رواية عن الإمامِ الجواد (عليه السَّلام) قالَ: «إِنَّ فِي رَجَبٍ لَيْلَةً [لليلة] هِيَ خَيْرٌ لِلنَّاسِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَهِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ نُبِّئَ رَسُولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله) فِي صَبِيحَتِهَا وَإِنَّ لِلْعَامِلِ فِيهَا – أَصْلَحَكَ اللهُ – مِنْ شِيعَتِنَا مِثْلَ أَجْرِ عَمَلِ سِتِّينَ سَنَة، …».([4])
كم كان عمر النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حينما بُعث؟
أشهرُ الرِّواياتِ تقول: أنَّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بُعث وهو في سِنِّ الأربعين.
وكان (صلَّى الله عليه وآله) منذُ نشأ يُسمَّى (الصَّادق الأمين) ما كذب ولا خان طرفة عين.
تُحدِّثُنا مصادرُ التَّاريخ([5]):
أنَّ قريش أجمعت على بناءِ الكعبة، بعد السَّيلِ الكبير الذي أصابَها.
وتمّ البناء بجهود كلِّ القبائل.
وبقيت مرحلةُ وضعِ الحجر الأسود.
وهنا اختصمت القبائل، مَنْ الذي يحظى بشرفِ وضع الحجرِ الأسودِ في موضعه، فكلُّ قبيلةٍ تريد أنْ يكون لها هذا الشَّرف، واشتدَّ الخِصام والنِّزاع بينهم، وتأهَّب الجميع للقتال، واستمرَّ هذا الوضع المتأزِّم بينهم أربع ليال، وإنذارات الحرب تتصاعد، وصيحات الدَّم تقوى.
وهنا انبرى أبو أميَّة بن المغيرة – وكان أسنَّ قريش – فقال: يا معشر قُريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوَّلَ مَنْ يدخلُ من بابِ هذا المسجد يقضى بينكم فيه.
فأقرُّوا رأيَهُ، وراحوا ينتظرونَ أوَّلَ داخلٍ فكان مُحمَّدًا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمينُ رضينا، هذا محمَّدٌ.
فلمَّا انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال: «هلمُّوا اليَّ ثوبًا» فجيئ به، فأخذ الحجر فوضعه فيه بيده الشَّريفة، ثُمَّ قال: «لتأخذ كلُّ قبيلة بجانب مِن الثَّوب وليرفعه الجميع».
ففعلوا حتَّى إذا بلغُوا به موضعَهُ أخذه هو (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بيده الشَّريفة ووضعه حيث مكانه.
وهكذا كانوا يثقون به وقبل أنْ يُبعث نبيًّا لأنَّهم لم يشهدوا منه أيَّةَ كذبة، وأيَّة خيانة، وأيَّة زلَّة، لأنَّ الله سبحانه أعدَّه لأعظم رسالة في تاريخ هذه الدُّنيا.
- وفي بعض الرِّوايات أنَّ الله سبحانه وكَّل «بمُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مَلَكًا عَظيمًا منذ فُصِل عن الرَّضاع، يُرشِدُهُ إلى الخَيراتِ ومَكارِمِ الأخلاقِ، ويصدَّهُ عن الشَّرِّ ومساوي الأخلاق، وهو الَّذي كان يناديه: السَّلام عليك يا مُحمَّد يا رسول الله، وهو شابٌّ لم يبلغ درجة الرِّسالة بعد، …».([6])
جميع الأنبياء بشَّروا بنبوَّة مُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله)
– نبيُّ الله إبراهيم بشَّرَ بنبوَّة مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله)
﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾. (البَقَرَةِ: الآية 129)
– بشارة التَّوراة والإنجيل
﴿ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ …﴾. (الأَعۡرَاف: 157)
– بشارة نبيِّ الله عيسى
﴿وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ …﴾. (الصَّف: الآية 6)
نُسَخ التَّوراةِ والإنجيلِ الموجودةُ محرَّفةٌ وقد حُذِفَ منها اسمُ النَّبيِّ مُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ماعدا (إنجيل برنابا).
