آخر الأخبارشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 653: دور المرأة في المنظور الإسلامي – افساد بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ في قوله تعالى: ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا﴾

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول | حديث الجمعة (653) التاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 3 جمادى الآخرة 1446هـ الموافق: 5 ديسمبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

دور المرأة في المنظور الإسلامي

مطلوبٌ أن تكونَ المرأة بنتًا صالحةً، وأختًا صالحة.

وأنْ تكون زوجةً صالحة.

وأن تكون أمَّا صالحة.

إلى هنا يكون دورُ المرأةُ في داخلِ البيتِ وهو دورٌ جهاديٌّ كبيرٌ، وبقدرِ ما تتشكَّل الأسرُ الصَّالِحَةُ يتكوَّنُ البناءُ الاجتماعي الصَّالح.

أسرٌ صالحةٌ تؤسِّسُ لمجتمعٍ صالح.

وأسرٌ فاسدةٌ تؤسِّسُ لمجتمعٍ فاسد.

هكذا تُكرِّسُ المشاريعُ الإفساديةُ في بلدان المسلمين على إفسادِ الأُسرِ؛ من أجلِ إنتاج مجتمعاتٍ فاسدةٍ.

فلنحصِّن أسرَنا، وبالتَّالي نُحصِّنُ مجتمعاتِنا، ونحمي كلَّ واقعنا.

هنا يأتي دور المرأة.

المرأة حينما تكون بنتًا تترسَّم الإسلام.

وحينما تكون أختًا تحملُ قِيَم الدِّين.

وحينما تكون زوجةً ملتزمةً مطيعة لله.

وحينما تكونُ أمًّا تُربِّي أجيالًا صالحةً.

 

يبقى السُّؤال:

وهل للمرأة دورٌ يتجاوزُ حدود البيتِ والأسرة؟

هناكَ اتِّجاهٌ لا يسمح للمرأة أنْ تمارسَ دورًا في خارج البيت، فجهادها الأعظم أنْ تكون الزَّوجة النَّموذج، وأنْ تكون الأمَّ النَّموذج، وأنْ تكون ربَّة بيتٍ النَّموذج.

ويملك هذا الاتِّجاه بعضَ أدلَّة تقدَّم بعضها وفيها نظر وتأمُّل، رغم تأكيدنا على الدُّور الأسري للمرأة وهو دور في غاية الأهمِّية والخطورة، ولا يجوز أنْ يضعفَ هذا الدور.

والاتِّجاهُ الآخرُ يُعطي للمرأة حضورًا كبيرًا فاعلًا يتجاوز مساحةَ البيتِ والأسرة، مع ضرورة التَّأكيد أنْ لا تُفرِّط المرأة بهذه المساحة.

وهل يملكُ هذا الاتِّجاهُ الآخر مستنداتٍ شرعيَّةً من آياتٍ وروايات؟

نقرأ في القرآنِ الكريمِ مجموعةَ آياتٍ قرآنيَّة، أذكر منها:

  • قوله تعالى:

﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ …﴾. (سورة التَّوۡبَة: الآية 71)

نلاحظ في هذا النَّصِ القرآني أنَّ مسؤوليَّة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر هي مسؤوليَّة المؤمنين والمؤمنات؛ أي مسؤوليَّة الرِّجال والنِّساء، فكما أنَّ المساحات الرِّجاليَّة في حاجةٍ إلى مَنْ يأمر بمعروف وينهى عن منكر فالمساحات النِّسائيَّة كذلك.

 

وهنا سؤالٌ مهمٌّ يُطرحُ:

هل يُسمح للرِّجالِ أنْ يُمارسوا دور الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في السَّاحة النِّسائية؟

وهل يُسمح للنِّساء أنْ يمارسن دور الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في السَّاحة الرِّجاليَّة؟

المسألة خاضعة للضَّوابط الشَّرعيَّة.

وخاضعة للقراءة الموضوعيَّة فيما هي النَّتائج الإيجابيَّة والسَّلبيَّة.

  • قوله تعالى:

﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾. (سورة آل عِمۡرَان: الآية 104)

مصطلح ﴿أُمَّةٞ﴾ في هذا النَّص القرآني يتَّسع للذُّكور والإناث، فمسؤوليَّة الدَّعوةِ إلى الخير والأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر مسؤوليَّة عامَّة شاملة للذُّكورِ والإناثِ.

  • قوله تعالى:

﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾. (سورة فُصِّلَت: الآية 33)

مفردة ﴿مَنۡ﴾ في هذا النَّص القرآني تتَّسع للذُّكور والنِّساء.

وكذلك الأفعال ﴿دَعَآ﴾ و﴿عَمِلَ صَٰلِحٗا﴾ و﴿قَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ هي أفعالٌ عامَّة شاملة للذُّكورِ والنِّساء.

فهذه المسؤوليَّات الرِّساليَّة والتَّبليغيَّة الكبيرة تتَّسع لكلِّ القادرين من الرِّجالِ والنِّساء.

  • قوله تعالى:

﴿وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ * إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾. (سورة العَصۡر: الآية 1 – 3)

فالأفعال: ﴿ءَامَنُواْ﴾ و﴿عَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ و﴿تَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ﴾ و﴿تَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ هي أفعال عامَّة تتَّسع للذُّكور والإناث.

  • قول النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَن رَأى [مِنكُم] مُنكَرا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَم يَستَطِعْ فبِلِسانِهِ، فإنْ لَم يَستَطِعْ فبِقَلبِهِ وذلكَ أضعَفُ الإيمانِ».([1])

 

نخلص إلى القول:

بأنَّ هذه النُّصوص الدِّينيَّة تتحدَّث عن مسؤوليَّاتٍ عامَّةٍ شاملةٍ لكلِّ مَنْ ينتمي إلى هذا الدِّين من ذكور وإناث.

للحديث تتمَّة إن شاء الله تعالى.

 

كلمة أخيرة:

جاء في سورة الإسراء قول اللهِ تعالى:

﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا﴾ (سورة الإِسۡرَاء: الآية 4)

﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ﴾: أعلمناهُمْ بشكلٍ حاسمٍ وقاطعٍ لا شكَّ فيه عن طريق أنبيائهم أنَّهم:

(سوف يُفْسِدُونَ في الأرضِ مرتين).

هذا الإفساد يتمثَّل في الظُّلم والبغي والخداع والكذب والنِّفاق وكلِّ أشكالِ العَبثِ بالقِيَم.

(وسوف يَعلُنَّ علوًّا كبيرًا)

معتقدين أنَّهم شعبُ الله المختار هذه الأسطورة الزَّائفة والكاذبة التي ملأتهم بالعلو والاستكبار والطَيش والغرور.

هنا سؤال يُطرح: الآية وما بعدها من آيات تحدَّثت عن إفسادين لبني إسرائيل، وعن هزيمتين كبيرتين لهم.

فهل حدث الإفسادان؟

وهل حدثت الهزيمتان؟

عددٌ من كتب التَّفسير ترى أنَّ الإفسادين وأنَّ الهزيمتين قد حدثا في العصور القديمة.

فمن يقرأ تاريخ بني إسرائيل يرى أنَّهم مرُّوا بانتصارات وانهزامات وإنْ كانت الانهزامات هي الخيارات الأخيرة لهؤلاء المفسدين في الأرض عبر تاريخهم المشحون بالظُّلم والعبث والطُّغيان.

ويرى آخرون من المفسِّرين المتأخِّرين: كالسَّيد قطب صاحب تفسير (في ظلال القرآن) أن الإفسادين لم يقعا في الماضي، بل يتعلَّقان بالمستقبل، حيث أفسدوا فسلَّط الله عليهم (هتلر)، ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة (إسرائيل) التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات، وليسلطنَّ الله عليهم مَنْ يسومهم سوء العذاب تصديقًا لوعد الله القاطع.

وهناك رأي آخر يذكره صاحب (تفسير الأمثل) يذهب هذا الرَّأي إلى أنَّ قيام دولة إسرائيل هو الإفساد الأوَّل، وأمَّا الإفساد الثَّاني فيمثِّل في الهيمنة والسَّيطرة على المسجد الأقصى والمسلمون في انتظار الهزيمة الكبرى للكيان الغاصب، حيث يتحرَّر المسجد الأقصى وتنتهي دولة إسرائيل.

وهذا وعدُ الله الصَّادق.

وتذهب بعض الرِّوايات إلى أنَّ المقصود من قوله تعالى: ﴿… بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ …﴾ (سورة الإِسۡرَاء: الآية 5) هو الإشارة إلى الإمام المهدي (عليه السَّلام) وأصحابِهِ.

وفي روايات أخرى أنَّ المقصود بـ ﴿أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ﴾ هم قوم يخرجون قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السَّلام) يملكون عزائم عظمى وهممًا كبرى، وإرادات صلبةً، وقُدراتٍ فائقة، وإمكانات متفوِّقة.

وختامًا أقول:

بقدر ما تتوحَّد أمَّتنا العربيَّة وأمَّتنا الإسلاميَّة أنظمةً وشعوبًا حول قضيَّتها الكبرى فلسطين والقدس يتحقَّق النَّصر لشعبنا المجاهد في الأرضِ المحتلَّة، فما أحوج العربَ والمسلمين في هذه المرحلةِ المملوءةِ بالتحديَّاتِ الكبرى والتَّعقيداتِ الصَّعبةِ إلى التَّقاربِ والتَّآلفِ والتَّوُّحدِ امتثالًا لأمرِ الله سبحانه في كتابه المجيد حيث قال:

﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْ …﴾. (سورة آل عِمۡرَان: الآية 103)

وبقدر ما يكون هذا الاعتصامُ وهذا التَّوحُّدُ يتحقَّق النَّصرُ، وتكون العزَّة لأمَّتنا العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، وبقدرِ ما يكونُ التَّفرُّقُ والتَّباعدُ والتَّشتُّت يكونُ الضَّعفُ وتكونُ الهزيمةُ، وتتداعى علينا عربًا ومسلمين أممُ العالمِ الظَّالمةِ وهذا ما حذَّر منه نبيُّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حينما قال:

«يُوشكُ أن تَداعى عَلَيكُم الأمَمُ من كلِّ أفقٍ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،

قيل: يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)! فمِن قلَّةٍ بنا يومئذ؟

قال: لا، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيل … – إلى آخر الحديث -».([2])

فأعداء إسلامنا وأمَّتنا وشعوبنا يريدون لنا أنْ نتفرَّق، أنْ نتمزَّق، أنْ نتعادى لكي نضعفَ، ولكي ننهزم، ولكي نسقط أمامَ التَّحدِّياتِ، وأمام كلِّ الأزماتِ.

فمسؤوليَّة الأنظمة ومسؤوليَّة الشُّعوب في هذا العصر المشحون بالتَّحدِّيات الثَّقيلة التَّمسُّك بحبل الله، ونبذ كلِّ أشكالِ التَّشتُّت والتَّمزُّق، وأيّ خيار آخر يقود إلى البوار والدَّمار والضَّعفِ والهزيمةِ والخسران.

هكذا يتشكَّلُ أمامَ أمَّتِنا وشعوبنا خياران: خيار العزَّةِ، وخيار الذِّلَّةِ، فأيّ الخيارين نختار وأيّ الخيارينِ نسلك؟

أراد الله لنا أن نكون خير أمَّةٍ حيث قال:

﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ …﴾ (سورة آل عِمۡرَان: الآية 110).

وآخر دعوانا أنْ الحمد للهِ ربِّ العالمين.

 

[1]– الرَّيشهري: حِكَم النَّبيِّ الأعظم (ص) 6/290، ح 9052.

[2]– المتَّقي الهندي: كنز العمَّال 11/58، ح30913.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى