آخر الأخبارشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 639: أزماتُ العَصْر غيابُ المُثُلِ والقِيمِ الرُّوحيَّة – بعضُ هُمُومِ الوطنِ (همُّ السَّكن) – الأعياد والآمال الكبيرة – قرارُ تشكيل لجنة لمراجعة الجنسيَّة البحرينيَّة اعتبارًا مِن 2010

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (639) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 13 ذو الحجَّة 1445هـ الموافق: 20 يونيو 2024 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

أتناولُ في هذه الكلمةِ أكثر مِن عنوان:

العنوانُ الأوَّل: أزماتُ العَصْر

يزدحم هذا العصرُ بأزَماتٍ كبيرةٍ؛ أزَماتِ سِياسةٍ، أزَماتِ ثقافةٍ، أزَماتِ اقتصادٍ، أزماتِ إعلامٍ، أزماتِ أمنٍ، أزماتِ أخلاقٍ وقِيم، أزماتِ حروبٍ ومعارك…

وقائمة الأزماتِ مفتوحة.

وهنا سؤالٌ كبيرٌ يُطرح:

مِن أين تبدأ الأزماتُ (أزمات العالم، أزمات الأوطان، أزمات الشُّعوب)؟

هل الأزماتُ نتاجُ سياسةٍ فاسدة؟

هل الأزماتُ نتاجُ ثقافةٍ منحرفة؟

هل الأزماتُ نتاجُ إعلامٍ هابط؟

هل الأزماتُ نتاجُ اقتصادٍ سيِّئ؟

هل الأزماتُ نتاجُ أمنٍ جائر؟

كلُّ هذه العناوين لها دورُها الكبير في صناعة الأزمات بكلِّ مساحاتِها المُدمِّرة.

ولكنَّ العنوان الأخطر هو (غيابُ المُثُلِ والقِيمِ الرُّوحيَّة).

فإذا غابت المُثُلُ والقِيمُ الرُّوحيَّةُ؛ فَسَدَتْ السِّياسةُ، وانحرفتْ الثَّقافةُ، وهَبَط الإعلامُ، وسَاءَ الاقتصادُ، وجَارَ الأمنُ، وطاشت كلُّ مساراتِ الحياة.

وهل كوارثُ الدُّنيا إلَّا نتيجة لهذا الغياب.

وهل طُغيانُ البشر إلَّا نتيجة لهذا الغياب.

وهكذا كلُّ الأزمات…

إنَّ البشريَّة تعيشُ عصرًا مَشْحُونًا بالطُّغيان، مَشْحُونًا بالكوارث، مَشْحُونًا بالمآسي، مَشْحُونًا بالرُّعب، مَشْحُونًا بالدَّمار.

تشكَّلت مؤسَّسات دوليَّة.

عُقدتْ مؤتمرات وملتقيات مِن أجلِ إنهاءِ الكوارث البشريَّة.

مِن أجلِ إنهاء الأزمات المرعبة.

مِن أجلِ إنهاءِ الطُّغيان، الظُّلم، الفساد.

هل انتهت الكوارثُ البشريَّة؟

هل انتهت الأزماتُ المُرعبة؟

هل انتهى الطُّغيان والظُّلم والفساد؟

الجواب بكلِّ تأكيد (لا)

لماذا؟

لأنَّ المساراتِ خطأ.

هناك مسار واحد هو المسار الصَّحيح (العودة إلى منهج الله)، وإلى خطِّ الله.

خطُّ الله الذي مثَّلَهُ الأنبياء، والأولياءُ، والصُّلحاءُ مِن عباد اللهِ.

بدأت المعركة بين خطِّ اللهِ وخطِّ الشَّيطان في مرحلة مبكِّرة.

ولا زالت قائمة…

وسوف تُحسم هذه المعركة في نهاية المطاف لصالحِ خطِّ اللهِ، وسوف تشهد الدُّنيا في يوم ما الانتصار الأعظم لخطِّ الانبياء بظهور المهديِّ مِن آلِ مُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

وهذا لا يعني أنَّ الأرضَ قبل الظُّهور المبارك لن تشهد انتصارات، بل سوف تشهد هذه الانتصارات الممهِّدَة للدَّولة العظمى في آخرِ الزَّمان، دولة الإمام المهديِّ التي بشَّر بها النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

فها هي المعركة الكبرى في فلسطين، وعلى أرضِ غزَّة تمثِّل معركة الإسلام ضدَّ الصَّهاينة الغُزاة، معركة تحمل تاريخ الجهاد المبارك، ومستلهمة مِن كربلاء الحُسين عنوان الصُّمود، وعنوان الشَّهادة.

ومشدودة إلى انتصار الحقِّ على الباطل، وانتصار الإيمان على الضَّلال.

ومهما اشتدَّت ضراوةُ الباطلِ، ومهما تعملق الضَّلال فإنَّ النَّصر في النِّهاية لقُوى الحقِّ والإيمانِ، فلا يأسَ، ولا خوفَ، ولا استسلامَ، ولا خنوع.

قالَ اللهُ تعالى في سورة الأنبياء/ الآية 105:

  • {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.

وقالَ اللهُ تعالى في سورة القصص/ الآية 5:

  • {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.

 

 

العنوانُ الثَّاني: بعضُ هُمُومِ الوطنِ

حيما يُقاربُ الخِطابُ الدِّينيّ، أو الخِطابُ السِّياسيّ، أو أيُّ خطابٍ مُخلصٍ حينما يُقاربَ بعضَ همومِ الوطنِ فهذا أمرٌ مطلوبٌ جدًّا، ولهُ قِيمتُه الكبرى في حماية الوطنِ مِن كلِّ الأزَماتِ.

ليسوا مُخلصِينَ لأوطانِهم أولئك الذين يصمُتونَ حينما تهدِّد الأوطانَ أزماتٌ، أزماتُ اقتصادٍ، أزمات معيشةٍ، أزماتُ سياسةٍ، أزماتُ أَمنٍ، أو أيَّةُ أزمات.

إنَّ مواجهةَ الأزماتِ مسؤوليَّةٌ وطنيَّة، ما دامت المواجهةُ واعيةً، ورشيدةً، وصادقةً.

وإذا غاب الوعي، أو الرُّشد، أو الصِّدق كانت المواجهةُ جزءًا مِن التَّأزيم.

فحينما ندعو إلى مواجهة الأزماتِ نشدِّد على ضرورة امتلاك الكفاءات لكي لا تنفلت المواقف، ولكي لا تنزلق الخيارات.

انطلاقًا مِن هذا التَّأسيس؛ أحاول أنْ أقارب واحدًا مِن هموم أبناء هذا الوطن، وهو (همُّ السَّكن).

نسبة ليست قليلةً مِن أبناءِ هذا الوطنِ هم عاجزون عن امتلاك السَّكن، فلا وظائف توفِّر لهم القُدرة، أو أنَّهم أساسًا عاجزون عن العمل.

وهكذا يبقى هذا الهمُّ مُرهِقًا لهم، وكلَّما زاد عددُ العيال كبُرَ الهمُّ واشتدَّ العناء.

هنا تتشكَّلُ مسؤوليَّةُ الدَّولةِ في الدَّرجة الأولى، فهي مطالبة أنْ توفِّر كلَّ الضَّمانات الاجتماعيَّة، ويأتي على رأس قائمة الضَّمانات توفير الوظائف، وتوفير كلِّ الحاجات الضَّروريَّة للمواطنين وعلى رأس هذه الحاجات الحاجة إلى السَّكن.

ما تقوم به وزارة الإسكان مِن توفير بيوت إسكانِ للمواطنين بإقساط ميسَّرة أمر يستحقُّ الشُّكر والتَّقدير إلَّا أنَّ هناك بعضُ ملاحظات جديرة بالمراجعة.

الملاحظة الأولى:

يتمنَّى المواطنون أنْ لا تطول مدَّة الانتظار؛ لكي لا تستمر المعاناة.

 

الملاحظة الثَّانية:

يتمنَّى المواطنون أنْ يُستَمع إلى ملاحظاتهم حول هذه البيوت.

 

الملاحظة الثَّالثة:

مطلوبٌ أنْ تكون هناك رِعايةٌ خاصَّة للمواطنين العاجزين أساسًا عن دفع الأقساط لكي لا يبقوا محرومين مِن السَّكن.

 

العنوانُ الأخير: الأعياد والآمال الكبيرة

وتأتي الأعيادُ تحملُ آمالًا كبارًا، رُبَّما يتحقَّقُ بعضٌ مِنها، ورُبَّما تموتُ كلُّ الآمالِ، فقِيمةُ الأعيادِ حينما تتجدَّد الأفراحُ وحينما تصمت الأحزان، أمَّا إذا كان العكس فلا حضور للأعياد، فأوطان مملوءة بالمكدِّرات تموت فيها الأفراح، فبيد الأنظمة أنْ تنتج أعيادًا كبيرة، وبيدها أنْ تكدِّر الأعياد، أشير هنا إلى نموذجين في هذا الوطن العزيز:

النَّموذجُ الأوَّل: فرحةُ الشَّعب في عيد الفطر المبارك

كم كانت فرحةُ هذا الشَّعب كبيرة جدًّا في عيد الفطر المبارك، ملأت كلَّ المُدنِ والقرى حينما تعانقت الأُسُر مع أحبَّةٍ لهم بعد غيابٍ طويل.

وكانت القلوب تتطلَّع إلى هذه الفرحة في هذا العيد أيضًا، وبحجم ما حدث في عيد الفطر ولا زال الأملُ حيًّا، وإرادة إنتاج الفرح موجودة.

النَّموذجُ الثَّاني: قرارُ تشكيل لجنة لمراجعة الجنسيَّة البحرينيَّة اعتبارًا مِن 2010

تزامن مع العيد قرارٌ رحَّبَ به أبناء هذا الشَّعب وهو قرار بتشكيل لجنة لمراجعة جميع حالات الجنسيَّة البحرينيَّة اعتبارًا مِن 2010.

إنَّها خطوة يرحِّب بها كلُّ أبناء هذه الشَّعب الغيارى على مصالح هذا الوطن، وفي الاتِّجاه الصَّحيح للحفاظ على هُويَّة هذا الشَّعب، فوجود هذا الزَّحف الكبير للمجنَّسين أحدث خللًا كبيرًا في التَّركيبة السُّكانيَّة والثَّقافيَّة، وأوجد ضغطًا ثقيلًا على الدَّولةِ وميزانيَّتها.

وزاحم أبناء هذا الوطن في موارد العيش المحدودة.

ويبقى سؤالٌ لماذا لا تمتد الإجراءات إلى ما قبل 2010؟

وعلى كلِّ حال إنَّنا نتطلَّع إلى إجراءاتٍ جادَّةٍ؛ فهُويَّة هذا الوطن تشكِّل عنوانًا كبيرًا لا يجوز أنْ يُفرَّط فيه، ومسألة الهُويَّة الوطنيَّة في غاية الأهميَّة والخطورة.

لسنا دُعاةَ تعصّب، وإنَّما هو الحفاظ على الأصالة.

فممازجاتٌ غير متجانسة لها تأثيراتُها المدمِّرة على النَّسيج الوطنيِّ والاجتماعيِّ والثَّقافيِّ، والأخلاقيِّ، والسَّياسيِّ والأمنيِّ.

يتمنَّى شعبُنا الوفي لوطنِهِ وأرضِهِ وقِيمِهِ أنْ يكون هذا الاتِّجاه جادًّا وحاسمًا، وبقدر ما يجد هذا القرار مساراتِه الجادَّة والعمليَّة سوف تنفتح آفاقٌ كبيرة المعالجة أزمات البطالة حيث تكدَّست القُدراتُ العاطلة مِن أبناء هذا الوطن حينما زحف على مواقعِ العملِ وافِدُون ومجنَّسُون.

إذًا هذا القرار في إعادةِ المراجعة لملفَّات التَّجنيس قرارٌ صائب وموفَّق؛ إذا تحرَّك بطريقةٍ جادَّةٍ وصائبةٍ وجريئةٍ، وهذا ما نأمله ونتمنَّاه، وإنَّا نَشُدُّ على أيدي الجهاتِ المعنيَّة أنْ تعجِّل بمعالجةِ هذا الملفِ ببصيرةٍ ورويَّةٍ وعزيمةٍ صادقةٍ، وكم هي الحاجة كبيرة إلى معالجة كلِّ الملفَّاتِ التي هي في حاجةٍ إلى المعالجةِ.

هكذا تتقاربُ الخيارات الصَّالحة في صناعة كلِّ الواقع الصَّالح في هذا الوطن، وما لم تتقارب هذه الخيارات سوف تبقى الأزمات ممَّا يضرُّ بالوطنِ وبأبناءِ الوطن.

سدَّد اللهُ الخطى في طريق الصَّلاح والإصلاح.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Show More

Related Articles

Back to top button