أيُّها الأحِبَّة:
إنَّ يوم المبعث هو مِن أعظم المحطَّات الإيمانيَّة والرُّوحيَّة، فإذا كانت محطَّات التَّعبئة كثيرة (يوميَّة، وأُسبوعيَّة، وشهريَّة، وسنويَّة)، فلا شكَّ أنَّ يوم المبعث مِن أبرزها، فهذا اليوم يؤصِّل العلاقة بأعظم وأقدس يوم في تاريخ الدُّنيا.
ففي يوم المبعث يجب أنْ نعيش الانبعاث:
– الانبعاث الإيمانيّ
– الانبعاث الثَّقافيّ
– الانبعاث الرُّوحيّ
– الانبعاث السُّلوكيّ
– الانبعاث الرِّساليِّ
فيجب أنَّ يؤصِّل خطاب هذه المناسبة هذه الانبعاثات، هنا تتحدَّد قِيمة الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة.
في ذكرى الإسراءِ والمعراج
يرى فريقٌ مِن المسلمين أنَّ ليلةَ السَّابعةِ والعشرين مِن شهرِ رجب هي ليلةُ الإسراءِ والمعراج.
وهذه المناسبةُ من أعظمِ المناسباتِ في تاريخ الرِّسالة، وقد شهدتْ معجزة كبرى لنبيِّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
بدأت رحلةُ الإسراءِ مِن المسجدِ الحرام وانتهت بالمسجد الأقصى في فلسطين.
وهذا ما أكَّدتهُ الآيةُ الأولى في سورة الإسراءِ حيثُ قالت:
- ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾.
وبدأتْ رِحلةُ المعراجِ مِن المسجدِ الأقصى وانتهت عند سدرةِ المنتهى في السَّماواتِ العُلى.
- جاء في سورة النَّجم الآيات (8 – 11):
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ * فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ * مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ﴾.
هناك مَنْ حاول أنْ يُفرِّغ هذه المعجزة العظمى مِن مضمونها الكبير:
فذهب البعضُ أنَّ الإسراء والمعراج إنَّما هي رؤيا في المنام للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
وقال آخرون أنَّ الإسراء والمعراج كانا بالرُّوح لا بالجسدِ.
وقال فريقٌ ثالث أنَّ الإسراء مِن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بالجسد، والمعراج مِن المسجد الأقصى إلى السَّماء كان بالرُّوح.
هذه الأقوال كلُّها باطلة، فهي تفرِّغ الإسراء والمعراج مِن المضمون الكبير.
والرَّأي الصَّائب والذي يتبنَّاه أغلب المسلمين بمختلف طوائفهم أنَّ الإسراءَ والمعراجَ كانا بالرُّوح والجسد، فالتَّعبيرُ القُرآنيُّ: ﴿أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ﴾، والتَّعبيرُ القرآنيُّ: ﴿فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ﴾ تعبيرٌ واضحٌ في أنَّ الإسراءَ والمعراج كانا بالرُّوح والجسد.
وأمَّا تشكيك الذين لا يؤمنون باللَّه، وبقدرات الله، وبالإعجاز فهو تشكيكٌ ساقطٌ لا قِيمة له.
قالوا:
كيف استطاع مُحمَّد أنْ يقتحم الأجواء الحراريَّة العالية في طبقات الجو؟
وكيف تخلَّص مِن الجاذبيَّة؟
وكيف تخلَّص مِن مشكلة انعدام الوزن؟
وكيف تخلَّص مِن الغلاف الجويِّ؟
وكيف تخلَّص مِن الشُّهب؟
وكيف تخلَّص مِن مشكله انعدام الأوكسجين؟
وكيف تخلَّص؟ وكيف تخلَّص؟
هؤلاء يتحدَّثون بحسب إمكانات البشر ولا يؤمنون بقدرات الخالق العظيم، فتاريخ الأنبياء حافلٌ بالمعجزات الكبرى التي تجاوزات قُدرات البشر.
فنار إبراهيم كانت بردًا وسلامًا.
وعصى موسى فلقت البحر.
وعيسى أحيا الموتى.
وإذا أردنا أنْ لا نتحدَّث بلُغة الإعجاز، فها هي معطيات العلم الحديث وفَّرت للإنسان قُدرات مكَّنته مِن اقتحام الفضاء.
وما يُدرينا لعلَّ (البُراق) الذي امتطاه النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في هذه الرِّحلة الكونيَّة مصمَّمٌ لتجاوز كلِّ التَّعقيدات الجويَّة والفضائيَّة.
كلمة أخيرة
يشكِّلُ المسجد الأقصى موقعًا مركزيًّا في هذه الرِّحلة الكبرى رحلة الإسراء والمعراج، ممَّا يضع المسلمين أنظمةً وشعوبًا أمام مسؤوليَّتهم الكبرى تجاه هذا المسجد الذي باركه الله وبارك ما حوله، فكلُّ القُدس التي حول هذا المسجد هي مباركة وعظيمة، فهل قام المسلمون أنظمةً وشعوبًا بمسؤوليَّتهم الكبرى تجاه القُدسِ ومسجدها العظيم؟
في مرحلة يهدِّد الصَّهاينة باحتلال هذا المسجد، وفي العبث بكلِّ قدسيَّته، وفي العبث بالأرض المقدَّسة حوله.
مطلوب مِن الخطابِ الدِّينيِّ، والخطاب الوطنيِّ لدى العربِ والمسلمين أنْ يكون مِن أولوياتهما الدِّفاع عن المسجد الأقصى، وعن القُدس، وعن كلِّ الأرضِ المحتلة.
لسنا أمناء على قُدسِنا، ومسجدِنا الأقصى إذا صمت الخطاب، وصمتت المواقف، وصمتت المشاعر، مهما كانت المبررات، ومهما كانت الدَّوافع.
أنْ تبقى المواقف صامتة، أو متفرِّجة تفريطٌ كبيرٌ في مسؤوليَّةٍ دِينيَّة، وفي مسؤوليَّة وطنيَّة.
والأخطر مِن ذلك حينما يحوَّل الصَّمتُ إلى دعمٍ ومساندةٍ ومباركةٍ لما يقوم به الكيان الغاصب، مسؤوليَّتنا جميعًا أنْ نكرِّس المفاصلة بكلِّ مساحاتها مع هذا الكيان، فكم هو مدمِّر لكلِّ هُويَّتنا، ولكلِّ قِيمنا وأخلاقنا أنْ تسقط هذه المفاصلة.
أُكرِّر القول بأنَّ ذكرى الإسراء والمعراج تكرِّس مسؤوليَّة المسلمين تجاه القدس، وتجاه المسجد الأقصى، حمى الله قُدسنا ومسجدَنا الأقصى مِن دنسِ الغاصبين المعتدين.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
[1]– – عدد الأنبياء حسب الرِّوايات مائة ألف وأربعة وعشرون ألف.
– عدد الرُّسل 313.
– أُولو العزم (أصحاب شرائع) وبعثوا للعالم خمسة.
– ما ورد ذكرهم في القُرآن الكريم بضعة وعشرون نبيًّا: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ …﴾. (غَافِر: الآية 78)
[2]– إضافة توضيحيَّة من سماحة السَّيِّد وليست من المصدر.
[3]– الطُّوسيّ: مصباح المتهجِّد، ص 820.
[4]– ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 670.
[5]– انظر: الكامل في التَّاريخ، ج 2، ابن الأثير، ص 45
“ثمّ جمعوا الحجارة لبنائها ثمَّ بنوا حتى بلغ البنيان موضع الركن، فأرادت كلُّ قبيلة رفعه إلى موضعه حتى تحالفوا وتواعدوا للقتال، فقرَّبت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثمَّ تعاقدوا هم وبنو عديّ على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم فسمُّوا لعقة الدم بذلك، فمكثوا على ذلك أربع ليال ثمّ تشاوروا.
فقال أبو أميَّة بن المغيرة، وكان أسنَّ قريش: اجعلوا بينكم حكما أوَّل من يدخل من باب المسجد يقضي بينكم، فكان أوَّل من دخل رسول الله، صلَّى اللَّه عليه [وآله] وسلَّم. فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأخبروه الخبر، فقال: هلمُّوا إليَّ ثوبا، فأتي به، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ثمَّ قال:
«لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية من الثوب ثمَّ ارفعوه جميعا»، ففعلوا. فلمَّا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثمَّ بني عليه”.
[6]– ابن ميثم البحراني: شرح نهج البلاغة، ص 314.