حديث الجمعة 638: كيف نتعبَّأ رُوحيًّا؟ – الحدثُ الكبيرُ المفجعُ الذي أصابَ إيران – مجزرة رفح
حديث الجمعة 638 | التاريخ 30 مايو 2024م - الموافق 21 ذي القعدة الحرام 1445هـ | مسجد الإمام الصادق(ع) بالقفول - البحرين
أتناول في هذا اللِّقاء مجموعة عناوين:
العِنوانُ الأوَّل: كيف نتعبَّأ رُوحيًّا؟
للتَّعبئةِ الرُّوحيَّةِ محطَّات:
مطلوبٌ أنْ نتعرَّف على هذه المحطَّات، وإلَّا لم نتوفَّر على وسائل التَّعبئة الرَّوحيَّة.
تصوَّرُوا سائق سيَّارة لا يعرف محطَّات التَّعبئة فكيف يتوفَّر على تعبئة سيارته؟
سوف تتعطَّل هذه السَّيَّارة.
كذلك مَنْ لا يعرف محطَّات التَّعبئة الرُّوحيَّة، سوف يبقى فارغًا روحيًّا.
ولا خطرَ أكبر مِن خطر الفراغ الرُّوحيّ.
– تموت العبادة
وبموتِ العبادة تنتهي علاقة العبدُ بخالقه، وانتهاء هذه العلاقة هو الخسران المبين.
– وتنحرف الحياة
وبانحراف الحياة يخسر الإنسان الدُّنيا والآخرة.
وبناء الرُّوح ليس ترفًا، وإنَّما هو قِيمة كبرى تحدِّد كلَّ المسارات الثَّقافيَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة والاجتماعيَّة والسِّياسيَّة، وبقيَّة المسارات.
إذًا مطلوبٌ جدًّا التَّعرُّفُ على المحطَّات الرُّوحيَّة.
ومطلوبٌ جدًا التَّعرُّفُ على وسائل الاستفادة مِن هذه المحطَّات.
التَّعرُّفُ على المحطَّاتِ الرُّوحيَّةِ لا يكفي إذا لم يتوفَّر الإنسان على الأساليب الصَّحيحة للاستفادة مِن هذه المحطَّات.
تصوَّرُوا مريضًا لم يتعرَّف على الدَّواء مِن خلالِ طبيبٍ معتمد.
وتصوَّرُوا مريضًا لم يتعرَّف على طريقة استعمال الدَّواء.
هنا سوف يبقى الدَّاء.
كذلك الأمراضُ الرُّوحيَّة، وهي أشدُّ خطرًا، وأشدُّ فتكًا مِن الأمراض الجسَديَّة.
هنا يجب أنْ نتعرَّف بدقَّة على هذه الأمراض الرُّوحيَّة.
وهنا يجب أنْ نتعرَّف بدقَّة على وسائل العلاج لهذه الأمراض الرُّوحيَّة.
هل يكفي ذلك؟
تعرَّفنا على الأمراض الرُّوحيَّة.
وتعرَّفنا على وسائل العلاج.
بقي شرطٌ ثالثٌ أساس وهو (التَّوظيف الصَّحيح لوسائل العلاج)
كما هي الأمراض البَدنيَّة:
لا يكفي تشخيص الأمراض.
ولا يكفي وصف العلاج.
بل لا بدَّ مِن ممارسة العلاج ممارسة صحيحة.
قلنا هناك محطَّات للشَّحن الرُّوحيّ مطلوبٌ التَّعرُّف عليها.
ومطلوبٌ التَّعرُّف على طريقة الاستفادة منها.
تُصَّنفُ المحطَّات الرُّوحيَّةُ إلى:
(1) مَحطَّات يوميَّة
(2) مَحطَّات أسبوعيَّة
(3) محطَّات شهريَّة
(4) محطَّات سنويَّة
يأتي الكلام – إنْ شاء الله تعالى – حول هذه المحطَّات.
العِنوانُ الثَّاني:
الحدثُ الكبيرُ المفجعُ الذي أصابَ إيران الوطن الإسلاميّ قد هزَّ ضمير العالم الإسلاميِّ، بل هزَّ كلَّ ضميرٍ حيٍّ في العالم، ولا يعنينا تلك الضَّمائر المتكلِّسة التي لم يتحرَّك في داخلها أيُّ نبضٍ.
ما أجملَ أنْ تتوحَّدَ مشاعر أُمَّتنا في الأفراحِ والأتراحِ، هذا التَّوحُّدُ لَه معطياتٌ كُبرى على كلِّ المستوياتِ العقيديَّةِ والفكريَّةِ والرُّوحيَّةِ والاجتماعيَّة والسِّياسيَّةِ والأمنيَّةِ.
ما أحوجَ أُمَّتَنا في هذا الزَّمنِ المملوءِ بالعداء لأُمَّتِنا، لإسلامِنا، لقِيمِنا، لوحدتِنا، لتقاربِنا أنْ يقوى هذا التَّقاربُ، والتَّآلفُ، والتَّماسكُ، وهذا ما يُعطي هذه الأُمَّةَ قُوَّةً، وعُنفوانًا، وحُضورًا كبيرًا على كلِّ المستوياتِ.
أعداءُ أُمَّتِنا، وأعداءُ إسلامِنا يريدون لنا أنْ نتمزَّق، أنْ نتشتَّت، أنْ نتحاربَ، لنضعف، لنخسر كلَّ حُضورِنا الفاعل في هذا العصر المملوءِ بالتَّحدِّيات.
الفجائع التي تُصيبُ أوطاننَا الإسلاميَّة تنتج معادلاتٍ جديدةً في العلاقاتِ، فهل تستطيع دولُنا الإسلاميَّة أنْ تستفيدَ مِن هذه المعادلاتِ في صناعة منتجات جديدةٍ في العلاقات؟
لا شكَّ أنَّ القُوى المعاديةَ لأُمَّتِنا سوف تتحرَّكُ بكلِّ وسائِلها لتُجهض كلَّ المعطيات التي تنتجها أزماتُ أُمَّتِنا وأزماتُ أوطانِنا، هذه الأزمات التي تحرِّك لدى شعوبنا كلَّ مشاعِر التَّقاربِ والتَّآلفِ والتَّوحُّدِ.
إنَّ التَّصدِّي لمشاريعِ الإحباطِ والإجهاضِ والإرباك والتَّمزيق هي مسؤوليَّة أنظمةٍ وكياناتٍ حاكمةٍ، وهي التي تهندسُ للعلاقاتِ، وهي التي تهندسُ للمسَاراتِ في كلِّ امتداداتِها الدِّينيَّة، والسِّياسيَّةِ، والأمنيَّة، والاقتصاديَّة، وبقيَّة الامتدادات.
وبقدر ما تكون هذه الهندسة بصيرة وصادقةٍ، تكون المعطياتُ طيِّبةً ومباركة وناجحةً.
ويبقى دورُ الشُّعوب ليس دورًا هامشيًّا، فإنَّ على الشُّعوب أنْ تتعاطى مع الأحداث الكبرى بكلِّ وعيٍ، وبكلِّ صدقٍ، وبكلّ فاعليَّةٍ.
فمواقفُ الشُّعوبِ لها كلُّ التَّأثير في إنجاحِ المواقف وفي إفشالها.
وكلَّما نشطت مشاعر الأُمَّة ومشاعر الجماهير في امتداداتها الصَّالحةِ تكونُ المعطيات كبيرة، وتكون المنتجات طيِّبة.
فالشُّعوبُ بمواقفِها الموحَّدةِ، وبمواقفها الرَّشيدة، وبمواقفِها الصَّادقةِ، وبمواقفِها المخلِصةِ، تساهم مساهماتٍ عظمى في خدمة الأوطانِ.
ولذلك يراهنُ أعداءُ أُمَّتنا، وأعداءُ أوطانِنا، وأعداءُ دينِنا على تمزيق شعوبنا، وعلى صراعاتِ وخلافاتِ هذه الشُّعوب.
هنا يأتي دورُ الخطابِ الأمينِ على مصالحِ أُمَّتِنا، وشعوبِنا، وأوطانِنا، خطابُ الدِّينِ، وخطابُ الثَّقافةِ، وخطابُ السِّياسةِ، وخطابُ الإعلامِ.
فكلَّما كان الخطابُ رشيدًا وبصيرًا.
وكلَّما كانَ هذا الخطابُ صادقًا وأمينًا.
وكلَّما كانَ هذا الخطابُ واثقًا وقويًّا.
وكلَّما كانَ هذا الخطابُ مُوحَّدًا ومتقاربًا.
وكلَّما كانَ هذا الخطابُ حاضرًا وفاعلًا.
استطاع أنْ يمارسَ أدوارًا فاعلةً في بناءِ الأوطان، وصناعةِ الشُّعوب، وحماية المكتسباتِ الكبيرة، والأهدافِ الطَّيِّبةِ، والمساراتِ السَّليمة.
العُنْوانُ الأَخير:
لازال الصَّهاينةُ يقتلونَ ويفتكون ويُدمِّرُون ما شاء لهم القتل والفتك والتَّدمير، فها هي مجزرة رفح بكلِّ ما خلَّفتهُ مِن الشُّهداء والجرحى، كِبارًا وشبَّانًا، ونساءً وأطفالًا، على مسمع ومرأى مِن كلِّ العالم، بل وبدعم مِن قوى كبرى.
ورغم كلِّ هذا العُنف المُدمِّر، وهذا البطش المرعب فإنَّ المجاهدين مِن أبناءِ غزَّة وأبناءِ فلسطين يعيشون قمَّة الصُّمودِ، وقمَّةَ التَّحدِّي فالنَّصرُ نصرُهم، والعِزَّةُ عزَّتُهم، والإرادةُ إرادتُهم لأنَّ الله معهم: {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. (سورة المجادلة/21)
رُبَّما يملك الصَّهاينة كلَّ الدَّعم مِن قوى كبرى، وكلَّ التَّأييد مِن دولٍ عظمى إلَّا أنَّهم يحملون في داخلِهم روح الهزيمة، وروح الانكسار، وروح الذِّلَّة، وروح العار، وروح اليأس.
رُبَّما يراهن الصَّهاينة على تعب المجاهدين، على انكسارهم، على هزيمتهم، على ضعفهم، على يأسهم.
إلَّا أنَّ هذا الرِّهانَ فاشل، مهما حاول صُنَّاع الهزيمة أنْ يُعطوه قوَّةً وزخمًا وحضورًا.
إنَّ عزيمة المجاهدين الصَّامدين أسقطت كلَّ الرِّهاناتِ الزَّائفةِ، وكلَّ الرِّهاناتِ المُخذِّلة، مهما كانت مواقعُها، ومهما كانت إمكاناتُها.
إنَّ مسؤوليَّة أُمَّتِنا العربيَّة، وأُمَّتِنا الإسلاميَّة هي أنْ تشدَّ بقوةٍ على عزيمةِ المجاهدين، وعلى ثباتِهم، وتضحياتهم.
فأُمَّتِنا العربيَّة والإسلاميَّة بمواقعها الدِّينيَّة والسِّياسيَّة، والثَّقافيَّة، والإعلاميَّة، والاقتصاديَّة تتحمَّل كلَّ المسؤوليَّة في دعم ومساندة جهادِ الأبطالِ في غَزَّة، وفي التَّخفيف مِن معاناةِ أهلنا هناك، فالدَّمار امتد إلى كلِّ المواقع، إلى المنازلِ، والملاجئ، والمساجد، والمعابد، والمدارس، والمستشفيات، بل طال الدَّمار كلَّ شبر هناك.
فمأساة أهلنا في غَزَّة تستصرخ كلَّ الضَّمائر، ضمائِر أنظمتِنا الحاكمة، وضمائر كلِّ القوى النَّاشطة، وضمائر الجماهير المنتمية إلى هذه الأُمَّة، وكلَّ الضَّمائر النَّبيلة في العالم.
إنَّ الصَّهاينة لهم أطماعُهم الكبرى في السَّيطرة على كلِّ شبرٍ في أرض فلسطين، بل لهم أطماعهم الأوسع التي تمتدُّ لأكبر مِن فلسطين، فهم يخطِّطون دائمًا لتحقيق هذه الأطماع.
فالحذر الحذر، ولتتوحَّد قوى أُمَّتنا وقوى شعوبنا لإسقاط هذا المشروع الخطير جدًّا، والمرعب جدًّا.
فبقدر ما تتماسك وتتوحَّد هذه القُوى؛ نكون قادرين على أنْ نسقط المشروع الصُّهيوني بكلِّ أهدافِهِ المرعبة.
أمَّا إذا تمزَّقنا، واختلفنا، وتصارعنا فإنَّنا نوفِّر كلَّ المناخات لكي تحقِّق إسرائيل أطماعها الكبرى، ومشاريعها التَّوسعيَّة.
إنَّهم يزعمون أنَّ (تلمودَهُمْ) وعدهم بهذه الدَّولة الكبرى، إنَّه التُّلمُود الذي صاغته أقلام التَّزوير، وأنتجته عقولُ الهَيمنة، وروَّجت لهُ خطابات التَّضليل.
إنَّ موروثنا الرِّوائيّ الصَّحيح يؤكِّد لنا أنَّ النَّصر لإسلامنا، لأُمَّتنا، وأنَّ الهزيمة الكبرى سوف تحلُّ باليهود، وسوف تتحرَّر فلسطين والقدس مِن أيدي الصَّهاينة بمشيئة الله وقدرته.
ورُبَّما يكون لنا حديثٌ مستقل حول هذا الموضوع.
وآخرُ دعوانا أن الحمد للهِ ربِّ العالمين.