آخر الأخبارالسيد في الصحافةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 643: قراءة في حياة الأئمَّة مِن أهل البيت (ع) – منابرُنا منابر وحدةٍ وتقارب – الإفراج عن عددٍ مِن نُزلاءِ السُّجونِ خُطوةٌ تتَّجِهُ نحو إنتاجِ المزيدَ مِن الاستقرار وبناءِ الثِّقةِ

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (643) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 1 ربيع الأوَّل 1446هـ الموافق: 05 سبتمبر 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

 

العنوان الأوَّل: قراءة في حياة الأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام)

حينما نقرأ حياة الأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام) نجد تَنوُّعًا كبيرًا، واختلافًا واضحًا في الأساليب؛ مِمَّا أوجد ارتباكًا لدى الباحثين والدَّارسين لسيرة الأئمَّة (عليهم السَّلام).

ابتداء بأمير المؤمنين (عليه السَّلام) نجد أنَّ حياته توزَّعها منهجان (بعد رحيل النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):

المنهج الأوَّل: المسالمة في مرحلة.

المنهج الثَّاني: التَّصدِّي والمواجهة في مرحلة أخرى.

الإمام الحَسن (عليه السَّلام) مارس أسلوب المُسالمة.

الإمام الحُسين (عليه السَّلام) مارس أسلوب الثَّورة والشَّهادة.

الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) مارس أسلوب الدُّعاء والتَّرشيد الرُّوحيِّ.

الإمامان الباقر والصَّادق (عليهما السَّلام) مارسا أُسلوب التَّحرُّك العلميِّ والثَّقافيِّ.

وهكذا بقيَّة الأئمَّة (عليهم السَّلام) كان لكلِّ إمامٍ أُسلوبه في التَّعاطي مع مسؤوليَّات الدَّعوة.

 

كيف يُقرأ هذا التَّنوُّع في أدوارِ الأئمَّةِ مِن أهلِ البيت (عليهم السَّلام)؟

هناك ثلاثُ قراءات:

القراءة الأولى

وتعتمد مبنى العِصمة، فالأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام) أئمَّة معصومون، فما يصدر عنهم هو الحقُّ، فمطلوب أنْ نسلِّم لكلِّ خياراتهم، أدركنا الحكمة أو لم ندرك، سالموا أم واجهوا، نطقوا أو صمتوا.

 

القراءة الثَّانية

وتعتمد التَّحليل الصَّائب، فلا مانع مِن دراسة علميَّةٍ واعيةٍ لأسباب التَّنوُّع في أدوار الأئمَّة مِن أهلِ البيت (عليهم السَّلام)، بشرط أنْ تكون هذه الدِّراسة، واعية وبصيرة.

وفي ضوء هذه الدِّراسة يمكن أنْ تبرز مجموعة أسباب لهذا التَّنوُّع في أساليب الأئمَّة (عليهم السَّلام)، أذكر بعضها:

– اختلاف الظُّروف الموضوعيَّة التي تمرُّ بها الرِّسالة.

– اختلاف الظُّروف الموضوعيَّة المتحرِّكة حول الإمام نفسه.

– اختلاف الحالة التي تعيشها الأُمَّة.

– اختلاف الأهداف المحدَّدة لكلِّ مرحلة.

ولإعطاء هذا الاختلافِ مزيدًا مِن التَّوضيح نحتاجُ إلى حديثٍ رُبَّما أتناوله في وقتٍ آخر.

 

القراءة الثَّالثة

لتفسيرِ التَّغايرِ في أساليب الأئمَّة (عليهم السَّلام) وهنا مجموعة آراء خطأ ومتخبِّطة ومتجنِّية، فالقراءات العابثة زوَّرت الكثير مِن الحقائق وخاصَّة فيما يتَّصل بأهل البيت (عليهم السَّلام)، فقد نالهم ما نالهم مِن عبث العابثين.

ومسألة الاختلاف بين الأئمَّة (عليهم السَّلام) كانت فرصةً للقراءات العابثة والمشوشة، أذكر هنا نماذج منها:

(1) اتَّجهتْ بعضُ هذه القراءات إلى أنَّ الاختلاف بين الأئمَّة (عليهم السَّلام) في الأساليب ناشِئ مِن اختلافٍ في الرُّؤية والاجتهاد، فاجتهد عليٌّ في مرحلةٍ فسالم، وفي مرحلةٍ أخرى فقاتل.

وكان اجتهادُ الإمام الحَسن (عليه السَّلام) فَرضَ عليه أنْ يُصالح.

واجتهاد الإمام الحُسين (عليه السَّلام) فرض عليه أنْ يثور ويواجه.

وهكذا كلُّ إمامٍ فَرضَ عليه اجتهادُه أنْ يُمارسَ الأسلوب الخاصَّ به.

هذا التَّفسير مرفوض، فالأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام) ليسوا مجتهدين، يُصيبون ويُخطئون، وإنَّما ينطلقون مِن رُؤى معصومة، فصالحَ الإمام الحَسن (عليه السَّلام) انطلاقًا مِن رُؤية معصومة، وثارَ الإمام الحُسين (عليه السَّلام) انطلاقًا مِن رُؤية معصومة، وهكذا بقيَّة الأئمَّة (عليهم السَّلام).

 

(2) واتَّجهتْ رؤيةٌ أخرى في تفسير الاختلاف بين الأئمَّة (عليهم السَّلام) في الأساليب بأنَّه ناشِئ مِن تنوُّعِ القُدُرات، فلكلِّ إمامٍ قُدُراته التي فرضت عليه أنْ يختار الأسلوب الذي يتناسب مع هذه القُدُرات.

وهذا التَّفسير مرفوض جدًّا، فالأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام)، جميعهم مؤهَّلون بكلِّ القُدُرات، كونهم القادة والهُداة، وحَمَلَة الرِّسالة، والأدلَّاء على الله.

 

(3) وفريقٌ ثالث يتَّجه في تفسير هذا الاختلاف إلى اختلاف المزاجات النَّفسيَّة، فالإمام الحَسن (عليه السَّلام) يملك مزاجًا نفسيًّا مُسالمًا فَرضَ عليه أنْ يُصالِح، والإمام الحُسين (عليه السَّلام) يملك مزاجًا ثوريًّا فَرضَ عليه أنْ يواجه، والإمام زين العابدين (عليه السَّلام) يملك مزاجًا روحانيًّا فرض عليه أنْ يمارس أُسلوب الدُّعاء، والإمامان الباقر والصَّادق (عليهما السَّلام) كانت لهما ميول علميَّة فاختارا أُسلوب التَّدريس والعطاء العلميّ، وهكذا بقيَّة الأئمَّة (عليهم السَّلام).

هذا رأيٌ مرفوضٌ جدًّا، فالأئمَّة مِن أهلِ البيت (عليهم السَّلام) لا ينطلقون مِن مزاجاتٍ ذاتيَّةٍ، وإنَّما هي الرُّؤية المعصومة التي تفرض المواقف، والتي لا تتَّأثر بالمزاجات والانفعالات.

 

وهناك تفسيرات أخرى لا يتَّسع الوقتُ لذكرها، وفيها ما فيها مِن الزَّيغ والخلل والتَّجنِّي على الأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام).

ورُبَّما هي نتاج فهمٍ مغلوط وخطأ، خاصَّة وأنَّ هذه الرُّؤى لا تعترف للأئمَّة بالعِصمة.

وأمَّا وفقَ منظورِ العصمةِ فلسنا في حاجةٍ إلى هذه الجدليَّات والمماحكات، وهذا لا يمنع مِن معالجة الاختلافات معالجة علميَّة وموضوعيَّة كما تقدَّم القول، فمواقف الأئمَّة (عليهم السَّلام) مواقف معصومة لا تحتاج إلى تبرير، وهذا لا يمنع مِن الإجابة عن هذا السُّؤال:

لماذا الاختلاف؟

وأشرنا في بداية الحديث إشارة عاجلة إلى بعضِ أسبابِ هذا الاختلاف، ويبقى التَّفصيل في حاجةٍ

إلى وقتٍ آخر.

 

العنوان الثَّاني: منابرُنا منابر وحدةٍ وتقارب

وهنا الحديثُ عن منابرِ عاشوراء التي تحمل صوت الحُسين (عليه السَّلام)، هذا الصَّوت الذي أطلق صرخته في مواجهة كلِّ التَّمزُّقِ والتَّشتُّتِ، وكلِّ الصِّراعاتِ المُدمِّرة.

نعم هي صرخةٌ في مواجهةِ كلِّ الباطلِ، وكلِّ الظُّلم، وكلِّ العبثِ بالقِيم والمُثُل.

قالوها كاذبين: إنَّ الحُسين (عليه السَّلام) خرج ليمزِّق وحدة الأُمَّة.

أيَّة وحدة هذه التي يزعمون، الوحدة التي تؤسِّسُ للباطل، للظُّلم، للعَبث؟!

الفارق كبير بين وِحدةٍ تؤسِّس للاعتصام بحبلِ الله والتَّعاون على البِّرِّ والتَّقوى، ووحدة تؤسِّس للإثم والعدوان.

  • {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ …}. (سورة آل عمران/ الآية 103)
  • {… وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ …}. (سورة المائدة/ الآية 2)

 

تمرُّ أُمَّتنا الإسلاميَّة والعربيَّة بتحدِّياتٍ كبرى في هذه المرحلة التَّاريخيَّة، انتجتها قوى متآمرة على هذه الأُمَّة، ورأسُ الحربةِ (صَهاينة) زُرِعُوا في قلبِ أُمَّتِنا، وخَلَقوا كلَّ الرُّعبِ والدَّمارِ، فعشرات الآلاف مِن الضَّحايا نِساءً، أطفالًا، شبابًا، كبارًا، لا معنى في قاموسهم للقِيم، للمُثُلِ، للرَّحمةِ، للكرامةِ.

في كلِّ يومٍ جرائم يندى لها جبين الإنسانيَّة، وفي كلِّ يومٍ أرواحٌ تُزهق، ومواقع عِبادة تُدمَّر، ومؤسَّسات بناءٍ تُباد، ولا زال العَالم يتفرَّج!

أين منظَّمات حقوق الإنسان، أين صيحات العدالة، أين الضَّمير العالميّ، أين القِيم والمُثُل؟

سقطت كلُّ هذه العناوين؛ لأنَّ كيانًا غاصبًا يجب أنْ يبقى، ليكون شوكةً في خاصرةِ أُمَّتِنا، وليكون وجودًا مزروعًا في أرضنا، وليكون مصدر قلقٍ وتوتُّرٍ وإرباكٍ وفِتنٍ في كلِّ واقعنا العربيِّ والإسلاميِّ.

ها هم الصَّهاينة يعلنونها بكلِّ وقاحةٍ وتحدِّي أنَّهم يفكِّرون أنْ يبنوا كنيسًا يهوديًّا في باحاتِ المسجد الأقصى.

أيُّ تحدِّي لأُمَّتنا أكبر مِن هذا التَّحدِّي، وأيَّة استهانةٍ أكبر مِن هذه الاستهانة؟

فهل تقف أُمَّتنا موقفًا مُوحَّدًا؟

مِمَّا يؤسف لهُ أنَّ مواقف أُمَّتنا غير مُوَحَّدة.

مواقف أنظمتنا غير مُوَحَّدة.

مواقف شعوبنا لا زالت غير مُوَحَّدة في مواجهة هذا الكيان الغاصب.

ولن نبخس المواقف الجريئة حقَّها والتي حملت شعار الرَّفض والتَّصدِّي، ولا نشكّ أنَّ الغيارى على كرامة هذه الأُمَّة لا يفرطون بشيئ مِن هذه الكرامة، فلتتلاقى الإرادات فيما هو صالح هذه الأُمَّة.

لا يُضعف أُمَّتنَا، أوطاننَا، شعوبنَا شيئٌ كما يضعفُها الخِلافُ والصِّراعُ والتَّمزُّق، وهذا ما يُصِّرُ على إنتاجه الأعداء، وبأساليب في غاية المكر والخِداع، ورُبَّما تكون مكشوفة كلَّ الانكشاف.

فما أحوج هذه المرحلة بكلِّ تحدِّياتِها إلى رشدٍ ووعي وبصيرةٍ وارادةٍ وعزيمةٍ، لكي نصنعَ مِن وجودنا قوَّة بناءٍ وعطاء، ولكي لا نسقطَ مهما ازدحمتْ التَّحدِّيات والكوارث والأزمات والدَّسائس.

ما أحوج أُمَّتنا وشعوبنَا إلى صرخةِ الحُسين (عليه السَّلام)، صرخةِ العِزَّة والكرامة، صرخةِ الإباءِ والشَّهامة، وهنا تباشيرُ خيرٍ، فصوتُ عاشوراء بدأ يقوى لدى المجاهدين الأبطال في غَزَّة والقُدسِ وفي كلِّ فلسطين، وهذا ما يرعب الصَّهاينة، مهما فتكوا وقتلوا وشرَّدُوا وأبادوا، فصرخة الحُسين (عليه السَّلام) أكبرُ وأقوى، الصَّرخة التي اقتحمت كلَّ التَّاريخ، وصنعت كلَّ الصُّمود والشُّموخ، وأسقطت كلَّ الخيارات الزَّائفة، وهنا لا نتحدَّث عن عُنفٍ وتَطرُّفٍ، فعاشوراء الحُسين (عليه السَّلام) ترفض كلَّ العُنفِ والتَّطرُّفِ وكلَّ أشكال الإرهاب والتَّعصُّب.

خيارُ عاشوراء هو المحبَّة والتَّسامح والتَّآلف والتَّقارب، خيارُ عاشوراء الأمن والسَّلام والأخوَّة والصَّفاء، هذه هي منابرنا في عاشوراء الحُسين (عليه السَّلام) منابر وحدة وتقارب، ومنابر تآزر وتآلف.

ونتمنَّى أنْ لا يُساء الفهم في كلمة صدرت هنا أو هناك فتُحمَّل ما لا تتحمَّل، الأمر الذي يكدِّر النُّفوس، ويعكِّر القلوب، والأمر الذي يهزُّ مِن سُمعة النَّجاح لهذا الموسم الكبير في هذا الوطن الحبيب.

كم نحن فخورون أنْ يكون موسم عاشوراء البحرين مِن أنجح المواسم العاشورائيَّة.

وإذا كُنَّا نطلب مِن منبر عاشوراء أنْ يكون بمستوى أهداف الموسم، نطلب مِن الجهات الرَّسميَّة أنْ تعزِّز هذه الأهداف، وهكذا تلتقي كلُّ الإرادات لإنتاج موسم يعبِّر عن مسارات عاشوراء، كما أرادها السِّبط الحُسين (عليه السَّلام) الذي أعطى دمه ودماء أهلِ بيتِه وأصحابِهِ دفاعًا عن الدِّين وقِيم الدِّين، ورفضًا لكلِّ أشكالِ الظُّلم والبغي والفساد في الأرض.

 

العنوان الثَّالث: كلمة أخيرة

نُثمِّنُ بكلِّ تقديرٍ خُطوةَ الإفراج عن عددٍ مِن نُزلاءِ السُّجونِ، وهيَ خُطوةٌ تتَّجِهُ نحو إنتاجِ المزيدَ مِن الاستقرار، وبناءِ الثِّقةِ بين الشَّعبِ والدَّولةِ، وننتظر المزيدَ مِن الإفراجاتِ، والأمرُ ليس عَسِيرًا ما دامت النَّوايا صَادِقةً، والتَّأسيس لبناء المحبَّةِ هُوَ الخيارُ، ويبقى الأملُ الكبيرُ أنْ تُبيَّضَ السُّجونُ وأنْ يتمَّ الإفراج عن جميع السُّجناء لتدخلَ الفرحةُ كلَّ بيتٍ.

وهكذا تتَّجِهُ كلُّ الإراداتِ الخيِّرة نحو خدمةِ هذا الوطنِ الطَّيّبِ، وتنشط الخَياراتُ الصَّالحةُ، وتتصفَّى المناخاتُ، وتنتهي كلُّ المُكدِّرات ما دامت مصالحُ هذا الشَّعبِ، ومصالحُ هذا الوطن تُشكِّل المسارَ الصَّادق، والهدف المخلِصَ لدى الجميع.

 

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button