آخر الأخبارشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 644: الإمَامة الخاتِمةُ – كيف يتواصل الإمام المهدي (ع) مع شيعتُهُ وأتباعه في غيبته؟ – مسؤوليَّتُنا في عصرِ الغَيبةِ الكبرى

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (644) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 08 ربيع الأول 1446هـ الموافق: 12 سبتمبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

الإمَامة الخاتِمةُ
في الثَّامنِ من شهر ربيع الأوَّل سنة 260 هجريَّة كانت شهادةُ إمامِنا الحسنِ العسكري (عليه السَّلام)، الإمام الحادي عشر من أئمَّةِ أهلِ البيت (عليهم السَّلام).
وهكذا بدأت في التَّاسع من ربيع الأوَّل سنة 260هـ (الإمامة الخاتمةُ) إمامةُ المهدي من آلِ محمَّدٍ (صلّى اللهُ عليه وآلهِ).
وإمامُنا المهديُّ (أرواحنا فداه) له غَيبتان:
الغَيبة الأولى: الغَيبةُ الصُّغرى
وامتدت من سنة 260 ه حتى سنة 329 هجريَّة؛ أي استمرت ما يقرب من سبعين سنة.
وكانت علاقته (عليه السَّلام) مع أتباعِهِ وشيعتِهِ في هذه المرحلةِ عبر ما يسمَّى بـ (السُّفراء)، وكانوا أربعة سفراء وهم:
(1) عثمان بن سعيد العمري
مدَّةُ سفارتِهِ من سنة 260 هـ حتى سنة 265هـ
(2) محمَّد بن عثمان العمري
مدَّة سفارتِهِ من سنة 265 هـ حتى سنة 305ه
(3) الحسين بن روح النُّوبختي
مدَّة سفارتِهِ من سنة 305 هـ حتى سنة 326 هـ
(4) عليُّ بن محمَّد السَّمري
مدَّة سفارتِهِ من سنة 326هـ حتى سنة 329هـ
وبوفاة السَّفير الرَّابع انتهت مرحلة السَّفارة الخاصَّة، فمن ادَّعى هذه السَّفارة بعد هذه المرحلة فهو (مفترٍ كذَّاب) كما جاء في آخر توقيعٍ صدر عن الإمام المهدي (عليه السَّلام).
الغَيبة الثَّانية: الغَيبة الكبرى
بدأت بوفاة السَّفير الرَّابع علي بن محمَّد السَّمري سنة 329 هـ، ولا زالت مستمرَّة حتى يأذن الله للإمام المهدي (عليه السَّلام) بالظهور، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.

هنا سؤالٌ في غاية الأهميَّة يُطرح، يقولُ هذا السُّؤال:
إذا كان الإمام المهدي (أرواحنا فداه) قد غاب غيبةً كاملة فكيف يتواصل معه شيعتُهُ وأتباعه؟
في هذه المرحلةِ قد حدَّدَ الإمامُ المهديُّ (عليه السَّلام) أسلوبًا جديدًا للتَّواصل، هذا الأسلوب هو (اعتمادُ الفقهاءِ العدولِ المؤهَّلين) نوَّابًا عامِّين للإمام المهدي (عليه السَّلام).
إذا كان (السُّفراء) في مرحلة الغَيبة الصُّغرى يمثِّلون نوَّابًا خاصِّين معيَّنين مباشرة من قِبَل الإمام المهدي (عليه السَّلام)؛ فإنَّ (الفقهاءَ الصُّلحاءَ) يمثِّلُون نوَّابًا عامِّين.
هنا الإمام المهدي (عليه السَّلام) لم يُحدِّد أسماءً معيَّنين كما في الغَيبة الصُّغرى، وإنَّما حدَّد مؤهَّلات ومواصفات، وعلى الأمَّةِ من خلال (أهلِ الخبرة الموثوقين) تحديد هؤلاء الَّذين يجب أن يرجع إليهم أتباعُ مدرسة أهلِ البيت (عليهم السَّلام).
هذا ما أكَّدته الرِّوايات الصَّحيحة، ومن هذه الرِّوايات أذكر النَّص التَّالي:
جاء في التَّوقيع الصَّادرِ عن الإمام المهدي (عليه السَّلام): «…، وأمَّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رُواةِ حديثِنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم».( )
هنا أرجع الإمام المهدي (عليه السَّلام) أتباعه إلى الفقهاء المؤهَّلين (الرُّواة الموثوقين).
يُشترط في هذه القيادة النَّائبة:
أوَّلًا: الفقاهة
ثانيًا: العدالة
ثالثًا: الكفاءة القياديَّة

مسؤوليَّتُنا في عصرِ الغَيبةِ الكبرى
هنا مجموعةُ مسؤوليَّات:
المسؤوليَّة الأولى: أن نعمِّق إيمانَنا بالإمام المهدي (أرواحنا فداه)
وكيف نُعمِّقُ هذا الإيمان؟
أنْ تثقِّفَ أنفسنا حول الإمام المهدي (عليه السَّلام)، وبقدر ما تَقوى هذه الثَّقافة يقوى الانتماء والارتباط بالإمام المهدي (عليه السَّلام)، وبقدر ما تضعُف هذه الثَّقافة يضعف الانتماء والارتباط بالإمام المهدي (عليه السَّلام).
وكيف تقوى ثقافةُ الانتظارِ، وكيف يقوى وعيُ الانتظارِ؟
تقوى هذه الثَّقافة، ويقوى هذا الانتظار من خلال:
(1) الاستماع إلى المحاضرات التي تتناول قضيَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؛ بشرط أن يكون هذا الاستماع واعيًا ورشيدًا، وهنا يتحمَّل صُنَّاعُ الوعي الدِّيني من علماءَ وخطباءَ ومبلِّغين وحَملةِ ثقافة مسؤوليَّة نشرِ ثقافةِ الانتظار.
وحينما نتحدَّثُ عن هذه المسؤوليَّة فهي مسؤوليَّة مفتوحة في كلِّ الأزمنة والأوقات، لقد احتكرنا الحديث عن الإمام المهدي (عليه السَّلام) في مناسبتين:
أ- مناسبة الولادة في النِّصفِ من شهر شعبان.
ب- مناسبة الإمامة في التَّاسع من ربيع الأوَّل؛ حيث بدأت إمامة الإمامِ المهدي المنتظر (عليه السَّلام).
صحيح لهاتين المناسبتين أهميَّة كبرى ويجب إعطاؤهما كلَّ الاحتفاء، فمنهما ينطلق الحديث حول ثقافة الانتظار.
إلَّا أنَّ هذه الثَّقافةَ ثقافةَ الانتظار مطلوبٌ جدًّا أن تتحرَّك في كلِّ السَّنة ما دام الإمام حاضرًا، وما دام الانتظار مطلوبًا.
إذًا مسؤوليَّة إنتاج ثقافة الانتظار مسؤوليَّة متحرِّكة في كلِّ زمان.

(2) وما يقوِّي ثقافة الانتظار القراءةُ المكثَّفة للكتب التي تتناول هذه العنوان، وممَّا يؤسف له أنَّ ثقافة الانتظار لدى أجيالنا متخلِّفَة وضحلة بسبب العزوفِ عن القراءة، وهذا العزوف أنتج ضمورًا كبيرًا في الوعي الدِّيني في مساحاته العقيديَّة والثَّقافيَّة والرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة، وقد شمل هذا الضُّمور (قضيَّة الإمام المهدي عليه السَّلام) في كلِّ مساحاتها.
وهنا ندعو شبابنا أنْ يتحصَّنُوا بثقافة الإيمان في كلِّ مساحاتِها، وأؤكِّد هنا على (ثقافة الانتظار)، وبقدرِ ما تقوى هذه الثَّقافة يتشكَّلُ الانتماءُ الأصيل إلى قضية الإمام المهدي (عليه السَّلام) من آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله).
إنَّ حتميَّة الخلاص وانتصار الايمان حتميَّة أكَّد عليها القرآن.
• يقول الله تعالى في سورة الأنبياء (الآية 105): (وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ).
• ويقول تعالى في سورة القصص (الآية ٥): (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةً وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ).
وأكَّدت الرِّوايات الواردة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) حتمية الخلاص في آخر الزَّمان على يد الإمام المهدي من آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، هذا ما ذكرته كتب المسلمين السُّنيَّة والشِّيعيَّة.
• قال (صلَّى اللهُ عليه وآلهِ): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَلِيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي».( )
• وقال (صلَّى اللهُ عليه وآلهِ): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدَّهْرِ إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا». ( )
• وقال (صلَّى اللهُ عليه وآلهِ): «أُبَشِّرُكُمْ بِالمَهْدِيِّ، يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وَزَلَازِلَ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، …».( )
هكذا ومن خلال الآيات القرآنيَّة، والرِّوايات الواردة في السُّنَّة يتأكَّد أنَّ انتصار الإيمان وانتشار العدل في الأرض هو الخيارُ الأخير في المسيرة البشريَّة؛ وذلك في دولة الإمام المهدي من آل محمَّد (صلَّى اللهُ عليه وآلهِ).
ولعلِّي أتوَّفق في مناسبة أخرى للحديث عن خصائص هذه الدَّولة التي ينتظرها كلُّ العالم؛ ليتخلَّص من كلِّ الواقع المأساوي، وكلِّ الشَّقاء والضَّياع والتَّأزُم، والفساد، والانحراف.
فالإنسان اليوم يعيش في زحمة الواقع المأساوي، الإنسان يبحث عن الخلاص، يبحث عن السَّعادة، وأمامه ألف درب ودرب، وأمامه ألف شعار وشعار، الدُّروب ملغومة، والشِّعارات خادعة، والضَّحيَّة هو الإنسان، والجاني هو الإنسان نفسُه الذي تخلَّى عن الله تعالى، الإنسان الذي جسَّد إرادة الشَّيطان في الأرض، الإنسان الظَّالم الطَّاغي، المستكبر، الخالي من الضَّمير ومن القِيَم، ومن الدِّين.
إذا كان الإنسان هو الضَّحيَّة، فهل سوف يبقى هذا الإنسان الضَّحيَّة مُعذَّبًا في الأرض، وهل سوف تبقى قُوى الشَّرِ تزرع الفساد في الأرض؟
لا لابدَّ أنْ يتحقَّق الوعد الإلهي، ولابدَّ أنْ تنتصر قوى الإيمان في الأرض كما أكَّدت نصوصُ القرآن والسُّنَّة.
والهزيمة في النِّهاية لكلِّ القوى المستكبرة في الأرض.
الهزيمة في النِّهاية للصَّهاينة صُنَّاعِ العبث والقهر والفساد، قتلةِ الأطفال الأبرياء هاتكي الأعراض، ناشري الرُعب، سفَّاكي الدِّماء، مُدمِّري كلِّ المقدَّسَات على مرأى ومسمع كلِّ العالم، فهل لم يبقَ ضمير؟! وهل ماتت القِيَم؟!
إنَّه الامتحان العسير للقِيَم للمُثُل إن كان هـناك بقيَّة من قِيَم ومن مُثُل.
المذابح المفجعة في غزَّة، وعلى أرض فلسطين كشفت كلَّ السَّفهِ، وكلَّ الحقد، وكلَّ الغرور الذي يحمله صُنَّاعُ الجريمة، وصُنَّاعُ البطش، وصنَّاعُ الدَّمار، وصُنَّاعُ القتل الممنهج…
تحدَّثت الأخبار عن هجمات العدو الصُّهيوني على منطقة خيام النَّازحين في خان يونس في غزَّة، باستخدام قنابل فتَّاكه يبلغ وزنها (2000 رطل)، وأدَّى إلى استشهاد أكثر من أربعين شهيدًا؛ بينهم عدد كبير من الأطفال والنِّساء.
ويتزامن هذا الطُّغيان الممنهج على غزَّة مع انعقادِ مؤتمرِ وزراءِ الخارجيَّة العرب في جامعة الدُّول العربيَّة الأسبوع الماضي، فهل صدرت قرارات جريئة استثنائيَّة ومؤثِّرة تتناسب مع حجم السَّفِهِ الصُّهيوني بكلِّ حماقاته المرعبة، وبكلِّ طيشه المدمِّر؟ الأمر متروك للقراءاتِ المنصفة، وللآراء الناقدة.
وإن كانت هذه القراءات قد جفَّ حبرُها، وهذه الآراء قد بحَّ صوتها؛ فعنت الصَّهاينة لا يأبه بكلمات، ولا يأبه بقرارات، ما دامت اللُّغة لغة البطش، والقتل والدَّمار، نعم لا يواجه هذه اللُّغة إلَّا الصُّمود، والعنفوان، والثَّبات، والمقاومة، وإلَّا دماء الأبطال الصَّامدين المجاهدين.
هكذا سوف يُصنع النَّصر بإذن الله تعالى.
وهكذا سوف تتحرَّر الأرض.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى