شهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 648 : المعركة بين قُوى الإيمانِ وقُوى الكُفُرِ والضَّلالِ

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (648) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 27 ربيع الآخر 1446هـ الموافق: 31 أكتوبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

المعركة بين قُوى الإيمانِ وقُوى الكُفُرِ والضَّلالِ

  • قالَ اللهُ تعالى في سورة المجادلة (الآية 21): ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ﴾.

المعركة بين قُوى الإيمانِ وقُوى الكُفُرِ والضَّلالِ بدأتْ في مرحلةٍ مبكِّرةٍ مِن تاريخ البشريَّة، بدأتْ حينما تمرَّد إبليسُ على أمرِ الله تعالى وامتنع عن السُّجود.

  • ﴿… ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ﴾.([1]) (سورة الأعراف: الآية 11)

فصَدَر الطَّردُ الإلهيِّ لإبليس:

  • ﴿… فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ﴾.([2]) (سورة الأعراف: الآية 13)

وهنا اتخذ إبليس قراره المدمِّر:

  • ﴿… لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ﴾.([3]) (سورة الأعراف: الآية 16)

إنَّه قرارُ الغِواية والإضلال.

وهكذا تشكَّل في حياةِ البشر مساران (مسارُ الهِداية) وقَادَهُ الأنبياء والأوصياءُ والصُّلحاءُ.

و(مَسَارُ الغِواية) وقَادَهُ إبليسُ وكلُّ المتجبّرينِ وصُنَّاعِ الفَسَادِ في الأرض.

وقد أكَّد الله العظيم وهو الصَّادق أنَّ الغلبةَ في النِّهاية لخطِّ اللهِ، وخطِّ الأنبياءِ، وخطِّ الصُّلحاءِ ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ﴾.([4])

والغلبةُ هنا تَتَّسِعُ لعِدَّةِ مَسَارات:

– الغَلَبةُ في الحُجَّة والبُرهان، فمفاهيم الإيمانِ لا تنهزمُ أمامَ مفاهيم الكفر والضَّلال.

– الغَلَبةُ في الإسنادِ الغيبيّ، فاللَّه سبحانه يؤيِّد عِباده الصَّالحين بهذه الإمدادات الغَيبيَّة في مواجهة قُوى الضَّلالِ والباطل مهما تعملقت، ومهما تمترست بوسائلِ القُوَّةِ والبَطش.

– الغَلَبةُ في ساحةِ الصِّراع السِّياسيِّ والجهاديِّ.

رُبَّما يُقال:

قُوى الباطل والضَّلال تملك مِن القُوى العسكريَّة ما لا تملكه القُوى الإيمانيَّة، فكيف يتحقَّق الانتصار؟

الجواب:

الانتصار لهُ مجموعة دلالات:

  • انتصار الإرادة.
  • انتصار المواقف.
  • انتصار القِيَم.
  • انتصار الشُّهداء.

الإمام الحُسين (عليه السَّلام) في كربلاء انتصر.

صحيحٌ أنَّ الإمامَ الحُسين (عليه السَّلام) قدَّم دَمَهُ ودِماءَ أهلِ بيتِهِ (عليهم السَّلام)، ودِماءَ أصحابه فداءً للدِّينِ.

وهكذا انتصر على كلِّ قُوى البغي والضَّلال.

الأنبياءُ (عليهم السَّلام) عبر التَّاريخ هم المنتصرون حتَّى وإنْ قتلوا، وحتَّى وإنْ وُوجِهوا وحُورِبوا ما داموا واثقين مِن أهدافهم الكبرى لا يضعفون وإنْ طال الزَّمن.

كم لبث نبيُّ الله نوح (عليه السَّلام) في قومِهِ؟

يقول القرآن الكريم متحدِّثًا عن نبيِّ الله نوح:

  • ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا …﴾.([5]) (سورة العنكبوت: الآية 14)

كان خلال هذه المدَّة يمارس الدَّعوة والتَّبليغ ليل نهار، بكلِّ جدٍّ وإخلاصٍ وصبرٍ وثباتٍ، ولم يظهر عليه أيَّ ضعفٍ أو يأسٍ.

وكم كان عدد الذين آمنوا معه خلال هذه المدَّة الطَّويلة، وبعد هذا الجهد الكبير؟

كان عددُهم وحسب ما جاء في الرِّواياتِ ثمانين شخصًا، وكما يقول صاحب تفسير الأمثل: “بمعدَّل نَفَرٍ واحدٍ لكلِّ اثنتي عشرةَ سنة”.([6]) (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 12، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازي، ص 353)

هكذا كان ثباتُ الأنبياءِ، والدُّعاةِ إلى دينِ الله، وصُنَّاعِ الخير في الأرضِ، لا يأسَ، لا تراجعَ، لا ضعفَ، لا انهزام، مهما كانت التَّضحيات، ومهما كانت الأثمان الباهظة.

فحينما يكون الحديث عن الانتصار فهو حديثٌ عن انتصارِ الإرادةِ، انتصارِ المواقفِ، انتصارِ المبادئ، انتصارِ القِيَم.

الخسائر لا تمثِّل انهزامًا.

الشُّهداء، الضَّحايا في طريقِ الحقِّ هم عناوين الانتصار.

قتل الأطفالِ والنِّساءِ ليس انتصارًا.

هدم البيوت ليس انتصارًا.

تدمير المساجد والملاجئ والمستشفيات ليس انتصارًا.

قتل المدنيِّين ليس انتصارًا.

الاغتيالات ليس انتصارًا.

الإعلامُ الكاذبُ المضلِّلُ ليس انتصارًا.

قُوى المقاومة في فلسطين رغم تفوُّقِ العدو في قُدراتِهِ العسكريَّة والحربيَّة هي المنتصرة.

الشُّهداء والضَّحايا هم المنتصرون.

دِماء الأطفال والنِّساء انتصرت.

ويبقى أنَّ القُوى الإيمانيَّة في معاركِ الحقِّ ضدَّ الباطلِ، مطلوبٌ أنْ تتزوَّد بكلِّ القُدراتِ التي تؤهِّلُها لمواجهة قُوى الباطل ومواقع الضَّلال.

  • قالَ اللهُ تعالى (الأنفال: 60): ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ …﴾.([7])

القُوَّة بكلِّ تطوُّراتها وإمكاناتها واستعداداتها.

وهي قوَّة ليس مِن أجلِ الدَّمار والفَتك والعَبث والفساد، وإنَّما هي قوَّة مِن أجلِ الدِّفاع عن الحقِّ والكرامة والقِيم الفاضلة والمُثُل العُليا.

وسوف تبقى معاركُ الحقِّ والباطلِ مستمرَّة حتَّى تأتي المعركةُ العظمى حيث يتصدَّى الإمامُ المهديُّ مِن آلِ مُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) إلى قُوى الباطل في الأرضِ وسوف يكونُ النَّصرُ لدينِ الله الحقِّ، وسوف تكونُ الهزيمة الكبرى لكلِّ قُوى الكُفرِ والضَّلالِ والباطلِ.

أمَّا كيف يكونُ النَّصر، وكيف تكون الهزيمة؟

فهناك مددٌ غيبيٌّ كما سبق القول.

وهناك قُدُراتٌ واستعداداتٌ متطوِّرة.

وأمَّا القُوى المقاتلة والمناصرة للإمام المهديِّ (عليه السَّلام) فهي قُوى مؤهَّلة بكلِّ ألوانِ التَّأهيل.

 

مؤهَّلات أصحاب الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)

 

أوَّلًا: أصحاب الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) مؤهَّلون إيمانيًّا

فأصحابُ الإمام المهديّ (عليه السَّلام) عقائديُّون ومبدئيُّون تزولُ الجبالُ ولا يزولون، راسخٌ إيمانُهم، ففي وصفِهم كما تحدَّثتْ الرِّواياتُ أنَّهم: «…، ورجالٌ كَأَنَّ قُلوبَهُم زُبَرُ الْحَدِيدِ، لا يَشوبُها شَكٌّ في ذاتِ اللَّهِ، لو حملوا على الجبال لأزالوها، …».([8]) (بحار الأنوار، ك 13، العلَّامة المجلسي، ص 352)

وحينما نتحدَّث عن (العقائديَّة) وعن (المبدئيَّة) لا نتحدَّث عن (تطرُّفٍ) و(عُنفٍ) (وإرهابٍ).

لقد اختلطت العناوين في هذا العصر، فوُجِد متطرِّفون وإرهابيون تقمَّصوا عناوين الجهاد والمبدئَّة والعقائديَّة، وهو تقمَّصٌ كاذبٌ ومُزوَّر، فلا علاقة للمبدئيَّة والعقائديَّة بهذه الألوان المزوَّرة مِن المُمارسات.

وفي المقابلِ وُجِدت الكثير مِن التَّشويشات، فاتُّهِمَ حَملةُ المبادئ الحقَّة، المجاهدون مِن أجلِ هذه المبادئ أنَّهم متطرِّفون وإرهابيُّون ودُعاة عُنف، وهذه التَّشويشات متعمَّدة، وهذا الخلط مقصود.

أعود للقول بأنَّ أصحاب الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) عقائديُّون ومبدئيُّون وفق المبادئ الحقَّة التي تُقرُّها شريعة الله.

 

ثانيًا: يملكون (درجات عالية مِن الوعي الدِّينيِّ)

وثاني المؤهَّلات التي يحملها أصحابُ الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) أنَّهم يملكون (درجات عالية مِن الوعي الدِّينيِّ)، جاء في وصفهم كما في الرِّوايات أنَّهم (أصحاب البصائر).

فالانتماء إلى خطِّ الإمام المهديّ (عليه السَّلام)، وخطِّ الانتظار يجب أنْ يكون انتماءً واعيًا وبصيرًا لكي لا يزيغ، ولكي لا ينزلق، فما أكثر التقمُّصات الزَّائغة والمُنزلقة لهذا الانتماء.

فالحَذر الحَذر مِن الإصغاءِ لأيِّ صوتٍ مها حمل مِن عناوين كبيرة، ما لم يصدر مِن المواقع المأمونة على الدِّين.

والحَذر الحَذر مِن (سُرَّاقِ الانتظار) الذين زاغوا وأزاغوا معهم خلقًا كثيرًا، فنحن في عصرٍ اختلطت العناوين، والتبست الرُّؤى إلَّا مَن لجأ إلى ركنٍ وثيق، ومال إلى حصنٍ حصين.

كم هي الحاجة كبيرة جدًّا في هذا العصر إلى ثقافة الإيمان مِن مواقعِ الإيمانِ المؤتمنةِ، لا مِن هُنا أو هُناك، فهذا عصرُ العبثِ بالأفكار، وهذا عصرُ الضَّياع والانحراف.

فما أحوج أجيال هذا العصر إلى ثقافة الإيمان الحقَّة، وإلى خطابِ الوعي والبصيرة، وهذه مسؤوليَّة حوزاتٍ ومساجد ومنابر ومواقع تبليغ، ومراكز هداية وإرشاد وتوجيه.

 

ثالثًا: يحملون المؤهَّلات الرُّوحيَّة والسُّلوكيَّة

وثالثُ المؤهَّلات التي يحملها أصحاب الإمام المهديّ (عليه السَّلام) (المؤهَّلات الرُّوحيَّة والسُّلوكيَّة).

جاء في الرِّوايات التي تتحدَّث عن هؤلاء أنَّهم «…، رُهبانٌ فِي اللَّيل، …»([9])، عُشَّاقُ تهجُّدٍ، عُشَّاق عِبادةٍ، امتلأت أرواحُهم هَيامًا بحبِّ الله، فهجَرُوا المضاجعَ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴿… يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا …﴾([10]) طمعًا إلى ما أعدَّ الله لهُمْ ﴿… مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾.([11])

إنَّهم حملةُ التَّقوى والوَرعِ ومحاسنِ الأخلاقِ.

  • جاء في الحديث: «مَن سَرَّهُ أنْ يَكونَ مِن أصحابِ القائِمِ فَليَنتَظِر، وَليَعمَل بِالوَرَعِ ومَحاسِنِ الأَخلاقِ وهُوَ مُنتَظِرٌ، …».[12] (الغَيبة، ص 134، النُّعمانيّ)

فأصحابُ الإمامِ المنتظر (عليه السَّلام) قِممٌ عاليةٌ في القِيمِ والمُثُلِ والتَّقوى والورعِ.

هكذا صنعوا أنفسَهُمْ، وهكذا امتلأتْ قلوبُهم عُشقًا إلى طاعةِ اللهِ، وشوقًا إلى رضوانه.

فكانُوا المبدئيِّين الرِّساليِّين.

فإذا كانُوا رُهبانًا، متهجِّدينَ بالأَسْحَارِ، رُكَّعًا سُجَّدًا، فهم في النَّهار أبطالٌ ليوثٌ، باعوا أرواحَهُم مِن أجلِ المبادئ الحقَّةِ، ودِفاعًا عن أهدافِهِ.

 

هنا سؤالٌ يُطرح؟

هل حدَّدت الرِّواياتُ عددًا لأنصار الإمامِ المهديِّ (عليه السَّلام)؟

ذكرت الرِّوايات العدد (313).

رُبَّما والله العالم أنَّ هذا العدد يمثِّل المواقع القياديَّة، لا جميع أنصار الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، فهؤلاء عددهم أكبر بكثير.

وحينما تتحدَّث الرِّواياتُ عن هذه المواقع القياديَّة، والتي يمثِّلُها العدد (313) تشير إلى أنَّ بينهم (خمسين امرأة) وهذا يعني أنَّ المرأة تحتلُّ مواقع متقدِّمة في نهضة الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام).

وآخرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.

[1]– سورة الأعراف: الآية 11.

[2]– سورة الأعراف: الآية 13.

[3]– سورة الأعراف: الآية 16.

[4]– سورة المجادلة: الآية 21.

[5]– سورة العنكبوت: الآية 14.

[6]– الشِّيرازي: تفسير الأمثل 12/353، (سورة العنكبوت، الآيات 14-19).

[7]– سورة الأنفال: الآية 60.

[8]– المجلسي: بحار الأنوار 13/352، (ك: تاريخ الحجَّة (ع)، ب 26: خروجه وما يدل عليه وما يحدث عنده)، ح 82.

[9]– المفيد: الاختصاص، ص 208، (في إثبات إمامة الأئمَّة الاثنى عشر (ع)).

[10]– سورة السَّجدة: الآية 16.

[11]– سورة السَّجدة: الآية 17.

[12]– النُّعماني: الغَيبة، ص 134، (ما روي فيما أُمر به الشِّيعة من الصَّبر والكف والانتظار).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى