آخر الأخبارالإمام الحسين الشهيد (ع)شهر محرمقضايا الساحةقضايا محليةملف شهر محرم

حديث الجمعة 641: موسم عاشوراء – كيف نقيِّم نجاح الموسم العاشورائيّ؟ – كلمة شكر لكلِّ الجهود التي أنجحتْ موسمَ عاشوراء – الاستدعاءات لعدد مِن العلماء والخطباء والرَّواديد

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول - البحرين | حديث الجمعة (641) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 18 محرَّم 1446هـ | الموافق: 25 يوليو 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

 

عشنا موسمَ عاشوراءَ بقلوبٍ مفجوعةٍ أثقلتها آلام كربلاء.

وبعيونٍ باكيةٍ أرهقتْها أحزانُ عاشوراء.

وبذاكرةٍ تزدحم في داخلها صورُ الفاجعة.

وبمشاهد حزينةٍ تروي قصَّة المأساة.

حيث ازدحمت الحشود مصمِّمةً على قتلِ الحُسينِ (عليه السَّلام)، وعلى سَفكِ دمِهِ.

وحدثَ ما حدثَ في ظهيرةِ عاشوراء.

وافترش الحسينُ (عليه السَّلام) أرض كربلاء مُثقلًا بالجراحاتِ والطَّعنات.

وأوطأوا الخيولَ صدرَهُ.

واستلبوا كلَّ ما عليه.

وكانت أحداثُ عاشوراء قد أرهقت الحوراء زينب (عليها السَّلام)، وأرهقت بنات الرِّسالة، وأرهقت إمامنا السَّجاد (عليه السَّلام).

فأمامَ نواظرهم الجسدُ المُقدَّس مُمزَّق الأوصال.

وأمامَ نواظرهم الضَّحايا مضرَّجين بالدِّماء.

 

وأمامَ نواظرهم أشلاءُ متناثرة.

وأمامَ نواظرهم خيامٌ تلتهمها النِّيران.

وأمامَ نواظرهم يتامى صارخاتٌ والهات.

وصبايا في البراري هائمات.

ونُسوةٌ باكياتٌ نادبات.

ونياقٌ عجَّفٌ قد أُعدَّت لسَبايا النُّبوَّة.

وزينب الصُّمود والشُّموخ والصَّبر تتابع مشاهدَ المأساة.

قلبٌ مشدودٌ إلى الجسدِ المُقدَّسِ وجراحاته الدَّامية، وإلى الأجساد الرَّاقدة على رمالِ كربلاء، المصبوغة بالدِّماء.

وعينٌ تمتلئ بصورٍ مؤلمةٍ:

– طفلةٌ يُنزع قرطُها

– امرأةٌ تُسلب ملحفتُها

– صغيرةٌ هائمةٌ في البيداء

– يتيمةٌ تسقط تحت حوافر الخيل

– عليلٌ يتوكَّأ على عصا لا يقوى على المسير.

فما عسى أنْ تصنع زينب (عليها السَّلام)؟

لكِ الله يا ابنة الزَّهراء

 

وأنت تقتلين الدَّمعة في عينيكِ لكي لا يسقط الموقف، ولكي لا تسقط الإرادة، ولكي لا يسقط التَّحدِّي.

لكِ الله يا ابنة الزَّهراء

والدَّربُ أمامكِ طويلٌ طويل، وصعبٌ صعب، هناك الكوفة، وهناك الشَّام، وما أدراك ما الشَّام؟

وفي زحمةِ هذه الخواطر الحزينة شدَّ زينبَ الشَّوقُ إلى جسدِ أخيها الحُسين (عليه السَّلام)

فانحدرت في اللَّيل

تتخطَّى أشلاء القتلى

حتَّى وقفت عند الجسدِ المقدَّس وقد تسربل بالدِّماء

وازدحمتْ عليه الرِّماحُ والأسِنَّة والحِجارة والسِّهام

ألقت على الجسدِ الطَّاهر نظرات مفجوعة

وأرسلت عبراتٍ ساخنة

وأطلقت آهاتٍ كئيبة

ومدَّت يدها الى الجسد المُقدَّس

وشدَّت طرفها إلى السَّماء قائلة:

«اللَّهمَّ تقبَّل مِنَّا هذا القُربان».

 

هكذا عِشنا حُزنَ عاشُوراء

وهنا سؤالٌ كبيرٌ يُطرح:

كيف نقيِّم [نقوَّم] نجاح الموسم العاشورائيّ؟

الحُزن العاشورائيُّ مفصل أساس في هذا الموسم

فلا عاشوراء بلا حزن

وماذا يعنى الحُزن العاشورائيُّ؟

إنَّه يعني:

العشقَ الحقيقيَّ لعاشوراء الحُسين (عليه السَّلام).

والعشقُ ذوبانٌ وانصهار، فكلَّما ارتقى هذا الذَّوبان والانصهار كان العشق أكبر، وكلما كان العشق أكبر كان الحُزن أصدق، وكانت الدَّمعة أطهر.

هناك دمعة تصنعها الفاجعة فقط.

وهناك دمعة يصنعها الولاء.

والفارق كبير بين الدَّمعتين.

رُبَّما تُحرِّك الفاجعة حتَّى دموع قتلة الحُسين (عليه السَّلام) إلَّا مَن تحجَّر قلبه!

وأمَّا الدَّمعة التي يصنعُها الولاء فهي: دمعة لها عنوانُها الكبير، ودلالاتُها الكبيرة، ومعطياتُها الكبيرة.

رُبَّما يحاول أعداءُ عاشوراء أنْ يُعطوا لهذه الدُّموع الحُسينيَّة عنوانًا مُزوَّرًا، إنَّهم يتَّهمون البُكاء والحُزن العاشورائيَّ بأنَّه يُمثِّل الضَّعف والانهزام، وهذا اتِّهام ساقط جدًّا.

إذا كان الحُزن العاشورائيّ يُمثِّل ضعفًا وانهزامًا فلماذا هذا القلق الكبير مِن أعداء عاشوراء؟!

إنَّهم مرعوبون كلَّ الرُّعبِ مِن هذا الحُزن، ومِن هذهِ الدُّموع.

إذا كان حزنًا يُمثِّل ضعفًا، وإذا كانت دموعًا تُمثِّل انهزامًا فلماذا هذا الرُّعب الكبير الذي يعيشونه

مِن هذا الحُزن، ومِن هذهِ الدُّموع؟

 

إنَّهم يعلمون كلَّ العلم أنَّ حُزنَ عاشوراء يُمثِّل صرخةَ غضبٍ، وأنَّ دموع كربلاء تُمثِّل موقف تحدِّي.

وصرخة الغضب وموقف التَّحدِّي يُمثِّلان عنوانين كبيرين مِن عناوين الثَّورة العاشورائيَّة، وهي ثورة مستمرَّة ما دام هناك قَتلة يذبحون الأولياء، وما دام هناك جُناة يسفكون الدِّماء، وما دام هناك صُنَّاع قَتلٍ ودمار، وما دام هناك حَملةَ رُعْب وفَسَاد، وما دام هناك عبثٌ بالقِيمِ وبالمُثُل، وما دام هناك هَتكٌ للأعراض، وما دام هناك عَبثٌ بالأرواح.

 

وأمام النَّواظر مشاهد القتل في غزَّة بكلِّ بطشِها ورُعبها وفتكِها ودمارِها، قتلٌ لم يستثن طفلًا، ولا امرأة، ولا شيخًا كبيرًا، ولا عليلًا، ولا ضعيفًا، …

ودمارٌ طال بيوتًا، ودُور عبادة، ومستشفيات ومستوصفات، وأسواقًا، ومواقع حياة (ارتفع عدد الشُّهداء في غزَّة إلى ما يقرب مِن 40 ألف شهيد غالبيَّتهم من النِّساء والأطفال).

هنا كان موقفُ الأبطالِ المقاتلون في غزَّة موقفًا عاشورائيًّا.

استمدَّ مِن عاشوراء الحُسين (مبدئيَّة الجهاد).

واستمدَّ مِن عاشوراء الحُسين (روح الشَّهادة).

واستمدَّ مِن عاشوراء الحُسين (معاني الفداء).

واستمدَّ مِن عاشوراء الحُسين (صلابة الموقف).

واستمدَّ مِن عاشوراء الحُسين (إرادة التَّحدِّي).

واستمدَّ مِن عاشوراء الحُسين (قِيمة الإيثار).

هكذا تشكَّل الموقفُ الفلسطينيُّ بكلِّ شموخِهِ وعزَّتِهِ وإِبائِهِ وإصرارِهِ وصُمودِهِ وعُنفوانِهِ.

وهكذا أعطى المجاهدون مِن أبناءِ غزَّة، وأبناءِ فلسطين دماءَهم ولا زالوا يُعطون مِن أجلِ أنْ يُطهِّروا الأرضَ مِن دَنَسِ الصَّهاينة الغاصبين، ولن تلينَ لهم إرادة ما داموا يستلهمون مِن كربلاء الحُسين معاني الصُّمود، ومعاني الجهاد، ومعاني الشَّهادة، ومعاني الفداء، ومعاني البذل والعطاء.

إذًا حُزنُ عاشوراء، ودموعُ عاشوراء ليس انكسارًا، وليس ضعفًا، وليس ذِلَّة بل هو شُموخ وعِزَّة، وإباءٌ وصُمود، وإرادة وتحدِّي، وتضحيةٌ وعطاءٌ، وقيمٌ ومُثُلٌ.

إنَّ حزنَ عاشوراء ليس حُزنًا مُدمِّرًا، كما أطلق ذلك بعض أعداء عاشوراء حينما قالوا بالخطِّ العريض، وبكلِّ وقاحةٍ وفي موسم عاشوراء: (إلى متى هذا الحُزن المُدمِّر؟)

نعم هو حزنٌ مُدمِّر.

مُدمِّر للباطلِ، للظُّلمِ، للفسادِ، للطُّغيانِ، للاستعبادِ، للذُّلِ، للخنوعِ، للقهرِ، للعدوانِ، للاستبدادِ، ولكلِّ

أشكال الضَّلال والانحراف.

لماذا تشكِّل عاشوراءُ قلقًا كبيرًا لصُنَّاع الظُّلمِ، وصُنَّاعِ الفساد، وصُنَّاعِ العبث، وصُنَّاعِ الشَّرِّ، وصُنَّاعِ الباطل؟

طبيعي لأنَّ عاشوراء شعارها العدل، والإصلاح، والحقُّ، والخير، والكرامة، والعِزَّة، والإباء، والفداء، والتَّضحية والشَّهادة …

وهذه عناوين بلا إشكال تُشكِّل هاجسًا صعبًا لكلِّ الذين يحملون الخيارات المضادَّة لأهداف عاشوراء.

 

لا زال الحديث عن (الحُزنِ العاشورائيِّ) كعنوانٍ كبيرٍ لهذا الموسم، وبقدر ما يتمركز هذا العنوان في الوعي، وبقدر ما يتمركز في الوجدان يدفع بالإحياء العاشورائيِّ في اتِّجاه العطاء الأكبر، وفي اتِّجاه الفاعليَّة والتَّأثير.

وللحديث تتمَّة – إن شاء الله تعالى -.

 

كلمة أخيرة:

كلمة شكر وتقدير لكلِّ المساعي والجهود التي أنجحتْ موسمَ عاشوراء، سواءً أكانت مساعيَ شعبيَّة أو رسميَّة، وكلّ التَّثمين للمنبرِ الحُسينيِّ، وللشُّعراء والرَّواديد، ولإدارات المآتم والمواكب، وجميع الكوادر التي بذلت جهودًا كبيرة ومشكورة في خدمةِ أهدافِ هذا الموسم، وكلَّما ارتقت درجاتُ الإخلاص، ونشطت القُدراتُ، وتآزرتْ الإمكانات وتوحَّدت؛ كان الإحياء العاشورائيُّ أكثر صِدْقًا، وعَطَاءً، وقِيمةً، وثوابًا، ويجب أنْ لا ننسى هنا جماهيرنا العاشورائيَّة بما أعطت مِن حضورٍ كبيرٍ في كلِّ المواقع، فلا نجاح لكلِّ فعَّاليَّات هذا الموسم إلَّا بهذا الحضور الجماهيريُّ.

ولست هنا في صددِ محاسبة بعضِ الفجواتِ والاختراقاتِ والسَّلبيَّات، ونقاطِ الضَّعف، والظَّواهر التي تُشكِّل خللًا في الأداء العاشورائيِّ، ورُبَّما يكون لهذا حديثٌ مستقلٌّ.

 

وهنا نقطة تُشكِّل قلقًا كبيرًا يكدِّر صورة النَّجاح الكبير الذي حقَّقه هذا الموسم العاشورائيُّ، وهي الاستدعاءات لعدد مِن العلماء والخطباء والرَّواديد.

كم كُنَّا نفتخر أنَّ عاشوراء البحرين تُمثِّل نموذجًا راقيًا، وهذا ما سمعناه حتَّى مِن المسؤولين، فلا نريد لهذه الصُّورة أنْ تهتزَّ، خاصَّة وأنَّ حريَّة المعتقد والقِيام بالشَّعائر الدِّينيَّة والمواكب العاشورائيَّة أمرٌ مكفول دستوريًّا.

وحتَّى لو حدث تجاوزٌ هنا أو هناك فيمكن معالجته بالتَّفاهم والحوار، مِمَّا يكرِّس روح التَّعاون، والتَّآلف.

فأقول وبكلِّ محبَّةٍ أنَّ نهج الاستدعاءات مهما كانت مبرِّراته يكدِّر الأجواء العاشورائيَّة التي نفخر بها في هذا الوطن الحبيب.

وهنا كلمةٌ موجَّهةٌ لأحبَّتنا حَمَلَةِ الخطاب العاشورائيِّ مِن علماءَ وخطباءَ ورواديد، وهم صوتُ عاشوراءَ: أنْ يكون هذا الصَّوتُ نموذجًا راقيًا يعبِّر عن أهدافِ النَّهضة الحُسينيَّة بكلِّ معطياتها الإيمانيَّة والعقائديَّة والرُّوحيَّة والأخلاقيَّة، والتي تكرِّسُ الوحدةَ والتَّآلفَ والتَّقاربَ بين المسلمين.

ورُبَّما يكون لنا حديثٌ عن خطاب عاشوراء ودوره في صناعة الوحدة والتَّقارب، وفي مواجهة مشاريع التَّمزُّق والخلاف.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وصلَّى الله على محمَّد وآله الطَّاهرين.

Show More

Related Articles

Back to top button