حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 647 : العلاماتِ العامَّة للظهور

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (647) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 20 ربيع الآخر 1446هـ الموافق: 24 أكتوبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآله الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

تحدَّثت الرِّواياتُ الخاصَّة بالإمام المهديِّ مِن آلِ مُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن أزمنةٍ تسبقُ الظُّهور، رُبَّما تكون بعيدةً أو قريبةً مِن عصرِ الظُّهور، وكلَّما اشتدَّتْ وطأةُ الأحداثِ والابتلاءات تحرَّك الانشداد إلى الظُّهور المبارك، ويبقى يوم الظُّهور مِنَ الغَيبِ الذي اختصَّ به الله سُبحانه، وإنْ كانت الرِّوايات حدَّدت علاماتٍ خاصَّة متزامنة مع أيَّامِ الظُّهور.

وحديثنا هنا ليس عن هذه العلامات الخاصَّة، وإنَّما عن العلاماتِ العامَّة.

مِن هذه العلامات:

  • ازدحامُ الفِتنِ والمِحن والابتلاءات
  • اشتداد الخِلافاتِ والصِّراعات
  • ضراوةُ القَتلِ والفَتكِ والعُنفِ والإرهاب
  • الحروب المُدمِّرة
  • انهيارُ القِيمِ والمُثُلِ وموتُ الضَّمير

وإذا أردنا أنْ نستمع إلى لُغةِ (الرِّوايات والأحاديث) فهي تؤكِّد أنَّ ظهور المهديِّ مِن آلِ مُحمَّد حينما تمتلئ الأرض ظُلمًا وجورًا وطُغيانًا وفسادًا وانحرافًا وزَيغًا وضلالًا.

وحينما يكون الحديث عن هذا العصر المشحون بالأزمات والمِحَن، والقتل، والفساد، والطَّيش، والإرهاب ليس مِن أجلِ إنتاج اليأس في النُّفوس، وليس مِن أجلِ إنتاج الرُّعب، وليس مِن أجلِ إنتاج الضَّعف، وإنَّما هي القراءة للواقع، ومِن أجلِ تحديد المسؤوليَّات.

فالمواقف في زحمةِ هذه التَّحدِّيات مُتعدِّدة.

فهناك المرعوبون

وهناك اليائسون

وهناك الضُّعفاء

وهناك الطَّائشون

وهناك النَّاشطون الصَّادقون الواعون.

وحينما نتحدَّث عن النَّاشطين لا نتحدَّث عن تطرُّفٍ فقد اختلطت العناوين.

ففي هذا العصر دُعاةُ تطرُّف.

وفي هذا العصر دُعاةُ عُنفٍ، ودُعاةُ إرهاب.

وقد تقمَّصوا عناوين مزوَّرة.

فالقتلُ، والدَّمارُ، والعَبثُ بالقِيم، ونشرُ الرُّعبِ أمورٌ مرفوضة.

ما يصنعه الصَّهاينة في هذا العصر يُمثِّل أسوأ عناوين العُنف والبطش.

فإذا كان قتلُ النِّساء، وذبحُ الأطفالِ، وتدميرُ كلِّ ما على الأرض لا يُسمَّى عُنفًا وبَطشًا، فما معنى العُنفِ والبطش؟

ما أحوج أُمَّتِنا في هذا العصرِ أنْ تتآزر.

أنْ تتآزر كلُّ القُوى، قُوى الأنظمةِ، وقُوى الشُّعوبِ مِن أجلِ صناعةِ المحبَّةِ، والخير، وصناعةِ الأمنِ والسَّلام، وصناعة التَّآلفِ والوِئام.

إذا لم تُوحِّدنا صرخاتُ الأطفال والنِّساء

إذا لم تُوحِّدنا دماءُ الضَّحايا

إذا لم يُوحِّدنا هتكُ الأعراض

إذا لم يُوحِّدنا تدميرُ المساجد ودُور العبادة

إذا لم يُوحِّدنا الفَتكُ بالمرضى والمستشفيات

فما الذي يُوحِّدُنا؟

أعداء أُمَّتِنا، وأعداءُ شُعوبِنا، وأعداءُ إسلامنا تكالبوا علينا.

 

وكما أخبر نبيُّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حيثُ قالَ:

  • «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِن كلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلىقَصْعَتِهَا.

قِيل: يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): فمِن قِلَّةٍ بنا يَوْمَئِذٍ؟

قالَ: لا، ولَكنَّكُمْ غُثاءٌ كَغُثاءِ السَّيْلِ، يُجعل الوَهَن في قلوبكم، ويُنزع الرُّعب مِن قلوبِ عدوِّكم؛ لحبِّكم الدُّنيا، وكراهتكم المَوتِ».([1]) (كنز العمَّال، ج 11، المتَّقي الهندي، ص 58)

 

لماذا هذه التَّوصيفُ مِن رسولِنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

هل يُريد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنْ يخلق اليأس في نفوس المسلمين؟

أنْ يصنع الضَّعفَ، الانهزام، التَّمزُّق؟

إنَّها القراءة المرتبطة بوحي السَّماء.

إنَّها القراءة التي تريد أنْ توقظ ضمير هذه الأُمَّة، بكلِّ شُعوبِها، وبكلِّ أنظمتِها، وبكلِّ قُدراتِها وإمكاناتِها.

متى يُمتحنُ ضميرُ هذه الأُمَّة؟

متى تُمتَحنُ إرادتُها؟

متى تُمتَحنُ قُوَّتُها؟

متى يُمتَحنُ إيمانُها؟

متى تُمتَحنُ وحدثُها؟

متى يُمتحن حضورها؟

متى تُمتَحنُ أنظمتُها؟

متى تُمتَحنُ شعوبُها؟

قد تُطرحُ الشِّعاراتُ الكبيرةُ، شِعاراتُ الدِّين، شعاراتُ السِّياسةِ، شِعاراتُ الثَّقافة، شِعاراتُ الإعلام…، ولكن حينَ الامتحان تسقط هذه الشِّعاراتُ، وتنهزم هذه الشِّعارات.

هناك مَنْ يُتاجر بالشِّعارات مِن أجلِ الشُّهرة، مِن أجلِ العناوين، هذه المُتاجَرة تضرُّ بالأوطانِ، وتضرُّ بالشُّعوب، وتضرُّ بالأنظمة، ما أحوج أُمَّتنا في هذه الظُّروف المعقَّدة، وهذه الأزمنة المأزومة إلى الوعي، الصِّدق، الأمانة، الثَّبات، الإخلاص، وحينما نتحدَّثُ عن الإخلاص نتحدَّثُ عن نظافةِ الضَّمير، ونظافةِ القلب، ونظافةِ الأهداف، ونظافةِ الوسائل.

في هذا الزَّمانِ الذي استضرَتْ قُوى الشَّرِّ، لتقتل فينا كمسْلمين عزيمةَ الإيمانِ، وعزيمة الثَّبات، وعزيمة التَّحدِّي، لتُمزِّق وحدتَنا، وعُنفوانَنا، وإرادَتنا.

فكم هي أُمَّتنا في هذا العصر المأزوم بحاجةٍ إلى مستوياتٍ عاليةٍ مِن هذه الوحدةِ، وهذه الإرادةِ، وهذا العُنفوانِ، أعداءُ أُمَّتنا لا يريدون لنا أنْ نتوحَّد، أنْ نملك الإرادة، أنْ نملك العُنفوان.

لماذا؟

لنكون غثاء كغثاء السَّيل كما جاء في الحديث الآنف عن نبيِّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

أنْ نبقى أدوات بيد القُوى العابثة.

هكذا زُرِع في قلبِ أوطاننا، في قُدسِنا، في فلسطيننا هذا الكيان المُرعِب، الذي هجَّر مَنْ هجَّر، وقَتل مَنْ قَتل، ودمَّر ما دمَّر، ولا زال يُرعِب، ويُهجِّر، ويقتل، ويُدمِّر.

أيُّها الأحِبَّة:

كلُّ هذه الإرهاصات بكلِّ مساراتها المُرعِبةِ والمُدمِّرةِ هي مِن أشراطِ الظُّهورِ المباركِ للإمامِ المهديّ مِن آلِ مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والذي سوف يُصلِّي في القُدسِ بإذن الله تعالى.

وهذا ما أكَّدتهُ الرِّوايات المُوثَّقةُ والمدوَّنةُ في مصادرِ المُسْلِمين بكلِّ مذاهبِهم.

في الرِّواية:

 

  • «…، ويدخل المَهْدِيُّ (عليه السَّلام) بيت المَقْدِسِ، ويُصَلِّي بالنَّاسِ إمامًا، فإذا كان يومَ الجمعةِ وقد أُقيمت الصَّلاة نزل عِيسَى بنُ مريم (عليه السَّلام) بِثَوْبَيْن مُشْرِقَيْن حُمْرٍ، كأنَّما يقطر مِن رأسهِ الدُّهْن، رَجْلُ الشَّعَرِ، صَبِيح الوَجْهِ، أشْبَهُ خَلقِ اللهِ عزَّ وجلَّ بأَبِيكم إبراهيم خَليلِ الرَّحمن (عليه السَّلام).

فيلتَفِتَ المَهْدِيُّ (عليه السَّلام) فينظُر عِيسَى (عليه السَّلام)، فيقول لعِيسَى: يا ابنَ البَتُول صَلِّ بالنَّاسِ، فيقولُ [عِيسَى (عليه السَّلام)]: لكَ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ.

فيتقدَّم المَهْدِيّ (عليه السَّلام) فيُصَلِّي بالنَّاسِ، ويُصَلِّي عِيسَى خَلْفَهُ ويُبَايِعُه، ويخرج عِيسَى (عليه السَّلام) فيلتقي الدَّجال، فيطعنه، فيذوب كما يذوب الرَّصاص، …».([2]) (عقد الدُّرر في أخبار المنتظر، ص 347، يوسف بن يحيى المقدسيّ)

 

  • وفي روايةٍ أخرى:
  • «يَلْتَفِتُ الْمهْدِيُّ (عليه السَّلام) وَقَدْ نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (عليه السَّلام) كَأَنَّمَا يَقْطُرُ مِنْ شَعْرِهِ الْمَاءُ.

فَيقُولُ الْمهْدِيُّ (عليه السَّلام) [لعِيسَى (عليه السَّلام)]: تَقَدَّمْ وصَلِّ بالنَّاسِ.

فَيقُولُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (عليه السَّلام): إِنَّمَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَكَ.

فَيُصلِّي عِيسَى خَلْف رَجُلٍ مِنْ ولدِي، …».([3]) (عقد الدُّرر في أخبار المنتظر، ص 292، يوسف بن يحيى المقدسيّ)

 

  • وفي حديثٍ ثالث:
  • «بَيْنَمَا هُوَ[يعني المهديّ] وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، …، …، …،فَيَضَعُ عِيسَى يَدَيهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ وإِمَامُ عِيسَى …».([4]) (ابن حجر الهيتمي: القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (ع)، ص35، (صلاته ببيت المقدس))

 

  • وكما أخرج ابن ماجه والحاكم وغيرهما هذا الحديث حول الإمام المهديّ (عليه السَّلام):
  • «وَإِمَامُهُمْ [المهديّ] رَجُلٌ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمْ الصُّبْحَ [يعني فيبيتالمقدس]، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الإمام يَنْكُصُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ».([5]) (سنن ابن ماجه، ج 2، ابن ماجه، ص 1361)

 

  • وجاء في الصَّحيحين الكبيرين صحيح البخاري وصحيح مسلم عن رسولِ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ».([6]) (صحيح البخاري 4/205، صحيح مسلم 1/136، ح 244).

وقد أجمع شُرَّاح الصَّحيحين على أنَّ هذا الإمام هو الإمام المهديُّ الذي يأتي في آخر الزَّمان.

 

وهنا سؤالٌ مهمٌّ جدًّا يُطرح:

متى تتحرَّر القدس، وتتحرَّر فلسطين؟

هل يتمّ ذلك قبل ظهور الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)؟

رُبَّما يكون ذلك.

ورُبَّما تكون هناك بَقيَّةٌ مِن احتلال.

ورُبَّما تكون هناك بعضُ قوى تتصدَّى لوجود الإمام المهديِّ (عليه السَّلام).

وكما تقدَّم في الحديث أنَّ نبيَّ الله عِيسَى سوف يقود معركة التَّصدِّي لما يُسمَّى بالدَّجال، ولعلَّ هذا العنوان يُمثِّل إحدى القوى الكبرى في عصر الظُّهور، والتي سوف تواجه نهضة الإمامالمهديِّ (عليه السَّلام).

ولماذا يكون المُتصدِّي لها هو نبيُّ الله عِيسَى (عليه السَّلام)؟

رُبَّما لأنَّ هذه القُوى تزعم أنَّها تحمل شعار المَسيح، وهذا زعمٌ كاذبٌ مِمَّا يفرض أنْ يكون المُتصدِّي لها هو نبيُّ الله عِيسَى، والذي سوف يكون لهُ دورٌ كبيرٌ في عصر الظُّهور، مساندٌ وبقوَّة إلى نهضة الإمام المهديِّ مِن آل مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

[1] المُتَّقي الهندي: كنز العمال 11/58، (ك: الفتن والأهواء، ف 2: في الفتن والهرج)، ح 30913.

[2] ابن يحيى المقدسيّ: عقد الدُّرر، ص 347، (ب 12: في ما يجري من الفتن في أيَّامه …، ف 2: في ما جاء من الآثار الدَّالة على خروج الدَّجال …).

[3] المصدر السَّابق، ص 292، (ب 10: في أنَّ عيِسَى ابن مريم (ع) يصلِّي خلفه …).

 

[5] ابن ماجة: سنن ابن ماجة 2/1361، (ك 36: الفتن، ب 33: فتنة الدَّجال وخروج عيسى …)، ح 4077.

[6] البخاري: صحيح البخاري 4/205، (ب: نزول عيسى ابن مريم عليهما السَّلام).

مسلم: صحيح مسلم 1/136، (ك: الإيمان، ب 71: باب نزول عيسى بن مريم …)، ح 244.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى