آخر الأخبارشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 655: مدرسةُ الصِّدِّيقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام) هي مدرسةُ العِفَّةِ – لماذا تُذبحُ الطفولةُ البريئة في غزَّة وفي كلِّ فلسطين؟

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (655) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 24 جمادى الآخرة 1446هـ الموافق: 26 ديسمبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

مدرسةُ الصِّدِّيقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام) هي مدرسةُ العِفَّةِ

ولا تحملُ المرأةُ المسلمةُ عنوانًا أكبر من عِنوانِ العِفَّةِ.

والعِفَّةُ طهارةُ قلبٍ، ونظافةُ سُلوكٍ.

ولا يُزيِّنُ المرأة عُنوانٌ كما يزيِّنها العَفافُ والسِّترُ، ولا يُسقطُها عنوانٌ كما يُسقطُها التبرُّجُ والتَّهتُّك.

ونحنُ في عَصْرٍ نشُطتْ فيه المعركةُ بين العَفَافِ والتَّبرُّجِ وبين السِّترِ والتَّهتُّكِ.

وحراكُ التَّبرُّجِ والتَّهتُّكِ مدعومٌ من قبل مؤسَّساتِ كبرى اقتحمت مجتمعاتِ المسلمين مزوَّدةً بكلِّ القُدُراتِ، ممَّا أعطاها حضورًا استطاعَ أنْ يَسْرُقَ أعدادًا كبيرة من أجيالِ أمَّتنا رجالًا ونساءً، وإن كان نصيبُ المرأةِ من هذا العبثِ وافرًا وكبيرًا.

لأنَّ مشاريعَ العبث بقِيَم أمَّتنا تدرك تمامًا أنَّ سرقةَ الأجيالِ النِّسائيَّة تؤسِّسُ لسَرقةِ كلِّ واقعنا، فحينما تُسرقُ البنتُ، وحينما تُسرقُ الزَّوجة، وحينما تُسرَق الأم سُرقتْ كلُّ المكوِّنات.

هنا تتأكَّدُ مسؤوليَّةُ الخطابِ الدِّيني، ومسؤوليَّةُ المشاريعِ الدِّينيَّةِ في تحصينِ المرأةِ بنتًا، أختًا، زوجةً، أمًّا، وبقدر ما ينجحُ هذا التَّحصينُ تتشكَّلُ الحمايةُ الفاعلةُ لمجتمعاتِ المسلمين.

وليس ترفًا فكريًّا حينما نتحدَّث عن دور المسجدِ، وحينما نتحدَّثُ عن دورِ المنبر، وحينما نتحدَّث عن دور المشاريع الدينيةِ الفاعلةِ، وبقدر ما تنشطُ هذه الأدوارُ، وبقدر ما تصدقُ هذه الأدوارُ يتشكَّلُ التَّحصينُ الجادُ لهذه المجتمعاتِ الإسلاميَّة.

وبكلِّ تأكيدٍ المعركةُ ليست سَهْلةً، إنَّها في حاجةٍ إلى صبر، وثبات، وعطاء، وتضحيات، وحينما نتحدَّث عن هذه العناوين لا نتحدَّث عن تطرُّف وعنفٍ، كما هي شعاراتُ دعاة الإرهاب الذين لا يريدون إلَّا الشَّرَّ بمجتمعات المسلمين، فكم أرهق هؤلاء مجتمعاتِ أمَّتنا، وكم أتعبوها وأفسدوها وعبثوا بقيمها وأمنها وسلامها.

نعم حينما نتحدَّث عن حَرَاكاتٍ إصلاحيَّةٍ فاعلةٍ نتحدَّث عن حَرَاكاتٍ سلميَّةٍ، نظيفةٍ، مخلصةٍ، صادقةٍ، مُوحِّدةٍ لا مُفرِّقةٍ، مُقارِبةٍ لا مُشتِّتةٍ، مُصلحةٍ لا مُفسدةٍ، مُعمِّرةٍ لا مُدمِّرةٍ، مُؤالفة لا مُخالفة.

هذا لا يعني أنْ يجاملَ دعاةُ الإصلاحِ مساراتِ الفسادِ، ومواقعَ الباطل، وإلَّا ضاعت الأهدافُ الكبيرة لحركة الإصلاح، وإلا تلكَّأت قِيَمُ التَّغيير، وقِيَمُ البناء، وقِيَمُ الخير.

أعودُ للحديثِ عن:

سترِ المرأةِ المسلمةِ

وهو عنوانٌ كبير من عناوينِ الإصلاحِ في أوطانِنا الإسلاميَّة، بعد أن اقتحمت هذه الأوطانَ شعاراتٌ تزعم أنَّها تُحرِّرُ المرأةَ، وهذه الشِّعارات سُوِّقت تسويقًا خادعًا، ممَّا أسقط أعدادًا غير قليلةٍ من نساءِ أمَّتنا في أسر هذه الشِّعارات المزوَّرة، والتي وُظِّفت لتسويقها وسائل كبيرة ومؤسَّسات فاعلةٍ ومؤثِّرة.

ومن الأساسيَّات في ثقافة السِّتر الشَّرعي أن تتعرَّف المرأة المسلمة على الضَّوابط الشَّرعيَّة المطلوب توافرها في لباس المرأة.

فقد وضع الإسلام مجموعة ضوابط يجب أن تحكم لباس المرأة في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان، ولا يسمح الشَّرع الإسلامي بالتَّنازل عن هذه الضَّوابط؛ كونها ترتبط بحاجات الكينونَة الإنسانيَّة في داخل المرأة.

قد يسمح الإسلام في تغيير الشَّكل والصُّورة إلَّا أنَّه لا يتسامح في إلغاءِ الضَّوابط والمكوِّنات.

 

الضَّوابط الثابتة

التي حدَّدتها الشَّريعة الإسلاميَّة في لباس المرأة المسلمة.

وهي ضوابط لا يسمح الإسلام بالتَّنازلِ عنها مهما تغيَّر الزَّمان والمكان، كونها لا ترتبط بحاجات الزَّمان والمكان المتغيِّرة، وإنَّما ترتبط بحاجات الكينونة الإنسانيَّة في داخل المرأة.

حدَّد الاسلام ثلاثة ضوابط ثابتة يجب أن تحكم لباس المرأة، هذه الضَّوابط هي:

(1) أن يغطى اللِّباس بدنَ المرأة.

وهناك استثناء يأتي الحديثُ عنه …

(2) أنْ لا يكون لباس المرأة رقيقًا (شافًّا) يحكي لون البشرة.

(۳) أنْ لا يكون لباس المرأة يُمثِّل شكلًا من أشكالِ التَّبرُّج.

يأتي الحديث عن معنى التَّبرُّج.

هذه ثلاثة مكوِّنات (ضوابط) مطلوبٌ أن تتوفَّر في لباس المرأةِ مهما تغيَّر الزَّمانُ وتغيَّر المكان.

أحاول أنْ ألقي ضوءًا على كلِّ مكوِّنٍ من هذه المكوِّنات بحسب ما يتَّسع له وقت هذه الكلمة.

أبدأ بالمكوِّن الأوَّل

أنْ يغطي اللِّباسُ بدنَ المرأة.

هناك اتِّجاهانِ لدى الفقهاء حول هذا المكوِّن:

الاتِّجاه الأوَّل: ويذهب إلى وجوب سترِ البدنِ بكامله حتى الوجه والكفين.

الاتِّجاه الثَّاني: ويذهب إلى استثناءِ بعضِ المواقعِ في البدن.

  • وردت آية قرآنيَّة تقول:

﴿… وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ …﴾ (سورة النُّور: 31).

فما هي الزِّينة المستثناة؟

– الوجهُ والكفَّانِ فقط.

– الوجهُ والكفَّانِ والقدمان.

– الثِّياب الخارجيَّة فقط.

– الكحل والخضاب.

– الخاتم والسَّواد والحذاء.

وما عدا ذلك فيجمع علماءُ المسلمين على وجوب سترِ بدن المرأة أمام الرجل الأجنبي إلَّا في الحالات الاستثنائيَّة المنصوص عليها شرعًا، ربما نعرض لها في حديث آخر.

هذا هو رأي الشَّريعة الصَّريح الواضح، فلا يُلتفت إلى مقولات لا تعبِّر عن رؤية شرعيَّة أصيلة، ولا تستند إلى فهم فقهي متخصِّص.

وممَّا يؤسف له أنْ تتجرَّأ بعضُ الأقلام على اقتحام مواقع الفتوى بكلِّ سهولةٍ، وكأنَّ مجرَّد القدرة على كتابة مقالة صحفيَّة، أو إلقاء محاضرة ثقافيَّة، أو اجتماعيَّة، أو سياسيَّة تؤهِّل هذا أو ذلك لأن يكون فقيهًا قادرًا على إعطاء الرأي الشَّرعي!!

الفقاهة تخصُّص كما هو التَّخصُّص في بقيَّة المجالات، فمن يملك كفاءة هذا التَّخصُّص فالمجال مفتوح أمامه، وإلَّا فليترك الميدان لفرسانه.

نتابع الحديث إن شاء الله حول بقيَّة مكوِّنات لباس المرأة المسلمة.

 

كلمة أخيرة

لماذا تُذبحُ الطفولةُ البريئة؟

يرتكب الاحتلال في غزَّة وفي كلِّ فلسطين مجازر مرعبة، غالبيَّة ضحاياها من الأطفال، فما ذنب الطفولة البريئة؟

إذا كان الكبار يقاتلون، يحاربون، يواجهون فما ذنب الصِّغار تَطالهم أسلحة الفتك والدَّمار والإبادة؟!

آلاف الأطفال يموتون قتلًا بوسائل الحرب الفاتكة والمدمِّرة، هذه الوسائل التي صنعتها قوى الشَّرِّ في هذا العالم، وزوَّدت بها هذا الكيان الظَّالم الذي لا يملك ضميرًا، ولا قِيَمًا، ولا رحمة.

هكذا مات الضَّمير، وهكذا ماتت القِيَم.

أين منظَّمات العالم التي تدافع عن حقوق الأطفال، إذا كان هناك اعتراف بحقوقٍ للأطفال، وإذا كان هناك ضمير حيٌّ يراقب ما يحدث لأطفال غزَّة، أم هي شعاراتٌ للاستهلاك الإعلامي؟!

وإذا كان هناك آلاف الأطفال في غزَّة يموتون قتلًا بوسائل الفتك المدمِّرة، فهناك الآلاف يموتون بسبب الجوع المتعمَّد، فالخطر كلُّ الخطر يهدِّد حياة الأطفال في غزَّة لسوء التَّغذية، وانعدام المواد الأساسيَّة.

كم هي مآسي عاشوراء حاضرة في هذا العصر وعلى أرضِ فلسطين؟

لقد ذبحت الطُّفولة البريئة في كربلاء.

جاءت الحوراء (سلام الله عليها) بطفل رضيع إلى أخيها الحسين (عليه السَّلام).

أخي حسين هذا رضيعُك يبحث عن قطرة ماء تفتَّت كبده من الظَّمأ، وغارت عيناه من العطش،

اطلب من هؤلاء القوم قليلًا من الماء.

احتضن الحسين (عليه السَّلام) طفلَهُ الرَّضيع.

نظر إليه وقبَّله.

حَمَل خطواتِه نحو القوم.

خاطبهم بكلماتٍ حاولت أن تعثر على بقيَّة رحمةٍ إنْ كانت في قلوبهم.

إنْ لم ترحموني فارحموا هذا الطِّفل الرَّضيع.

إلَّا أنَّ القلوب كانت أقسى من الحجارة.

وجاء الجواب من حرملة بن كاهل.

صوَّبَ سهمًا حاقدًا فذبح الطِّفلَ الرَّضيعَ من الوريد إلى الوريد وهو بين يدي أبيه الحسين (عليه السَّلام).

تلقى الحسين (عليه السَّلام) الدَّم بكفِّهِ، رمى به نحو السَّماء.

هكذا مارسوا كلَّ اللُّؤم فذبحوا حتى الرُّضع الصِّغار، وأرعبوا الطُّفولة البريئة.

وها هم اليوم صُنَّاعُ القتلِ في فلسطين يقتلون طفلًا في كلِّ ساعة كما جاء على لسانِ وكالةِ غوث اللَّاجئين الفلسطينيِّين.

وأضافت هذه الوكالةُ في بيانٍ صَادرٍ عنها:

“لا مكان للأطفالِ، فمنذ بدايةِ الحرب تمَّ الإبلاغ عن مقتل 14500 طفل في غزَّة بحسب منظمة الأمم المتَّحدة للطُّفولة”.

وأكَّدت هذه الوكالة:

“عدم وجود مبرِّراتٍ لقتل الأطفال في غزَّة، وأنَّ كلَّ مَنْ نجا مِن الأطفالِ أصيب بندوب جَسَديَّةٍ ونفسيَّة…”.

وأشارت الوكالة إلى أنَّ “الأطفال محرومون من التَّعليم؛ حيث يقضي الفتيان والفتيات في غزَّة وقتهم في البحث بين رُكام الأنقاض”.

وأضافت قائلة:

“الوقت ينفذ بسرعة لهؤلاء الأطفالِ، إنَّهم يخسرون حياتهم، ومستقبلهم، ومعظمَ آمالِهم”.

هكذا يموتُ أطفالُ غزَّةَ وفلسطين.

وهكذا يَجُوعُون.

وهكذا يضيعون.

فماذا قدَّمتْ لهم منظمات الطُّفولة في العالم؟!

وماذا قدَّم لهم العربُ والمسلمون أنظمةً وشعوبًا؟

سوف يبقى نداءُ الطُّفولةِ في غزَّةَ وفلسطين يستصرخ الضَّمائر، ويستصرخ القِيَم إنْ كان هناك بقيَّة من ضمائر وبقيَّة من قِيَم.

وآخر دعوانا أنْ الحمد للهِ ربِّ العالمين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى