حديث الجمعة 640: نستقبلُ موسمَ عاشوراء – وقفةٌ مع قرارِ اشتراطِ الموافقة الرَّسميَّة – ماذا يعني أنْ نكون عاشُورائيِّين؟ – شِعَارُ عاشُوراءَ لهذا العام (مع الحُسَينِ أبدًا) – ملفُّ التَّجنيس
مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (640) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 27 ذو الحجة 1445هـ الموافق: 04 يوليو 2024 م
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
♦ نستقبلُ موسمَ عاشوراء
مَوْسِمًا استثنائيًّا في كلِّ واقعِنا الشِّيعيِّ
استثنائيًّا في شعائِرِه ومراسِيمِهِ
استثنائيًّا في برامِجِه ومُمارسَاتِهِ
استثنائيًّا في خِطَابِهِ وكلماتِهِ
استثنائيًّا في كلِّ أوضاعِهِ وصِيَاغاتِهِ
مِمَّا يفرضُ تغيُّرًا كبيرًا في داخل البيوت، في الشَّوارعِ، في المآتم والحُسينيَّات، لدى الكبار، لدى الشَّباب، لدى الصِّغار، لدى الرِّجالِ، لدى النِّسَاء.
فأين ما تُلقي بطرفِكَ تجد عاشوراء تتحرَّك.
وأين ما تُلقي بسَمعِكَ تجد نداء: (يا حُسين)، (يا مظلوم)، (يا أبا عبد الله).
وهكذا تتشرَّبُ القلوبُ عُشقَ الحُسين (عليه السَّلام)
وهكذا تذوبُ الأرواح في حبِّ الحُسين (عليه السَّلام)
وهكذا تزحفُ الملايينُ نحو مَثَوى الحُسين(عليه السَّلام) صارخةً:
لو قطَّعُوا أرجلَنَا واليَدَين
نأتيكَ زَحْفًا سيِّدي يا حُسين
وهكذا تتعشَّقُ القلوبُ زيارةَ الإمام الحُسين (عليه السَّلام)، وقد عرف أبناءُ هذا الوطن زيارة كربلاء الحُسين منذُ أقدم التَّاريخ، مهما كانت الظُّروف والتَّعقيدات.
♦ وقفةٌ مع قرارِ اشتراطِ الموافقة الرَّسميَّة
وهنا وقفةٌ مع القرارِ الذي اتَّخذته دولتنا الموقَّرة في اشتراطِ الموافقة الرَّسميَّة، لكلِّ الرَّاغبين في الذَّهابِ إلى العراقِ لزيارة الإمام الحُسين (عليه السَّلام) ومراقد الأئمَّة المعصومين (عليهم السَّلام).
إنَّنا في الوقت الذي نحترمُ قراراتِ الدَّولة نجدُ في هذا القرارِ تعقيدًا لا مُبرِّر له، وتضيِيِقًا على حُرِّيَّةِ السَّفر، في حين لا يُفرض هذا الاشتراط في السَّفر إلى الكثير مِن البلدان!
وهُنا نؤكِّد وبرغبةٍ جادَّةٍ على إلغاءِ هذا القرار.
وهذه الزِّياراتُ إلى المراقد المقدَّسة هي جزءٌ مِن شعائر الدِّين، فلا معنى أنْ تُفرض عليها قيودًا رسميَّة، فحرِّيَّة الممارسات الدِّينيَّة مكفولة وفق الأنظمة والقوانين، وما دامت هذه الممارساتُ وفق ضوابط الشَّرع والقانون.
♦ ماذا يعني أنْ نكون عاشُورائيِّين؟
أعودُ للقولِ أنَّنا على أعتابِ موسمِ عاشوراء، فيجب أنْ نكون عاشورائيِّين.
ماذا يعني أنْ نكون عاشُورائيِّين؟
هل يعني أنْ أتوشَّحَ بالسَّواد؟
هذا أمرٌ يعبِّر عن حُزنِ عاشوراء، إلَّا أنَّه لا يصنعُ مِنَّي عاشورائيًّا.
هل يعني أنْ أحضرَ المآتمَ وأشارك في المواكب والفعَّاليَّات العاشورائيَّة؟
هذا مطلوبٌ جدًّا، وهو جزء أساسٌ مِن الحضور العاشورائيِّ، إلَّا أنَّ هذا لا يكفي لكي يصنعَ مِنَّي عاشورائيًّا.
هل يعني أنْ أبذلَ الطَّعامَ، أنْ أبذل الأموالِ، أنْ أمارسَ الخدمات العاشورائيَّة في المآتم والمواكب وفي كلِّ المواقع؟
هذا مِن أعظمِ القُرباتِ إلى الله
ومِن أعظمِ ممارسات عاشوراء
ومِن أعظمِ أعمالِ الإحياءِ العاشورائيِّ
إلَّا أنَّ هذا لا يكفي أنْ يصنعَ مِنَّي عاشورائيًّا وحُسينيًّا.
المعايير الأساس لإنتاج الانتماء العاشورائيّ
هناك معايير أساس لإنتاج الانتماء العاشورائيّ:
المعيار الأوَّل: مستوى الإخلاص العاشورائيِّ
فكلَّما ارتقى مُسْتوَى الإخلاص ارتقى مستوى الارتباط بعاشوراء، وكلَّما انخفض مستوى الإخلاص انخفض مستوى الارتباط بعاشوراء.
ومعنى الإخلاصِ العَاشُورائيِّ:
أنْ تنطلق في كلِّ أعمالِكَ العاشورائيَّة طمعًا في ثوابِ الله وخوفًا مِن عقابِهِ، وإذا استطعت أنْ تكون أعمالكَ العاشورائيَّة معبِّرة تعبيرًا صادقًا عن (حبِّ الله تعالى) فهذا أرقى مستوياتِ الإخلاص.
ولا شكَّ أنَّ (الحبَّ الصَّادق للحُسين) هو مِن أعلى مصاديقِ الإخلاص للهِ تعالى.
هناك بقيَّةُ معاييرَ لإنتاجِ الانتماء العاشورائيِّ يأتي الحديث عنها – إنْ شاء الله – في كلمةٍ قادمة.
♦ شِعَارُ عاشُوراءَ لهذا العام (مع الحُسَينِ أبدًا)
متى نكونُ مع الحُسَين (عليه السَّلام)؟
أوَّلًا: حينما تكونُ قلوبُنا مع الحُسين (عليه السَّلام)
وما معنى أنْ تكونَ قلوبُنا مع الحُسين (عليه السَّلام)؟
ليس الأمرُ مجرَّدَ عواطفَ طافحة.
أنْ تمتلئ القلوبُ عُشقًا وانصهارًا وذوبانًا في حبِّ الحُسَين (عليه السَّلام).
أبو الفضل العبَّاسُ كانَ مِن عُشَّاقِ الحُسين (عليه السَّلام)
عليُّ الأكبر كان مِن عُشَّاقِ الحُسين (عليه السَّلام)
القاسمُ ابن الحسنِ كان مِن عُشَّاقِ الحُسين (عليه السَّلام)
حبيبُ بن مظاهر كان مِن عُشَّاقِ الحُسين (عليه السَّلام)
زُهير، بُرَير، الحُرُّ الرِّياحيُّ، جابر التَّميميُّ، بقيَّة الأنصار كانوا مِن عُشَّاقِ الحُسين (عليه السَّلام).
فكم نملك نحن مِن عُشقِ الحُسين (عليه السَّلام)؟
وكم نقتربُ مِن عُشقِ هؤلاء؟
رُبَّما يكونُ في كلِّ عَصْرٍ عُشَاقٌ كِبارٌ للحُسين (عليه السَّلام)، يكونون في عدادِ السَّائرين في ركب الحُسين (عليه السَّلام).
ثانيًا: حينما تكونُ عقولنا مع الحُسين (عليه السَّلام)
هنا يرتقي مستوى العلاقةِ مع الحُسين (عليه السَّلام)
وهنا يرتقي مستوى العشق للحُسين (عليه السَّلام)
عشق يفقدُ وعيًا عشقٌ متخلِّف.
ووعي يفقد عُشقًا وعيٌ مُتَبلِّد.
أنصار الحُسين (عليه السَّلام) في يومِ عاشوراء كانوا قِممًا في العُشق، وقِممًا في الوعي.
وهكذا كلّ الكبار السَّائرين في ركبِ الحُسين (عليه السَّلام) عبر كلِّ التَّاريخ.
فلكي نكونَ مع الحُسينِ أبدًا
فلنرتق بعُشقنا للحُسين (عليه السَّلام)
ولنرتق بوعينا في العلاقة مع الحُسين (عليه السَّلام).
ثالثًا: حينما يكونُ سُلوكُنَا مع الحُسين (عليه السَّلام)
رُبَّما تكون المشاعرُ مع الحُسين (عليه السَّلام)
ورُبَّما تكون الأفكارُ مع الحُسين (عليه السَّلام)
الَّا أنَّ السُّلوك يباينُ الحُسين (عليه السَّلام)
فالقِيمة كلّ القِيمة للمشاعر حينما تتحوَّل سُلوكًا
والقِيمة كلّ القِيمة للأفكار حينما تتحوَّل أعمالًا
رابعًا: حينما يكونُ حَراكُنَا مع الحُسَين (عليه السَّلام)
ما معنى أنْ يكون حَراكُنَا مع الحُسين (عليه السَّلام)؟
حينما نجاهد مِن أجلِ الدِّين
حينما نأمر بمعروف وننهى عن منكر
حينما نبذل ما نملك في سبيلِ الحقِّ
حينما نُضحِّي مِن أجلِ أنْ تكون كلمةُ الله هي العليا.
وحينما نتحدَّثُ عن عنوان الجهاد، وعنوان الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وعنوان البذل والتَّضحية فالمسألة يجب أنْ تخضع لرؤى فقهيَّة مدروسة، وليست متروكة لرؤى الشَّارع وقناعات النَّاس العاديِّين.
والخلاصة:
إنَّ شعارَ عاشُوراء لهذا الموسم (مع الحُسين أبدًا)
يحمل أهم المضامين التَّالية:
المضمون الأوَّل: أنْ تكون قلوبُنا مع الحُسين (عليه السَّلام)
المضمون الثَّاني: أنْ تكون عقولُنا مع الحُسين (عليه السَّلام)
المضمون الثَّالث: أنْ يكون سُلوكُنا مع الحُسين (عليه السَّلام)
المضمون الرَّابع: أنْ يكون حَراكُنا مع الحُسين (عليه السَّلام)
♦ ملفُّ التَّجنيس
شعبُنا يتابع بكلِّ اهتمامٍ ملفَّ التَّجنيس مُثمِّنًا أيَّ خطوةٍ جادَّةٍ في معالجةِ هذا الملف، حيثُ يشكِّلُ ملفًّا لهُ تداعيات كبيرة وخطيرة على النَّسيج الوطنيِّ، وعلى هُويَّةِ هذا الشَّعب، ويفرض استنزافًا لثروةِ هذا البلد، فلا نظنُّ أنَّ أحدًا يحمل إخلاصًا لهذا الوطن يتحفَّظ على فتح هذا الملف، خاصَّة بعد أنْ ثبت وجود أشخاص قدَّموا معلوماتٍ ووثائق مزوَّرة، ممَّا أوجد زحفًا غير مألوف مِن مجنَّسين اقتحموا كلَّ المواقع وكلَّ الوظائف، في حين يزدحم هذا الوطن بأعدادٍ كبيرةٍ جدًّا مِن العاطلين مِمَّن ينتمون إلى هذه الأرض، ويذوبون في الولاء لهذه التُّربة.
فمَنْ أحقُّ بثروة هذا الوطن، أبناؤه المتجذِّرون في تربته، الموصلون بكلِّ تاريخه، أم الوافدون الغرباء الذين لا يملكون أيَّ تجذُّرٍ في هذه التُّربة، ولا يحملون أيَّ ولاءٍ لهذا الوطن؟
إنَّنا نشدُّ على أيدي الجهات الرَّسميَّة أنْ تُحرِّك هذا الملف بقوَّة، وبكلِّ جدِّيَّة، ليرى الشَّعب كلَّ المعطيات الكبيرة، وكلَّ النَّتائج العاجلة.
وكم هو هذا الوطنُ في حاجةٍ إلى المزيد مِن أسبابِ الاستقرار، وكلَّما تنامت هذه الأسبابُ أصبح الوطن في أحسنِ حالٍ.
وبقدر ما تنتهي الأزماتُ، وبقدرِ ما تنتهي المكدِّرات تتَّجه الأوضاع نحو الأفضل، ونحو الأكمل.
فلتتآزر الإرادات في اتِّجاه التَّقارب والتَّآلف والمحبَّة.
وفي اتِّجاهِ البناء والإعمارِ والإصلاحِ؛ لكي ينعم الوطنُ وأبناءُ الوطنِ بكلِّ أسبابِ الأمنِ والأمانِ، وبكلِّ أسباب الهُدوءِ والاستقرار.
يجب أنْ تنتهي المعوِّقات
يجب أنْ تنتهي الأزمات
يجب أنْ تنتهي المكدِّرات.
والمسألة ليست كلمات، وإنْ كان للكلمات مسؤوليَّتها الكبرى، فالخطر كلّ الخطر حينما تصمت الكلمات، والخطر كلّ الخطر حينما تنافق الكلمات، والخطر كلّ الخطر حينما تضعف الكلمات، والخطر كلّ الخطر حينما تنحرف الكلمات.
مطلوبٌ جدًّا أنْ تتوافق الإرادات.
وبقدر ما تتوافق الإرادات إرادات الأنظمة وإرادات الشُّعوب؛ تكون الأوطان بخير.
هكذا تستقرُّ الأوطان، وهكذا تهنأ الشُّعوب.
ومطلوب أنْ تكون المعالجات جادَّة وصَادقة وكفوءة، وإلَّا تكرَّست الأزمات وتعقَّدت العلاجات، مِمَّا يفاقم الأتعاب، ويراكم الإشكالات والتَّحدِّيات.